السبت، 19 أبريل 2014

الفصل (ب3) – صالح بن فوزان الفوزان - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (ب3) صالح بن فوزان الفوزان
بقلم: عزالدين كزابر
فضيلة الشيخ صالح الفوزان
عودة إلى فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
سُئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان[1]في تسجيل صوتي: [إذا كان البيت المعمور مقابلٌ تماماً للبيت الحرام في الأرض،  فهل يكون كذلك عند دوران الكرة الأرضية حول نفسها؟]
فجاءت إجابته كالآتي: [دوران الأرض (الكرة الأرضية) ... هذا من عندك. من قال أنها تدور؟! .. هل نزل في القرآن؟! .. هل جاء في السنة الصحيحة أنها تدور؟! .. هذا من قول الجغرافيين .. ولا يُعتمد على قولهم.]
نقول:
هذا الكلام في غاية الخطورة، ويعكس منهج ممنهج ... رأيناه من قبل عند الشيخ بن باز رحمه الله تعالى، ورأيناه عند أبي عبد المعز، ونراه هنا الآن عند الشيخ صالح الفوزان، ونتوقع أن نراه عند كل أعضاء المدرسة السلفية ... ونقصد بذلك أن ما يمكن العلم به، حقاً كان أو باطلاً، لن يخرج عن أن يكون محض (قول) لقائل. سواء صدق هذا القائل أو لم يصدق!!! ...
فدوران الأرض .. [ليس إلا قول الجغرافيين، وهؤلاء لا يُعتمد على قولهم] ... كما قال الشيخ الفوزان أعلى.
ورأينا أبو عبد المعز يقول: [العلوم العصرية من الكلام البشري].
ورأينا الشيخ بن باز يقول: [لا يجوز أن يُصدّق علماء الفلك في كل ما يقولون].
ولا تخطئ العين وحده المنهج، وهو أن العلم ليس إلا ( نقل ). فإن لم يكن نقل عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو نقل عن الناس! ... وكيف يؤخذ علم من الناس ويوثق به؟! .. ومن أين أتوا به حتى يكون محل ثقة؟! ... هل من الله تعالى ورسوله؟! ... بالطبع لا .. إذاً ... فهو ليس محل ثقة إلا إذا وافق ما نعلمه مما قاله الله تعالى ورسوله!! وعلى النحو الذي علمه السلف دون سواه، .. سواء في شأن الخالق جل وعلا، أو في شأن المخلوق... وسواء كان محكماً أو متشابها، ..  
(حظيت هذه العبارة المظللة بنقدٍ ورد، .. أنظر الملحق)
إن مصدرية الدليل العلمي – فيما وراء النقل - غير واردة على الإطلاق. وإن وردت، فهي لا تخرج عن الحواس المباشرة، كما رأينا من قبل عند الشيخ بن باز في قوله [القول بدوران الأرض حول الشمس ... يُفضي إلى تشكيك العقلاء في حواسهم، والاستفادة منها، ويفضي إلى إنكار الضروريات بأدنى شبه]، وعند أبي عبد المعز، عندما قال: [العلم الطبيعي في نظرياته العصرية خارج عن مجالنا التداولي]. ... ويبدو لنا أن هذا المنهج النقلي الـمُستَنكِر لأي أدلة وراء (النقل) هو أكبر إشكاليات المنهج السلفي المعاصر. ويبدو لنا أيضاً أن ذلك كان من آثار الحرب الفكرية القديمة في التاريخ الإسلامي بين النقل والعقل، والتي دارت رحاها بين أهل الحديث والمعتزلة.
**********
يقول الشيخ الفوزان[2]: "لا نفسر القرآن من عند أنفسنا، فالقرآن لا يفسر إلا بما جاء في كتاب الله أو ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما قاله الصحابة أو ما قاله التابعون، أو ما اقتضته اللغة العربية التي نزل بها. فلا نقول فيه بعقولنا القاصرة، إنما يفسره الله سبحانه الذي نزَّله، أو النبي عليه الصلاة والسلام الذي وُكل إليه بيانه، أو الصحابة الذين تتلمذوا على المصطفى عليه الصلاة والسلام، أو التابعون الذين رووا عن تلاميذ النبي صلى الله عليه وسلم، أو اللغة التي نزل بها؛ لأنه نزل بلسان عربي مبين. أما تفسيره بما يقوله الطبيب الفلاني أو المفكر الفلاني أو الفلكي الفلاني، فالنظريات تختلف، فاليوم نظرية وغداً نظرية تبطلها؛ لأنها من عمل البشر، فلا يُفسَّر كلام الله بهذه الأشياء التي تتبدل وتتغير كما يفعله الجهال اليوم ويقولون: هذا من الإعجاز العلمي."
لا تحتاج هذه العبارة من الشيخ صالح الفوزان، لأي شرح، ... فهي في غاية البيان، ... ورأيه فيها واضح شديد الوضوح. فالتفسير المقبول عنده هو التفسير بالمأثور وبلا استثناء. والإعجاز العلمي، وما على منواله، من تفسير علمي، وأسلمة علوم، وأي مقابلة بين القرآن والمكتشفات الحديثة، والمعارف الغامرة التي تفيض من حولنا، كل هذا لا علاقة له بالقرآن، وأي محاولة لربطه به يعد من قبيل الجهل. هكذا تفضي كلمته.
والآن، نتساءل: - ما معنى قول الله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (أي القرآن) الْحَقُّ"(فصلت:53)؟
نقول أنه معلوم أن الآفاق تعني ما يستجد من مستقبل الأحداث، وما يرد على الإنسان فيها من معارف. والجمع (آفاق) يعني عدد من الآفاق، أي أفق وراءه أفق، بعضها وراء بعض. ومن الواضح أن الأفق هنا زماني وليس مكاني، بمعنى أن لفظ الأفق قد استُعير من المكان إلى الزمان، مثلما استُعير لفظ (المواقيت) في الحج من الزمان، لأنه مشتق من الوقت، إلى المكان، وقيل على المواضع المكانية التي لا يجوز لمن نوى الحج أو العمرة أن يتجاوزها قاصداً الحرم إلاّ وهو مُحرم، قيل هي "المواقيت المكانية". ثم إن ارتباط تلك المعارف في الآفاق بإظهار أن القرآن حق، يستلزم مواجهةٍ ما، بين القرآن وما سيعلمه الإنسان في ذلك المستقبل. ولم يستبعد ابن كثير في تفسيره – وهو من التفسير بالمأثور الذي يقتفي أثره الشيخ الفوزان- أن تكون تلك المعارف [ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى.]
فالآية تربط بين مستقبل المعارف، وأنها في آفاق متتابعة من هذا المستقبل، وحتى لو كان بعضها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه سيكون هناك غيرها في آفاق تالية متباعدة عنها زمناَ، وأن هذه المعارف والأخبار مرتبطة بالقرآن، وتدل على أنه الحق.
ثم لننظر، على سبيل المثال، ما الذي كان الصحابة رضوان الله عليهم والسلف يفهمونه من لفظ "تجري" في قول الله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"(يس:38). نقول أن مراجعة كل التفاسير بالمأثور لا تخرج في القول عن جريان الشمس على حركتها الظاهرية من المشرق إلى المغرب، مرة كل يوم، وما يتبع ذلك، من تفسير للمستقر، إما بما بعد غروبها، من أقوال، أو بما هو أقصى مواضع الشمس في الصيف أو في الشتاء. فالجريان يفهم على أنه تلك الحركة الظاهرية. ولكن!
ولكن هذه الحركة ليست جرياناً، بل هي توهُّم حركة، والحاصل أن الأرض هي التي تدور حول نفسها مرة كل يوم وليلة، فتبدو الشمس وكأنها تنتقل، وما هي بمنتقلة على الحقيقة في ما يراه الإنسان، ولكن هذا لا يعني أنها لا تجري من وجه آخر، بل هي تجري حقيقةً في فلك لها حول مركز المجرة، فجريانها حق، ولكنه ليس الذي ظنه الناس في القديم.
والنتيجة أن ما فهمه السلف رضوان الله عليهم لم يكن وافياً بعين الجريان. إذ لا يمكن أن يجلس إنسان في أرجوحة دوارة، فيرى العالم يدور من حوله، ثم يصف العالـَم بأنه هو الذي يدور وأن أجرامه تجري بموجب هذا الدوران الظاهري. فإذا قال الله تعالى أن الشمس تجري، ظن الناظر أن جريانها هو ما توهمه هو في دورانه حول نفسه! والحاصل أن هذا الإنسان قد غفل عن أن الوصف بالجريان يلزمه انتقالٌ عمليٌ للجاري من موضعه إلى مواضع متتابعة على مسارٍ له.
وهذا التفسير ليس من عند أنفسنا، أي ليس تفسيراً بالرأي، بل بمعاينة الواقع المحيط بالأرض بالأدلة العملية التي تجاوزت مرحلة التحقيق. ويمكن إقامة الأدلة الوافية عليها لمن أراد، ويتعلمها الآن طلاب المسلمين بالجامعات والمعاهد التعليمية في كل البلاد دون استثناء. ولو كانت هذه الأدلة خاطئة، فعلى الشيخ، ومن يرى رأيه، أن يدحضا ويُفند حجتها، ويعيد المسلمين إلى الحق – الذي يدعو إليه - في هذه المسألة، بالبراهين القاطعة. فإن بدى أن القول الراجح ما يتأيد بالأدلة مع جريان الشمس جرياً حقيقياً، وليس الحركة المتوهمة من شروق الشمس إلى غروبها، فعلى الشيخ أن يُقر أن العلوم الحديثة يمكن أن تصحح بعض الأفهام في التفسيرات بالمأثور، التي لم تكن مقطوع بها في نفسها، أو مكتفٍ بها، فضلا عن أن تكون راجحة، ذلك قبل العلم بالدليل الجديد. وعليه أن يقر أيضاً أن المعارف الجديدة من خارج التفسير المأثور، تؤثر بالفعل في إعادة فهمنا لآيات القرآن ذات العلاقة بالأدلة الراجحة، كلٌ بحسبه.
ثم أن اتهام المتعاملين في تفسير الآيات ذات العلاقة بالظواهر الكونية، بأنهم جهلاء، دون الوقوف على قوة الأدلة التي يصطحبونها، يُعد سبَّاً لهم. وهو أمر يؤاخذ عليه صاحبه. فضلاً عن إهماله الأدلة الكونية، وأقل ما يجب في شأنها أن يُسأل عنها أهل الذكر من العالِمين بها.
**********
يقول الشيخ الفوزان عن التنبؤ العلمي الفلكي الحسابي الذي يقرر بأن الهلال قد يستحيل رؤيته في أماكن بعينها على الأرض[3]: [هذا من الحكم على المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله].
نقول: التنبؤ بموعد الاقتران (اصطفاف الأرض والقمر والشمس على خط واحد) يتبع قانون حسابي رتيب تسري عليه سنن الميكانيكا الفلكية، وبلا اختلاف في حدود المطلوب من دقة، وبما يكفي للعلم الجازم بوقوعه. ويعد الطعن في حسابات الاقتران، وما يتبعه من لوزام إمكانية رؤية الهلال أو استحالتها، طعن في مبدأ الحساب ذاته، لأن نظامية الحساب قانونية، والسنن التي يصفها، محققة بالتجريب والتعيين المؤكد، كما قال تعالى "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ"(الرحمن:5)، ولا دخل للبشر في اختلاقها، وإنما في اكتشافها جزئياً أو كلياً، حسبما يشاء الله تعالى لهم، كما قال سبحانه "وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ"(البقرة:255). وهذا المبدأ هو الأصل الذي يتم على أساسه حسابات عديدة، منها البناء التكنولوجي للصناعات الحديثة ومسارات الطائرات، وتوجيه القذائف الحربية والصواريخ ... إلى آخر حسابيات العلوم الحديثة اليقينية أو الراجحة الآليات، والمستدل على صدقها بالتحقيق.
وتُعد فتوى الشيخ الفوزان سحب للثقة من هذا اليقين أو الرجحان الحسابي بلا دليل، أو إنكارها! ولكن إنكارها إنكار لكل الحساب وقدرة الإنسان عليه، ومنه حساب المواقيت واتجاه القبلة والمواريث (حساب الفرائض). فالمخطئ في حساب استحالة رؤية الهلال في موقع على الأرض من أهل الاختصاص مخطئ أيضا في هذه الحسابات الشرعية (مواقيت/قبلة/مواريث)[4] بحكم بشريته. ويُعد حَجْر الحساب – لاحتمال الخطأ - ممتنع لأن الثاني واجب بأمر من الله، فكذلك الأول، لأن مهارة آليات الحساب واحدة عند أهل الحساب المختصين بهذا الأمر!- وعلى ذلك فالفتوى غير صحيحة، ولها من التداعيات ما ينذر بكارثة معرفية ما لم يتداركها الشيخ وتلاميذه وأتباعه وأنصاره فيها. هذا رغم أننا لا نقدم الحساب الفلكي على رؤية الهلال، لكننا نقرر أن حساب "استحالة رؤية الهلال" يقيني، والزعم بخلافه وقبول شهادة بالرؤية الممتنعة بالحساب يُعد من "تكذيب الدليل الدامغ" ويجب أن يؤآخذ فاعله لعدم المساس السلبي بشعائر الإسلام، كما أننا نقرر أن تعيين مواقع الرؤية بالحساب الفلكي بحسب احتمالات الرؤية أمر واجب الأخذ به. وقد وفَّينا القول في هذه المسألة في "مسألة رجحان المقال في مسألةالهلال" وما تبعها من حوارات.
لكل ما سبق، ولأسباب أخرى عديدة، نرى أن علاقة القرآن والإسلام بالعلم الحديث وآلياته يجب أن تؤخذ مأخذاً جِديّاً، وأن تعالج الأدلة بقوتها في نفسها، وباستقلال عن القائلين بها. وذلك لأن أدلة العلم الحديث مُطَّردة، وتستقل بالقوة في نفسها، لا في مصداقية صادق، أو تلفيق عابث. وأهم ما يميز التجريبيات فيها، أنها متحققة لمن شاء أن يختبرها، باستقلال عن المكان والزمان، وبالبنية الرصينة لحساباتها الصادقة التي لا يمكن الطعن فيها، أللهم إلا فيما هو في إطار التنظير والبحث والاستقصاء، ولم يستقر أمره بعد. ومقام هذا الأخير من الأول، مقام المتشابهات من المحكمات في القرآن. فما كان محكماً في العلم الحديث، فهو واجب الأخذ به. ومن تركه – والحاجة إليه ماسة – فهو مخطئ، ومؤاخذ على إهدار نعمة من الله؛ لم يعد يستغني عنها الناس.
وأخيراً نقول: ... أي نعمة تلك التي تفوق نعمة العلم حتى نهدرها وكأنها من الترف الفكري؟!
هذا والله تعالى أعلم.

المؤلف 


[1] صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان (1935-)، عضو في هيئة كبار العلماء, وعضو في المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي, وعضو في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
http://ar.wikipedia.org/wiki/ صالح_الفوزان
[2] " التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية"، صالح فوزان الفوزان، "موسوعة البحوث والمقالات العلمية، (المكتبة الشاملة).
[3] "الحساب الفلكي عمل بشري يخطى ويصيب والعمل بالرؤية نص نبوي
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/14052

[4] يقول توبي هاف: [عداء علماء الدين (يقصد: المسلمين، لما نقلوه من غيرهم) لم يشمل فروع علوم الأول „ كلها بالدرجة نفسها، ولا سيما فيما يتعلق بالحساب والهندسة والفلك. وسبب ذلك أن هذه العلوم أصبحت مفيدة للدين. فالحساب تبين أنه لا غنى عنه لقسمة المواريث وكان الفرَضي (أي: العالم بحساب الفرائض)، المتخصص بالمواريث، فقيها ضليعا بالحساب. كذلك كان من الضروري لكل مسلم مؤمن أن يعرف مواقيت الصلاة واتجاه القبلة. ولم يكن بالإمكان تحديد مواقيت الصلاة واتجاه القبلة بدقة إلا من خلال علوم الرياضيات والهندسة (المثلثات فيما بعد) والفلك. ولذلك تقدمت هذه العلوم على أيدي أناس شديدي الالتزام بالدين. وقد أصبحت هذه العلوم الدقيقة، كما في حالة المُؤقِّت، جزءاً من الأدوار الدينية الرسمية.] (فجر العلم الحديث، عالم المعرفة، العدد 219، ص87)




***************************************************************************
مُـلــــحق
***************************************************************************