الأحد، 28 فبراير 2016

الفصل (ط2) - سعيد ناشيد- كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
المدرسة الرعناء
الفصل (ط2): سعيد ناشيد

   بقلم: عزالدين كزابر
بسم الله الرحمن الرحيم
من أراد أن يرى رأي العين، ويسمع ملء الأذن، مثالاً ممن قال الله تعالى في وصفه "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ، ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ..."(الحج:8-9).
فليقرأ هذه الدراسة:
يقول (سعيد ناشيد)[1]:[كيفما كان المعنى الذي نمنحه لله (الحياة، الطبيعة، الوجود، التاريخ...)، فإن القرآن كلام مخلوق كما يرى المعتزلة. وليس في ذلك ما قد يدل على أن كلام الله صالح لكل زمان ومكان، بل العكس تماما؛ لكل مخلوق عمر محدود، وكون الله هو أصل المخلوقات لا يعني ذلك أن المخلوقات أبدية. فكلام الله إذن ( يقصد القرآن، وسيصرح مراراً وتكرارا بأنه لا يؤمن بأنه كلام الله على الحقيقة، بل يقول أنه كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بزعمه، ويستكمل:) - فكلام الله إذن وأسوة بكافة المخلوقات محكوم بمبدأ الحياة والموت، وهو المبدأ الذي نصطلح عليه عادة باسم الصيرورة].
نقول: كيف يتلفظ صاحب هذا الكلام عن الله (عزَّ وجل) بما قال، ومن هذا الذي يجرؤ على أن يتكلم عن الله بغير إذنٍ ولا سلطانٍ من الله، وعلى نقيضٍ مما أنزل الله من نور وهدى، إلا ويفضحه القرآن فيصفه لنا فنعرفه ونحذره؟! .. ثم يزيد في إفكه فيزعم أن يرى من نفسه مانحاً الله معنى ما (سبحانه وتعالى عن ذلك)، سواء كان هذا المعنى هو الحياة، أو الطبيعة، أو الوجود، أو التاريخ؟! ... وكيف يقول أن الله هو أصل المخلوقات! – هل يعود لنظرية الفيض، أم وحدة الوجود ..أم .. أم ..؟!- ... ونسأله: من أين جئت بهذا الإفك المبين؟
ثم كيف يُصرح  صاحب هذا الكلام- مراراً وتكرارا كما سنرى – بأن ما بين دفتي المصحف ليس إلا كلام النبي تأليفاً من خواطره ولفظه، وأن الوحي ليس إلا معاني روحية تشرَّبها؟ ..نقول: كيف لشخص يتوهم أنه ما زال من المسلمين! ثم يدعي أن القرآن مات عن أي فائدة للحياة بعد زمن النبي وعصر النبوة، كما تموت المخلوقات؟! ... كيف لأي عابث من عابثي الحداثيين الذي ينتمي إليهم صاحب الكلام أعلاه – هكذا - أن يؤلف للمسلمين دينا – يدعوهم إليه - ما أنزل الله تعالى به من سلطان! .. كيف يظل مُسلماً – ويقول أنا مسلم ملء جوارحي[2]- من سعى إلى استخراج - ما ظن لجهله أنها - أخطاء لغوية في القرآن – كما سنرى بعد قليل -، ثم يستشهد بها على أن القرآن لفظ محمد وتأليفه، وأنه محكوم بظروف عصره وضعف لغته؟! .. يريد بذلك صرف الناس عن إعمال كلام ربهم، بحجة انتهاء عصره وانزوائه؟ .. كيف يظل مسلماَ وقد فرَّغ الإسلام من معناه، ومصدره؟!
عن صاحب العبارة أعلاه - المشحونة باللغو، والعابثة بالمقدس الإسلامي - سنتكلم في هذا الفصل، وذلك من خلال كتابه الذي سماه: (الحداثة والقرآن)، وبما يمثله هذا الشخص من مثال صارخ للحداثيين بما يتطاولون به على ذات الله العلية، وكلامه المقدس، ودينه الخالد، ووحيه الأمين، ونبيه الصادق. ... والغريب أنه وأمثاله ما زالوا يزعمون أنهم مسلمون.
تمهيـــــــــــد:
يعلم كل قارئ مطَّلع على كتابنا هذا، أن ما يعنينا فيه هو "عِلميَّة ملفوظ القرآن"، أي واقِعيَّة كل لفظ فيه وآية، وكل ما نطَق به وألمح، وصرَّح به وأضمر، سواء كان ذلك عن ذات الله العلية، أو أسمائه وصفاته المجيدة، أو الدنيا والآخرة، أو الحساب والعقاب، والجنة والنار، والإنس والجن، وجبريل والملائكة، والحي والميت، والشمس والقمر، والنجم والشجر ، والسماء والأرض، والليل والنهار، والنبت والطير، وما خلق الله من شيٍ وأشار إليه أو تضمَّنه كلامه العزيز. ولا طائل للحديث عن هذه الصفة العِلْمية الدامغة في كل حرف ولفظ في القرآن إلا بعد التصديق بنسبة القرآن إلى خالق الخلق؛ كلاماً منطوقاً منسوباً إلى ذاته العلية. فأي تشكيك في هذه النسبة – باعتبارها أصل - تشكيك بالأَولى في عِلمية الحرف واللفظ القرآني - والذي يأتي كفرع على الأصل. فكان هدم الأصل – بحسب أهواء الـمُضلين – هدم للفرع بالضرورة، وعليه يكون وجوب الدفاع عن الفرع، ما يستوجب – وبكل قوة - الدفاع عن الأصل، لأنه حقٌ دامغ، وإلا لما آمنا به، وإلا فلا أصل ولا فرع.
وفي هذا السياق، يجيء ردنا على من سعى لهدم هذا الأصل، أي نسبة الحرف واللفظ القرآني إلى الله تعالى، وهو المدعو (سعيد ناشيد) في كتابه (الحداثة والقرآن: 2015)، والذي التقطناه من على أرفف دور العرض بمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة (يناير 2016). وفي هذا نقول مستعينين بالله العلي القدير، العليم الحكيم:
إن الحق بيِّنٌ، وإن الباطل بيِّن، إلا على من غشيته عتمة النوايا، ومشيئةٌ عُليا نافذة، أغلقت عليه طاقات النور، ومنعته مفاتيح الفهم، ووجَّهته وجهته التي تولاها. ومن كان هذا شأنه، فلا نحزن عليه، لأنه خُيِّر فاختار، ونُبِّه فما انتبه، ووُعِظ فما اتَّعظ، وأُنذر فما ارعوَى، وكفى بالقرآن واعظاً ونذيرا.
أمَا وأنه لم يصدق بنسبة القرآن إلى الله، فلا غرابة، فليس بأول ولا آخر المكذبين بكلام رب العالمين الذي قال جل شأنه فيه أنه "كلام الله"(التوبة:6)، و"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"(يوسف:2)، و"إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا"(المزمل:5).
نعم، ليس غريباً أن نسمع تكذيباً بكلام الله يهذي أصحابه بأنه ليس كلام الله. فقد أخبرنا الله في عين كلامه سبحانه عمن سلك مثل هذ المسلك، وقال تعالى "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ"(النحل:103). ويقول هذا الذي نعنيه بكلامنا (أي: سعيد ناشيد) أن القرآن كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) أملته عليه خواطر من الوحي، وليس بوحي لله منطوقا.
يقول[3]: [القرآن خطاب لغوي قام به النبي القرشي للصور الوحيانية (التي لها مصدر إلهي وربّاني بالفعل، غير أنها ترجمة أنجزها الرّسول نفسه في خطاب وجّهه إلى الناس في تلك العصور القديمة الماضية وفق ثقافتهم وظروفهم ومدركاتهم)[4]، خضع في كل صوره وأطواره للظروف الذاتية والموضوعية لشخصيّة الرّسول عليه السلام. الظروف الذاتية، تتعلق بمزاج وثقافة وشخصية وانفعالات الرّسول، وهذا ما يفسر التفاوت العاطفي والانفعالي والنّفسي بين مختلف آيات وسور الخطاب القرآني. وهذا باعتراف الخطاب القرآني نفسه ..] !!!
ولو أن (سعيد ناشيد) يعي ما يقرأ بين دفتي المصحف لانتبه إلى أن القرآن قول الله حقا، لفظاً لفظا، وحرفاً حرفا، لأنه تعالى يقول فيه "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" (الحاقة: 44-47). فكيف يؤمن (سعيد ناشيد) بأن القرآن كلام محمد، في وقت ينفي النص القرآني أنه كلامه!  .. أي أن (سعيد ناشيد) يؤمن بأن محمداً هو قائل كلام القرآن، ولكن القرآن الذي نطق به محمد على آذاننا يُفهم منه أنه كلام الله، فهو إذاً يقول كلاماً من عنده ويدعي فيه أنه كلام الله! ... فـ (سعيد ناشيد) إذاً يتهم محمد بالكذب في نسبة القرآن إلى الله، حاشاه الله، وأعلى مقامه، وأخزى من كذَّبه. 
نعم، لا غرابة أن نسمع من إنسان مثل هذه التُّرَّهات، وليس جديداً أن نسمع من يتهم الرسول الأمين بالكذب، فالله تعالى أخبرنا بمن فعل مثل ذلك في حق نبي الله صالح، وكفى الله العزيز الحكيم المؤمنين مؤونة الرد عليهم، قال سبحانه "فَقَالُوا .. بَل هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ، سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ"(القمر:24-26)
ولكن الغريب كل الغرابة، أن يجرؤ هذا المكذب بكلام الله على الإتيان بما يتوهم أنها أدلة على ذلك!!! نعم، إنه يقتحم لُجَّةَ خطيرة، ما نجى منها حاذق عليم، فما بالنا بمن هو دون طلاب العلم؟! ... نعم، إن ناطح الصخر مغرور، ورأسه مكسور. ولو أنه تأهَّل بالحق ما عانده. ولو أنه تسلح بقوةٍ ما تحامق على القوي العزيز، ولو أنه تزود بعلمٍ ما عارض العليم الحكيم، ولا ورط نفسه وفضح حدود علمه الركيك، وجهالته الفاضحة.
ولنلقي نظرة على هذه الفضائح التي سطرها، والتي نستحي أن نُسميها شبهات، لأن الشبهة ما اشتبه فيها الحق بغيره. أما وأنها مكشوفةٌ الخيبة، راعنٌة المسعى، هزيلةٌ المبنى، معدومة المنطق، كسيحة الخطو، .. فلا سبيل إلَّا وضعها في باب الجهالات، لا الشبهات.
  
وقبل أن نستعرض ما قاله (سعيد ناشيد) مما ظن أنها أدلة، نسمع منه – وبلسانه - العُقْدَة النفسية التي تعرَّض لها، وكيف وشمت ذاكرته كما يقول، بل وسمت مساره الفكري، وأرْدَته إلى حيث ترَدَّى!!! .. قال (سعيد ناشيد) عن هذه العقدة[5]:
[واقعة قديمة وَشَمَتْ ذاكرتي، أذكرها قبل المتابعة :كنّا في مرحلة الدراسة الإعدادية نقرأ سورة المعارج بقراءة ورش التي لا نعرف غيرها في المغرب، فخطر لي أن أسأل أستاذ التربية الإسلامية : لماذا لا نضيف الهمزة إلى (سال سائل...) فنقول (سأل سائل)، وهكذا يكون المعنى أوضح؟ أجابني بحسم: لا يجوز لنا ولأي سبب كان أن نبدل كلام الله. قلت: ولو بهمزة واحدة!؟ فردّ غاضباً: ولو بنصف همزة، ولو برُبع همزة، ولو بقطرة مداد من الهمزة. وخطر لي أن أسأله: ومن أدرانا أن الله أملاها بدون همزة؟ فما كان منه إلاّ أن صفعني على خدِّي ثم طردني من الفصل رافضاً استقبالي إلاّ باعتذار.لا أذكر كيف تخطّيتُ الشّعور بالإهانة. لكني أذكر فقط كيف زَادت قناعتي بالسّؤال، وأحسستُ أني أمام سِرٍّ لا يُراد لي أن أقرُبه. وهكذا كان].
ونسأل نحن (سعيد ناشيد): لماذا لم تعد أنت إلى علم القراءات، بعد أن شببت عن الطوق، والذي كان سيفيدك بأن (سأل) في سورة المعارج تُقرأ بدون همزة (في قراءة نافع وابن عامر من القراءات السبع الأشهر، ويضاف قراءة أبي جعفر إذا اعتبرنا القراءات العشر)، وما عدا ذلك – كقراءة حفص عن عاصم- فتُقرأ بهمزة. فأين الإشكال والقراءات متواترة [29] وخاصة السبع الأشهر، وموحي بها من الله تعالى كما جاء في الحديث؛ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف". رواه البخاري ومسلم[6].
ولو استعلم سعيد ناشيد – وهو الآن قارئ حريص كما يصف نفسه - عما أشكل عليه، من همزة (سأل سائل) لعلم الحق، واستند إلى الصدق، غير أنه تجاوزه، إلى تبريرات غرورية، وطرائق تضليلية، لنفسه ولمن يقرأ كلامه.
والآن نستعرض الأدله الموهومة لـ (سعيد ناشيد) والتي يدعي استناداً إليها أن القرآن ليس كلام لله لأن به أخطاء نحوية، فيمهد  لذلك (تحت عنوان: "ليس القرآن نحواً"[7])، ويقول:
[كثيرون الذين يظنّون أنّ المصحف هو المرجع الأمثل والنّموذج الأكمل للنص العربي الفصيح والمطابق لقواعد اللغة العربية كتابة ونحواً، طالما الكلام "كلام الله" في الأول وفي الأخير. فلا يمكن أن يكون الله تعالى قد "تكلّم" كلاماً فيه أخطاء أو هفوات أو ما شابه. كما لا يمكن أن يكون الله تعالى هو مؤلف وكاتب وناسخ وناشر القرآن الكريم ! فهذا منتهى العبث. (هكذا يقول! .. ويستكمل) غير أنّ قدماء النحّاة أنفسهم هم أوّل من اصطدم بوجود هنات نحوية في المصحف العثماني، تعذّر تقعيدها وامتنع تقويمها. وإذ يتحرّج الكثيرون من هذه الظاهرة التي تبدو لـ "عَبَدة المصحف" كأنها تشكيك في الوحي الإلهي نفسه، فإننا نرى الأمر دليلاً على نقص اللغة الطبيعية نفسها ولا علاقة لها بمسألة الوحي. لا سيما أنّ اللغة العربية وقتها كانت لا تزال في طور الانتقال من العصر الشفوي إلى العصر الكتابي فقد كُتب المصحف بلغة عربية كانت لا تزال بلا قواعد، ولم تكن التقاليد الكتابية قد ترسَّخت. لذلك ليس غريباً أن توجد هنات كتابية، باعتراف علماء القرآن الأقدمين أنفسهم.
الأمثلة معروفة، لكنها قليلاً ما تُثار لأجل النقاش الهادئ. نذكر بعضها على سبيل الاستدلال كما يلي:]
أما عن زعمه بأن قدماء النُّحاة قد اصطدموا بوجود هنات نحوية في المصحف العثماني، فجمع بين مُفترِقين. فالمصحف العثماني تابع ولاحق والقرآن نقل سمعي شفاهي أصلي. ولم يكن لقدماء النحاة: كالخليل وسيبويه من ارتكان كُلّي للمكتوب في المصحف، بل للمسموع شفاهة من لغات (لهجات) العرب، ثم ما في صدور الرجال من قرآن نَدِيٍّ نزل على النبي، وتلقاه المؤمنون بسمعهم، وحفظوه في صدورهم. أما الزعم بـ "اصطدام هؤلاء النحاة بهنات في القرآن"، فافتراء يعوزه الدليل، وإن لم يكن من دليل يدعم هذا الافتراء، فيكون هذا الافتراء إذاً كذبٌ محض على العربية وتاريخها. وليس غريباً أن يكذب على العربية من يكذب على أفصح من نطق بالعربية!. وأما مزاعمه بوجود أخطاء وهنات فسنتناولها الآن بالتفصيل. وأما قوله (عبدة المصحف) فهو للتسخيف من اتِّباع المصحف، والذي لا يعدو أن يكون اتباعاً للقرآن المسموع من شفتي النبي صلى الله عليه وسلم مكتوباً بالقلم. وكِتابة القرآن "مواضعة لا تستدعي المراجعة"، ولا تشير إلَّا إلى عين المسموع بذاته، الذي هو منطوق الآيات الـمُنَزَّلات، بلفظها ونطقها وسمعها وجرسها كما تلقاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من رب الأرض والسموات. فإن كان هناك خطءٌ بزعم (سعيد ناشيد) في المكتوب، فحتماً يكون في المسموع. فليرينا ما هو، وليُعلِم أهل العربية والإسلام ما جهلوه منها، وهو يعلمه!:
يُعدِّد (سعيد ناشيد) ما يزعم أنها (أخطاء نحوية في القرآن)، ويقول[في الصفحات 102-108]: 
1-  رفع المعطوف على المنصوب:
جاء في سورة المائدة، الآية 69 : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ".
والسؤال، لماذا لم ينصب المعطوف على اسم إنّ بحيث يقال: والصابئين، تماماً مثلما عطفه في آية مماثلة من سورة أخرى في قوله "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم..." سورة البقرة، الآية 62 ؟
الجواب:
الصابئون بالرفع، وعليه مصاحف الأمصار والجمهور. وفي توجيه هذه القراءة وجوه: أحدها: مذهب سيبويه والخليل ونُحاة البصرة: أنه مرفوع بالابتداء، وهو مَنْوِي به التأخير، ونظيره: إن زيداً وعمرو قائم، التقدير: (إن زيداً قائم وعمرو قائم)، فحُذف خبر عمرو لدلالة خبر إنّ عليه، والنية بقوله: وعمرو، التأخير. وأصل النظم: إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى لهم أجرهم إلخ، والصابئون كذلك، ومثاله في قول ضابئ بن الحارث: [فَإِنِّي وَقَيّارٌ بِها لَغَريبُ] .... (مزيد من التفصيل هنا، وهنا).
2- نصب الفاعل:
جاء في سورة البقرة، الآية 124 :(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
والسؤال : لماذا لم يرفع الفاعل فيقال: الظالمون؟
الجواب:
في قوله تعالى:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}؛ الفاعل فيه " عَهْدِي و" الظَّالِمِينَ" مفعول به، والمعنى: أن العهدَ لا ينال الظالمين، أي لا يصيبهم. ومثاله في قول الله تعالى عن البُدْن (الأُضحية) "لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ"(الحج: 37)؛ فالفاعل هو "لُحُومُهَا" في الأولى و"التَّقْوَى" في الثانية، والمعنى: ليس الذي يصل إلى الله هو لحوم الأضحية ولا دماؤها، ولكن الذي يصل إليه هو تقواكم له. وليس فى مجئ "الظالمين" منصوباً على المفعول به خلاف بين العلماء. بل إنهم نصوا على أن خواص الفعل "نال" أن فاعله يجوز أن يكون مفعولاً، ومفعوله يجوز أن يكون فاعلاً، على التبادل بينهما ، قالوا: لأن ما نالك فقد نلته أنت. ومثل ذلك من الأفعال (ودّ)، و(أحبّ)، و(كره) .. إلخ. ولا يتعين فاعلٌ بعينه، ويكون الآخر مفعولاً إلا بمراد المتكلم، أو استحالة الفعل من أحدهما، أو السياق.
وجَعْلُ العهد في "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" فاعلاً: من باب المجاز العقلى الشائع فى اللغة شيوعًا كبيرًا، ولا قيام للغة إلاَّ بوجوده. بل إن اللغة تنهار انهيارًا كاملاً بغير هذا النوع من المجاز، وإلاَّ فكيف نعبِّر عن معانٍ من قبيل: ناله الجهدُ، حلَّ به التعبُ، أرهقته  المشاكلُ .. إلخ؟ حيث جُعِل كلٌّ من: الجهد والتعب والمشاكل فاعلاً، والإنسان مفعولاً.
وكما يَصِحُّ فى العهد أن"يَنَال" أي يُصِيب، فيكون فاعلاً كما في الآية، فيصح أن "يُنَالَ" فيكون مفعولاً، كما في قراءة أبي رجاء وقتادة والأعمش: "لا ينال عهدي الظالمون"، إلا أنها قراءات شاذة". والمثال الصريح في ذلك نراه في قوله تعالى:"لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران:92). وإن قيل ألا يمكن أن يكون (البر) هنا فاعلاً، قلنا يمكن إذا جاء على الصورة: (لن ينالكم البرُّ حتى تنفقوا ما تحبون)، ورغم أن الفعل (ينال) يقبل هذا التركيب، إلا أن المانع منه أنه ليس من معهود (البر) أن يأتي فاعلاً، لأنه يُسعى إليه.
ونشير هنا إلى القراءة الشاذة ("لا ينال عهدي الظالمون")، ولنرَ ما قال فيها صاحب السؤال أعلى، قال[8]:  [التعبير الصائب هو التعبير الذي اعترف الطبري والزمخشري في تفسيريهما للآية بوجوده في بعض المصاحف الأخرى : لا ينال عهدي الظالمون.يريد بذلك أن هذا القول (اعتراف)، وكأن هناك جريمة أو خطءاً فادحا!فكأن كلام الطبري والزمخشري اعتراف بقراءة أخرى تمحو هذا الخطأ الذي وقع فيه من قرأ أو كتب بـ ("لا ينال عهدي الظالمين")، وكلامه هذا إصرارٌ منه على أنه ("لا ينال عهدي الظالمين") خطأ. وهذا الكلام يقوله من لا دراية له بعلم القراءات، ولا بحديث النبي أن القرآن نزل على سبعة أحرف، ولا بالقراءات المعتمدة وأن غيرها شاذ لا يُلتفت إليه. وكأن صاحب الكلام هنا ينتقي من القراءات بحسب ما يحلو له بحسب فهمه (الذي سيتبين أكثر وأكثر أنه فهمٌ قاصرٌ)، وأنه يترصد أي شبهة تواكب هواه المسبق النية في تسميتها أخطاء.
3- تذكير خبر الاسم المؤنث:
جاء في سورة الأعراف، الآية 56: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
والسؤال، لماذا لم يتبع خبر إنّ اسمها في التأنيث فيقال: قريبة؟
الجواب:
جاء في لسان العرب: [(ما كان على وزن) فعيل يوصف به المؤنث بلا علامة تأنيث كما يوصف المذكر، نحو امرأةٌ قتيل و كفٌ خضيب، وكقوله عز وجل: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)]، ومن ذلك قول الله تعالى "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ". ويلحق بهذا الوزن أيضاً الجمع كما في قول الله تعالى "وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ"(التحريم:4). وكذلك وزن فعول، يجوز فيه التذكير والتأنيث، مثل كلمة عجوز، فيجوز أن تقول رجلٌ عجوز وامرأةٌ عجوز.
وبالجملة، يُنظر هنا للاطلاع على (الأوزان الصرفية للصفات التي يستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والجمع).
4- تأنيث العدد وجمع المعدود:
جاء في سورة الأعراف، الآية 160 :(وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ) ...
والسؤال، لماذا لم يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود بحيث يقال : اثني عشر سبطاً؟
الجواب:
إذا كان الاعتراض على تأنيث العدد لأن مفرد المعدود مذكر، فلا وجه للاعتراض لأن الكلام عن الجمع (أسباط) وليس عن المفرد (سبط)، وإلا لفقدت العبارة اتساقها (.. أسباطاً أمما ..) . واتباع العدد للمعدود في التذكير والتأنيث يشترط أن يكون المعدود مفرداً كي يكون تمييزاً. فإن كان جمعاً كما جاء في الآية، فهو ليس بتمييز. ومن ثم لا وجه لمتابعة العدد لمفرد (أسباط). وعندئذ كان ينبغي أن يكون السؤال استفهامياً وليس استنكارياً! أي: يستفهم به السائل عما غاب عن فهمه. ويقول مثلاً: ما هو الموقع الإعرابي لـ (أسباطا)؟ - والإجابة هي أنه بدل (اثنتى عشر) كلٍّ من كل، والتمييز محذوف وتقديره (فرقة أو جماعة).
ولو سرنا مع مقترح السائل لجاء الكلام (وقطعناهم اثنى عشر سبطاً أمما و..) وما أسقمه من كلام! 
5- جمع الضمير العائد على المثنى:
جاء في سورة الحج، الآية 19: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ).
والسؤال، لماذا لم يثنّى الضمير العائد على المثنّى بحيث يقال : خصمان اختصما في ربهما؟
الجواب:
الجملة في الآية مستأنفة مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. والتقدير أن هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها. وقوله تعالى (اختصموا) للدلالة على أن كُلًّا من الخصمين جماعة كبيرة، ولو قال اختصما لدل على التثنية الحقيقية، والضمير قد يلاحظ فيه لفظه أو معناه، والجواب عن هذه الشبهة هو مثل الجواب عن قوله تعالى "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا"(الحجرات: 9). فالعرب قد تطلق لفظ الجماعة على الواحد وعلى التثنية، ومنه قوله: "وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ"(ص 21) ثم قال: "خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ"(ص 22) وقال: "فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا"(التحريم 4) وقال: "وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ"(الأنبياء 78) وقال: "بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ"(النمل 35) والرسول واحد. وقال تعالى: أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ"(النور: 26) يعني عائشة وقيل عائشة وصفوان. وقال: "وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ"(الأعراف 15) وكانا اثنين كما نقل في التفسير، وقال: "وَأَطْرَافَ النَّهَارِ"(طـه: 130) وهما طرفان، وقال: "إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ"(الشعراء:15)،وقال: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ"(السجدة:18)، وقال: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ"(آل عمران:173) وكان واحدا... وهذا كله صحيح في اللغة سائغ إذا قام عليه دليل.
6- جاء باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً:
جاء في سورة التوبة، الآية  69: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
والسؤال، لماذا لم يُجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع بحيث يقال: خضتم كالذين خاضوا؟
الجواب:
معنى (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) أي: (خضتم الذي خاضوه)، أي بالشيء الذي خاضوا فيه. و(الذي) عادت على الأمر المفرد، وليس على خاضوا. أي أن (الذي) هنا تقع على المصدر، يريد: "خوضهم".
7- جزم الفعل المعطوف على المنصوب:
جاء في سورة المنافقون، الآية 10: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنيِ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين).
والسؤال، لماذا لم ينصب الفعل المعطوف على المنصوب بحيث يقال : فأَصّدّق وأَكون من الصالحين؟
الجواب:
(الفاء): فاء السببية، (أصَّدّق): مضارع منصوب بـ (أن) مُضْمرة بعد الفاء، (الواو): عاطفة، (أكن): مضارع ناقص مجزوم جواب شرط مقدر معطوف على جملة الدعاء؛ محل "فأصَّدّق"، والتقدير: (إن أخَّرتني أصَّدّق وأكُنْ). فالواو هنا من باب عطف الجملة على الجملة، وليس من باب عطف الفعل على الفعل.
8- جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً:
جاء في سورة البقرة، الآية 17 : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ).
والسؤال، لماذا لم يأت الضمير العائد على المفرد مفرداً بحيث يقال: ذهب الله بنوره؟
الجواب:
تقدير الآية هو "مَثَلُهُمْ (= مَثَلُ الذين قالوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ .... (وهم المحكي عنهم في الآيات 8-16)كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (نور المحكي عنهم والمضروب لهم المثل) وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ"، فكان ضمير الجمع المتصل في نورهم عائداً على (الذين قالوا ..) بعد تجاوز المثل لوضوحه. فالمضروب به المثل والذي استوقد ناراً، والمضروب لهم المثل من هم في محله بداعي المثل، وكان من أمرهم ما كان، والنتيجة أنهم بعد أن استوقدوا ناراً تضيء لهم (بما مُثِّل لهم)، حل بهم ذهاب الله بنورهم وتركِهم في ظلمات لا يبصرون. فالآية انتقلت منهم إلى المضروب به المثل لهم، ثم أعادت الالتفات إليهم بعاقبة فعلهم. ولو انتهت الآية بـ (ذهب الله بنوره وتركه في ظلمات لا يُبصر – أي المضروب به المثل) لتطلب الأمر من السامع إجراء التمثُّل ذهنياً ليعرف مآلهم، فكان من بلاغة الآية أن اختصرت الطريق وآلت بالنتيجة إليهم مباشرةً وجاءت: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ).
9- نصب المعطوف على المرفوع :
جاء في سورة النساء، الآية 162: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً).
والسؤال، لماذا لم يرفع المعطوف على المرفوع بحيث يقال: والمقيمون الصلاة؟
الجواب:
يُسمِّي النحاة واللغويون الإعراب المخالف لإعراب ما قبله بـ "القطع". وهو من نوعين: للمدح أو للذم. فما جاء منه للمدح قوله تعالى أعلى: (وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) في الآية أعلاه، ولو لم يكن هناك قطع لجاءت كما ظن السائل (والمقيمون الصلاة)، والتقدير هنا أن (المقيمين) مفعول به لفعل محذوب تقديره (وأمدح). كما وأن أشهر الآراء أن (المقيمين) منصوب على الاختصاص المراد منه المدح في هذا الموضع بدلالة المقام؛ لأن المؤدين للصلاة بكامل ما يجب من طهارة ومبادرة وخشوع وتمكن جديرون بأن يُمدحوا. وأما (والمؤتون) بعدها فهي على الرفع لكونها معطوفة على الجملة التي قبلها.
ومثال آخر للقطع على المدح كلمة (الصابرين) في قول الله تعالى "وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ .."(البقرة:177)، وعلة المدح عِظم قدر الصبر، وهو الذي قال الله تعالى فيه "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"(فُصَّلت:35).
أما مثال القطع الذي جاء للذم، فنجده في كلمة (حمَّالة) – التي جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها - في قول الله تعالى "وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ"(المسد:4)؛ أي: امرأة أبي لهب، فهذا قطعٌ قُصد منه الذم؛ أي: أذم (حمالةَ الحطب)، وعلة الذم: فعلها من نثر الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرض الإيذاء، كما جاء بالتفسير، أو ما يعلمه الله من أمرها، والذي جاء بسببه المصير المقرر لها في قوله تعالى " فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ".
 10- نصب المضاف إليه :
جاء في سورة هود، الآية 10: (وَلَئِنْ أَذَقْناَهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ).
والسؤال، لماذا لم يجرَّ المضاف إليه بحيث يقال : بعد ضراءِ؟
الجواب:
(ضراءَ): مُضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف بسبب انتهائه بألف التأنيث الممدودة. 
 11- أتى بجمع كثرة حيث أُريد القلة :
جاء في سورة البقرة، الآية 80: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(.
والسؤال، لماذا لم يتم جمعها جمع قلة بحيث يقال : أياماً معدودات؟
الجواب:
قول السائل بأن (معدودات) جمع قلة، كلام لا أصل له إلا الوهم! فأوزان جموع القلة هي: فِعْلَة ـ أفْعَال ـ أفعُل ـ أفْعِلَة. وإن كان ساعياً إلى محض شبهة يثيرها، عن وصف عدة الأيام التي قال اليهود أن مسُّهم النار لن يزيد عنها، فكان أولى به أن يسأل عن ورود آيتين في ذلك، أية (البقرة:80) أعلاه، والتي فيها (أَيَّامًا مَعْدُودَةً)، والآية الثانية: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ .." (آل عمران: 23)، وكان له أن يسأل: لماذا أتى نفس الموصوف (عدد الآيام) على لسان نفس المتكلمين (اليهود) على وزنين (معدودة) و (معدودات)، واليهود هم هم؟! .. لو فعل ذلك لكان لشبهته وجاهة ولكن يبدو أنه أقل ذكاءاً من توقعاتنا!
لذا سنفترض أن هذه هي الشبهة، ونجيب عنها بالآتي:
من حيث القلة، فليست (معدودة) و (معدودات) أحدهما أولى من الأخرى في إفادة القلة. فكلاهما يفيد انحصار عدد الأيام فيما يمكن عدّه. أما عن المغزى في ورود (معدودة) في آية (البقرة:80)، و(معدودات) في (آل عمران:23)، فقيل أن في تعليله سببان وجيهان، جاء الأول في تعليل ورود العدد على (معدودة) و (معدودات) دون أحدهما فقط، ولماذا هذين الوزنين بعينهما. أما السبب الثاني فجاء لتبرير مجيء (معدودة) في (آية البقرة)، ومجيء (معدودات) في آية (آل عمران"23) وليس العكس مثلاً.
السبب الأول: أن (معدودة) تفيد عدداً محصورا بالعد ولكنه غير متعين، إما لعدم إرادة المتكلم تعيينه كما في قوله تعالى "وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ"(يوسف:20)، أو عدم علم المتكلم في عموم اللغة بعين العدد، وإن كان يريد حصره. أما (معدودات) فهو عدد محصور أيضاً ولكنه متعين، ومثاله في القرآن: عدد أشهر الحج (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)(البقرة:197)، وأيام النحر في الحج (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)(البقرة:203)، وأيام الصيام في رمضان (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)(البقرة:184)، وعشر ذي الحجة في قوله تعالى "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ"(الحج:28)، وكل هذا متعين. أما لماذا قال اليهود مرة (معدودة) ومرة (معدودات) فلأن من اليهود من قال أن الأيام التي ستمسهم فيها النار هي بعدد أيام عبادتهم للعجل، وقالوا أنها سبعة، وهؤلاء هم القائلون: (أياماً معدودات)، ومن اليهود من لم يرد هذا العدد بعينه، وإنما أراد أن يقول أنه مهما مستنا النار فلن تكون إلا أياماً محصورة، يتأمل ذلك، ويوعد نفسه بالخير، أو الوهم الغروري بما يظنونه من حظوة لهم عند الله تعالى، وهؤلاء هم من قالوا (معدودة).
السبب الثاني[9]:
إذا قارنَّا بين الآيتين (البقرة:80)، (آل عمران: 23)، وجدنا آية البقرة مبنية على الإيجاز هكذا: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة..." ووجدنا آية آل عمران مبنية على الإطناب هكذا: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات". وازن بين صدر آية البقرة "وقالوا" وبين صدر آية آل عمران "ذلك بأنهم قالوا ". تجد أن جملة " ذلك بأنهم " اشتملت على اسم الإشارة الموضوع للبعيد، والرابط بين الكلامين السابق عليه، واللاحق به. ثم تجد "الباء" الداخلة على "إن" فى " بأنهم "ثم "إن" التى تفيد التوكيد، ثم ضمير الجماعة "هم". وهذه الأدوات لم يقابلها فى آية البقرة، إلا واو العطف "وقالوا". إذاً المقامان مختلفان، أحدهما إيجاز، والآخر إطناب. وهذا يبين بكل قوة ووضوح لماذا كان "معدودة" فى آية البقرة، و "معدودات" فى آية آل عمران. أي أن وصف "أياماً" فى آية البقرة "معدودة" لأن المقام فيها مقام إيجاز كما تقدم، فناسب هذا المقام الإيجازى أن يكون الوصف موجزاً هكذا "معدودة". وكان الوصف فى آية آل عمران مطنباً "معدودات" بزيادة "الألف" ليناسب مقام الآية الإطنابى كما تقدم[10].
 12جمع اسم علم حيث يجب إفراده:
جاء في سورة الصافات، الآيتين: (123- 132) : ("وَإنَّ إلِياَسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ"...  "سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ"...  "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين"(.
والسؤال، لماذا جاء إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد، رغم أنه اسم علَم؟
الجواب:
إن هذا اسم علم أعجمي، ومهما أتى بلفظ فإنه لا يعني مخالفة العرب. مثل إبرام وإبراهيم، وهما اسمان لنبي واحد. وكذلك إلياس وإلياسين. فالاسم ليس من الأسماء العربية حتى يقال هذا مخالف للغة العرب. وكذلك ورود "طور سيناء"(المؤمنون:20) و"طور سينين"(التين:2).  يُضاف إلى ذلك أن تسمية الشيء الواحد بتسميات متشابهة صحيح في كل اللغات كتسمية مكة وبكة.
أما ما ظنه السائل بأن (إل ياسين) جمع للاسم (إلياس) – وصدَّر به عنواناً لسؤاله - فليس بشيء، ويُعد من وهمه الذي ليس عليه دليل. فقد ظن أن (الياء والنون) في إلياسين للجمع، وهذا غير صحيح. 
 13- نصب المعطوف على المرفوع :
جاء في سورة البقرة، الآية  177 : (ليَسَ البْرَّ أنْ توَلوُّا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
والسؤال، لماذا لم يرفع المعطوف على المرفوع فيقال :والصابرون؟
الجواب:
هذا من باب القطع، (ذكرناه في السؤال - رقم 9-  أعلى). 
 14- وضع الفعل المضارع بدل الماضي :
جاء في سورة آل عمران، الآية 59: (إنّ مثَلَ عِيْسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
والسؤال، لماذا لم يتم اعتبار المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع، بحيث يقال : قال له كن فكان؛ أو يتم تعديل الصيغة لتدل على المضارع فيقال : (يقول له كن فيكون)؟
الجواب:
قوله تعالى:(فَيَكُون) للإشارة إلى أن قدرة الله على إيجاد شيء أو إعدامه لن تنقضِ، بل هي مستمرة في الحال والاستقبال، وفي أي زمان ومكان بحسب المشيئة الإلهية. فالذي خلق آدم من تراب وقال له كن فكان، خلق عيسى (عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام) وقال له كن فكان .. وتبقى القدرة على خلق ما شاء الله تعالى بـ (كن فيكون) في الحال والاستقبال. فكانت خاتمة الآية (كن فيكون) تعميماً لبقاء القدرة والمشيئة منفتحة على غير عيسى وبعده، وبلا انقطاع. ... ثم أن صيغة المضارع الدالة على الحال والاستقبال تعم آيات القرآن في مواضع تفوق الحصر، حتى ولو كانت أعيانٌ لها قد وقعت في الماضي. ويندرج في ذلك مثال الآية أعلاه، لأنها ليست مثالاً فريداً، بل مألوفاً في القرآن يخبر عن قدرة الله تعالى فيما مضى، وفيما هو آت. ومثال ذلك كلمة (تُثِيرُ) في قوله تعالى "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ"(فاطر:9) (لاحظ أن " أَرْسَلَ " ماض و "تُثِيرُ" مضارع)، ويدخل هذا في تحولات الفعل في السياق القرآني وما له من أثر بلاغي (يُنظر في ذلك هذا البحث، و هذا البحث أيضاً).
وهذا الاستمرار في تفاعل القرآن مع الأحداث – تأكيد على حضورٍ له لا ينقطع - هو ما يريد السائل أن يقطع عليه الطريق في كتابه "الحداثة والقرآن" الذي أدرج فيه سؤاله هذا، والذي يدافع فيه عن تاريخية أحداث القرآن، وأن زمنه قد انقضى بلا رجعة.
- وبالإضافة لما سبق، ففي الفعل المضارع (يكون) - في الموضع الذي جاءت فيه في الآية أعلاه – نلاحظ تناسب آسر لرؤوس الآيات (الفواصل)، لأن ما قبلها كانت فواصل مبنية على حرف المد، إما الياء – وهو الأكثر- وإما الواو مع النون، وهو كثير، أو مع الميم.
 15- لم يأت بجواب لمّا :
جاء في سورة يوسف، الآية 15: (فـلمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ).
والسؤال، أين جواب لـمّا؟ علماً أنه لو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى وانتهى المشكل.
الجواب:
قال الزمخشري في الكشاف: جواب (لما) محذوف ومعناه: (فعلوا به ما فعلوا من الأذى). وبيان ذلك أن جواب (لما) فيه من التفاصيل الممكن فهمها من سياق الآية وما شابهها من آيات غيرها تتعلق بها، وأنه ليس من بلاغة القرآن العالية أن يأتي على ذكرها جميعا، وخاصة أنها تتعلق بمؤامرة محشوة بالأخذ والرد والفعل ورد الفعل، وقد تعرضت لها آيات أخرى. فقد رُوى عن إخوة يوسف أنهم كانوا يؤذونه بالقول والفعل وهم في الطريق الذي قصدوه، حتى كادوا يقتلونه، وما صدهم عن قتله إلا أحدهم، وذكر القرآن ذلك في موضع آخر: "اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ"(يوسف: 9-10) .. ثم أن يوسف عانى ما عانى عند إلقائه في الجب، ثم استخراج السيارة له، وبيعه .. وكيف أصبح عبداً بعد أن كان حراً .. .. كل هذه التبعات يمكن أن تأتي جواب لـ قوله تعالى (فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ ..) لأن الإجماع على ذلك كان بعد الذهاب وليس قبله .. .. لذلك تركت الآيات للقارئ أن يتصور المشاهد التي ألمحت إليها جملة الآيات. وهذا من البلاغة العالية كي يتفاعل القارئ مع القصص ويتنبأ بما لا داعي لحكايته تعظيماً لقبح الفعل المسكوت عنه، وإطلاقاً لخيال القارئ أن يذهب كل مذهب في استحضاره، فيستقبحه ويستهجنه، إذ ما أغرب أن يتآمر إخوةٌ على أخٍ لهم ضعيف، وهم رجالٌ وعصبةٌ وجميعٌ عليه، فيفتكون به أو يبيعونه عبدا، أو يتركونه يموت في الجب، وكل هذا بالنية الـمُبيَّتة والقصد العمد والتآمر والإجماع على التنفيذ، ثم الكذب والتضليل! .. فما أقبحه من فعل!
أما مُقْتَرَح السائل بحذف واو (وأوحينا) ليستقيم المعنى، فنسأله: أي معنى هذا الذي يستقيم؟! .. وهل يعلم صاحب الاقتراح أن (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) هو جواب (لما)؟! ... هل يضع سيناريو فيلم سينمائي ويقترح على المؤلف تغيير مسار القصة؟! .. إن (َأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ) من لواحق (لما)؛ أي: (لما)كذا وكذا وكذا، وليست جواباً لـ (لـمّا) ولا هي من لواحق جوابها، أي: (حصل)كذا وكذا وكذا. فأنَّى له يقترح من عنده ما لا يعلم؟!
ورغم أن هذا التقدير في جواب (لما) مشهور عند المفسرين، إلا أننا نرى أن الحذف واقع مباشرةً قبل – ومرتبط بــــ - قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) وتقديره (عادوا) والـمُضمرة في (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ). وعلى ذلك يكون السياق كالآتي:
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ ..و ..و .. (عادوا فــ) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) .. ويكون جواب (لما)  - بعد تقدير كل الأحداث البينية - هو عادوا ينطقون بالكذب والتلفيق.
هذا والله تعالى أعلم، .... فالمسألة بحثية تنقيبية عن الكنوز البلاغية والمعرفية في القرآن الكريم، والذي سيظل يكشف عن إبداعاته حتى ينتهي أجل الإنسان الذي أُرسل إليه القرآن، غير أن الجاهلين لا يعلمون. يريدون له موتاً - كأمثال هذا السائل وقد صرَّح بذلك - وهم الميتون، كما قال تعالى "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ..."(الأنعام: 122)، وقال تعالى "أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ"(الرعد:19).
 16- نوَّن الممنوع من الصرف :
جاء في سورة الإنسان، الآية 15: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاً).
والسؤال، لماذا جاءت قوارير منونة مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟
 الجواب:
نزل القرآن بقراءتين لهذه الكلمة: فقد قرأ نافع وابن كثير والكسائي وأبو جعفر "قواريراً" بالتنوين مصروفة منونة في هذا الموضع: "قواريراً"، ومثلها في "سلاسلاً"(الإنسان:4). وقرأ الباقون ومنهم حفص عن عاصم: "قواريرا" و"سلاسلَ" بدون تنوين على المنع من الصرف. وعلة القراءة بالتنوين – التي يستنكرها السائل - أنهما مصروفتين؛ والسبب أن بعض العرب كانت تصرف كل الكلام، وليس في لهجتهم كلام غير مصروف، بل كله مصروف. والقرآن نزل بهذا ونزل بهذا وحتى سبعة أحرف، كما جاء في الحديث. فلا يجوز تخطأة أي حرفٍ لعدم العلم به، ما دام أنه قد ورد عليه دليل. ويبدو أن السائل من النوع الذي لا يسعى وراء الأدلة، بل وراء الشبهات، ولو أنه تحرَّى لما جاءت أغلب أسئلته مما كان يمكنه الإجابة عنها بنفسه، دون اضطرار إلى انكشاف أمره، وافتضاح جهله، وحدود علمه الضيقة لما يسأل عنه.
 17- تذكير خبر الاسم المؤنث :
جاء في سورة الشورى، الآية 17: (اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ).
والسؤال، لماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث بحيث يقال: قريبة؟
الجواب:
نفس الجواب على السؤال رقم 3 - أعلى.
 18- أتَى باسم جمع بدل المثنى :
جاء في سورة التحريم، الآية 4: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
الخطاب موجّه لحفصة وعائشة، وهو في كل الأحوال موجه لاثنين أو لاثنتين. والسؤال، لماذا جاءت كلمة قلوبكما في صيغة الجمع بدل المثنّى، رغم أن المقصود شخصان ليس لهما أكثر من قلبين إثنين؟
جاء في سورة الحجرات الآية 9: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما).
والسؤال، لماذا قيل اقتتلوا ولم يقل اقتتلتا؛ طالما يتعلق الأمر بطائفتين اثنتين؟
الجواب:
نفس الجواب على السؤال رقم 5 – أعلى.
 19- وقوع المفعول موقع الفاعل :
إذ جاء في سورة الإسراء، آية 45: (حجاباً مستوراً).
والسؤال، لماذا جاءت كلمة مستورا بصيغة المفعول ولم تأتي بصيغة الفاعل فيقال: حجابا ساتراً؟
الجواب:
من أساليب اللغة العربية المشهورة – التي لا يعلمها السائل كما هو واضح – وتدخل في المجاز العقلي ايضاً - أن يُطلق إسم المفعول ويراد به الفاعل، أو أن يُطلق إسم الفاعل ويُراد به المفعول. ومثال الأول ما سأل عنه السائل أعلى؛ "حجاباً مستوراً" أي ساترا، وقولنا: "ميمون" و"مشئوم" نريد: "يامن" و"شائم"، ومثال الثاني قوله تعالى: "مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ" أي مدفوق، و قوله تعالى "فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ"؛ أي مرضية، وقوله تعالى "وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا"؛ أي مُبصرٌ به.
ويضاف إلى كون "الحجاب مستورا" أي ساتراً؛ لأن هذا من خصيصة أي حجاب، أنه ما من أحد رأى هذا الحجاب بين النبي صلى الله عليه وسلم والكافرين، وكان يقرأ القرآن أمامهم، ... ومعنى ذلك أن هذا الحجاب كان مستوراً عن الرائين، .. وعليه فقد اجتمع في نفس اللفظ كونه ساتراً – لكونه من أساليب العربية المشهورة والدارجة ولأن وظيفة الحجاب أن يستر - وكونه مستوراً بحكم الواقع المشهود من عدم رؤيته. وليس بعيداً أن يكون هذا الحجاب حجاباً عقلياً يحرم الله تعالى الفهم عن الكافرين بالآخرة؛ عقاباً على جحودهم، ومثال ذلك ما وصف الله تعالى به حالهم في قوله تعالى "وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ .."(التوبة:127).
 20- نصب الفاعل:
جاء في سورة الكهف، الآية 5: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).
والسؤال، لماذا جاءت (كَلِمَةً) منصوبة بالفتحة، في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه مرفوعة على أنها فاعل؟
الجواب:
(كَبُرَتْ) فعل ماض لإنشاء الذم، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (هي).
(كَلِمَةً) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والفاعل مضمر؛ أي: كبرت مقالتهم المذكورة، وهي قولهم: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) في الآية السابقة (الكهف:4).
 21 - لحن القرآن! (ص 111):
قال[28]: [ثمة من سمّى الأشياء بمسمياتها وتحدَّث عن أخطاء في المصحف المكتوب. فقد ورد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (سألت عائشة عن لحن القرآن : إن هذان لساحران .... فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب).]
وقال: [قال سعيد بن جبير قال: في القرآن أربعة أحرف لحن:.. و" إن هذان لساحران"]
والسؤال: الصواب أن يُقال: (إن هذين لساحران) فلما جاءت (إن هذان)؟
الجواب[11]:
لهذه الآية قراءتان: قراءة حفص وابن كثير: (إنْ هذان لساحران)، وقرأ الباقون :(إنَّ هذان لساحران) بتشديد النون. ومن المقرر أن من ضوابط قبول القراءة موافقة اللغة العربية ولو بوجه، ولا يشترط الموافقة من جميع الوجوه؛ بمعنى أن كلا القراءتين توافق على الأقل وجه واحد من وجوه العربية، ولا يلزم موافقة باقي الوجوه. وهذا من توابع نزول القرآن على سبعة أحرف.
ففي قراءة (إنْ) بالتسكين (وتسمى إن المخففة)، تقع بعدها (هذان) مبتدأ، ومن ثم فهي مرفوعة بالألف لأنها مثنى، ولا إشكال.
وفي قراءة (إنّ) بالتشديد، تقع بعدها (هذان) إسم إن (مُثنى مبني على الألف) على قراءة لغة بنى الحارث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد، فإن الألف عندهم تلزم المثنى رفعاً ونصباً وجراً، فيقولون: جاء الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان. والخلاصة أنه لا إشكال إيضاً.
أضاف فاضل السامرائي هنا لطيفة من لطائف التفسير (لم تُعلم إلا في الدراسات الحديثة)، وذلك أن نفس اللفظ (إنَّ) له أصل قديم في الآرامية: هو (إنّ)، وفي العبرية: (هِنَّ). وكلاهما بمعنى: (نعم)، وأن الإتيان بها في هذا الموطن (في قصة فرعون وموسى) جاءت موافقة لاستعمال العبرانيين أنفسهم لنفس اللفظ بمعناه، وعليه يكون معنى (إن) هنا بمعنى (نعم) كما هو مقبول في أحد معانيها في العربية، ويكون ما بعد (إن) مبتدأ (أي: "هذان") كما جاءت في الآية الكريمة.
وبعد كل هذا الطعن اللغوي! .. يزعم السائل (سعيد ناشيد) أنه لم يسع من وراء هذه التخطئة (المفضوحة لمن أتى بها) لـ (نحو القرآن) أن يطعن في مصداقية القرآن. ذلك لأنه يميز بين الوحي الذي هو من الله، والقرآن الذي هو من محمد (بزعمه)، .. وهو عذرٌ أثيم أقبح من ذنب عظيم - يقول[12]
[وإذ تثار هذه الهِنات أحياناً من باب الطّعن في صدقية أو مصداقية القرآن، فلن يكون هذا هو مقصدنا بأي حال من الأحوال، إنما غايتنا الأسمى رفع الحرج الإيماني النّاجم عن الخلط بين تأليه الوحي (وهذا يجوز) وتأليه النص (وهذا لا يجوز) ذلك أن ألوهية الوحي لا تعني بالضرورة ولا يجب أن تعني بأي حال ألوهية النص القرآني؛ عندما نعتبر أن القرآن ثمرة تأويل رسولي وإبداع بشري داخل سياق ثقافي ولغوي محدّد.]
نقول له: وهل الذين أثاروا هذه الشبهات اللغوية كان لهم غرض غير تزكية كذبهم بأن القرآن بشري وليس إلاهي؟! .. وما نراك إلا أنك تقتفي آثارهم في الرعونة، وإن كانت بصيغة مختلفة، ولكن الهدف واحد.
ويقول أيضاً[13][مجمل تلك الهنات تنتمي إلى غلبة الأسلوب التداولي الشفهي على الألسن في عصر الرسول وما تلاه. وهي مبرّرة باعتبار أن القرآن الكريم كُتب قبل تقعيد اللغة العربية، وقبل انتقالها الكامل من العصر الشفهي إلى العصر الكتابي. بل لنقل إنها هنات لا تتعلق بالقرآن وإنما تتعلق بالمصحف على وجه التحديد، ما يؤكد وجود مسافة فارقة بين كل من الوحي والقرآن والمصحف، ومن ثم جاء المصحف تأليفاً بشرياً وحاملاً بالتالي لهنات اللغة الطبيعية للبشر ... المشكلة أن تقديس النص واعتباره هو نفسه  (كلام الله) بالتمام والكمال، قاد في النهاية إلى الإبقاء على (الهنات ) النحوية كما هي طالما الله (لا يخطئ) ، وكلامه لا يقبل أي تعديل].
ونسأله، من أين أتيت بهذه القول المنكر؟! .. هل دليلك على أن القرآن كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) هو ما تُسميِّه أخطاء أو هنات في القرآن، أم دليل آخر؟ .. إن كان الأول فقد انكشف أن بينك وبين العربية بونٌ شاسع! ولا ترقى معرفتك باللغة لهذه الاسئلة الاستنكارية الانتقاصية من لغة القرآن العليا، وأنك لم تكشف إلا عن حدود علمك الضيقة بالعربية ذاتها! وإذا كان لك دليل من خارج القرآن على أن القرآن كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) – حاشاه الله - وليس كلام الله تعالى الحرفي، فأرنا إياه! فالله تعالى يقول عن نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى"(النجم:2-5)، أي وحي منطوق علمَّه إياه جبريل عليه السلام، ويقول عز وجل عنه أيضاً "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ"(الحاقة: 44-47)، فكيف يكون القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا سبيل لأن يخرج هذا الاتهام إلا من لسان أو قلم مُكذّب بالقرآن وبصدق محمد صلى الله عليه وسلم في آنٍ واحد. فإن لم يكن لـ (سعيد ناشيد) دليل غير تلك العبثيات (التي يُسميها: أخطاء أو هنات)، فقد جاء بفارغ من الدليل، وعليه وزر الزعم بها، ووزر من يصدقه عن جهالة بشأنها، فيكون قد حمل أثقالاً مع أثقاله، الله تعالى أعلم بشدَّة وطأتها.
وليت الأمر يقتصر على قصور (سعيد ناشيد) في فهم العربية، فقد لاحظنا أيضاً قصوره الـمُشين في فهمه للتفسير القرآني، وفي فهمه للحديث النبوي، وفي فهمه لاصطلاحات أصول الفقه، حيث حاد في كل ذلك حيوداً لا يقع فيه طلاب العلم، فكيف به يتصدى بهذا المستوى - المهترئ الركيك المخزي - بالنقد لأي نص ولو كتبه أديب عالم باللغة، .. ثم كيف يتطاول بهذا النقد الخائب إلى هامة القرآن التي انحنت له رايات العلماء الراسخين في اللغة، والأدب، والشعر، والتاريخ، والعلم، وما جدّ على الإنسان من معرفةٍ أياً كان اسمُها أو صِنفُها؟!
ونسوق هنا أمثلة لأخطاءٍ له؛ مُروِّعة في سوء الفهم، سواءاً كان في التفسير، أو الحديث النبوي، أو اصطلاح أصول الفقه:
- سوء فهم سعيد ناشد للتفسير (أو تلاعبه به):
قال[14]: [يُوجِّه القرآن نقداً صريحاً لأولئك الذين يجعلون الدين مذهباً وتياراً ومنهجاً، فيقول: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ" سورة الحج، الآية11 ، أي: (على وجه ومذهب)، (هكذا) يقول القرطبي[15].]
وإذا عدنا للقرطبي في تفسيره (تحت عنوان: باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف) ..... وعندما بدأ يُعدد ويشرح معنى (الحرف) وعلاقته بـ (الكلمة) في اللغة، قال: [وقد يكون الحرف في غير هذا: المذهب والوجه، قال الله عز وجل "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ" أي على وجه ومذهب، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أنزل القرآن على سبعة أحرف" أي سبعة أوجه من اللغات.] أي أن كلمة (وجه) يقصد بها القرطبي (وجه من وجوه اللغة، أي لهجة من لهجاتها) وأما كلمة (مذهب) فيقصد بها مذهب من مذاهب اللغويين، وأي مراقب لكلامه يقطع بهذا، ومن ذلك قوله (مذهب النحويين، مذهب الأوائل من الصحابة والتابعين (في الحديث عن مشكل القرآن)، و مذهب أهل الأثر والنقل، و مذهب مالك وأصحابه (في هل البسملة آية من فاتحة الكتاب)، و مذهب الأوزاعي  (في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة)... إلخ .. وهكذا، فكلمة (مذهب) لا يقصد منها القرطبي مذهب من مذاهب الدين، بل فهم فلان في مسألة كذا، وكلمة (وجه) لم يقصد منها إلا وجه من وجوه القراءة، أي: إحدى القراءات القرآنية. ... هذا هو مقصد القرطبي من عبارته (على وجه ومذهب)، والتي وضعها كأحد المعاني المحتملة لقول الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ". ....
فماذا فعل (سعيد ناشيد)؟! .. قام بتحريف مقصد القرطبي ، مباشرة بعد استحضار عبارته تلك، ، هذا إن كان قد فهمه، وقال: [الإسلام، حسب التّحديد القرآني، لا يحيل إلى مذهب أو تيّار أو نزعة] يريد بذلك أن قول الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"  جاءت في ذم اتخاذ مذهب أو تيار أو نزعة. وأن الإسلام ليس إلا فكرة وأن أي (مذهب أو تيّار أو نزعة) فمآلها إلى هذا الذم من الله، وبما في ذلك التشريعات، والمذاهب الفقهية، والنزعات التعبدية .. وليس على المنحرف بنزعته أو مذهبه، بل على إطلاق اتخاذ مذهب أو شريعة .. ودونما استثناء .. لماذا .. لأنه يريد أن يجرد الإسلام من أي ارتباط بتشريع، ويجعله محض [فكرة التوحيد الربوبي][16]. ودليلنا في ذلك ما سرده من تقديم قبل اقتباسه الذي أحال فيه إلى تفسير القرطبي أعلى، قال (سعيد ناشيد)[17]:
[ما المقصود بالإسلام؟ بدءاً وتوضيحاً نقول :لا يحيل الإسلام إلى الشريعة المحمدية، كما هو شائع لدى عامة الناس، أو كما أشاع الفقهاء وأشاعت حركات الإسلام السياسي والسلفي والجهادي، وإنما يحيل الإسلام إلى مبدأ التوحيد الرّبوبي الذي تدعو إليه كافة الأديان التوحيدية بدءا من النبي ابراهيم على الأقل إلى غاية النبي محمد، كما تبيّن الآيات التالية : "وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربِّهم لا نفرِّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" سورة البقرة، الآية 136 . "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" سورة البقرة، الآية 132 . "فلمّا أحس عيسى منهم الكفر قال مَن أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون" سورة آل عمران، الآية 52 . بل لا يحيل الإسلام لأي انتماء ديني أو هوية عقائدية. وذلك لشاهدين أساسيين :أولهما شاهد اصطلاحي؛ فإن مصطلح الإسلام لا يتضمن «ياء» الانتماء. بخلاف سائر الأديان مثل المسيح(ية)، اليهود(ية)، البوذ(ية)، البرهمان(ية) إلخ. وبخلاف سائر الإيديولوجيات أيضا، مثل الشيوع(ية)، الليبرال(ية)، اليسار(ية)، إلخ. من الواضح أن الإسلام لا يعبر عن انتماء إلى دين معين أو أيديولوجية معينة، ولا يدل الإسلام على أي نزعة أو تيار أو تحزّب، وإنما يدل الإسلام باللفظ وبالمعنى على مبدأ التوحيد الربوبي العابر للديانات.]
ثم يجيء بما بدأنا به من استشهاده بالقرطبي استشهاداً فاسداً ويقول:
[وثانيهما شاهد نصِّي؛ إذ يُوجِّه القرآن نقداً صريحاً لأولئك الذين يجعلون الدين مذهباً وتياراً ومنهجاً، فيقول "ومن الناس من يعبد الله على حرف" سورة الحج، الآية 11 ، أي (على وجه ومذهب)، يقول القرطبي (يقصد نقلاً عن القرطبي).]
هذا هو الإسلام الذي يدعو الناس إليه: إسلام عابر للديانات، أي إسلام بلا دين، ونسأله: أين أنت من قول الله تعالى "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا"(المائدة:48)؟!. نعم هذه هي طريقة (سعيد ناشيد) في التلاعب بتفسير القرطبي بافتراض أنه فهم مراده. وإن لم يكن قد فهمه، فهو يفسر بما لا يفهم، أو بما لا يفقه.
أما المعنى الذي نفهمه لقول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (بحسب ابن منظور في اللسان في معنى "حرف"= (الحرف في الأصل الطرف والجانب)، فهو: [أن من يعبد الله تعالى وهو في الدين كمن يعيش على حرف من مواقع في الأرض بحافة جبل أو نتوء منه، فمثل الأخير في عدم الثبات والتعرض لمخاطر الأذى أو السقوط أو الهويان، مثل الأول، أي أن أي فتنة ولو هيَّنة المحمل – من شبهة أو قدر أو تشكيك- يمكن أن ينكب بها على وجهه! .. لماذا؟! لأنه غير ثابت ولا مستقر على أصول دينه الصحيحة التي تكسبه مناعة تقيه الفتن؛ من هزات فكرية، وأقدار عارضة، أو تصدي لأعداء الله بالمال والنفس. وكل هذا يدخل في قول الله تعالى " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"(البقرة:214). أما من يعبد الله على حرف، كمن يسكن الحواف، مهددٌ دائما بالأخطار، ولا يستطيع شيئاً يتثبت به، فيفشل مع أول فتنة يتعرض لها، ويظهر معدنه وينكشف خذلانه.] .. هذا هو معنى " مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ " وليس ما جاء به (سعيد ناشيد) من أنه (من يعبد الله على طريقة أو مذهب)؛ يلهو ويلعب بمعاني كلام الله تعالى.
سوء فهم سعيد ناشيد للحديث النبوي، أو التلاعب به:
حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وحديث "ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ":
القول في هذا الحديث ومعناه[18]:[اللفظ: "إن الجنة تحت أقدام الأمهات" ضعيف كما قال الألباني، لكن معناه صحيح ثابت في حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم للذي جاءه يستأذنه في الغزو معه، وله أم: (الزمها، فإن الجنة عند رجلها). الحديث في المسند وسنن النسائي وابن ماجه، وهو حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب. ومعنى الحديث كما قال المناوى وابن علان أن لزومَ طاعتهن وبِرَّهُنَّ سبب قريب لدخول الجنة.]
والآن، ماذا قال (سعيد ناشيد)؟!
قال في معرض التهكم والسخرية على حديث "ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ":
[النفاق الديني أن تعتبر كل نساء الأرض ناقصات عقل ودين، وعورات، وحبائل الشيطان، وحطب جهنم، ثمّ تقول إن الجنّة تحت أقدام أمّك!]
لنؤجل القول في حديث "ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ". ولنستوضح منطق (سعيد ناشيد)؟!
يريد أن يقول: إنكم أيها المؤمنون بهذه الأحاديث تنافقون، لأنكم تصدقون أحاديث يضرب بعضها بعضا، فحديث "ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ" ينتقص من المرأة، في حين أن حديث "الجنّة تحت أقدام أمّك" ينتصر للمرأة، فأي تضارب هذا، وهو تضارب يرقى بالتأكيد إلى النفاقّ!!!
نقول: لا تستقيم هذه التهمة إلا إذا كان صاحبها يفهم من حديث " الجنّة تحت أقدام أمّك أو الأمهات (أو الحديث الصحيح الذي في معناه؛ "الزمها (أي: أمك)، فإن الجنة عند رجلها")" أنه يكرم المرأة الأم. والصحيح أن هذا الفهم شديد الفساد، ويكشف عن جهالة مفضوحة، فالحديث – سواء كان بصيغته الصحيحة أو الضعيفة – لم يتطرق إلى مصير الأم نفسها، سواء كانت في جنة أو نار، ولم يَعِدْها بشيء لكونها أم، ... إن مقصد الحديث في ابنها (أو ابنتها) الذي يلزم (رجل/قدم) (أمه/أمها)، فيطيعها ويَلزَمها ويقوم على خدمتها. أي أن التذلل ونيل رضا الأم بالجلوس عن أقدامها يجعل هذا المتذلل لأمه أقرب ما يكون إلى الجنة، ومن هنا كانت الجنة تحت أقدامها، فليسعَ إلى هذه الجنة فيجد رخصة يسيرة كي تطأها قدماه هو. أما الأم، فأمرها مجهول حتى ولو كانت الجنة عند أقدامها لأبنائها الذين يلزمون هذه الأقدام! .. فقد تكون الأم نفسها في النار، وقد تكون في الجنة، وهذا أمر لم يتطرق إليه الحديث.
لم يفهم (سعيد ناشيد) معنى الحديث على ما أُريد منه. فذهب هو يضرب الأحاديث بعضها ببعض عن جهالة، ويستخرج منها ما ظن أنه نفاق، والحقيقة أنه لم يخرج منه إلا كلمات مبكيات مضحكات على الزعم بهذا النفاق.
أما حديث ناقصات عقل ودين، فلم يفهمه (سعيد ناشيد) أيضاً، وربما لو قرأه كاملاً لفهمه، ولكنه لم يكن يسع إلى ذلك، بل كان – كعادته – يبحث عن أي شبهة يدين بها الإسلام! .. وهذا هو نص الحديث بتمامه كما جاء في البخاري، وليته يفهمه أيضاً:
"يا معشرَ النساءِ تصدَّقنَ، فإني رأيتُكنَّ أكثرَ أهلِ النارِ". فقُلنَ: وبمَ ذلكَ يا رسول الله؟ قال: "تُكْثِرنَ اللَّعنَ، وتَكْفُرْنَ العشيرَ، مارأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أذهبَ للبِّ الرجلِ الحازمِ من إحداكُنَّ يا معشرَ النساءِ! ". قُلنَ: وما نقصانُ ديننا وعقلِنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادةُ المرأةِ مثل نصفِ شهادةِ الرجل؟ ". قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلِها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ ". قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينِها".
- سوء فهم سعيد ناشيد لاصطلاح أصول الفقه: ("النص"):
في معرض مهاجمة (سعيد ناشيد) للقاعدة الفقهية الأصولية: "لا اجتهاد مع النص"، قال كلاماً كثيراً لا يستفز المتخصصين إلا على الضحك والتفكه على أمثاله! لأنه لم يفهم هذه القاعدة أولاً، ثم ذهب - حاملاً بين جنبيه سوء فهمه - يسخر ويتهكم عليها وعلى أهلها. فقد ظن - أصلحه الله أو أخزاه (لا ندري ما الذي يستحقه حقا) - ظن أن كل ما أتى في القرآن من الفاتحة وحتى سورة الناس يدخل في عداد اصطلاح الـ "نص"!!! .. نعم .. هكذا ظن! .. ويعلم الأصوليون والفقهاء وأهل العلم الشرعي جميعاً أن الأمر ليس كذلك، على ما سنبينه بعد قليل. لذا سنورد كلامه أولاً  كما كتبه، ثم نوضح الأمر. قال[19]:
[إذا قالوا لك لا اجتهاد مع وجود النص، قلْ لهم :بل أُنزل النص على سبعة أحرف كما أخبرنا الرّسول الكريم،  لكنكم أبقيتم في الأخير على حرف واحد. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل في النص آيات محكمات وأخرى متشابهات، لكنكم جعلتم جميع آياته محكَمات. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل يحفل النص بالناسخ والمنسوخ باختلاف الأحوال، حيث المنسوخ حكمه والمنسوخ لفظه والمنسوخ على الوجهين، ورغم ذلك تُقدِّرون كيفما اتفق. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل آيات النص حمّالة أوجه يعارض بعضها بعضاً كما أخبرنا عليّ بن أبي طالب، لكنكم تُغلِّبون وجهاً واحداً في الأخير. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل لكل آية من آياته أكثر من سبب نزول واحد، غير أنكم تُرجِّحون سبباً واحداً أو اثنين أو أكثر..بحسب الطلب. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل للنص عشرات التفاسير التي تنتقون بعضها وفق المزاج الخاص أو المزاج العام. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. بل ترتيب آيات وسور القرآن الكريم هو اجتهاد الصحابة، وتنقيط حروفه وإعراب كلماته هو اجتهاد التابعين، وإقرار القراءات العشر هو اجتهاد تابعي التابعين إلخ. وفي ذلك اجتهدتم وما زلتم تجتهدون. قلْ : عجباً، فإنّ فهم النص هو ثمرة اجتهادكم واجتهاد بعض شيوخكم السابقين، بل إنّ بناء النص نفسه هو ثمرة مسار اجتهادي وتوافق سياسي وتحوّل لغوي وتطور كتابي ساهم فيه الكثير من الأولين على مدى أجيال كثيرة، غير أنكم باسم هذا "الاجتهاد" تغلقون اليوم باب الاجتهاد!]
نقول: ألم يعلم هذا الرجل أن لكل علم اصطلاحه، وأن هذه القاعدة تتبع علم أصول الفقه؟!
لماذا لم يستشر هذا العلم، أو أي من رجاله، فيسأل: ما معنى هذه القاعدة؟ ..
نعم، إن لم يسأل، وذهب بمحض وهمه يضع المعاني حسب فهمه الذي رأينا قصوره سابقاً في طعنه في نحو القرآن، وتبين رعونته فيه، ورأيناه في التفسير وفي معاني الحديث، ورأينا تخرصه فيهما. والآن نراه في أصول الفقه، ونترك الحكم للقارئ وفطنته. ولو فعل الناس كما يفعل، وذهب كل قارئ للغة العربية كما تعلمها من أمه، لقرأ اصطلاحات العلوم بحسب ما يمليها عليه فهمه العامي، فقال: المرفوع هو ما حملناه إلى أعلى، والمجرور ما ربطناه بحبل وسحبناه على الأرض، والمنصوب هو ما أقمناه على رأس عمود واقف على الأرض، والبلاغة هي كلام المتكلم إذا بلغ أعلى المبالغ، والبيان هو الكلام البين معناه، فإن لم أفهمه فقد خلا من البيان، وتكون النتيجة أن تضيع اصطلاحات العربية في عبثياته، .. وسيقول أيضاً القوة هي ما تُبقِي الشيء متحركا، وعزم القوة ليس إلا الإصرار على إنجاز الفعل بقوة، فتضيع اصطلاحات الفيزياء، ويقول أيضاً الزاوية هي انعواج الخط إذا انزوى، وجيبها هو مقادر انفراجها ، ويضيع علم الهندسة ... وذلك إلى آخر جهالات (المنهج المعرفي الذي يتبعه) ... ونسأله من أين أتيت بأن معنى (النص) في القرآن هو كل كلام القرآن؟!.
نقول له أصلحك الله، .. كلمة "النص" في القاعدة "لا اجتهاد مع النص" ليست إلا اصطلاحاً متواضعاً عليه في علم أصول الفقه، ولا علاقة له بمجمل كلام أي متكلم كما كشفت عن فهمك لها، ومن ثم  فهي ليس المقابل لكلمة text التي ترجمها المترجمون إلى "نص" باللغة العربية، تماماً مثل كل الاصطلاحات التي مررنا عليها أعلى ورأينا كيف يفهمها الطفل الأمي الذي لم يتعلم علماً قط؛ لا علم النحو ولا البلاغة، ولا البيان، ولا الفيزياء، ولا الهندسة ولا شيءٍ البتة.
وإذا فهمت ذلك يا (سعيد ناشيد) أو أي من الببغاوات الذين من الممكن أن يرددوا كلامك، (وقد رأينا آحاداً منهم على النت)، فاعلم أن لفظ (النص) في قاعدة (لا اجتهاد مع النص) يعني: [اللّفظ الّذي لا يحتمل إلاّ معنىً واحداً فقط]، وهو أعلى درجات وضوح المعنى لكلام المتكلم،
يليه في الوضوح (الظاهر)، وتعريفه: [اللفظ المحتمل لمعنى راجح ويقابله معنى أو أكثر مرجوح]
يليه في الوضوح (الـمُؤَوَّل)، وتعريفه: [اللّفظ المحمول على المعنى المرجوح، لعلة تمنع حمله على الظاهر]
يليه في الوضوح (الـمُجْمَل)، وتعريفه: [اللّفظ المحتمل لمعنيين أو أكثر، دون رجحان لأحدهما على الآخر]
(ملاحظة: هناك تفصيلات لا يحتاج إليها المبتدئ أمثال (سعيد ناشيد))
وكل هذه الأنواع في القرآن، .. نعم .. جميعها في القرآن، .. أي أن القرآن منه (نص) ومنه (غير نص)... والآن لا بد أنك أيقنت أنك لغوت بما لا تفقه عندما سميت كل كلام القرآن (نص) وأخذت تتهكم على قاعدة (لا اجتهاد مع النص). لأن المقصود من القاعدة أنه لا اجتهاد مع ما كان في القرآن على درجة النص فقط، أي ما كان لا يحتمل إلا معنىً واحداً فقط، وهذا هو (النص)، لأنه بحكم تعريفه لا  يحتمل إلا معنىً واحداً، ففيمَ يجتهد من يزعم فيه اجتهاد؟! .. أما ما عداه (من ظاهر ومُؤول ومجُمل) فيجوز فيه الاجتهاد ... نعم يا أخانا (في اللغة العربية - إن كنت من أهلها) هذه هي القصة التي لم تستطع فهمها في مسألة (النص)، أو لم تسع إلى العلم بها، والتي تعجلت بالسخرية والنكارهة على أهلها، ولو لم تتكبر على السؤال والعلم لم أحرجت نفسك .. نعم .. يجب أن تشفق على نفسك كما أشفق عليك .. وكما يشفق عليك القراء .. لشدة الحرج الذي أوقعت نفسك فيه ... ولو كنت أنا مكانك لانزويت ... واختفيت ... وتمنيت أني لم تلدني أمي. أصلحك الله وأصلح أمثالك، هذا إن شاء الله لك الصلاح، وإلا فابكِ على حالك، والزم دارك؟
نكوص سعيد ناشيد عن مستويات (التفسير العلمي) لآي القرآن، وعدم أهليته للفتوى فيه بالإيجاب أو بالسلب:
يأتي سعيد ناشيد (تحت عنوان: "ليس القرآن علماً") بقنطار من الجهالات التفسيرية في الآيات الكونية، وهذا نص كلامه[20] (وندرج فيه تعليقاتنا السريعة بين أقواس هلالية):
يقول:[كثيراً ما يتحدّث القرآن الكريم عن الشمس والقمر والكواكب والنجوم، لكنه خلاف ما يُروِّج أنصار خرافة الإعجاز العلمي، لا يقدم - وليست وظيفته أن يقدم - أيّ نظرية علمية في الفيزياء أو الفلك. (نقول: ليس لأحد أن يقرر ما هي وظيفة القرآن على التفصيل إلا بصريح القرآن، يستكمل:) عدا التّلميح الى كرويّة الأرض، وهي فرضيّة شائعة عند بعض مُتَعلمي العصور القديمة، لا أثر لأي ثورة على التصور القَداميّ لنظام المجموعة الشمسية، حيث كانت الشمس الجارية والسّابحة تتحرك حول الأرض الرّاسية والمستقرة. بل في أدق وأصدق الملاحظات، يمكن القول : ينتمي تصوّر الخطاب القرآني لنظام الكون إلى تصورات إنسان العصر الوسيط، وإلى مفاهيم ما قبل الثورة الكوبرنيكية. (نقول: بنى المتكلم هذا التصور على تصور المفسرين القدامى، وليس على تحليل كلام الله تعالى ومواجهته بالمكتشفات اليقينية، يستكمل:) وهذا طبيعي بالنّظر إلى أنّ دور القرآن ليس الكشف عن الحقائق العلمية، وإنّما دوره الأساس هو التبشير بتوحيد الرّبوبية (لا إله إلا الله) ضمن تصورات ثقافية تنتمي في مجملها إلى النظرة العلمية القديمة (نقول: هذا إسقاط من فهم المتكلم على القرآن، وينبغي أن يُعلم مراد القرآن بعيداً عن أي إسقاط تصور بشري كتصوره الشخصي، يستكمل:).
وبالأحرى، حين نعود إلى القرآن المحمّدي (نقول: نلاحظ تسميته بالقرآن المحمدي، لأنه يؤمن بأنه كلام محمد (صلى الله عليه وسلم وليس كلام الله سبحانه، يستكمل:)، نستنتج ثلاث خلاصات :
أولا، الأرض ليست كوكبا في السماء. بحيث لا توجد أيّ آية تعتبر الأرض كوكباً كسائر الكواكب. بل يغلب على التصور القرآني أنّ الأرض ليست ضمن الكواكب الموجودة في السماء. إذ يقول: (إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون الى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) سورة الصافات، الآيات من 5 إلى 10. (نقول: لفظ "الكوكب" عند العرب هو ما يُرى من الأرض ويتحرك باستقلال عن النجوم، وقد استُعير نفس اللفظ في علم الفلك الحديث ليعني الأجرام الباردة التي تدور حول الشمس – والنجوم، بعد أن تم التعرف على الشمس بأنها نجم-، وهذه الاستعارة الاصطلاحية خاصة، فكيف أراد المتكلم أن ينطق بها القرآن وهي اصطلاح كان يمكن ألا يكون، وكان يمكن لأهل الفلك أن يأخذوا اصطلاحاً آخر مثل: ("التابع الشمسي" أي: التابع (للشمس) Sun-Satellite)، فهل كان سيقول سعيد ناشيد ساعتها أن القرآن لم يتكلم عن الأرض على أنها (تابع شمسي)؟!. إن هذا الرجل لا يفهم أن كلام القرآن مستقل عن اصطلاحات الناس، ومن لا يفهم ذلك فهو مُتقوِّل على القرآن، جاهل بالعلاقة بين كلام القرآن الذي يقول الحق في الأشياء، واصطلاحات الناس التي تواضعوا عليها مع افتراقها عن معاني القرآن سواء كانت بعيدة أو قريبة عن عين الاصطلاح. وكان أولى بالمتكلم أن يسأل: لماذا لم يتكلم القرآن عن الأرض ويشير إلى سباحتها أو دورانها حول الشمس ليعمها اصطلاح "الكوكب" الجديد فيشملها فيما اصطلحنا عليه بإسم "كوكب"؟، ولو جاء سؤاله هكذا لكان مصيباً، ولأجبناه أن ذلك وارد في القرآن في أكثر من مكان، منها قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33) حيث يجب أن تنطبق السباحة على ما ذكر قبلها، وحيث أن الليل والنهار لا يسبحان لأنهما ليسا أجراما كالشمس والقمر، فلا بد وأنهما محمولان على جرم يسبحان (وهم على متنه) بسباحته، وما هذا الجرم إلا الأرض. لأنهما ليله ونهاره. هذا من حيث السباحة، ولأن الآية ذكرت أن السباحة في فلك، فلا بد وأن للأرض (وهي تحمل على متنها الليل والنهار) فلك تسبح فيه. أما من حيث دوران الأرض حول نفسها، فيمكن فهم ذلك من قول الله تعالى "لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ"(يس:40) حيث أن سكون الأرض لا يأتلف مع مراد هذه الآية، لأن الشمس تسبق القمر فتدور 27 دورة لكل دورة واحدة للقمر، ولا يصحح كونها أبطأ من القمر على الحقيقة بالنسبة للأرض - كما جاء بالآية - إلا بحسم دوران الأرض حول نفسها. وجمع هاتين الحقيقتين معاً ينتج عنه مراد الآية؛ وهي أن الشمس لا تدرك (= ليست أسرع من) القمر. ويمكننا أن نستطرد في آيات أخرى لو أردنا - إلا أن سعيد ناشيد لن يفهم كلامنا! .. فنكتفي بذلك إشفاقاً عليه - ونستكمل التفكه مع كلامه!!، يستكمل ويقول:).
ثانياً، الشمس تجري، والأرض مستقرّة. لا توجد آية تؤكد أن الأرض تتحرك، بل الرّاجح أن الأرض ثابتة إلى أن يشاء الله. (ليس هناك ما يشير إلى سكون الأرض سكوناً مطلقا في آيات القرآن، وما ذكرناه لتونا يؤكد حركة الأرض سواء كانت سابحة في فلك لها وتحمل على متنها الليل والنهار أو حول نفسها، .. يستكمل ويقول:) وخلاف ذلك، كثيرة هي الآيات التي تؤكد حركة الشمس. نذكر من بينها ما يلي: (وسخّر لكم الشمس و القمرَ دائبين) سورة ابراهيم، الآية33. دائبين : أي يسيران لا يفترقان (نقول: خطأ: الدائب من الدؤوب أي أن حركة كل منهما لا تنقطع، ولا يلزم عن هذا افتراقهما أو عدمه، يستكمل ويقول:). (و الشمس تجري لمستقرٍ لها) سورة يس، الآية 38  (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليلُ سابق النهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون) سورة يس، الآية 40. (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمرَ كلٌّ في فَلَكٍ يسبحون) سورة الأنبياء، الآية  33. (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلُّ يجري لأجلٍ مسمى) سورة فاطر، الآية 33 (وسخر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّى) سورة الرعد، الآية 2. إذاً حركة الشمس مظهر واضح وصريح في النص القرآني (نقول: وهل قال الفلك الحديث والمحقق النتائج أن الشمس لا تجري؟! .. هذا كلام لا يقوله إلا جاهل بأمر الشمس وعلم الفلك المؤسس على التحليل العلمي الرصين. الشمس تجري في فلك لها حول المجرة، إلا إذا كان المتكلم لا يعلم، فتكون طامةٌ تُضم إلى طوامه الأخرى، .. يستكمل ويقول:). في المقابل، ذُكرت الأرض في القرآن الكريم أكثر من أربع مئة مرّة، ولم تُقرن في أي مرّة من المرّات بالحركة والدّوران والجريان.(نقول: ذكرنا لتونا شيء من أدلة دوران الأرض وحركتها في القرآن، ولا يحتج علينا جاهل بمعاني آيات القرآن، وقد تبين لنا جهله بمعانيه في مواضع لغوية لا تُحصى، فكيف به في المعاني الفلكية؟!، يستكمل ويقول:) بل، خلاف ذلك، عادة ما يأتي ذكر الأرض مقروناً بأفعال الثبات والاستقرار، كما تبيِّن الآيات التالية : (جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) سورة غافر، الآية .64 (أمن جعل الارض قراراً وجعل خلالها انهارا وجل لها رواسي) سورة النمل، الآية 61 . (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي...) سورة الحجر، الآية 19 . (والأرض وضعها للآنام) سورة الرّحمان، الآية 10. (نقول: نعم الأرض قرار لأهلها مثلما أن الرحم قرار للجنين، كما قال الله تعالى "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ"، فهل الرحم ومن هو في جوفها لا يتحرك مع حركتها حتى يكون رحمها قراراً للجنين؟! - أللهم أنعم علينا بالعقل - ونسأل: هل الرواسي تعني عدم الحركة أم عدم الـمَيدان؟ّ – الذي لا يعلم يقول الحركة، والذي يعلم الفرق بين الحركة المنتظمة والحركة المائدة يعلم أن الرواسي تمنع الميدان ولا تمنع الحركة المنتظمة. ونستغرب: كيف لمن لا يفقه دراسات الحركة أن يتكلم في شأنها، فيُبطل ويَمنع وهو قاصر عن معاني ما يتكلم فيه؟! .. كيف؟!، أوليس هذا ما قال الله تعالى فيه "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"(الإسراء: 36) ولكن (سعيد ناشيد) لم ولا يأتمر بالقرآن، وكيف يأتمر به وهو يعتبره من آثار التاريخ الغابر الذي لم يعد يصلح لهذا العصر؟!، ونستكمل معه فُكاهياته، يقول:)
ثالثا، الكون امتداد عمودي. لنبدأ بسؤال بسيط ويبدو ساذجاً: داخل تصورات العالم القديم أين كان يبدأ العالم وأين ينتهي؟ في المستوى الأفقي، لا أحد كان يعلم أين يبدأ العالم وأين ينتهي، لكن الغالب على ظن الإنسان القديم أن العالم تحدّه البحار أو الصحاري أو الظلمات أو الخواء أو الأرواح، إلخ. لكن، في المستوى العمودي، كان العالم يمتدّ بكل وضوح من الأرض أو من حفرة الجحيم تحت سطح الأرض، إلى غاية السماء الثالثة أو السابعة أو العاشرة أو الثانية عشر، باختلاف تمثلات الطوائف والأديان. على نفس المنوال، يتصور الخطاب القرآني الكون باعتباره امتداداً صاعداً من قشرة الأرض إلى السماء السابعة. فالغالب على الكون القرآني أنّه امتداد عمودي وتدرّجي من العوالم الفوقية، الإلهية، النورانية، الرّوحانية، إلى العوالم التحتية، البشرية، المادية. وليس يخفى أن هذا التصور الكوسمولوجي للكون باعتباره طبقات عمودية متفاوتة في الطبيعة والجوهر، وإضفاء الطابع الأخلاقي على هذا التفاوت، يتناغم إلى حد ما مع فيزياء أرسطو التي سادت العالم القديم واستمر تأثيرها إلى حدود فيزياء نيوتن. وفي كل الأحوال، طبيعي أن يعكس القرآن المحمدي تصورات البشر الذين كان يخاطبهم بنحو مباشر، بشر ما قبل العلم الحديث (نقول: تركناه يغوص في أعماق التخبط، ونطرح عليه آية واحدة تهدم كل ما قاله حول ما سماه "الكون امتداد عمودي" ألا وهي قوله تعالى "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "(الزمر:5))، ونسأله: كيف يكون الكون عمودي (على خط رأسي له أعلى وأسفل فقط) وفي نفس الوقت يتكور الليل على النهار والنهار على الليل؟! ... ثم أين الأفلاك التي تدور فيها الشمس والقمر وأمثالهما (في عموم لفظ "كل" في قوله تعالى "كلٌّ في فلك يسبحون"؟! .. لن يستطيع الإجابة لأنه يَكْذِب على معاني القرآن كما كذب على نسبته إلى الله تعالى وكما كذب على نبينا من قبل بأنه ألحق لله ما ليس له، ... ونستكمل عبثياته، يقول:). مثل ما جاء في الآيتين التاليتين: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت...) سورة الملك، الآية 3. (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً) سورة نوح الآية 15 . (نقول: هذه آيات لم يكتشف العلم الحديث بعد أسرار ما تخبرنا عنه، فكيف يستشهد بما يجهل؟ وعلى ماذا يستشهد؟ ... علم الفلك الحديث يخبر أن الكون متصاعد في بنيته من جميع جهات الأرض، القمر يدور حول الأرض، والأرض حول الشمس، والشمس حول مركز السديم، والسديم حول مركز المجرة، والمجرة حول مركز المجموعة المجرية .. وهكذا إلى بنية كونية تتعاظم في بناء عمودي من حيث عظمة الأعلى بالنسبة لما دونه، فهذا بناء عمودي كروي وليس عمودي خطي، وكذلك السموات في الآيات التي جاء يستشهد بها علينا وهو جاهل بها وبعلم الفلك، فعلامَ يستشهد هذا الرجل وقد هدمنا تصوره الطفولي الجهولي في الكون العمودي الذي كان تصور الناس القُدامى، وليس تصور آيات ربنا المتلوة "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ" أو "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" سبحانه وتعالى العليم بما خلق، وسحقاً للمكذبين، الطاعنين في معاني آيات الله الحكيمة، ... وأخيراً يأتينا بما ظن أنه محصلة القول!! ويقول:) يقوم التصور القرآني لنظام المجموعة الشمسية على أربع مسلَّمات، وهي على النحو التالي:
-1 ان السماوات شيء والأرض شيء آخر. (نقول له: الفلك وعلم الكونيات الحديث والفيزياء الكونية والجسيمية، تقول أن الأجرام (أي المادة المتجرمة) شيء (ذوات كتلة mass) والمجالات والحقول شيء آخر (fields)، فهل اعترض عليها، لا يستطيع ... لماذا؟ ...لأنه يؤله الغرب وإنجازاته، لذلك لا يعترض عليهم! .. ثم بماذا يعترض؟! .. إنه لا يدري .. وليس أهل للاعتراض؟!)
-2 السماوات طبقات من الكون عمودية، من الأعلى إلى الأدنى أو العكس.(نقول: السموات كرات بعضها حول بعض) ومن قال بسفلية سحيقة، وعلوية متعالية على خط واحد فهم جُهَّال القرون الماضية من عوام الناس، وقد صحح لهم ابن تيمية سوء فهمهم، وهو يشرح لهم أن السُفل بالنسبة للواقف على الأرض إنما هو مركز الأرض، يراجع في ذلك ردنا على خالد منتصر، و(خالد منتصر) أيضاً عضو آخر في المدرسة التي صنفنا فيها (سعيد ناشيد)؛ وسميناها [المدرسة الرعناء]. 
-3 الأرض مستقرة مباشرة تحت السماء الدنيا. (نقول: الأرض مستقرة عن الـمَيَدان، وليست مستقرة عن الحركة المنتظمة، والسماء الدنيا، تعني الدنيا من الأرض، يعني القريبة، أي أنه دنو نسبي).
-4 الكواكب موجودة في السماء الدنيا زينة لها ولحفظ السماء من كل شيطان مارد.(نقول: الكواكب أجرام من حجارة، ومنها ما هو مفكك مثل حزام الكويكبات الذي يدور في فلك أقرب للأرض من كوكب المشترى، ومنه تخرج أحجارٌ كثيرة تحترق إذا دخلت غلاف الأرض الغازي وتسمى عندئذ شهبا. وجاء كلام القرآن – الذي هو كلام الحكيم العليم – عن شهب خاصة سماها القرآن "شهباً رصدا"، ومثلما أن الإنسان يستخدم الحجارة  ومعادنها لقذف أعدائه، وكذلك الله تعالى – ولله المثل الأعلى – يستخدم شهبه لقذف المتطاولين من سكان الأرض من الجن عن التسمع إلى أخبار السماء. فأين الإشكال؟! ... أللهم إلا إذا كان سوءاً في الفهم كما عوَّدنا سعيد ناشيد بطول كتابه وعرضه .. ولنُكمل الاستماع إلى تخبطاته:) هكذا، يصعب أن نلوي الكلمات ونستخرج منها إعجازاً كوبرنيكياً مزعوماً. بل، سيكون هذا ضرباً من العبث بالقرآن الكريم وبوظيفته الأساسية. (نقول: العبث الحقيقي هو عدم فهم آيات القرآن – نحواً ودلالةً - وبمعية ما خلق الله من آيات كونية وما أتى لها ذكرٌ في القرآن، ونستكمل كلامه، يقول:) ومع ذلك، نريد أن نقول بكل وضوح وشفافية، إننا حين ننظر إلى النص القرآني بمنظار النظريات العلمية الحديثة، فإننا نظلم القرآن ونظلم العلم ونحكم على أنفسنا بالفصام بين ما نقوله أو نسمعه في حصص الفيزياء، وبين ما نقوله أو نسمعه في خطب الجمعة. ولغاية تجاوز هذا الوعي الفصامي بين أن تكون السماء فوقنا (وفق منطوق الخطاب الديني) وأن نكون نحن الآن في السماء ندور حول الشمس (حسب تصورات الخطاب العلمي)، لا يكفي أن ندعو إلى الفصل بين قبعة العلم وعمامة الدين، لا بد من مبرر اجتهادي لهذا الفصل حتى تبقى العلاقة بين خطاب العقل وخطاب الوجدان علاقة متوازنة. (نقول: الحق الذي نطق به الله تعالى لا يتعارض مع الحق الذي خلقه الله تعالى، وما نقتفيه ليس كلام الغرب، بل أدلته الصادقة إن تكشفت وتجلت، وإن كان فهم المتكلم هو ما ذكر، فحجته على نفسه وفصامه فصام شخصي، وعقدته – التي ذكرها عن نفسه[21]- عقدة نفسية تحتاج إلى طبيب يعالجه منها، وها هو ابن تيمية قد ذكر مسألة أن السماء حولنا من كل جهة في كتب الفقه، راجع مقالتنا عن خالد منتصر، وليس هناك أي سُفل سحيق موهوم، فهل قرأ وتعلم منه شيء؟! .. إنه إذاً الكبر والعناد والجحود .. إلا على ما يهواه ويدعو الناس إليه من عزل القرآن في المساجد (للترتيل والابنتهال) حَجراً من عند نفسه وجماعته ممن يسمون أنفسهم بالحداثيين، وهم أقرب الناس إلى الجاهليين، يريدون بذلك أن يتخلصوا من إلزامات القرآن لمن آمن به، والغريب أنهم ما زالوا يدعون أنهم مؤمنون بالقرآن، نعم: هم مؤمنون بشروطهم، وهي أن يُعطِّلوه عن العمل، ويجعلوه للوجدان والمجاز الشعري يُتغنّى به فقط، وليس للتعقل والتفعيل الدنيوي والعلم بخلق الله وحكمته، ويدعو سعيد ناشيد إلى ذلك ويقول:) وهذا ما أومن بإمكانية تحققه وأناضل من أجل المساهمة في إنجازه. لا بدّ أن يدرك الناس والمثقفون والفقهاء والمتعلمون والمسؤولون عن السياسات التعليمية والإعلامية والثقافية أن فصل الدين عن العلم لا يعني إقصاء الدين، بأي حال من الأحوال. تماماً مثلما نستطيع أن نفصل المجاز الشعري عن مجال الخطاب العلمي من دون أن يزعم أي أحد أننا بذلك نقصي الشعر أو ننتقص من عظمته. (نقول" هذا هو إذاً التمثيل للقرآن؛ الشعر والمجاز الشعري، ونستكمل كلامه، يقول:)
على هذا الأساس، إذا صحّ أن الحديث عن طبقات السماء وعن الامتداد الأفقي في المجموعة الشمسية (نقول: لا يصح وقد أثبتنا خلافه) يندرج ضمن المجاز الابتهالي (نقول: هذا ما يريده، أن يتحول القرآن إلى مجاز ابتهالي)، فالنتيجة أن نعتبر أن القرآن الكريم لا يقدم أي نظرية علمية، ولا يمكن أن يكون مرجعاً لأي معرفة علمية (نقول: ليس بغريب أن يُنادي إلى ذلك، وقد نادى قبلها إلا أن القرآن أخطأ في القواعد النحوية وأظهرنا ضحالة فهمه، وكما أنه كان كاذباً في هذه فهو كاذبٌٌ في هذه، .. يستكمل ويقول:) عدا ذلك، حين نعلم علم الحس السليم بأن الخطاب القرآني محض تأوّل قام به الرّسول الكريم أثناء تمثّل الإشارات الربانية، (هكذا يريد أن يقيم حجة خائبة ويصل إلى نفي كون القرآن كلام الله، بعد أن فرَّغ القرآن - بظنه وسوء فهمه - من القيمة اللغوية والانضباط النحوي والبلاغي، يسعى أعلى ليفرغ القرآن من القيمة العلمية والرصانية المعرفية، ثم يدعي كذباً - بناءاً على ذلك - أن القرآن محض تأوٌّل ألَّفه الرسول بلفظه ومن عندياته الثقافية التي – بحسب المتكلم – عفا عليها الزمن ... يستكمل ويقول:) بوسعنا أن نفهم، دون عناء يُذكر، كيف أنّ الخطاب القرآني يعكس منذ البدء المستوى العلمي للعصر الذي عاش فيه الرّسول، وهو عصر سبق العلم، وسبق الفيزياء، وسبق الثورة الكوبرنيكية بمئات السنين. إنه عصر القدامة العلمية (نقول: هكذا تنغلق المسرحية الهزلية لسعيد ناشيد، وخلاصتها أن: اكتفوا يا مسلمين بالتغني بالقرآن في محاريبكم، غناءاً شعرياً ابتهالياً (هاليلويا : كما يبتهل أهل الكتاب)، وإياكم أن تخرجوه إلى الحياة، لأن معانيه قد ماتت لأنه مخلوق، وكل مخلوق ميت – وهو ما بدأ به هذه المسرحية الكاذبة الخاطئة.حاشية رقم (1)].
نظرية (سعيد ناشيد):
نظرية مبعثها الإلحاد في آيات كتاب الله تعالى، وأنه ليس وحياً من الله بآياته وأساليبه ولفظه وحرفه، وإنما هو اجتهاد بشري من خواطر وتأويل ولفظ وتأليف النبي، تحت تأثير وحي وجداني لا أكثر، ونبوة مصدرها الخيال.
قال[22][القرآن استعمل أساليب "نحوية" تنتمي إلى مرحلة ما قبل قواعد اللغة. وهذا ما يفسر أوجه الاختلال والأخطاء في النص المدوّن].
كما أنه لا يعترف بالقراءات المعتمدة، ولا حديث النبي التأصيلي لها، حيث قال[23]
[كثيراً ما استعمل الخطاب القرآني الرّصيد اللغوي الشفهي المنتشر، والمتنافر في بعض الأحيان، لمختلف قبائل عدنان وقحطان. وليس يخفى أن ما قد يبدو نحواً عند البعض قد يكون لحناً عند البعض الآخر، وما صار خطأ من منظور المرحلة الكتابية، لم يكن خطأ من منظور المرحلة الشفوية.] وقد رددنا عليه وبينا كم هي عابثة استدراكاته على (نحو القرآن) وتدعو للرثاء لحال صاحبها.
ثقافة (سعيد ناشيد): صوفية فلسفية كلامية، مع فقر شديد يصل إلى حد العدم – كما رأينا – في فهم اللغة، والتفسير، والحديث، ولغة علماء الأصول، فكيف ينتقد لغة القرآن، وإلى أي ركن في العلم يرتكن؟!
ويمكننا الوقوف على خلفيته الثقافية من كلامه:
قال[24]:[أحاول في هذا الكتاب أن أستلهم مقاربات كل من الفارابي وابن عربي وسبينوزا (فيلسوف يهودي هولندي، وقد نبذه أهله والجالية اليهودية في أمستردام سنة 1656 بسبب ادعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون) لمفهوم النبوّة، وكذلك أستلهم آراء عدد من المصلحين أمثال عبد الكريم سروش ومحمد الشبستري (وهما ليبراليان من شيعة إيران) وأحمد القبانجي (ليبرالي من شيعة العراق)، وأيضاً أستثمر بعض المفاهيم والتصورات التراثية التي صاغها جورج طرابيشي (ليبرالي مسيحي سوري) في مشروعه النقدي. وقبل هذا وذاك أعتمد أساساً على علماء القرآن القدماء (السيوطي والقرطبي والسجستاني وغيرهم)، وصولاً إلى بعض المستشرقين على رأسهم (تيودور نولدكه) (مُنع كتابه المُترجم عن تاريخ القرآن من التداول في كثير من الدول العربية)، لكي أستنتج في الأخير أطروحة متكاملة قد تساعدنا في إعادة بناء العلاقة مع النص القرآني على أساس تعبّدي قد يساهم في طمأنينة النفس، بعيداً عن أي توظيف سياسي أو تحريضي أو إيديولوجي قد ينتج البغضاء والطغيان والتطرّف.]
أما عن ذكره (السيوطي والقرطبي والسجستاني) فلم يكن إلا ذراً للرماد في العيون. وقد رأينا أعلى مثالاً لما التقطه من تفسير القرطبي، .. فلا هو وقف على مراد القرطبي، ولا هو قارب المعنى الصحيح من أي وجه، بل شطح بالمعاني أبعد ما يكون عما تستدعيه العربية من أي ناطق بها.
ويتضح من كلامه أعلى أن له مشروعاً مسبق التصور والفهم، بناه من كلام الفلاسفة قديما، والليبراليين الحداثيين وشيخ المستشرقين المتربص بالإسلام، وهو أنه يُقصِر الإسلام على بناء علاقة مع النص القرآني على أساس تعبدي نُسُكي شِعري وِجداني ابتهالي، ويطرح كل ما عدى ذلك، من شرعٍ وأمرٍ ونهيٍ وفهمٍ للخلق فيما مضى وفيما هو آت، بما فيه معاني الآيات المستقلة عن المشاريع البشرية الإسقاطية. وهذا الذي فعله هو ما نهى الله تعالى عنه حيث قال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(الحجرات:1)، أي: لا تقترحوا من عند أنفسكم مشاريع فكرية تُمليها أهواؤكم، ثم تَجُرُّوا إليها كلام الله جرا. بل عليكم بالنظر إلى ما يمليه الله تعالى - ورسوله- عليكم من أمرٍ وتوجيه ونهي، وما كان من مشاريعكم ما يصطف مع أمر الله، فبها ونعم، وتكون هذه المشاريع عندئذ وسيلتكم إلى إرضاء الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(المائدة:35). أما أن يَقلِب أحدُنا الأمور، فسيقع في مثل ما وقع فيه هذا الرجل، ويلوي أعناق الآيات لتأتلف مع تخريفات سبينوزا وابن عربي والفارابي والمستشرق تيودور نولدكه، فلا وألف لا، وذلك مثل قوله الذي يُكذِّب فيه أصول الوحي والنبوة في الإسلام، حين قال[25][أجمع جل فلاسفة الإسلام، أمثال الفارابي وابن سينا وابن عربي، على أن طريق الاتصال (يقصد بين الله تعالى والنبي) هو الخيال. وذلك هو الرّأي الذي أكده بوضوح سبينوزا حين كتب يقول[26]: (لم يتلق أي شخص وحياً من الله دون الالتجاء إلى الخيال، أي إلى كلام أو إلى صور، وينتج عن ذلك أن النبوة لا تتطلب ذهنا كاملا بل خيالا خصباً).] ومثل قوله الذي يزيح فيه القرآن عن مدار الفعل والتأثير والإعمال في حياة الناس، فيقول فيه[27][انتقل القرآن الكريم من آيات للتعبّد الرّوحي الخالص، وللصلاة الرّوحية المتحررة من مغريات السلطة وجشع المال، ومن اتصال بين العابد والمعبود يطمئن النفس ويدخل اليها الأمان الذي تحتاجه، إلى نص مقدس ووصايا إلهية قاهرة للعقل والوجدان. هذا مجرّد ضرب من ضروب الشرك، ولا شك في ذلك.... هكذا أصبح تقديس كلام الله واتباعه تصديقاً لله تعالى، شرك في نظر (سعيد ناشيد)! وأصبح مفهوماً سبب استنكاره أن يتَّخذ المسلمون القرآن دستوراً لهم، عندما قال: [ آيات القرآن حمّالة أوجه، يضرب بعضها بعضاً، وينسخ بعضها بعضاً، ويُعطِّل بعضها بعضاً، وقد أنزلت على سبعة أحرف، معظمها آيات متشابهات، مبهمة المعنى ملتبسة الدلالة، وأنزلت منجّمة متناثرة، وكتبت على أشياء متفرقة وبلغة كانت لا تزال بلا قواعد. وحتى باعتماد الحرف الواحد الباقي، انفجرت عشر قراءات على الأقل، وتطايرت عشرات التفاسير. وبين ثنايا تفسير كل آية من الآيات لازمة أجمع عليها كافة المفسرين وتكرس أزمة اليقين إذ تقول : " اختلف علماء الأمة في قراءة هذا اللفظ ( أو ذاك )، أو تحديد معنى هذه الآية ( أو تلك ) ". ... فهل مثل هذا يكون دستوراً؟! ،لأن (سعيد ناشيد) لم يقترب من القرآن اقتراب الدارس المحايد المنصف - وبعيداً عن أن يكون ابناً لأبوين مسلمين أو غير مسلمين - وإنما اقترب منه وهو تحت تأثير النفور والاستعلاء الفلسفي، تحت تأثير من قال هو فيهم: (أجمع جل فلاسفة ... ، وهو يعلم أن إجماعهم المزعوم هذا لا حُجَّة فيه، ولا قيمة علمية له!). وقد أقمنا في هذه الدراسة ما يكفي من الأدلة على أنه غير مؤهل في أي من ضروريات البحث العلمي في قيمة القرآن؛ سواء كان في اللغة العربية، أو التفسير، أو الحديث، أو أصول الفقه! فأي آلة من آلات البحث التي يجيد فهمها اعتمد عليها في إقصائه القرآن بهذا التحيز المغرض وهو لا يرقى لفهمه؟! ... والحق أننا لم نجد له إلا الإعراض انقياداً لهوى الإعراض، لذلك، ينطبق عليه قول الله تعالى "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ .."(الجاثية:23)، وأيضاً ينطبق عليه قول الله تعالى "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ .."(طه:124-127)، ولا نرتاب أن يكون هذا الرجل ممن لا يؤدون الصلاة لرب العالمين، لأنها لا تُعلم إلا من النصوص التي أنكر وجوب إعمالها، وإن كان يُصلّي فهو متناقض. لذلك فهو لا يُصلي، .. وإن كان لا يُصلي فسوف يُحشر مع الذين يقال لهم يوم القيامة:  "مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(؟)، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (الفلاسفة والحداثيون المنكرون لكلام الله تعالى وأن إعماله واجب ما دامت الحياة)، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ، بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً، كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ، كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ"(المدثر:42-56)
لكل ما سبق، لا نتردد في الإقرار بأننا لم نجد لهذا الرجل – الذي يجعل النبوة خيال، ويجعل تقديس القرآن شرك، ويجعل اتخاذ القرآن دستوراً خطيئة حضارية - إلا الهوى، والإعراض! .. وما اجتمعت هاتان الخصلتان في مخلوق إلا كان من أهل الرعونة، .. لذا أدرجناه في المدرسة الرعناء.
 
شكر وعرفان:
أشكر الأستاذ (أبو خالد محمد سعد الدين – سوري الجنسية) المتخصص في اللغة العربية، لاستشاراته القيمة في تحقيق المسائل النحوية التي تطرّقَت إليها هذه الدراسة.


[3]  الحداثة والقرآن، ص 10.
[4]  بين القوسين الهلاليين من ص 11.
[5]  الحداثة والقرآن، ص 16.
[7]  الحداثة والقرآن، ص 109.
[8]  الحداثة والقرآن، ص 109.
[10]  انظر: ملاك التأويل، القاطع لذوى الإلحاد والتعطيل فى توجيه المتشابه من آى التنزيل (1/281) للعلامة أحمد بن الزبير الغرناطى. دار النهضة العربية.(نقلاً عن: http://shamela.ws/browse.php/book-434/page-22)
[12]  الحداثة ولقرآن، ص 108
[13]  الحداثة ولقرآن، ص 108-109.
[14]  الحداثة والقرآن، ص 169.
[15]  ويحيل إلى: (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مراجعة وضبط وتعليق محمد ابراهيم الحفناوي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الثانية، 1996 ، ص84)
[16]  الحداثة والقرآن، ص 169.
[17]  الحداثة والقرآن، ص 167-168.
[19]  الحداثة والقرآن، ص 209-210.
[20]  الحداثة والقرآن، ص 95-100.
[21]  الحاشية رقم (5) أعلى، أو القرآن والحداثة، ص16.
[22]  الحداثة والقرآن، ص 110.
[23]  الحداثة والقرآن، ص 110.
[24]  الحداثة والقرآن، ص 9.
[25]  الحداثة والقرآن، ص 200.
[26]  أحال هنا إلى سبينوزا: باروخ سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة وتقديم حسن حنفي، دار التنوير، بيروت، الطبعة الأولى 2005 ، ص.129.
[27]  الحداثة والقرآن، ص 90.
[28]  الحداثة والقرآن، ص 111.
[29]  https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=rewayat&rewaya=3 
[30]  http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=321463