حوار حول ضوابط التفسير العلمي لآيات القرآن الكريم والسنة الصحيحة
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتح أحد أعضاء ملتقى أهل التفسير وعلومه (اسمه: مسعود محمد محمود) موضوعاً بسؤال طرحه يمثل عنوان الموضوع، هو:
وفي رأس الموضوع، قال مسعود محمد مسعود:
هناك من تستهويه تفاسير الإعجاز العلمي للقرآن الكريم حتى أنه يراها كالقول الفصل في مراد الله تعالى من آياته.. وهناك من يرفض هذه الظاهرة رفضا باتا , ويراها تفسيرا ظنيا , وحملا لمراد الله عز وجل على مقاصد " مؤقتة" , ليس لها حظ من الدليل.ولكل منهما ملاذا في إختلاف كلام أهل العلم حول هذه الظاهرة المحدثة.
- لهذا أهيب بإخوتي من أهل الإختصاص التواصل مع الموضوع لبيان " الضوابط العلمية" من جهة , والراجح من أقوال أهل العلم في هذا الموضوع الخطير , حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود منه. وشكر الله سعيكم ..وبارك في علمكم.
وبعد عدة مشاركات من أعضاء الملتقى يعرضون عددا من المؤلفات في الموضوع، شاركت برأيٍ أتحفظ فيه على المسارعة في وضع ضوابط للتفسير العلمي في مرحلته الراهنة وقلت:
إن التفسير العلمي - بمعنى تفسير آيات القرآن بمستجدات العلوم ذات العلاقة - علمٌ جديد.
ولا يُطلب ضبط علم جديد وهو في مهده، وإلا كان واضع الضوابط على علم به قبل نشأته، وهذا تناقض. (ومن توهم أنه أحاط علماً بكل شيء في كتاب الله تعالى، وسعى في ضبط ما لا يعلم - أي: ما لم يولد بعد، فيسعى في وصف خلقته - فلا يؤبه لوهمه، ولا يُلتفت لضبطه.)
فإن قيل: وكيف يتميز الحق من الباطل فيه؟!
فيجاب: بالتحقيق والمناظرة والترجيح بين حجج المؤيدين والمعارضين، وفي مسألة مسألة. ولا يقال: كل مجتهد مصيب، فتتعارك المتناقضات في نفس الباحثين، وينطمس الطريق.
فإذا ما تراكمت المسائل تُصنّف، والحجج تُهذب، والخلل يُركم، والصواب يُفرد، وتتضح الصورة، ثم تزداد وضوحاً مع التراكم المعرفي.
وعندها، يُقيّم العلم، وتظهر الضوابط، وتفرض نفسها بنفسها، باعتبارها المسالك التي أثمرت الراجح، ودرأت المرجوح، فتصبح منارات يهتدي بها المتعلمون لهذا العلم الجديد، ويُلجم به المتخرصون، المبهورون المنبهرون.
والخلاصة: أنه يجب تحقيق مسائل التفسير العلمي مسألة مسألة، وعلى مستوى التخصص البحثي، وليس الدعوي، ولا الإعجازي، ولا التعليمي. وهذا يستدعي الجمع بين علم التفسير بضوابطه العامة (غير المذهبية ولا الثقافية التاريخية)، جنباً إلى جنب مع التخصصات الدقيقة في مباحث العلوم الحديثة، وعلى المستوى الاجتهادي التحقيقي، وليس مستوى أصحاب الثقافة العلمية الصبيانية .. وهنا يستعصي الأمر على الباحثين الجادين، لأن التأهل لكلا الجانبين (الشرعي والعلمي البحثي) معدوم في المعاهد البحثية في زمننا هذا، إلا ممن ندب نفسه لذلك باجتهاد شخصي، وهذا نادر جدا.
والنتيجة: أن أكثر ما نسمع من تفسير علمي حتى الآن، فهو من قبيل التهافت أو اللغو، وهنا أمثلة لذلك (في باب أطروحات متهافتة في التفسير العلمي)، وما وراءه أكثر وأكثر، ولا يصح مما نُشر في التفسير العلمي إلا أقل القليل.
هذا والله تعالى أعلم،
فعقّب أحد أعضاء الملتقى (اسمه البهيجي) وقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...الأستاذ الفاضل عز الدين كزابر جزاكم الله تعالى خيرا..
أرغب بالتعليق على قولكم:
(ولا يُطلب ضبط علم جديد وهو في مهده)
الأستاذ المحترم ان مقصود من أراد وضع ضوابط للتفسير العلمي هو إحاطته بقيود علمية كي لا يقع من يبحث فيه بمخالفة أصول وقواعد علم التفسير وهذا الامر جيد ومفهوم...وخاصة فيما يتعلق بالمصطلح القرآني لإن البعض يتعجل بالقول عندما يلاحظ تطابق بين المصطلح القرآني والمصطلحات العلمية التجريبية...فلابد من ضبط ما عناه القرآن بلفظة معينة قبل ان نبحث بعلاقتها بالعلم التجريبي...ولنذكر مثلا لذلك ففي قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم)(الواقعة- 75)
قال الطبري:(وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا أُقْسِمُ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ وَمَغَايِبِهَا فِي السَّمَاءِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاقِعَ جَمْعُ مَوْقِعٍ ، وَالْمَوْقِعُ الْمَفْعِلُ مِنْ وَقَعَ يَقَعُ مَوْقِعًا ، فَالْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِيهِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : هُوَ أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ) إنتهى.
وقال الأستاذ زغلول النجار:(ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة: مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط.
والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة,لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة وعلى ذلك فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعا وهميا للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوءه، فنظرا لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها)الهيئة العالمية للإعجاز في القرآن والسنة.
فنلاحظ ان المعنى الذي اختاره الطبري يتطابق مع التفسير العلمي الذي ذهب اليه الأستاذ النجار.....فهذا التفسير أراه صحيحاً والله تعالى أعلم.
لكن هل من الصواب ان نقول ان الطاقة الذرية مذكورة في القرآن لمجرد وجود لفظة (الذرة) في القرآن؟ طبعا لا لان معنى لفظة (الذرة) في القرآن لا يطابق ما قصده العلم التجريبي والله تعالى أعلم.
فرددت وقلت:
التفسير الذي اختاره الطبري لمواقع النجوم هو المواضع التي تتخذها النجوم على الأفق قبيل غروبها (حين قال: مَسَاقِطِ النُّجُومِ وَمَغَايِبِهَا فِي السَّمَاءِ) وهذ مختلف تماماً عن تفسير زغلول النجار، والذي أراد من مواقع النجوم مساراتها في السماء (حين قال: هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء).
وإلى هذا الحد فالصواب في جانب د. زغلول النجار.
غير أنه لما ذهب يفصل المسألة، ذهب بعيدا بالمعنى عن مراده. وذلك حين أراد أن يعلل القسم، فإذ به يُعلِّقه بعدم علم الإنسان بحقيق المواقع بسبب انحناءات الضوء بقوله: (الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها) والصحيح أن يقول: (الإنسان لا يرى مواقع النجوم الحقيقية إذا تتبع حركة النجوم، بل يرى النجوم ذاتها في غير مواضعها، بسبب حيود ضوئها الدائم، وظهورها في أزمانٍ قد انقضت.)
ولكن قصر التعليل على عدم العلم بالمواقع لا قيمة لها إذا علمنا بأسباب شديدة القوة في قيمة المواقع. ولتقريب طرف من المسألة، نذكر ما يعلمه مهندسو الإنشاءات المدنية. وذلك حين يريدون هيكلة مبنى ضخم من عشرات الطوابط ومئات الغرف. فإذ بهم يضعون أعمدته الخرسانية في مواضع بعينها وبأحمال مقدرة لكل منه، .. وإذا اختلت تقديراتهم، فالمبنى ينهار. ومثل مواقع هذه الأعمدة من المبنى مثل مواقع النجوم من الكون. هذا لو كان الكون ساكن لا حركة فيه، ولا حياة فيه لنجوم تولد وتكبر وتشيخ وتموت، هذا مع جريان أجرام الكون جميعاً وتقاذف أبعاضه وترابط كواكبه وانتثارها وهويان نجومه والتآمها ووو .. إلخ ... ومع كل هذا يحتفظ الكون ببنيانه .. والسبب في اختيار مواقع أعمدته (نجومه)، والتي إذا لم تكن على ما هي عليه، لانهار الكون كما ينهار المبنى المثال.
والآن: ما هي الضوابط التي كان يمكن أن توضع قبل دراسة مسألة كهذه، في معنى (مواقع)؟ .. الحقيقة أني لا أرى من ضابط يمكن أن يمنع كلام الطبري، مع خطئه، ولا كلام زغلول النجار مع حيوده، ولا يسمح بما ذكرته، رغم رجحانه في تقديري. .. إلا ضابط واحد يأتي لاحقاً بدراسة المسألة لا سابقاً عليها، ألا وهو دراسة المسألة وتحقيقها .. وفقط دراستها وتحقيقها، .. علماً بأن المعاني اللغوية جزء من الدراسة وليست سابقة عليها ولا مستقلة عنها.
هذا والله تعالى أعلم
فرد صاحب الموضوع (مسعود محمد محمود)، وقال:
بارك الله في الأخوين الكريمين "عز الدين كزابر" , والأخ " البهيجي", على مادار بينكما من نقاش , أضاء زوايا, ولكنه طرح إشكالات جديدة مرتبطة بالموضوع.
أرجو أن يتفاعل النقاش أكثر بين الأخوة الكرام , حتى يتبين " الخيط الأبيض من الخيط الأسود" , في هذه المسألة الحديثة , والتي تعد من " مستجدات", إن لم نقل "نوازل" علم التفسير..وعلى الله قصد السبيل..
وإذا كان من المبكر إستعمال لفظ" ضوابط" , كما يذهب الأستاذ "عز الدين", فإن هذا لايعفي أهل الإختصاص من التدخل لوضع " قيود" تحد من هذا "الوضع الهلامي" , الذي يمنح الفرصة لكل " من هب ودب" أن يدلي برأيه في إسقاط آيات الله تعالى على ماشاء من الظواهر العلمية والكونية ..
فشارك عضو جديد بالموضوع (اسمه: علي سبيع)، وقال:
**بارك الله في علمك وفهمك أخي الأستاذ الفاضل " علي سبيع"..وكلامك القوي هذا , أضعه أمام من يذهب (يقصدني) إلى أنه لايمكن لأهل الاختصاص -إذا شحذت عزائم الجد فيهم - أن يضعوا ضوابط لهذا العلم الناشيء..وإلا كيف أمكن للشيخ الشعراوي رحمه الله , ومن وافقه , أن يقرروا هذا الضابط الوجيه في "التفسير العلمي لآيات القرآن الكريم..شكر الله لك صنيعك , ووفقك لما يحب ويرضى.
....فإن أتيت لضابط من ضوابط الفكر الإنساني مثل (رفع التناقض)، وتجاوزت به عموم ضوبط الفكر الإنساني، إلى خصوص علم اللغة، ثم إلى خصوص علم التفسير العام، ثم إلى خصوص (علم) التفسير العلمي. لتدعي به أنك وضعت يدك على أول ضابط من ضوابط (علم) التفسير العلمي. فأنت لم تفعل شيئاً، لأن كل ضوابط العلم الأعم ضرورية الأخذ بها في العلم الأخص، بلا تنصيص ولا ادعاء إبداع، والتي تصبح عندئذ من الضوابط البدهية، أللهم إلا عند العوام، وهؤلاء هم من كان يحدثهم الشيخ الشعرواي بالدرجة الأولى. ولو ذهبت تبني علماً على مستوى العوام، فأنت بحاجة إلى تعليمهم الأبجدية. فهل تُعد ضوابط الأبجدية من ضوابط (علم) التفسير العلمي؟!
المناقشـــــــــــــــة:
...............
ولكن الشيخ الشعراوي رحمه الله في مجالسه, لايكتفي فقط بإثارة " المسائل"الموجهة للعامة, بل كثيرا مايتطرق إلى الكلام في مسائل " خاصة", ثم أن رواده ليسوا عواما فقط , بل فيهم " المتميزينن "..وعلاوة على هذا, مالعيب إذا أمكن للشيخ أن يبسط الكلام في مجلس عام عن مسألة علمية؟ , فأنا أرى أنه لايضره , ولايضر الحقيقة العلمية أبدا, أن تفصل , فتبين بلغة عادية , ولو كان ذلك مجردا عن مصطلحات الفن والتخصص, وقد كان علماء الإسلام مثل شيخ الإسلام " ابن تيمية" يلقي دروسه في الفقه, والعقيدة, وغيرها في مجالس عامة بالمساجد.وكلامالشعراوي رحمه الله واضح, في أنه لاينبغي أن يعول في التفسير العلمي على مجرد " النظريات العلمية", بل لابد من ثبوت " الحقيقة العلمية", التي يدعمها الحس, والنواميس الكونية, والعقل,مثل كون الماء يتكون من"H2o", أي من ذرتين هيدروجين +ذرة أوكسيجين.
هذا وإنني شاكر لك أخي على مداخلتك المباركة , المفيدة, وعلى ماتفضلت به من بيان..
هذا ولا أدعي شيئا حتى لايقال "ادعيت من غير داعي" , ولكنني " طالب حقيقة", يبحث عنها وسط جهود إخوته .
ولم يكن في كلامي أي خدش لمنهج الشعراوي الذي هو منهج تعليمي pedagogy على أعلى المستويات.
أما تعليقي عن الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية فقلت فيه: [ما ورد من ألفاظ (الحقيقة القرآنية) و(الحقيقة العلمية) في كلام الشعراوي رحمه الله، قد يُفهم منها أنها على قارعة الطريق، وفي متناول يد من شاء وقتما يشاء، وهذا غير صحيح. ...] أي غير صحيح لمن يفهم هذا من كلام الشيخ الشعراوي، وليس أنه كلام غير صحيح من الشعراوي، لأنه لم يقصده.
وأستغرب أيضاً، عن العلاقة بين قولي هذا، وبين العبارة الاتية التي جاءت في المداخلة السابقة:
لأن مقصدي من عبارتي هي: أن طريق البحث العلمي طريق وعر، ولا يصل الباحثون فيه إلى الحقيقة القرآنية أو العلمية إلا بعد البحث والدراسة المستفيضة. وغرضي من قولي هذا أن أقدم البحث والدراسة المستفيضة على أي ضوابط تعيق الباحثين المؤهلين. لأن طريق البحث في هذه المجالات (بين القرآن والسنن الطبيعية) لم يُطرق من قبل. فكيف يُنصِّب أحدٌ كلامه (كائنا من كان من محبي وضع الضوابط، دون تعيين) على أنها علامات على الطريق، ومثله مثل طلاب العلم في عدم العلم بهذا المجال الجديد ابتداءا؟! .. فإن جاء بضوابط من علوم أعم، فقد جاء بتحصيل حاصل عند الباحثين المؤهلين، وحشو لا فائدة فيه إلا عند العوام. وهؤلاء وما يُناسبهم من مناهج التفهيم يقعون خارج دائرة البحث العلمي والضبط المنهجي، والتي هي موضوع النقاش.
ويبدو لي أن السؤال الأَوْلَى بالطرح يجب أن ينحصر في متطلبات التأهيل البحثي، للباحثين المفترضين في علم التفسير العلمي، وليس عن ضوابط البحث، وهؤلاء هم المتخصصون الذين يمكن أن ينضج على أيديهم لاحقاً بحث علمي جاد، بعد أن يخوضوا غماره وتُصقل معه قدراتهم، وتظهر لهذا العلم على أيديهم ضوابطه، والتي يسترشد بها طلاب هذا العلم ودُعاته، وتنحسر معه ضوضاء غير المؤهلين، وتهافتاتهم.
وكما تعلم إن هذا الباب لايصلح خطابا للبسطاء وعامة الناس إلا أن رب الناس لم ينس أحدا من عموم الناس وخاطب كل علي قدره قال تعالي أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فبالعين المجردة وفطرة سليمة تعلم أن لهذا الكون إله واحد قادر وبنظرة مجهرية تحليلية إلى الإبل والسماء والجبال والأرض تصل إلى توحيد الله وقدرته ورب العزة لم ينتظر ضوابط من أحد فلابد أن تحقق الآية الكونية المشهودة الآية القرآنية المتلوة في الوقت المحدد لها قال تعالىسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
فهذا هو موعود الله عز وجل في آياته ولا بد أن يتحقق والنكتة أن أصحاب العلوم التطبيقية يتسارعون فيها ليس خدمةَََ للقرآن ولا انتصارا لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بل لبيان قدرتهم وهيمنتهم على الكون وأهل القرآن ينئون عنهم خشية الوقوع في التناقض مع القرآن وإذا بهم يلتقون على مراد الله عز وجل ويكون السؤال كيف جاء بهذا رجل أمي من1400سنة في بيئة بدوية ؟ ومن أهل القرآن من يسارع لمقابلة الآية القرآنية بالآية الكونية بغية الانتصار للقرآن وقد يحدث التناقض.هنا قال الشيخ الشعراوي عز وجل رفعا للتناقض اياك أن تقابل النظرية العلمية بالقرآن بل قابل الحقيقة العلمية بالقرآن تسلم من التناقض وهذا ضابط لا يمكن انكاره أو تجاوزه وخلاف ذلك تقابل غير المجزوم به بالمجزوم به ويحدث التناقض فمن يقوم بهذه المهمة ليس من العوام .والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا قدمنا من ضوابط حتي نقابل حقيقة كروية الأرض بما لدينا من آيات دالة على ذلك؟
2- وليس محل النزاع في صلاحية أو عدم صلاحيته هذا الباب للعوام من الناس، حتى أُنَبَّه عليه، رغم أن لهم نصيباً كبير في الجانب الدعوي منه، ولكن بعد نضوج هذا العلم، وليس قبله. وهذا هو ردي على العبارة:
3- وليس محل النزاع في معنى التناقض، رغم وضوح معناه العقلي، وأنه إن وقع، فحتماً لمخالفة النظرية الطبيعية للحقيقة القرآنية، كما يُفهم من العبارة:
رغم أن سبب التناقض في كثير من هذه الحالات، أن يكون المتصدر لها غير محيط إما بمعنى الآية، أو بالموضوع العلمي، أو بجرأته على كليهما رغم قلة بضاعته أو انعدامها فيهما جميعاً! .. هذا في وقت يمكن أن ينتفي فيه ذلك التناقض إذا تأهل لها المتخصصون في طرفي المعادلة (معانى الآيات، والتفسير العلمي لها) وعالجوها بما تستحقه من حِرفيَّة.
4- وليس محل النزاع – حتى هذه اللحظة - هو العلاقة بين اليقين والظن (أي الحقيقة والنظرية) في "التفسير العلمي"، حتى يُقطع ببطلان الظن الراجح، والذي لو اعتمد ذلك - من يريد أن يعتمده - لقطع ببطلان كثير من محتوى التفاسير المعتمدة، وأغلب الأحكام الفقهية!! .. وهذا هو ردي على العبارة:
5- وليس محل النزاع هو مناقشة التنافس على تفسير القرآن بين التطبيقيين والشرعيين من المنظرين والدخول في نوايا ودوافع ومزاعم كل طرف. فهذه مسألة تقتضي موضوعاً برأسه، ومؤلَّفاً يعالجها ليقضي بحقِّ بين حزبين متنافسين، وبينهما شجارٌ تحت الرماد. وهذا هو ردي على العبارة:
6- نعم، لم يكن أي من النقاط السابقة محل نزاع حتى الآن، وإنما محل النزاع الراهن والقريب والذي أنا بصدده في هذه المسألة هو دفاعي عن: أن مبدأ رفع التناقض ليس من ضوابط التفسير العلمي، من حيث هو تفسير علمي، وإنما هو من ضوابط الفكر الإنساني السابق للتخصص العلمي. ومن ثم لا ينبغي أن يُنص عليه في دائرة ضوابط التفسير العلمي (التي يطمح السائل الوصول إليها)، من حيث هو علم خاص. ومحل النزاع هذا يدخل في محل نزاع أرحب، وقد صدَّرت به كلامي في أول مداخلة، ألا وهوضبابية سماء التفسير العلمي في مرحلته الراهنة، والتي لا يجوز معها وضع ضوابط إلا بعد دراسات مستفيضة، ثم استقراء نتائجها، فتكون منارات لأي ضوابط مقترحة لاحقاً.
7- ويبدو لي من هذا الاستعراض التحليلي ، وخاصة ما أماط عنه أخي المحاور اللثام في العبارة المقتبسة أعلى والتي أعيدها مرة أخرى هنا لأهميتها، وجاء فيها:
والتي يتضح منها أن الدافع الرئيسي لوضع (رفع التناقض بين الحقيقتين: القرآنية والعلمية) في صدر ضوابط التفسير العلمي، هو رد الشرعيين – بلسان من يتحدث عنهم بإسم أهل القرآن - لدعوى التفسير العلمي برمتها في وجه التطبيقيين، ومن ينجرف معهم من أهل القرآن، بوضع شرط شبه مستحيل في حقيقته. والمحك في ذلك هو:
أنه ما لم تكن المسألة العلمية ظاهرة لهم (بلا معاناة من دراسة ولا تخصص علمي ولا اجتهاد تطبيقي في العلوم الحديثة) فهي ليست مجزوم بها عندهم، أي: ليست بحقيقة علمية، أي: لا ترتقى للمقابلة مع الحقيقة القرآنية، .. أي ... مردودة. ... وبهذا يرتاح بال الشرعيين (الذين يفكرون بهذه الطريقة) .. وعلى أسس منهجية لا غبار عليها – في ظنهم – وهذه الأسس هي (ضوابط التفسير العلمي).
ولو صدق تحليلي هذا، وهو ما يمكن أن يصل إليه كل قارئ لما سطره أخي المحاور، فيستضح أن الغرض من وضع ضوابط للتفسير العلمي – على النحو الجاري الدعوة إليه - ليس خالصاً، بل له غرض نزاعي بين التطبيقيين والشرعيين، حتى وإن كان بوازع حفظ معاني القرآن مع سلامة النية (وهما لا يكفيان إن تجردا من الدراسات المُعمّقة). ... وقد أوْجَزَته العبارة المقتبسة أعلاه:
ويحضرني من كلام الشيخ بن باز رحمه في هذه المسألة – وإن كان لا يحضرني موضعه الآن - فهماً عميقاً عادلاً مُنصفا، معناه [ أن من ثبت عنده أن الحق في كذا فله أن يُصدِّق به، ومن لم يثبت عنده فلا حرج عليه في عدم التعويل عليه (ودون مناهضة للآخر).] ويتبع هذا المعنى القيم أن (الحقيقة العلمية) نسبية عند المُنظِّرين، وترجع نسبيتها إلى التخصص والدراسة فقط؛ أي إلى الإحاطة العلمية. ومن يزعم أن الحقيقة العلمية يجب أن تكون مطلقة – مع تجاهل أو إهمال دواعي النظر في تحقيقها – فقد أنكر الغالبية العظمى من حقائق علمية يعلمها المتخصصون، وينكص عنها غيرهم. ... وهذه طامة كبرى، تنحو بطلاب العلم إلى إنكار حق – بحسب ما ينادي به أصحابه - والترويج لنكارته، والتأصيل لذلك في إطار العلم، وفقط لأن صاحب دعوى الإنكار لم يتأهل للإحاطة به! ... ولو بحثنا عن اسم لذلك، فسنجده: (كفران بحق غير مقطوع ببطلانه)، ولا أراه إلا أنه يدخل في معنى قول الله تعالى " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ .."(يونس: 39) - دون المحكي عنهم في الآية.
ولن يختلف معي عاقل في أن من ينكص عن دراسة ضرورية لتمييز حق من باطل، فعليه أن يتوقف عن الإقرار والنفي جميعاً، وأن يقول: لا أعلم، لا أن يسعى إلى إنكاره، والخوض في نوايا المخالفين، بل والزيادة على ذلك بمحاولة تعميم الإنكار عليه، متعمداً أن يصرف الناس عنه. فإن قال لا أعلم وصمت، فقد أفتى فتوى تامة عادلة. وإن سعى لصرف الناس عما لا يعلم حقه من باطله، فلا ريب في فجاجة خطئه.
8- وأخيراً: للإجابة عن السؤال المطروح من أخي المحاور:
أقول:
صياغة السؤال غير صحيحة، وصحتها هي:
[ماذا قدمنا من دراسات حتي نقابل حقيقة كروية الأرض بما لدينا من آيات دالة علي ذلك؟]
ويتجلى جلاءاً تاما الخطأ في استبدال (الضوابط) بـ (الدراسات) حيث يصبح العلم – في حصر التعامل معه بالضوابط - من قبيل الوجبات السريعة، أو مُخرجات ماكينات الصرف. وكل ما على الباحث (المنكر لما لا يعلم) أن يفعله هو أن يُخضِع كل مسألة ينكرها إلى ضابط محصور في أفقه المعرفي الحاصر للحقيقة العلمية كما يراها هو، وأن ما وراء أفقه ليس بحقيقة علمية، ومن ثم يجب لفظه .. وبماذا؟ .. (بضوابط! العلم) .. وهكذا يصبح لإنكار العلم – الجائز التحقق منها بالدراسات - مُسوّغ شرعي، وبلا سعي للتحقق منه، بل ينحصر السعي في نشر النكارة عليه بين الناس، وتحت أي مظلة؟! .. مظلة الضوابط العلمية. أي: ينقلب السعي إلى صد عن تدبر معاني كلام الله تعالى! .. وهو أمر لا أستطيع إلا أن أجابهه، وبكل ما أوتيت من قوة حجاجية.
9- والآن، يحق لي أن أسأل أيضاً وبما يكشف عن خلل خفي في فهم (الحقيقة القرآنية) المجزوم بها عند من يظن ذلك (وفي نفس موضوع السؤال عن كروية الأرض)، والسؤال هو:
ما هي (الحقيقة القرآنية) في قول الله تعالى " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "(الزمر: 5)؟
مع إنتظار الإجابة!
وأتوقع بالطبع – ومعي القراء الكرام جميعاً - أن تكون الحقيقة القرآنية هنا - لمن يستطيع الإجابة - مجزوم بها في إطار التفسير التقليدي، وقبل مقابلتها مع أي تفسير علمي حقيقي (مقبول) أو تنظير (غير مقبول). ولو لم يكن الأمر كذلك، فلا بد أن يكون هناك خلل منهجي في ضبط التفسير العلمي بضابط [مقابلة الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية](والتي يلزم عن ظاهر اللفظ فيها أن الحقيقة القرآنية دائمة الحضور، وباستقلال تام) ..... وأن في الأمر تفصيل يجب الكشف عنه بمزيد من الدراسات.
هذا والله تعالى أعلم،
مع وافر احترامي وتقديري لمحاوريَّ الكرام، ودعائي لهم وللقراء ولنفسي بحسن الفهم والعمل.
فرددت وقلت:
أخي العزيز
1- حول قولك:
أقول: لو أنك قلت: (لقد وضعت يدك علي المشكلة ولكن ذهبت عميقاً في سبيلك إلى الحل) لكان أصوب. فالأعمق عند بعض الناس بعيد، لأنهم لا يألفونه أو لا يستسيغونه، وليس لكونه بعيداً حقا. وكونه عميقاً فأمر ممدوح لأنه يتسق مع الجهد المشتق من الاجتهاد، أما لو كان بعيداً فمذموم لأنه من قبيل الشرود والضلال. ويتعين أهو عميق أم بعيد من نتيجته، فإن كان مثمراً فهو عميق، وإن كان غير مثمر فهو بعيد شارد، ونعوذ بالله من العلم الشارد الذي لا ينفع، كما قال نبينا .
2- وحول قولك:
فأستغربه بشدة، لأنه يدعو إلى عدم إجراء دراسات. وأتساءل: وهل سبيل العلم شيء غير الدراسات؟! .. ثم هل الدراسات التفسيرية القرآنية المجردة بحسب الأعراف الشرعية والتي تقتصر على اللغة وأقوال السابقين، من تحليل وترجيح وجمع وتفريق .. إلخ .. هل هي شيء غير دراسات؟! .. وهل ما تصل إليه شيء سوى نظريات تفاضلت أبعاضها على بعض، ورجحت بالحجة والبرهان وانخذلك أخرى؟! .... وسأثبت لك بعد قليل أن ما جئت أنت به من معنى "يكور اليل على النهار .." مما قلت أنه إجابة سؤال الحقيقة القرآنية في قوله تعالى يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "(الزمر: 5) ليس إلا نظرية، بل ونظرية مختلطة بين القرآن وعلوم الفلك القديمة حتى كوبرنيكوس.
3- وحول قولك:
أقول: هذا الكلام مريب، لأن الدراسة إن لم تُصقل بها المسألة، ويتعين بها الغامض، وينجلى بها المتشابه، فهي مردودة في وجه صاحبها. ونتيجة كلامك أن نرد كل نظرية لاحتمال أن لا تخلص إلى كلمة نهاية (حقيقة)، وهي نتيجة تقول لكل من هم بإجراء دراسة أن كف عن غلوائك فيما تسميه دراسات لأنك لن تصل إلا إلى نظرية، لأنها قد لا تطابق حقيقة مطابقة تامة، وإذا فعلنا ذلك تقف عجلة الفكر والتدبر التي نحن مأمورون بها.
4- وحول قولك:
أقول: لو أن دراسة خلصت إلى نظرية، فالقول بأن خلوصها هذا لا بد أن يؤدي إلى إضافة متغير إضافي للمسألة قول لا سند له. بل هو مردود (مع احتراماتي). ومثال ذلك لو أننا نملك إفادة تفسيرية لغوية (ولنمثل لها بالمعادلة الأولى)، وأتينا بظاهرة طبيعية تفسيرية (معادلة 2)، فالجمع بين معادلتين يؤدي حتماً إلى تقليل عدد المتغيرات، وليس زيادتها كما أشرت أنت، أي أن النتيجة أصبحت أشد وضوحا، واقل في متغيراتها المجهولة. ومن يأتي بمعادلة يزيد بها عدد المتغيرات، فهذا غير مؤهل سواء في التفسير التراثي، أو التفسير العلمي. ويطرده أئمة العلم بعد أن يُفْهِمُوه خطأه، ولا يتم هذا إلا بتحقيق قوله واستدلاله بالدراسة. ومثال ذلك من يأتي بحديث نبوي يضيفه إلى آية يريد لها تفسيراً، فإذ به يشرد بمعاني لا علاقة لها ببعضها ولا مشتركات بينها. فإن كان هذا هو تصورك لما يأتي به أهل التفسير العلمي المؤهلون، فهو تصور غير صحيح.
5- وحول قولك:
أقول: من يقرا عبارتك يفهم أن الوقت المطلوب للوصول إلى الحقيقة لو طال بحسب دراسة ما فإنه يعيبها،
فأجيبك أنه بدون الدراسة فالوقت المطلوب للوصول إلى الحقيقة (أي تحقيق المطابقة المطلوبة بين الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية) لا نهائي في الطول، أي بلا أمل في الوصول إليها، فأيهما أولى ، بل أوجب ؟!
ثم أن لفظ (لجعله حقيقة) يضمر اصطناعاً وتكلفاً في جعل النظرية حقيقة، وكان الأولى أن تقول (لكشف الحقيقة).
5- وحول قولك
وأنت تقصد من ذلك أن نصاعة كل من الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية والوصول إليهما بلا دراسات، هو أقرب إلى الحق، وأقل في المتغيرات، وأقرب زمنا.
أقول لك: لو صدق كلامك، لكانت كل حقيقة قرآنية بينة لأهل العربية منذ سماعهم لها، .. وهذا خلاف الواقع. فمسائل التفسير العلمي تتناول من الآيات ما هو في الأصل غامض المعنى (أي: متشابه) في اللغة لغياب الشواهد ومعانيها التي تنجلى بها المقاصد الدلالية. وإليك فيما يلي معنى (التكوير) الذي سألتك عنه وسنرى هل جئت بحقيقته القرآنية، أم أنك وقفت حيث وقف الأولون عند حدود التشابه/الغموض الذي كان عليه فهمهم لحقيقة الآية، ولم تتقدم به ولو خطوة واحدة أقرب إلى الحقيقة إلا بالاستعانة بمصادر معرفية إضافية من علم الفلك.
6- وحول قولك:
أولاً: كان سؤالي عن (الحقيقة القرآنية) المجردة بلا أي اشتباك مع معلومات أخرى مستقلة عنها سواء مما قاله الفلاسفة، أو مما علمه الناس لاحقاً من غير القرآن. ولهذا قلت أعلى (حين طرحت سؤال) [أتوقع بالطبع – ومعي القراء الكرام جميعاً - أن تكون الحقيقة القرآنية هنا مجزوم بها في إطار التفسير التقليدي، وقبل مقابلتها مع أي تفسير علمي حقيقي (مقبول) أو تنظير (غير مقبول). ولو لم يكن الأمر كذلك، فلا بد أن يكون هناك خلل منهجي في ضبط التفسير العلمي بضابط (مقابلة الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية (والتي يلزم عن ظاهر اللفظ فيها أن الحقيقة القرآنية دائمة الحضور، وباستقلال تام.]
ولكن إفادتك كانت خليطاً من القرآن وغير القرآن، أقصد مما عُرف أو اشتهر لاحقاً، ولم يُنقل عن الصحابة ولا التابعين، لذلك فهي ليست الحقيقة القرآنية الخالصة من آية القرآن وغير المنسوبة إلى غيره من مصادر، حتى ولو كان ذلك المصدر صحيحا. وإن لم نفعل في تجريد هذه الحقيقة من القرآن، نكون قد نسبنا إليه فهماً من سواه، وهذا أمر شديد الخطورة ويمتنع أن يقع فيه من يتكلم بحقائق مستقاة فقط من القرآن، ويسميها (حقائق قرآنية).
ثانياً: قولك بأنه
تدل على أنهم كانوا يعرفون ما ذكرته من حقيقة في الآية، وهذا قول لا دليل عليه، بل وتنكره كل النقول التاريخية عن ثقافة الألف سنة الأولى من الإسلام على الأقل، إلا ما تناقله المفسرون من أقوال الفلكيين.
ثالثاً: قولك بأنه
تدل على أن الحقيقة القرآنية مرتبطة فقط بالأولين أو السابقين في القرون الأولى من المسلمين، وهذا قول ينكر أي قيمة تدبرية لآيات القرآن ربما تأتي بزيادة على ما قاله الأولون. وفي هذا حجر على عطاءات القرآن، وقصر التدبر الذي قد أمرنا به على النقل مما استوفاه الأولون.
رابعاً: قولك:
غير صحيح، والصحيح أن تقول هي دليل على جِرْمِية الأرض وأن لها نهاية من كل جهة. وذلك لأن أي شكل محدود الجرمية (غير منتظم أو منتظم، كالمسطح أو الهرمي أو المكعب أو عديد الأسطح، ... إلخ، - بالإضافة إلى الكروي -) سيتعاقب عليه الليل والنهار بدوران مصدر الضوء حوله. فالتكوير (أي التدوير) متعلق نصاً بالليل والنهار، وليس بالجرم الذي يحملهما على ظهره بالضرورة.
خامساً: قولك:
غير صحيح، والصحيح أن تقول هي دليل على دوران الليل والنهار حول الأرض. لأن الأرض الساكنة عن الدوران يمكن أن يتعاقب عليها الليل والنهار بدوران مصدر الضوء (الشمس)، وهذا هو تصورهم القديم، وأيضاً هو تصور من يتمسك بسكون الأرض من المؤمنين حتى وقتنا هذا. ولو كان دوران الأرض حقيقة قرآنية في هذه الآية، لأقنعتهم بظهور معناها، وما هي متعلقة بدوران ذات الأرض.
سادساً: ذكرت علاقة الليل والنهار بالأرض، واستدللت على هيئة الأرض وحركتها (مع ما فيه من عدم ضرورة) وكان المفترض أن تأتي بالصريح قبل المستدل عليه. والصريح أن الآية تكلمت عن الليل في علاقته بالنهار، وعن النهار في علاقته بالليل. وقالت " يكور الليل على النهار"، أي أن الليل هو المكور، وأن النهار هو المكور عليه، وأضافت الآية في الوقت ذاته "ويكور النهار على الليل"، أي أن النهار هو المكور والليل هو المكور عليه. ودائماً أبداً يجب ذكر الصريح (أي النص) قبل الاستدلال (الذي يقترن فيه الصريح بغائب مرتبط به بعلاقة أخرى غير منصوص عليها) مثل (أن الليل والنهار دائما أبداً على سطح الأرض)، ومن ثم يتم الاستدلال على إفادة عن الأرض تتعدّى المنصوص عليه في الآية.
والآن، إذا تداخلت كل هذه الأخطاء في تصريحك بحقيقة قرآنية عن الليل والنهار، فأين وصفك لها بأنها حقيقة؟!
ثم أن المعلومات التي أتيت بها (على أنها حقيقة قرآنية) جُمعت من القرآن وغير القرآن في (نظرية) … وبعد أن ظلت مئات السنين مدار بحث وجدال، تطورت حتى صارت حقيقة سُبك فيها القول القرآني مع معلومات من غير القرآن، أوليست هذه الأوصاف هو ما حملت عليه أعلى في التفسير العلمي من كونه (نظرية) ومن طول الأمد حتى تصبح النظرية حقيقة ومن جواز الخطأ ... إلخ؟!
وأخيراً، أراك تخلط بوضوح بين التفسير العلمي (الذي تطلب له ضوابط) والإعجاز العلمي (الذي تحيل إلى شيء من الضوابط الاجتهادية فيه للدكتور عبدالله المصلح)!
فأقول: كل إعجاز علمي إلا ولا بد أن يمر بمرحلة تحقيق هي التفسير العلمي، فإما أن يجتازها أو لا، فإن اجتازها وتغلب على كل الإشكالات الاعتراضية التي يمكن أن يتعرض لها، فهو تفسير علمي راجح حتى يتيقن بمزيد من الفحص والتحقيق ويصبح في النهاية إعجازا، أو مرجوح حتى يسقط ويهمل تماما. أما أن يصبح هكذا إعجاز علمي بين لحظة وأخرى، فهذا لا وجود له إلا في أوهام أصحاب البروج العاجية الذين ينتظرون السماء أن تمطر عليهم ذهباً وفضة وعلما، وكما أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة إلا بالعمل، فكذلك العلم. وأغلب مزاعم الإعجاز التي تظهر بين الحين والآخر هي من النوع المرجوح، لأنها لم تختبر بالدراسات (المغضوب عليها !!!) وأستغرب عن هذا الإعراض عما مدحه الله تعالى وذم تاركه (أقصد التدبر).
هذا والله تعالى أعلم.
رد (على سبيع) وقال:
ولكن واضح أن لديك ماتقدمه علي الصعيدين القرآني والعلمي فسارع موفقا بمشيئة الله
فرددت وقلت:
تعليقاً على قولك:
أقول:
كان مدار الحوار الآخير عن "الحقيقة القرآنية" المستخرجة من الآية في إطار الثقافة اللغوية العربية فقط، وقبل مواجهتها بجديد الرؤية (والتي هي جزء من الحقيقة العلمية المستكشفة بعد النزول). وكان ذلك إثباتاً مني بأن ضابط اختبار التناقض بين (الحقيقتين: القرآنية العلمية) يستلزم العلم بها أولاً وتحريرها خالصة قبل المواجهة. فإذا كانت غير محررة في غير قليل من الحالات كآية تكوير الليل والنهار، فالضابط المذكور محل نظر. وفقط تظل الدراسات التفصيلية والتحليلية هي الطريق، في كشف العلاقة بين منطوق الآيات والوقائع الطبيعية المكتشفة، حتى ولو مرت في طريقها إلى الحقيقة على جسر التنظير.
والله تعالى أعلم،
وفقني الله وإياك،
وإلى لقاء في حوار آخر، إن شاء الله تعالى.
تحياتي
وفي رأس الموضوع، قال مسعود محمد مسعود:
هناك من تستهويه تفاسير الإعجاز العلمي للقرآن الكريم حتى أنه يراها كالقول الفصل في مراد الله تعالى من آياته.. وهناك من يرفض هذه الظاهرة رفضا باتا , ويراها تفسيرا ظنيا , وحملا لمراد الله عز وجل على مقاصد " مؤقتة" , ليس لها حظ من الدليل.ولكل منهما ملاذا في إختلاف كلام أهل العلم حول هذه الظاهرة المحدثة.
- لهذا أهيب بإخوتي من أهل الإختصاص التواصل مع الموضوع لبيان " الضوابط العلمية" من جهة , والراجح من أقوال أهل العلم في هذا الموضوع الخطير , حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود منه. وشكر الله سعيكم ..وبارك في علمكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا يُطلب ضبط علم جديد وهو في مهده، وإلا كان واضع الضوابط على علم به قبل نشأته، وهذا تناقض. (ومن توهم أنه أحاط علماً بكل شيء في كتاب الله تعالى، وسعى في ضبط ما لا يعلم - أي: ما لم يولد بعد، فيسعى في وصف خلقته - فلا يؤبه لوهمه، ولا يُلتفت لضبطه.)
فإن قيل: وكيف يتميز الحق من الباطل فيه؟!
فيجاب: بالتحقيق والمناظرة والترجيح بين حجج المؤيدين والمعارضين، وفي مسألة مسألة. ولا يقال: كل مجتهد مصيب، فتتعارك المتناقضات في نفس الباحثين، وينطمس الطريق.
فإذا ما تراكمت المسائل تُصنّف، والحجج تُهذب، والخلل يُركم، والصواب يُفرد، وتتضح الصورة، ثم تزداد وضوحاً مع التراكم المعرفي.
وعندها، يُقيّم العلم، وتظهر الضوابط، وتفرض نفسها بنفسها، باعتبارها المسالك التي أثمرت الراجح، ودرأت المرجوح، فتصبح منارات يهتدي بها المتعلمون لهذا العلم الجديد، ويُلجم به المتخرصون، المبهورون المنبهرون.
والخلاصة: أنه يجب تحقيق مسائل التفسير العلمي مسألة مسألة، وعلى مستوى التخصص البحثي، وليس الدعوي، ولا الإعجازي، ولا التعليمي. وهذا يستدعي الجمع بين علم التفسير بضوابطه العامة (غير المذهبية ولا الثقافية التاريخية)، جنباً إلى جنب مع التخصصات الدقيقة في مباحث العلوم الحديثة، وعلى المستوى الاجتهادي التحقيقي، وليس مستوى أصحاب الثقافة العلمية الصبيانية .. وهنا يستعصي الأمر على الباحثين الجادين، لأن التأهل لكلا الجانبين (الشرعي والعلمي البحثي) معدوم في المعاهد البحثية في زمننا هذا، إلا ممن ندب نفسه لذلك باجتهاد شخصي، وهذا نادر جدا.
والنتيجة: أن أكثر ما نسمع من تفسير علمي حتى الآن، فهو من قبيل التهافت أو اللغو، وهنا أمثلة لذلك (في باب أطروحات متهافتة في التفسير العلمي)، وما وراءه أكثر وأكثر، ولا يصح مما نُشر في التفسير العلمي إلا أقل القليل.
هذا والله تعالى أعلم،
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...الأستاذ الفاضل عز الدين كزابر جزاكم الله تعالى خيرا..
أرغب بالتعليق على قولكم:
(ولا يُطلب ضبط علم جديد وهو في مهده)
الأستاذ المحترم ان مقصود من أراد وضع ضوابط للتفسير العلمي هو إحاطته بقيود علمية كي لا يقع من يبحث فيه بمخالفة أصول وقواعد علم التفسير وهذا الامر جيد ومفهوم...وخاصة فيما يتعلق بالمصطلح القرآني لإن البعض يتعجل بالقول عندما يلاحظ تطابق بين المصطلح القرآني والمصطلحات العلمية التجريبية...فلابد من ضبط ما عناه القرآن بلفظة معينة قبل ان نبحث بعلاقتها بالعلم التجريبي...ولنذكر مثلا لذلك ففي قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم)(الواقعة- 75)
قال الطبري:(وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا أُقْسِمُ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ وَمَغَايِبِهَا فِي السَّمَاءِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاقِعَ جَمْعُ مَوْقِعٍ ، وَالْمَوْقِعُ الْمَفْعِلُ مِنْ وَقَعَ يَقَعُ مَوْقِعًا ، فَالْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِيهِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : هُوَ أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ) إنتهى.
وقال الأستاذ زغلول النجار:(ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, واللفظة: مواقع جمع موقع يقال: وقع الشيء موقعه, من الوقوع بمعنى السقوط.
والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم...!!!
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة,لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة وعلى ذلك فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعا وهميا للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوءه، فنظرا لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها)الهيئة العالمية للإعجاز في القرآن والسنة.
فنلاحظ ان المعنى الذي اختاره الطبري يتطابق مع التفسير العلمي الذي ذهب اليه الأستاذ النجار.....فهذا التفسير أراه صحيحاً والله تعالى أعلم.
لكن هل من الصواب ان نقول ان الطاقة الذرية مذكورة في القرآن لمجرد وجود لفظة (الذرة) في القرآن؟ طبعا لا لان معنى لفظة (الذرة) في القرآن لا يطابق ما قصده العلم التجريبي والله تعالى أعلم.
التفسير الذي اختاره الطبري لمواقع النجوم هو المواضع التي تتخذها النجوم على الأفق قبيل غروبها (حين قال: مَسَاقِطِ النُّجُومِ وَمَغَايِبِهَا فِي السَّمَاءِ) وهذ مختلف تماماً عن تفسير زغلول النجار، والذي أراد من مواقع النجوم مساراتها في السماء (حين قال: هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء).
وإلى هذا الحد فالصواب في جانب د. زغلول النجار.
غير أنه لما ذهب يفصل المسألة، ذهب بعيدا بالمعنى عن مراده. وذلك حين أراد أن يعلل القسم، فإذ به يُعلِّقه بعدم علم الإنسان بحقيق المواقع بسبب انحناءات الضوء بقوله: (الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبداً, ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها) والصحيح أن يقول: (الإنسان لا يرى مواقع النجوم الحقيقية إذا تتبع حركة النجوم، بل يرى النجوم ذاتها في غير مواضعها، بسبب حيود ضوئها الدائم، وظهورها في أزمانٍ قد انقضت.)
ولكن قصر التعليل على عدم العلم بالمواقع لا قيمة لها إذا علمنا بأسباب شديدة القوة في قيمة المواقع. ولتقريب طرف من المسألة، نذكر ما يعلمه مهندسو الإنشاءات المدنية. وذلك حين يريدون هيكلة مبنى ضخم من عشرات الطوابط ومئات الغرف. فإذ بهم يضعون أعمدته الخرسانية في مواضع بعينها وبأحمال مقدرة لكل منه، .. وإذا اختلت تقديراتهم، فالمبنى ينهار. ومثل مواقع هذه الأعمدة من المبنى مثل مواقع النجوم من الكون. هذا لو كان الكون ساكن لا حركة فيه، ولا حياة فيه لنجوم تولد وتكبر وتشيخ وتموت، هذا مع جريان أجرام الكون جميعاً وتقاذف أبعاضه وترابط كواكبه وانتثارها وهويان نجومه والتآمها ووو .. إلخ ... ومع كل هذا يحتفظ الكون ببنيانه .. والسبب في اختيار مواقع أعمدته (نجومه)، والتي إذا لم تكن على ما هي عليه، لانهار الكون كما ينهار المبنى المثال.
والآن: ما هي الضوابط التي كان يمكن أن توضع قبل دراسة مسألة كهذه، في معنى (مواقع)؟ .. الحقيقة أني لا أرى من ضابط يمكن أن يمنع كلام الطبري، مع خطئه، ولا كلام زغلول النجار مع حيوده، ولا يسمح بما ذكرته، رغم رجحانه في تقديري. .. إلا ضابط واحد يأتي لاحقاً بدراسة المسألة لا سابقاً عليها، ألا وهو دراسة المسألة وتحقيقها .. وفقط دراستها وتحقيقها، .. علماً بأن المعاني اللغوية جزء من الدراسة وليست سابقة عليها ولا مستقلة عنها.
هذا والله تعالى أعلم
بارك الله في الأخوين الكريمين "عز الدين كزابر" , والأخ " البهيجي", على مادار بينكما من نقاش , أضاء زوايا, ولكنه طرح إشكالات جديدة مرتبطة بالموضوع.
أرجو أن يتفاعل النقاش أكثر بين الأخوة الكرام , حتى يتبين " الخيط الأبيض من الخيط الأسود" , في هذه المسألة الحديثة , والتي تعد من " مستجدات", إن لم نقل "نوازل" علم التفسير..وعلى الله قصد السبيل..
وإذا كان من المبكر إستعمال لفظ" ضوابط" , كما يذهب الأستاذ "عز الدين", فإن هذا لايعفي أهل الإختصاص من التدخل لوضع " قيود" تحد من هذا "الوضع الهلامي" , الذي يمنح الفرصة لكل " من هب ودب" أن يدلي برأيه في إسقاط آيات الله تعالى على ماشاء من الظواهر العلمية والكونية ..
بسم الله الرحمن الرحين
أخي مسعود جزيت خيرا علي هذا الطرح المهم .فمتابعة الآية الكونية المشهودة للآية القرآنية المتلوة هي من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم.
يقول ابن القيم رحمه الله :البيان نوعان بيان بالآيات المسموعة المتلوة وبالمشهودة المرئية وكلاهما أدلة وآيات علي توحيد الله وأسمائه وصفاته وكماله وصدق ماأخبرت به عنه ولهذا يدعو عباده بآياته المتلوه إلي التفكر في آياته المشهودة.فالرسل تخبر عن الله عز وجل كلامه وهي آياته القولية ويستدلون علي ذلك بمفعولاته التى تشهد علي صحة ذلك. انتهي كلامه
قال تعاليسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌوقال تعاليوَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
ويقول الشعراوي رحمه الله :يجب أن نفرق بين الحقائق العلمية والنظريات العلمية فالأخيرة من الممكن أن تكون غير مجزوم بها أي يعتريها الشك أو الظن أو الوهم وفي هذه الحالة تتناقض مع الحقيقة القرآنية أما إذا كانت مجزوم بها لا تطابق الواقع فهذا جهل وأما إذا كانت مطابقة للواقع ولا تستطيع أن تقيم الدليل عليه فهذا تقليد و لابد أن يصتطدم ذلك كله بالحقيقة القرآنية أما ماهو مجزوم به واقع و تستطيع أن تقيم الدليل عليه فهذا هو العلم الذي لايمكن أن يتناقض مع الحقيقة القرآنية.
فهنا أشار الشيخ إلي أهم ضابط وهو تحرى الحقيقة العلمية بمعني أن تكون واقعة مجزوم بها عليها الدليل فعند المقابلة بالحقيقة القرآنية فلا تناقض لأن من أنزل القرآن هو خالق الكون .وأبسط مثال كروية الأرض فهي الآن حقيقة علمية لاشك فيها وشهد علي ذلك شاهد من كتاب الله من 1400سنة قبل أن توجد الأقمار الصناعية وفي وقت سادت فيه الأمية في قوله تعاليوَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وفي قوله تعاليوَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ وفيه قوله تعاليوَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا .
فقال (مسعود محمد محمود):
فعقَّبت وقلت:
1- إن ضوابط علمٍ ما أخص من ضوابط العلم الأعم منه، وضوابط هذا العلم الأخير أخص من ضوابط العلم الأشد عمومية، وهكذا.
وحيث أن (علم) التفسير العلمي أخص من علم التفسير (العام)، فضوابط الأول أخص من ضوابط الثاني.
كما وأن علم التفسير (العام) أخص من علم اللغة، ومن ثم فضوابطه أخص من ضوابط علم اللغة.
كما وأن علم اللغة أخص من عموم الفكر الإنساني، وعليه فضوابط علم اللغة أخص من ضوابط التفكير الإنساني (والتي تسمى المنطق)
فإن أتيت لضابط من ضوابط الفكر الإنساني مثل (رفع التناقض)، وتجاوزت به عموم ضوبط الفكر الإنساني، إلى خصوص علم اللغة، ثم إلى خصوص علم التفسير العام، ثم إلى خصوص (علم) التفسير العلمي. لتدعي به أنك وضعت يدك على أول ضابط من ضوابط (علم) التفسير العلمي. فأنت لم تفعل شيئاً، لأن كل ضوابط العلم الأعم ضرورية الأخذ بها في العلم الأخص، بلا تنصيص ولا ادعاء إبداع، والتي تصبح عندئذ من الضوابط البدهية، أللهم إلا عند العوام، وهؤلاء هم من كان يحدثهم الشيخ الشعرواي بالدرجة الأولى. ولو ذهبت تبني علماً على مستوى العوام، فأنت بحاجة إلى تعليمهم الأبجدية. فهل تُعد ضوابط الأبجدية من ضوابط (علم) التفسير العلمي؟!
إن ضوابط (علم) "التفسير العلمي" الجاري البحث عنها – كما ينبغي أن يفهمها المتخصصون- هي الضوابط الخاصة به، والتي تزيد عن ضوابط علم التفسير العام، التي يجب أن تكون مُضمَّنة بالضرورة في أي علم تفسير فرعي، وبلا إعادة إنتاج، أللهم من حداثة الإسقاط فقط. فرفع التناقض واجب في اشتباه وجوده بين آيات القرآن بعضها وبعض، وواجب في اشتباه وجوده بين آيات القرآن والحديث الصحيح، وواجب في اشتباه أو حصول وجوده بين أفهام الصحابه عليهم رضوان الله تعالى إذا أصابوا، وواجب في كلام كل عاقل، وإلا كان كلامه مجافياً للعقل.
وبناءاً عليه لا يكون رفع التناقض من قائمة ضوابط (علم) التفسير العلمي، إلا أن يقال:
ضوابط علم "التفسير العلمي" هي ضوابط "علم التفسير العام" + (أ، ب، ج، ..)
وما بين القوسين هي الضوابط الجاري البحث عنها. وهي التي أعنيها بالغياب في هذه المرحلة المبكرة، إلا بعد التقصي والبحث والتراكم العلمي الكافي في عيون مسائل التفسير العلمي.
2- أما ما ورد من ألفاظ (الحقيقة القرآنية) و(الحقيقة العلمية"الطبيعية") في كلام الشعراوي رحمه الله، فقد يُفهم منها أنها على قارعة الطريق، وفي متناول يد من شاء وقتما يشاء، وهذا غير صحيح. ولو كان الأمر كذلك، لما تأخر التفسير العلمي إلى زمننا هذا حتى تُكتشف كلتا الحقيقتان. بل الحق يقال (عن تجربة) أن القول بأن هذا المعنى أو ذاك هو حقيقة قرآنية - ومثله الحقيقة الطبيعية - هو أمر من أشد إشكالات هذا العلم الجديد. وهو مجال البحث والاجتهاد في مسائله، والذي بدونه لن يُعلم أهي حقائق أم ظنون أم جهالات. والنتيجة أن البحث العلمي يجب أن يسبق الحكم على أي زعم بحقيقة قرآنية أو حقيقة طبيعية، وما كان كذلك، وجب أن يسبق تطبيق قاعدة رفع التناقض، في ضبطها له، لا أن يسبق هذا الضابط توفر الحقيقة، والتي يصبح معها عندئذ ضابط بلا موضوع.
هذا والله تعالى أعلم.
وحيث أن (علم) التفسير العلمي أخص من علم التفسير (العام)، فضوابط الأول أخص من ضوابط الثاني.
كما وأن علم التفسير (العام) أخص من علم اللغة، ومن ثم فضوابطه أخص من ضوابط علم اللغة.
كما وأن علم اللغة أخص من عموم الفكر الإنساني، وعليه فضوابط علم اللغة أخص من ضوابط التفكير الإنساني (والتي تسمى المنطق)
فإن أتيت لضابط من ضوابط الفكر الإنساني مثل (رفع التناقض)، وتجاوزت به عموم ضوبط الفكر الإنساني، إلى خصوص علم اللغة، ثم إلى خصوص علم التفسير العام، ثم إلى خصوص (علم) التفسير العلمي. لتدعي به أنك وضعت يدك على أول ضابط من ضوابط (علم) التفسير العلمي. فأنت لم تفعل شيئاً، لأن كل ضوابط العلم الأعم ضرورية الأخذ بها في العلم الأخص، بلا تنصيص ولا ادعاء إبداع، والتي تصبح عندئذ من الضوابط البدهية، أللهم إلا عند العوام، وهؤلاء هم من كان يحدثهم الشيخ الشعرواي بالدرجة الأولى. ولو ذهبت تبني علماً على مستوى العوام، فأنت بحاجة إلى تعليمهم الأبجدية. فهل تُعد ضوابط الأبجدية من ضوابط (علم) التفسير العلمي؟!
إن ضوابط (علم) "التفسير العلمي" الجاري البحث عنها – كما ينبغي أن يفهمها المتخصصون- هي الضوابط الخاصة به، والتي تزيد عن ضوابط علم التفسير العام، التي يجب أن تكون مُضمَّنة بالضرورة في أي علم تفسير فرعي، وبلا إعادة إنتاج، أللهم من حداثة الإسقاط فقط. فرفع التناقض واجب في اشتباه وجوده بين آيات القرآن بعضها وبعض، وواجب في اشتباه وجوده بين آيات القرآن والحديث الصحيح، وواجب في اشتباه أو حصول وجوده بين أفهام الصحابه عليهم رضوان الله تعالى إذا أصابوا، وواجب في كلام كل عاقل، وإلا كان كلامه مجافياً للعقل.
وبناءاً عليه لا يكون رفع التناقض من قائمة ضوابط (علم) التفسير العلمي، إلا أن يقال:
ضوابط علم "التفسير العلمي" هي ضوابط "علم التفسير العام" + (أ، ب، ج، ..)
وما بين القوسين هي الضوابط الجاري البحث عنها. وهي التي أعنيها بالغياب في هذه المرحلة المبكرة، إلا بعد التقصي والبحث والتراكم العلمي الكافي في عيون مسائل التفسير العلمي.
2- أما ما ورد من ألفاظ (الحقيقة القرآنية) و(الحقيقة العلمية"الطبيعية") في كلام الشعراوي رحمه الله، فقد يُفهم منها أنها على قارعة الطريق، وفي متناول يد من شاء وقتما يشاء، وهذا غير صحيح. ولو كان الأمر كذلك، لما تأخر التفسير العلمي إلى زمننا هذا حتى تُكتشف كلتا الحقيقتان. بل الحق يقال (عن تجربة) أن القول بأن هذا المعنى أو ذاك هو حقيقة قرآنية - ومثله الحقيقة الطبيعية - هو أمر من أشد إشكالات هذا العلم الجديد. وهو مجال البحث والاجتهاد في مسائله، والذي بدونه لن يُعلم أهي حقائق أم ظنون أم جهالات. والنتيجة أن البحث العلمي يجب أن يسبق الحكم على أي زعم بحقيقة قرآنية أو حقيقة طبيعية، وما كان كذلك، وجب أن يسبق تطبيق قاعدة رفع التناقض، في ضبطها له، لا أن يسبق هذا الضابط توفر الحقيقة، والتي يصبح معها عندئذ ضابط بلا موضوع.
هذا والله تعالى أعلم.
فكتب (مسعود محمد محمود)، وقال:
الاقتبـــــــــــــاس:
بسم الله الرحمن الرحيم
المناقشـــــــــــــــة:
...............
ولكن الشيخ الشعراوي رحمه الله في مجالسه, لايكتفي فقط بإثارة " المسائل"الموجهة للعامة, بل كثيرا مايتطرق إلى الكلام في مسائل " خاصة", ثم أن رواده ليسوا عواما فقط , بل فيهم " المتميزينن "..وعلاوة على هذا, مالعيب إذا أمكن للشيخ أن يبسط الكلام في مجلس عام عن مسألة علمية؟ , فأنا أرى أنه لايضره , ولايضر الحقيقة العلمية أبدا, أن تفصل , فتبين بلغة عادية , ولو كان ذلك مجردا عن مصطلحات الفن والتخصص, وقد كان علماء الإسلام مثل شيخ الإسلام " ابن تيمية" يلقي دروسه في الفقه, والعقيدة, وغيرها في مجالس عامة بالمساجد.وكلامالشعراوي رحمه الله واضح, في أنه لاينبغي أن يعول في التفسير العلمي على مجرد " النظريات العلمية", بل لابد من ثبوت " الحقيقة العلمية", التي يدعمها الحس, والنواميس الكونية, والعقل,مثل كون الماء يتكون من"H2o", أي من ذرتين هيدروجين +ذرة أوكسيجين.
هذا وإنني شاكر لك أخي على مداخلتك المباركة , المفيدة, وعلى ماتفضلت به من بيان..
هذا ولا أدعي شيئا حتى لايقال "ادعيت من غير داعي" , ولكنني " طالب حقيقة", يبحث عنها وسط جهود إخوته .
فعقبت وقلت:
عندما قلت: [من كان يحدثهم الشيخ الشعرواي بالدرجة الأولى هم العوام. ...]
قصدت منه أنه رحمه الله كان يتنزل بالمعاني إلى مستوى العوام وأدوات الفهم البسيطة التي تلائمهم، وهذه الأدوات لا تصلح أن تكون ضوابط للباحثين المؤهلين، وإنما هي محض بدهيات.
وأستنكر أي علاقة تضاد بين مقصدي هذا مع العبارات الآتية التي جاءت في المداخلة السابقة؟!
قصدت منه أنه رحمه الله كان يتنزل بالمعاني إلى مستوى العوام وأدوات الفهم البسيطة التي تلائمهم، وهذه الأدوات لا تصلح أن تكون ضوابط للباحثين المؤهلين، وإنما هي محض بدهيات.
وأستنكر أي علاقة تضاد بين مقصدي هذا مع العبارات الآتية التي جاءت في المداخلة السابقة؟!
1- الشيخ الشعراوي رحمه الله في مجالسه, لايكتفي فقط بإثارة " المسائل"الموجهة للعامة, بل كثيرا مايتطرق إلى الكلام في مسائل " خاصة".
2- رواده ليسوا عواما فقط , بل فيهم " المتميزينن ".
3- وعلاوة على هذا, مالعيب إذا أمكن للشيخ أن يبسط الكلام في مجلس عام عن مسألة علمية؟ ... إلخ
2- رواده ليسوا عواما فقط , بل فيهم " المتميزينن ".
3- وعلاوة على هذا, مالعيب إذا أمكن للشيخ أن يبسط الكلام في مجلس عام عن مسألة علمية؟ ... إلخ
وأستغرب أيضاً، عن العلاقة بين قولي هذا، وبين العبارة الاتية التي جاءت في المداخلة السابقة:
كلام الشعراوي رحمه الله واضح, في أنه لاينبغي أن يعول في التفسير العلمي على مجرد " النظريات العلمية", بل لابد من ثبوت " الحقيقة العلمية", التي يدعمها.
ويبدو لي أن السؤال الأَوْلَى بالطرح يجب أن ينحصر في متطلبات التأهيل البحثي، للباحثين المفترضين في علم التفسير العلمي، وليس عن ضوابط البحث، وهؤلاء هم المتخصصون الذين يمكن أن ينضج على أيديهم لاحقاً بحث علمي جاد، بعد أن يخوضوا غماره وتُصقل معه قدراتهم، وتظهر لهذا العلم على أيديهم ضوابطه، والتي يسترشد بها طلاب هذا العلم ودُعاته، وتنحسر معه ضوضاء غير المؤهلين، وتهافتاتهم.
فكتب علي سبيع وقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي عز الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
بالنسبة للشيخ متولي الشعراوي رحمه الله هو علامة مضيئة في عالم التفسير كما تعلم والحقيقة كنت أتوقع منك عناية كبيرة بكلامه نظرا لعملك كباحث ولعمق ماتقدم لنا في باب الإعجاز العلمي.
بالنسبة للشيخ متولي الشعراوي رحمه الله هو علامة مضيئة في عالم التفسير كما تعلم والحقيقة كنت أتوقع منك عناية كبيرة بكلامه نظرا لعملك كباحث ولعمق ماتقدم لنا في باب الإعجاز العلمي.
وكما تعلم إن هذا الباب لايصلح خطابا للبسطاء وعامة الناس إلا أن رب الناس لم ينس أحدا من عموم الناس وخاطب كل علي قدره قال تعالي أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فبالعين المجردة وفطرة سليمة تعلم أن لهذا الكون إله واحد قادر وبنظرة مجهرية تحليلية إلى الإبل والسماء والجبال والأرض تصل إلى توحيد الله وقدرته ورب العزة لم ينتظر ضوابط من أحد فلابد أن تحقق الآية الكونية المشهودة الآية القرآنية المتلوة في الوقت المحدد لها قال تعالىسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
فهذا هو موعود الله عز وجل في آياته ولا بد أن يتحقق والنكتة أن أصحاب العلوم التطبيقية يتسارعون فيها ليس خدمةَََ للقرآن ولا انتصارا لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بل لبيان قدرتهم وهيمنتهم على الكون وأهل القرآن ينئون عنهم خشية الوقوع في التناقض مع القرآن وإذا بهم يلتقون على مراد الله عز وجل ويكون السؤال كيف جاء بهذا رجل أمي من1400سنة في بيئة بدوية ؟ ومن أهل القرآن من يسارع لمقابلة الآية القرآنية بالآية الكونية بغية الانتصار للقرآن وقد يحدث التناقض.هنا قال الشيخ الشعراوي عز وجل رفعا للتناقض اياك أن تقابل النظرية العلمية بالقرآن بل قابل الحقيقة العلمية بالقرآن تسلم من التناقض وهذا ضابط لا يمكن انكاره أو تجاوزه وخلاف ذلك تقابل غير المجزوم به بالمجزوم به ويحدث التناقض فمن يقوم بهذه المهمة ليس من العوام .والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا قدمنا من ضوابط حتي نقابل حقيقة كروية الأرض بما لدينا من آيات دالة على ذلك؟
فكتبت وقلت:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
1- ليس محل النزاع (أي موضوع الخلاف) عدم اتفاق حول ما قدمه الشيخ الشعراوي من فكر منير في التفسير العلمي، حتى أُعاتَب في عدم التعريج عليه. ولو كان هذا هو شاغلنا، لاستحق موضوعاً برأسه. وهذ هو ردي على العبارة:
1- ليس محل النزاع (أي موضوع الخلاف) عدم اتفاق حول ما قدمه الشيخ الشعراوي من فكر منير في التفسير العلمي، حتى أُعاتَب في عدم التعريج عليه. ولو كان هذا هو شاغلنا، لاستحق موضوعاً برأسه. وهذ هو ردي على العبارة:
الشيخ متولي الشعراوي هو علامة مضيئة في عالم التفسير كما تعلم والحقيقة كنت أتوقع منك عناية كبيرة بكلامه
هذا الباب لايصلح خطابا للبسطاء وعامة الناس إلا أن رب الناس لم ينس أحدا من عموم الناس وخاطب كل علي قدره ..
ومن أهل القرآن من يسارع لمقابلة الآية القرآنية بالآية الكونية بغية الانتصار للقرآن وقد يحدث التناقض
4- وليس محل النزاع – حتى هذه اللحظة - هو العلاقة بين اليقين والظن (أي الحقيقة والنظرية) في "التفسير العلمي"، حتى يُقطع ببطلان الظن الراجح، والذي لو اعتمد ذلك - من يريد أن يعتمده - لقطع ببطلان كثير من محتوى التفاسير المعتمدة، وأغلب الأحكام الفقهية!! .. وهذا هو ردي على العبارة:
قال الشيخ الشعراوي رفعا للتناقض اياك أن تقابل النظرية العلمية بالقرآن بل قابل الحقيقة العلمية بالقرآن
أصحاب العلوم التطبيقية يتسارعون فيها ليس خدمةً للقرآن ولا انتصارا لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بل لبيان قدرتهم وهيمنتهم على الكون وأهل القرآن ينئون عنهم خشية الوقوع في التناقض مع القرآن.
7- ويبدو لي من هذا الاستعراض التحليلي ، وخاصة ما أماط عنه أخي المحاور اللثام في العبارة المقتبسة أعلى والتي أعيدها مرة أخرى هنا لأهميتها، وجاء فيها:
النكتة أن أصحاب العلوم التطبيقية يتسارعون فيها ليس خدمةً للقرآن ولا انتصارا لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بل لبيان قدرتهم وهيمنتهم على الكون وأهل القرآن ينئون عنهم خشية الوقوع في التناقض مع القرآن.
أنه ما لم تكن المسألة العلمية ظاهرة لهم (بلا معاناة من دراسة ولا تخصص علمي ولا اجتهاد تطبيقي في العلوم الحديثة) فهي ليست مجزوم بها عندهم، أي: ليست بحقيقة علمية، أي: لا ترتقى للمقابلة مع الحقيقة القرآنية، .. أي ... مردودة. ... وبهذا يرتاح بال الشرعيين (الذين يفكرون بهذه الطريقة) .. وعلى أسس منهجية لا غبار عليها – في ظنهم – وهذه الأسس هي (ضوابط التفسير العلمي).
ولو صدق تحليلي هذا، وهو ما يمكن أن يصل إليه كل قارئ لما سطره أخي المحاور، فيستضح أن الغرض من وضع ضوابط للتفسير العلمي – على النحو الجاري الدعوة إليه - ليس خالصاً، بل له غرض نزاعي بين التطبيقيين والشرعيين، حتى وإن كان بوازع حفظ معاني القرآن مع سلامة النية (وهما لا يكفيان إن تجردا من الدراسات المُعمّقة). ... وقد أوْجَزَته العبارة المقتبسة أعلاه:
ويحضرني من كلام الشيخ بن باز رحمه في هذه المسألة – وإن كان لا يحضرني موضعه الآن - فهماً عميقاً عادلاً مُنصفا، معناه [ أن من ثبت عنده أن الحق في كذا فله أن يُصدِّق به، ومن لم يثبت عنده فلا حرج عليه في عدم التعويل عليه (ودون مناهضة للآخر).] ويتبع هذا المعنى القيم أن (الحقيقة العلمية) نسبية عند المُنظِّرين، وترجع نسبيتها إلى التخصص والدراسة فقط؛ أي إلى الإحاطة العلمية. ومن يزعم أن الحقيقة العلمية يجب أن تكون مطلقة – مع تجاهل أو إهمال دواعي النظر في تحقيقها – فقد أنكر الغالبية العظمى من حقائق علمية يعلمها المتخصصون، وينكص عنها غيرهم. ... وهذه طامة كبرى، تنحو بطلاب العلم إلى إنكار حق – بحسب ما ينادي به أصحابه - والترويج لنكارته، والتأصيل لذلك في إطار العلم، وفقط لأن صاحب دعوى الإنكار لم يتأهل للإحاطة به! ... ولو بحثنا عن اسم لذلك، فسنجده: (كفران بحق غير مقطوع ببطلانه)، ولا أراه إلا أنه يدخل في معنى قول الله تعالى " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ .."(يونس: 39) - دون المحكي عنهم في الآية.
ولن يختلف معي عاقل في أن من ينكص عن دراسة ضرورية لتمييز حق من باطل، فعليه أن يتوقف عن الإقرار والنفي جميعاً، وأن يقول: لا أعلم، لا أن يسعى إلى إنكاره، والخوض في نوايا المخالفين، بل والزيادة على ذلك بمحاولة تعميم الإنكار عليه، متعمداً أن يصرف الناس عنه. فإن قال لا أعلم وصمت، فقد أفتى فتوى تامة عادلة. وإن سعى لصرف الناس عما لا يعلم حقه من باطله، فلا ريب في فجاجة خطئه.
8- وأخيراً: للإجابة عن السؤال المطروح من أخي المحاور:
ماذا قدمنا من ضوابط حتي نقابل حقيقة كروية الأرض بما لدينا من آيات دالة علي ذلك؟
صياغة السؤال غير صحيحة، وصحتها هي:
[ماذا قدمنا من دراسات حتي نقابل حقيقة كروية الأرض بما لدينا من آيات دالة علي ذلك؟]
ويتجلى جلاءاً تاما الخطأ في استبدال (الضوابط) بـ (الدراسات) حيث يصبح العلم – في حصر التعامل معه بالضوابط - من قبيل الوجبات السريعة، أو مُخرجات ماكينات الصرف. وكل ما على الباحث (المنكر لما لا يعلم) أن يفعله هو أن يُخضِع كل مسألة ينكرها إلى ضابط محصور في أفقه المعرفي الحاصر للحقيقة العلمية كما يراها هو، وأن ما وراء أفقه ليس بحقيقة علمية، ومن ثم يجب لفظه .. وبماذا؟ .. (بضوابط! العلم) .. وهكذا يصبح لإنكار العلم – الجائز التحقق منها بالدراسات - مُسوّغ شرعي، وبلا سعي للتحقق منه، بل ينحصر السعي في نشر النكارة عليه بين الناس، وتحت أي مظلة؟! .. مظلة الضوابط العلمية. أي: ينقلب السعي إلى صد عن تدبر معاني كلام الله تعالى! .. وهو أمر لا أستطيع إلا أن أجابهه، وبكل ما أوتيت من قوة حجاجية.
9- والآن، يحق لي أن أسأل أيضاً وبما يكشف عن خلل خفي في فهم (الحقيقة القرآنية) المجزوم بها عند من يظن ذلك (وفي نفس موضوع السؤال عن كروية الأرض)، والسؤال هو:
ما هي (الحقيقة القرآنية) في قول الله تعالى " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "(الزمر: 5)؟
مع إنتظار الإجابة!
وأتوقع بالطبع – ومعي القراء الكرام جميعاً - أن تكون الحقيقة القرآنية هنا - لمن يستطيع الإجابة - مجزوم بها في إطار التفسير التقليدي، وقبل مقابلتها مع أي تفسير علمي حقيقي (مقبول) أو تنظير (غير مقبول). ولو لم يكن الأمر كذلك، فلا بد أن يكون هناك خلل منهجي في ضبط التفسير العلمي بضابط [مقابلة الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية](والتي يلزم عن ظاهر اللفظ فيها أن الحقيقة القرآنية دائمة الحضور، وباستقلال تام) ..... وأن في الأمر تفصيل يجب الكشف عنه بمزيد من الدراسات.
هذا والله تعالى أعلم،
مع وافر احترامي وتقديري لمحاوريَّ الكرام، ودعائي لهم وللقراء ولنفسي بحسن الفهم والعمل.
رد (علي سبيع) وقال:
أخي الكريم عز الدين جعل الله لك نصيبا وافرا من اسمك.
لقد وضعت يدك علي المشكلة ولكن ذهبت بعيدا عن طريق الحل فمسألة الدراسات تخلص إلي نظريات والأخيرة قد لا تخلص إلي حقيقة علمية في التطبيق وتكون بذلك أضفت متغيرا إضافي للمسألة قد لا يرقي إلي الحقيقة العلمية في حد ذاته ويحتاج إلى وقت لجعله حقيقة وذلك بخلاف الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية الخاصة بالآية الكونية وبلغة الرياضيات تتعقد المسألة دون الحل.
والدراسات لم تتوقف في طرفي المعادلة ولدينا جهودا كثيرة بذلت في هذا المجال والمؤلفات كثيرة ربما عازت إلي نقد أو مزيد تفعيل.
وبالنسبة للآية المطروحة للسؤال من جهتي هي دليل علي كروية الأرض ودوران الأرض حول محورها أما من الناحية اللغوية ورأي المفسر فيها أنها من كور العمامة فهو تشبيه دقيق لتعاقب الليل والنهار كما تلف العمامة بالأسود والأبيض وليس مطلوب منهم أكثر من ذلك لأن الحقيقة العلمية لم تكون معروفة وقتها والشاهد المتولد من المقابلة ليس لزمنهم ومن حاول تجاوز رقاب الحقائق القرآنية إلي المجهول وقع في المحظور
ولكسب الوقت الوقوف علي جهود الباحثين في هذه المسألة وقراءة قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه المؤلف: الدكتور / عبد الله بن عبد العزيز المصلح
الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
عدد الأجزاء: 1
والله ولي التوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وضعت يدك علي المشكلة ولكن ذهبت بعيدا عن طريق الحل فمسألة الدراسات تخلص إلي نظريات والأخيرة قد لا تخلص إلي حقيقة علمية في التطبيق وتكون بذلك أضفت متغيرا إضافي للمسألة قد لا يرقي إلي الحقيقة العلمية في حد ذاته ويحتاج إلى وقت لجعله حقيقة وذلك بخلاف الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية الخاصة بالآية الكونية وبلغة الرياضيات تتعقد المسألة دون الحل.
والدراسات لم تتوقف في طرفي المعادلة ولدينا جهودا كثيرة بذلت في هذا المجال والمؤلفات كثيرة ربما عازت إلي نقد أو مزيد تفعيل.
وبالنسبة للآية المطروحة للسؤال من جهتي هي دليل علي كروية الأرض ودوران الأرض حول محورها أما من الناحية اللغوية ورأي المفسر فيها أنها من كور العمامة فهو تشبيه دقيق لتعاقب الليل والنهار كما تلف العمامة بالأسود والأبيض وليس مطلوب منهم أكثر من ذلك لأن الحقيقة العلمية لم تكون معروفة وقتها والشاهد المتولد من المقابلة ليس لزمنهم ومن حاول تجاوز رقاب الحقائق القرآنية إلي المجهول وقع في المحظور
ولكسب الوقت الوقوف علي جهود الباحثين في هذه المسألة وقراءة قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه المؤلف: الدكتور / عبد الله بن عبد العزيز المصلح
الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
عدد الأجزاء: 1
والله ولي التوفيق
أخي العزيز
1- حول قولك:
لقد وضعت يدك علي المشكلة ولكن ذهبت بعيدا عن طريق الحل
2- وحول قولك:
مسألة الدراسات تخلص إلي نظريات والأخيرة قد لا تخلص إلي حقيقة علمية في التطبيق
3- وحول قولك:
مسألة الدراسات تخلص إلي نظريات والأخيرة قد لا تخلص إلي حقيقة علمية في التطبيق
4- وحول قولك:
مسألة الدراسات تخلص إلي نظريات والأخيرة قد لا تخلص إلي حقيقة علمية في التطبيق وتكون بذلك أضفت متغيرا إضافي للمسألة
5- وحول قولك:
..... ويحتاج إلى وقت لجعله حقيقة
فأجيبك أنه بدون الدراسة فالوقت المطلوب للوصول إلى الحقيقة (أي تحقيق المطابقة المطلوبة بين الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية) لا نهائي في الطول، أي بلا أمل في الوصول إليها، فأيهما أولى ، بل أوجب ؟!
ثم أن لفظ (لجعله حقيقة) يضمر اصطناعاً وتكلفاً في جعل النظرية حقيقة، وكان الأولى أن تقول (لكشف الحقيقة).
5- وحول قولك
مسألة الدراسات ..... خلاف الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية الخاصة بالآية الكونية
أقول لك: لو صدق كلامك، لكانت كل حقيقة قرآنية بينة لأهل العربية منذ سماعهم لها، .. وهذا خلاف الواقع. فمسائل التفسير العلمي تتناول من الآيات ما هو في الأصل غامض المعنى (أي: متشابه) في اللغة لغياب الشواهد ومعانيها التي تنجلى بها المقاصد الدلالية. وإليك فيما يلي معنى (التكوير) الذي سألتك عنه وسنرى هل جئت بحقيقته القرآنية، أم أنك وقفت حيث وقف الأولون عند حدود التشابه/الغموض الذي كان عليه فهمهم لحقيقة الآية، ولم تتقدم به ولو خطوة واحدة أقرب إلى الحقيقة إلا بالاستعانة بمصادر معرفية إضافية من علم الفلك.
6- وحول قولك:
وبالنسبة للآية المطروحة للسؤال من جهتي هي دليل علي كروية الأرض ودوران الأرض حول محورها أما من الناحية اللغوية ورأي المفسر فيها أنها من كور العمامة فهو تشبيه دقيق لتعاقب الليل والنهار كما تلف العمامة باللون الأسود والأبيض وليس مطلوب منهم أكثر من ذلك لأن الحقيقة العلمية لم تكن معروفة وقتها والشاهد المتولد من المقابلة ليس لزمنهم
ولكن إفادتك كانت خليطاً من القرآن وغير القرآن، أقصد مما عُرف أو اشتهر لاحقاً، ولم يُنقل عن الصحابة ولا التابعين، لذلك فهي ليست الحقيقة القرآنية الخالصة من آية القرآن وغير المنسوبة إلى غيره من مصادر، حتى ولو كان ذلك المصدر صحيحا. وإن لم نفعل في تجريد هذه الحقيقة من القرآن، نكون قد نسبنا إليه فهماً من سواه، وهذا أمر شديد الخطورة ويمتنع أن يقع فيه من يتكلم بحقائق مستقاة فقط من القرآن، ويسميها (حقائق قرآنية).
ثانياً: قولك بأنه
ليس مطلوب منهم أكثر من ذلك
ثالثاً: قولك بأنه
ليس مطلوباً منهم أكثر من ذلك والشاهد المتولد من المقابلة ليس لزمنهم
رابعاً: قولك:
هي دليل على كروية الأرض
خامساً: قولك:
هي دليل على .. دوران الأرض ..
سادساً: ذكرت علاقة الليل والنهار بالأرض، واستدللت على هيئة الأرض وحركتها (مع ما فيه من عدم ضرورة) وكان المفترض أن تأتي بالصريح قبل المستدل عليه. والصريح أن الآية تكلمت عن الليل في علاقته بالنهار، وعن النهار في علاقته بالليل. وقالت " يكور الليل على النهار"، أي أن الليل هو المكور، وأن النهار هو المكور عليه، وأضافت الآية في الوقت ذاته "ويكور النهار على الليل"، أي أن النهار هو المكور والليل هو المكور عليه. ودائماً أبداً يجب ذكر الصريح (أي النص) قبل الاستدلال (الذي يقترن فيه الصريح بغائب مرتبط به بعلاقة أخرى غير منصوص عليها) مثل (أن الليل والنهار دائما أبداً على سطح الأرض)، ومن ثم يتم الاستدلال على إفادة عن الأرض تتعدّى المنصوص عليه في الآية.
والآن، إذا تداخلت كل هذه الأخطاء في تصريحك بحقيقة قرآنية عن الليل والنهار، فأين وصفك لها بأنها حقيقة؟!
ثم أن المعلومات التي أتيت بها (على أنها حقيقة قرآنية) جُمعت من القرآن وغير القرآن في (نظرية) … وبعد أن ظلت مئات السنين مدار بحث وجدال، تطورت حتى صارت حقيقة سُبك فيها القول القرآني مع معلومات من غير القرآن، أوليست هذه الأوصاف هو ما حملت عليه أعلى في التفسير العلمي من كونه (نظرية) ومن طول الأمد حتى تصبح النظرية حقيقة ومن جواز الخطأ ... إلخ؟!
وأخيراً، أراك تخلط بوضوح بين التفسير العلمي (الذي تطلب له ضوابط) والإعجاز العلمي (الذي تحيل إلى شيء من الضوابط الاجتهادية فيه للدكتور عبدالله المصلح)!
فأقول: كل إعجاز علمي إلا ولا بد أن يمر بمرحلة تحقيق هي التفسير العلمي، فإما أن يجتازها أو لا، فإن اجتازها وتغلب على كل الإشكالات الاعتراضية التي يمكن أن يتعرض لها، فهو تفسير علمي راجح حتى يتيقن بمزيد من الفحص والتحقيق ويصبح في النهاية إعجازا، أو مرجوح حتى يسقط ويهمل تماما. أما أن يصبح هكذا إعجاز علمي بين لحظة وأخرى، فهذا لا وجود له إلا في أوهام أصحاب البروج العاجية الذين ينتظرون السماء أن تمطر عليهم ذهباً وفضة وعلما، وكما أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة إلا بالعمل، فكذلك العلم. وأغلب مزاعم الإعجاز التي تظهر بين الحين والآخر هي من النوع المرجوح، لأنها لم تختبر بالدراسات (المغضوب عليها !!!) وأستغرب عن هذا الإعراض عما مدحه الله تعالى وذم تاركه (أقصد التدبر).
هذا والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي أنت تحدث من ولد فوجد الأرض كروية ورأى الكواكب في الأفلاك من خلال الأقمار الصناعية وليس مع العين أين فهذا معطي جاهزلمقابلة الآيات القرآنية المعنية بذلك وهو يساعد في الترجيح أيضا عند أختلاف الآراء فعلي سبيل المثال قال تعاليوَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًافمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضًا أو يبسًا حاجزًا من الأرض، ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله، فقال: هو حاجز لا يراه أحد. فالأقمار الصناعية اليوم قد زوَّدتنا بصورة باهرة تُبيِّن لنا حدود الكتل المائية وهي الماء العذب الفرات والملح الأجاج والماء المختلط التي تزداد وضوحًا كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر، فإن هناك حدودًا على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيودًا على ما يدخلها أو يخرج منها، وهذا الوصف ينطبق تمامًا على نظام المصبِّ.والعلم الحديث أثبت وجود حدودٍ على طرفي منطقة الامتزاج.فالصورة تحسم الخلاف وتوضح المعني بجلاء ولكن واضح أن لديك ماتقدمه علي الصعيدين القرآني والعلمي فسارع موفقا بمشيئة الله
تعليقاً على قولك:
عزيزي أنت تحدث من ولد فوجد الأرض كروية ورأى الكواكب في الأفلاك من خلال الأقمار الصناعية وليس مع العين أين فهذا معطي جاهزلمقابلة الآيات القرآنية المعنية بذلك وهو يساعد في الترجيح أيضا عند أختلاف الآراء
كان مدار الحوار الآخير عن "الحقيقة القرآنية" المستخرجة من الآية في إطار الثقافة اللغوية العربية فقط، وقبل مواجهتها بجديد الرؤية (والتي هي جزء من الحقيقة العلمية المستكشفة بعد النزول). وكان ذلك إثباتاً مني بأن ضابط اختبار التناقض بين (الحقيقتين: القرآنية العلمية) يستلزم العلم بها أولاً وتحريرها خالصة قبل المواجهة. فإذا كانت غير محررة في غير قليل من الحالات كآية تكوير الليل والنهار، فالضابط المذكور محل نظر. وفقط تظل الدراسات التفصيلية والتحليلية هي الطريق، في كشف العلاقة بين منطوق الآيات والوقائع الطبيعية المكتشفة، حتى ولو مرت في طريقها إلى الحقيقة على جسر التنظير.
والله تعالى أعلم،
وفقني الله وإياك،
وإلى لقاء في حوار آخر، إن شاء الله تعالى.
تحياتي