الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

حديث: (اشتكت النار إلى ربها .. ) ومعناه!

حديث: (اشتكت النار إلى ربها .. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ .. ) ومعناه!
كتبه: عزالدين كزابر
تصوير حقيقي لسطح الشمس في الفترة (14-30) أكتوبر 2014
ويظهر فيه أكبر البقع الشمسة، ويمكننا تسمية تلك البقع: المنافس الشمسية، لأنها تتنفس منها



بسم الله الرحمن الرحيم

سألني سائل:
[هناك حديث مشكل عليّ، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ أَيْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ وَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ).
وموضع الإشكال: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل أشد ما يحس الناس به من الحر في الصيف بسبب نفس جهنم، وأشد ما يحس الناس به من البرد في الشتاء بسبب نفس جهنم الآخر.
وسبب الإشكال: أن الأرض يكون فيها أكثر من شتاء واحد وأكثر صيف واحد بحسب اختلاف الأمكنة، والحديث يفهم منه أنه أُذن للنار بنفَسَين خلال السنة الواحدة، فكيف يستقيم ذلك؟
آمل أن يكون .. لديكم حل لهذا الإشكال يريح البال ويُطمئِن النَفْس. ]
وبعد التأكد من صحة الحديث، والذي ظهر أنه متفق عليه (أي: رواه كل من البخاري ومسلم)، ومن ثمَّ يكون في أعلى درجات الصحة، تأتي إجابتي على السؤال السالف كالآتي:
هب أن مدينة – من المدن المعاصرة – المكتظة بالسكان، والتي يزيد عدد سكانها في العادة عن 10 مليون نسمة، قد اشتكت لملك البلاد أن يجد لها حلولاً لمشاكل زيادة كثافة السكان؛ من مرور السيارات، وتلوث الهواء، وصعوبة السكن، وارتفاع الأسعار، وتعطل بعض الخدمات ....إلخ، وهو ما نعهده بوضوح في هذا الزمن.
ومن الطبيعي أن يجد ملك البلاد لها مخرجين من هذا الإشكال، الأول: أن يصنع في محيطها الخارجي – الريف والضواحي - عناصر جذب للناس بمزايا جيدة فيتركوا المدينة ويذهبوا للعمل والسكن في تلك الأماكن الجديدة، فتتخفف المدينة من الازدحام، والثاني أن يُضيف للمدينة مساحات جديدة للتوسعة، فيُنشئ أنفاق، وكباري، ويسمح بارتفاع الأبنية .. إلخ. وكأن هذه المساحات قد أتتها من الخارج بعد أن لم تكن.
والآن: لننظر إلى الشمس، .... وهي بالفعل الشيء الوحيد الممكن أن يُطلق عليها ("النار") – في متن الحدث - والتي ترتبط بحياتنا من صيف وشتاء. ... أليست مثل المدينة المكتظة بـ (النار التي يأكل بعضها بعضا)؟ ... بلى إنها كذلك.
والآن، كيف تتخفف الشمس من الحرارة الزائدة، (التي تأكل بعضها بعضا)؟!
بأمرين اثنين: (مثلها مثل المدينة في المثال أعلاه):
1- أن تتخلص الشمس من الحرارة الزائدة بنفثها إلى الخارج (أنظر الفيدو أعلاه)، فتلاقي هذه الحرارة الزائدة في طريقها الكواكب، والتي منها الأرض، (وهذا هو أشد ما نجد من الحر) ... ويشعر به الناس الأقرب إلى الشمس (في الجهة القريبة لمحور دوران الأرض من الشمس-أنظر الشكل التالي) ... وهذا هو الصيف عند من يكونون فيه، (وهذا هو نَفَس الصَّيف). [يلاحظ أن بعض أجرام السماء لا يُتاح لها خروج حرارتها، وهذه هي الـمُسمَّاء بالثقوب السوداء.]
2- أن ينضاف إلى الشمس برودة من خارجها تسحبها الشمس لتتخفف بها من الحرارة كما يستنشق أحدنا الهواء البارد – وذلك مثلما يُضاف للمدينة مساحات لم تكن متاحة فيها فتتخفف بها من الازدحام – وهذه البرودة هي برودة الفضاء الذي تجري فيه الشمس. والناس الأقرب إلى الخارج (مع الجهة البعيدة لمحور دوران الأرض عن الشمس) هم من يكونون في الشتاء، وهذا هو أشد ما يجد الناس من الزمهرير، (وهذا هو نَفَس الشتاء).

ومعنى هذا أن الصيف والشتاء المذكورين في الحديث ضمناً (في لفظي الحر والزمهرير) ليسا صيف وشتاء قوم بعينهم، أو بقعة معينة من الأرض، بل صيف الأرض وشتائها، وهما متلازمان دائماً، وتتبادل عليهما بقاع الأرض على مدار السنة الشمسية، مثلما أن الليل والنهار متلازمان دائماً، وتتبادل عليهما بقاع الأرض جميعاً على مدار اليوم والليلة.

أي أن نَفَسَيْ "النار" - أي الشمس - يجريان في آن واحد، وليس أن أولهما في موسم الصيف عند العرب وثانيهما في موسم الشتاء. وهذا الظن الأخير، والمتضمن في السؤال، كان مَرَدُّه إلى عدم علم الناس قبل عدة قرون بأن الصيف والشتاء متلازمان، مثلما أنهم لم يكونوا يعلمون أن الليل والنهار متلازمان، بدليل تصحيح القرآن لظنونهم في قول الله تعالى "وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ"، أي أن الليل والنهار متلازمان، وكذلك الصيف والشتاء متلازمان. ويلاحظ أن متن الحديث (اشتكت النار..) يخلو تماماً من أي إشارة إلى هذا التعاقب المظنون، والذي وجَّهَتْه الثقافة الجغرافية القديمة وِجْهَة شَوَّشَت معنى الحديث![1]،[2].

وبهذا التفسير، أرى - والله أعلم- أن ("النار") المقصودة في الحديث هي (الشمس). وأن هذا التفسير على نحو ما شرحته (بإيجاز) يريح البال وتطمئن إليه النفس.
---------

أمثلة أخرى:

- إذا زادت حرارة الإنسان فأمامه طريقتان مجتمعان للتخفف من الحرارة؛ الأول: أن يسمح لها بالخروج، فلا يلتحف، ويتخفف من ملابسه، والثاني: أن يعرض جسمه لتبريد خارجي مثل الماء البارد.
- إذا زادت حرارة الحاسوب المحمول، فعلى صاحبه أن يفعل أمرين، الأول: (أن يصلح مروحة خروج الحرارة وينظفها مما يحبس الحرارة فيها وأن يضعه على سطح أملس لا يحبس الحرارة)، والثاني: (أن يعرضه للتبريد الخارجي، بمروحة سفلية خارجية تُدخل الهواء البارد، وأن يضعه في غرفة باردة). 

ويجمع هذه الأمثلة مع مثال المدينة المكتظة بالسكان، خاصية طبيعية واحدة، (والتي هي كمية الحرارة في الحديث الشريف)، والتي يمكن أن تتقلص بطريقتين؛ الأولى أن تتخفف مما تحمله إن استطاعت، والثانية أن تكتسب من نقيض ما تحمله من تلك الكمية. فالحار إن أراد أن يَتَبَرَّد، يتخلص من الحرارة (بالزفير)، أو يكتسب من البرودة (بالشهيق)، وهذان هما النَفَسَان المذكوران في الحديث. ونظراً لأن كلا النفسين للشمس يمران بالأرض (وأيضاً باقي الكواكب)، فأهل الأرض يشعران بهما، الأول حار لأنه زفير الشمس، كما بالفيدو أعلى، لأن اتجاهه من الشمس إلى خارج المجموعة الشمسية، وعبر كل ما تمر به، والثاني شهيق الشمس للبرودة الكونية، أي من خارج المجموعة الشمسية إلى الداخل، وهذا هو الزمهرير الذي جهته مقابل جهة الشمس وراء الأرض، وأقرب أهل الأرض له من كانوا في شتاء.

والحق يقال: أن هذين النَفَسين لهما أيضاً نفس الوظيفة في الإنسان، وليس فقط لكمية الحرارة، بل لها ولكمية ثاني أكسيد الكربون والذي نقيضه الأكسجين في وظيفة التنفس، وفي آن واحد. فالزفير يتخلص به الجسم من ثاني أكسيد الكربون، ومن الحرارة، والشهيق يكتسب به الجسم نقيضيهما؛ الأكسجين والبرودة.
---------
هذا والله تعالى أعلم.

-----------
[1] مركز الفتوى: أقوال أهل العلم في تفسير نفسي جهنم في الصيف والشتاء:
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=125881
[2] الشيخ/ محمد صالح المنجد: حديث (نفسي جهنم) والرد على من كذبه: 
http://islamqa.info/ar/128705