كتبه عزالدين كزابر
الافتراء الثاني
قال الكافر:
موقع غروب الشمس وطلوعها
يفترض القرآن أن الأرض مستوية وأن
بها مواقع طبيعية تغرب الشمس فيها وتطلع منها. وحيث أن الأرض في الحقيقة كرة
دوارة، فالشمس لا تغرب في بقعة خاصة بعينها، ولا يمكن أن تنتقل إلى تلك البقعة
الذي تغرب الشمس فيه، ولا إلى ذلك الموقع الذي تطلع منه الشمس؛ فالشمس تبدو وكأنها
تغرب وتطلع على الأفق في أي موضع يكون فيه الناظر إليها على كوكب الأرض. وفي هذه
الآيات، ينشر مؤلف القرآن قصة تاريخية مشهورة في القرن السابع الميلادي، لرجل
يُدعى "ذي القرنين" والذي زار المواقع التي تغرب الشمس فيها والتي تطلع
منها؛ وفيها وجد أن الشمس تدخل غائرة في عين موحلة، ثم تطلع لاحقاً على قبيلة لا
شيء يسترهم.
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ
الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا
يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
(86)" (الكهف)
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ
الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا
(90)" (الكهف)
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية الرد:
قبل أن نُفكك تلبيس الكافر في عبارته السابقة، ونكشف سوء فهمه، أو حذقه المزعوم، وما هو إلا مكر مفضوح، نأتي من الكتاب المقدس الذي بين أيدي الناس اليوم، وبلغاتهم؛ الانجليزية والعربية، فنقرأ في مزامير داوود؛ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام،
[From the rising of the sun to the place
where it sets, the name of the Lord is to be praised](Psalm 113:3)
فإذا ما تُرجم حرفياً إلى العربية فسوف نجده:
[من مطلع الشمس إلى المكان الذي تغرب فيه،
فليُسبح اسم الرب] (المزمور 113: 3)
ونتساءل: هل قصد النبي داوود عليه السلام من قوله (إلى المكان أو الموقع الذي تغرب الشمس فيه - إذا افترضنا جواز الترجمة) أن للشمس موقع تغرب فيه وتغور في الأرض؟! - علماً بأن الترجمة الانجليزية لقول الله تعالى (فوجدها تغرب في عين حمئة) في أسوأ ترجماتها تأخذ نفس المنوال (في المكان أو الموقع الذي تغرب فيه).
لن يقبل مسيحي ولا يهودي مؤمن بالكتاب المقدس أن هذا هو المعنى. وسيأتلفوا جميعاً والمسلمون معهم على أن المقصود هو أن الشمس حيثما يراها الرائي من مكانه هو، تغرب في أفق السماء، حيثما يراها البصر، في التقاء السماء بالأرض. ومن يقول غير ذلك - إذا افترضنا عدم جهله بلغات الناس - فحتماً يكون متحامل على كلام النبي داوود، ولا يبتغي إلا تلفيق الأخطاء من عنديات عقله المريض.
وكذلك القول فيما وجده ذو القرنين من أمر الشمس وغروبها في (عينٍ حمئة)، والذي لا يختلف عن غروب الشمس في البحر، من حيث المعنى؛ أي: من وراء العين الحمئة، التي يراها البصر أمام الشمس الغاربة.
وإذا اتهم الكافر القرآن بمغالطة علمية في هذه المسألة، فحتماً ينال باتهامه الكتاب المقدس أيضاً. ولا نشك إلا أنه كافر بالاثنين، وهذا ما سيتبين لنا لاحقا.
*****************
مقدمـــة
إن التعبيرات اللغوية الإنسانية – بأي لغة
كانت – اقتضت أنه إذا كان المتكلم مستقراً في مكانه أو موطنه أو موقعه، فكل ما
عداه وارد عليه، آتياً كان أو باقياً أو ذاهبا عنه ، فإنه يصف ما يراه من وجهة
نظره هو، وباعتبار حاله هو. أي أنه وصف نسبي إلى مرجعية المتكلم. وحال الإنسان على
الأرض دائماً كذلك. فالشمس تأتي وتذهب عنه، نعم، عنه هو في أي موقع كان، أو حال،
لأن المواقع الأرضية لا تتحرك بالنسبة لبعضها كما يراها، فأصبحت الأرض كلها له
مرجع وخاصة للظواهر السماوية والجوية. لذلك إذا رأى القمر أو النجوم أو الرياح أو المطر؛ فهي
التي تأتي وتذهب. ولا فرق بين هذا وذاك، طالما أن المرجعية هي هيئة المتكلم المستقرة
ورتابة حاله على الاستقرار. واللغة الإنسانية لغة اقتصادية، وما كان لا جدوى منه؛
من وصفٍ يُعبِّر عما يفارق تصوره، فالتكلف فيه لن يكون إلا مشقة زائدة، وعبء ليس
من الحكمة التعنت فيه، لذا تستنكفها الفطرة اللغوية وتستثقلها وتبعد عنها، وتنحو
إلى اليسير الذي يؤدي الغرض وتأتلف عليه الأفهام.
وقد انبنت اللغة الإنسانية جميعاً على هذه
القيمة الاقتصادية النفعية في الكلام. وإذا خاطب الله الناس، فلن يُكلَّفهم إلا بالنمط
اللغوي الذي يفهمونه، ودون الإخلال بالاقتصاد الكلامي وما يلزم عنه من عدم تكلف، وهو
التكلف الذي ربما يتوهم البعض أن الحق يوجبه. ورغم التزام كلام الله تعالى باليسر
الكلامي لحكمته ولطفه بالناس، كما قال سبحانه " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"(القمر: 40،32،22،17) فإن كلام الله تعالى يخلو حتماً من نسبة
فعل إلى غير فاعله على الحقيقة، وهو ما لا يستطيعه الإنسان لعدم علمه بالفاعلين
على الحقيقة وقتما تواضع الناس على اللغات. فإن سعى الإنسان لاحقاً إلى الحديث
بكلام علمي؛ أي أكثر مطابقة للحقيقة التي كانت غائبة عنه، اضطُر إلى تغيير النمط
الكلامي إلى نمط يسمونه علمي حتى يستطيع إفادة المستمع بحقائق علمية لم يكن يعلمها،
ولا توافيها لغته البسيطة حق وفائها. ويظل كلامه مهما حاول ناكصاً عن تحقيق ذلك،
والأمثلة على ذلك لا حصر لها، مما اضطر الإنسان ملازمة عبارات غير صحيحة حرفيا في لغة
التفاهم إلى "لغة علمية"؛ تسعى للتصحيح عبر قصر العبارات على الدلالة
الإسمية. .. وهذا ما درجت عليه المراجع والكتب العلمية مثلاً في المواقيت والتقاويم
بقولها مطلع الشمس sunrise، ومغرب الشمس sunset، رغم أن العلم قد كشف أنه لا فعل ذاتي للشمس من
طلوع أو غروب، فلماذا تابعت لغة العلم إذاً القول بطلوع الشمس sunrise رغم مخالفتها للحقيقة؟! ... والسبب - كما أشرنا
أعلى - أن الناس لن يفهموا مقصدها إلا بهذا الأسلوب، وأنهم سيفهمون منه حقيقة أنه
محض توقيت (زماني أو مكاني) وليس معناه الحرفي بطلوع الشمس، رغم أن الحال كان هكذا
وقت أن تواضع الناس على اصطلاح طلوع الشمس، ... نعم هذا وسعهم .. ومع ذلك إذا انتقل
الكفار إلى لغة القرآن، وفي سعيهم لاختلاق أخطاء، تشبثوا بالمعنى الحرفي الوضعي
الأول، الذي تنازلوا عنه فيما بينهم، ... وفقط ليفتروا على القرآن خطأ ... وذلك لرغبة
في انفسهم يحاربون بأقصى طاقاتهم الجدلية مهما كانت جامعة للسخافة والبطلان. ومن
انتبه لِعلَّة ذلك، وجد أنهم يقدمون قناعتهم بأن القرآن كتاب بشري تم تأليفه في
القرن السابع الميلادي، ويبنون على ذلك لا علميته، ثم يستدلون باللاعلمية الموهومة
على حرفية ألفاظه، ومن ثم أنه كتاب من صنع القرن السابع الميلادي. ولو تفحصوه
بحيادية، لما تحكمت أغراضهم التنكيلية به في قراراتهم، إلا أنهم قومٌ مغرضون.
وإذا
تفحصنا لغة القرآن؛ أي اللغة الإلهية لوجدناها قادرة على الوفاء بالجانبين (اللغوي
الذي تواضع عليه الناس، تيسيراً عليهم) والحق الذي يوازي العلمي في عصرنا - بحسب
دعواه – وذلك في آنٍ واحد. ونرى بوضوح طاغي أن القرآن ينسب المعنى الحرفي إلى من تصوره،
وبما يحمل المعنى المراد للقراء في سلاسة، ودون تأكيد حرفية المفردات، بل نجد الحقيقة دوماً زاهية باهية متفردة عن الثقافات البشرية جميعاً. ولكي نرى
ذلك بَيِّناً سائغاً ننظر في التحليل الآتي:
إذا أراد الله تعالى أن يتكلم عن الشمس في
طلوعها أو غروبها فهذه بعض الآيات في ذلك:
1- "وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ
تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ .."(الكهف: 17) فرغم أن الله تعالى نسب فعل
الطلوع إلى الشمس (وهذا غير حقيقي في حق الشمس عينها إذا استقلت عن الناظر)، إلا
أن هذه النسبة قد تقيدت بـ (ترى) للمخاطب بالكلام. لأنه يرى الشمس فعلاً تطلع.
فزال بذلك إشكال نسبة فعل للشمس لا تفعله. وأصبح معنى الآية: (إذا رأيت طلوع للشمس،
فإنه يقع معه كذا وكذا .. ) وهذا حق دامغ. ويقال عن الأفعال (تَزَاوَر،
وتَقْرِضهُم) ونسبتها إلى الشمس مثل ما قيل عن (طَلَعَتْ)، أي رأيتها تزاور،
ورأيتها تقرضهم.
2- "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ
وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا"(الكهف:90)
وهنا أيضاً قيّد الله تعالى نسبة الطلوع إلى الشمس بـ (وجدها) .. أي أن الآية لم تفد
طلوعاً فيزيائياً للشمس، بل هذا ما يُقدره الناظر إليها، وذلك في أقصى المواضع
الأرضية التي يمكن رؤية الشمس منها (مَطْلِعَ الشَّمْسِ) وهي تظهر على
الناظرين، أي: هكذا وجدها (المُتحدَّث عنه هنا، وهو ذو القرنين).
3- "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ
وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي ... "(الكهف:86)
وهنا أيضاً تقيد نسبة الفعل من الشمس بـ (وجدها .. أي هكذا وجدها ذو القرنين).
ويبدو لنا أن هذا هو الأسلوب الإلهي العام
بنسبة الفعل إلى إدراك أو حسبان أو تقدير الإنسان صاحب اللغة، وفي ذلك تكليم الناس
بما يفهمون ودون المساس بحقيقة الأمور. وأمثلة ذلك في غير الشمس عديدة: ومثال ذلك
الحديث عن جدار، ومعلوم أن الجدار لا إرادة له، ومع ذلك يقول الله تعالى:
"فَوَجَدَا (أي: موسى ومعلمه) فِيهَا
جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ .."(الكهف:77)، فجاءت نسبة
إرادة الإنقضاض – أي الهَوَيَان إلى الأرض – إلى الجدار، ولكن هذه النسبة ليست
حقيقية في الجدار، بل في وجدان المتحدَّث عنهما؛ أي هكذا وجدا (موسى والمعلم).
فكان وصف الواقعة تام الحقيقة والصدق، وفي محافظة تامة على يسر اللغة
(اقتصادياتها)؛ فخلت بذلك من أي تكليف أو مشقة معرفية على السامع، وانساب المعنى
سائغاَ حقيقياً بلا تكلف.
وإذا قدّر القارئ أي بديل لهذا الأسلوب،
فلن يجده إلا أن يمس القيمة اللغوية، أو تشويه الحقائق، أو المشقة المعرفية، أو
مزيج من ذلك كله.
وإذا تذرع متعالم من الناس بأن الشمس لا
تطلع ولا تغرب من ذاتها (وهو حق)، وأن الأرض هي التي تدور أمامها، وهو حق، وأراد
أن يتكلم عن ذلك في سياق الوصف الوقائعي على سطح الأرض، وبما تعارف الناس عليه من
آليات الكلام المقبول لعموم الناس، فلن يجد إلى ذلك سبيلا. وسيضطر إلى وصف الشمس
بأنها تطلع وتغرب، وو.. إلخ، كما سبقت الإشارة إلى التقاويم والمواقيت.
ولنلتفت الآن إلى تفصيل ما جاءنا به الكافر،
وأي حجة تذرع بها في هذه الفرية الجديدة:
************
جملة الأخطاء الأولى:
يقول الكافر: [يفترض القرآن أن الأرض مستوية وأن بها مواقع طبيعية تغرب الشمس فيها
وتطلع منها.]
التحليل والتصويب: في هذه الجملة وحدها أربعة أخطاء مفتراة.
التحليل والتصويب: في هذه الجملة وحدها أربعة أخطاء مفتراة.
الخطأ الأول:
زعمه أن [القرآن يفترض أن الأرض مستوية]!
.. ولن يجد عاقل أي إلماحة في القرآن، فضلاً عن تصريح، يمكن أن يُفهم منها أن
الأرض مستوية. هذا من جهة دعم الفرية، أما من جهة قول القرآن بخلافها،أي بكروية
الأرض؛ فالقرآن مليء بذلك، مثل قول الله تعالى " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "(الزمر:5)، ولا يمكن أن يحدث هذا التكوير – أي التدوير –
المتتابع لليل والنهار على أرض مستوية أبداً، لأنها سيكون لها حافة تمنع التكوير
المستمر. وقوله تعالى "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا "(النازعات:30)
والدحو هو التدوير بغرض التسطيح، كالحجر يُدحى على الأرض فيصقله الدحو ويستدير –
يتكور- لو كان مُشّوَّه الشكل، ومن ذلك لعبة الأطفال المسماة بالأدحية أي الحَجَرات
التي يقذفها الأطفال على الأرض لتسقط في حفرة، وذلك لأنها تندحي – أي تُصقل - بالجريان
على سطح الأرض، وقوله تعالى " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ "(الرعد:3) والجسم المحدود والممدود في أي موضع فيه حتما منغلق
على نفسه، أي مكور على الإجمال، وقول الله تعالى " .. الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "(الأنبياء:33) والتي أقر ذات الكافر بمعناها في الحلقة الأولى
من هذه السلسلة من افتراءاته، وأنه يدل على مدار مستدير لكل من الشمس والقمر،
وقوله تعالى " وَسَخَّرَ
لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ "(ابراهيم"33)، والدؤوب اتصال الحركة بلا انقطاع، وإذا
جمعناه مع كون حركة القمر مستديرة أي دورانية منغلقة على نفسها وأن الأرض ممدودة
في كل موضع فيها - قطع ذلك باستحالة أن تكون الأرض مسطحة كالقرص مثلا وذات حواف،
إلى غير ذلك من آيات. وبعد كل هذا التأييد لكروية الأرض، يأتينا من يزعم أن القرآن
يقول بأرض مسطحة، .. وليس على القارئ العاقل إلا أن يقول اللهم افضح المنكرين
بلسانهم، حتى يعلم القاصي والداني منزلتهم الحقيقية في التلفيق باسم العلم،
ويَظْهَر للناس كذبهم الأخرق.
والحاصل أن الكافر يمهد بقوله ذلك للتلبيس
على القارئ بأن الأرض المستوية هي التي لها نهاية في آخر موضع لها، وأن هذا الموضع
ستغرب فيه الشمس (بزعمه على القرآن)، ثم تخرج الشمس (من نفس الموقع أو من موقع
غيره) ... وهنا يبدو الأمرغامضا .. أتذهب الشمس تحت الأرض المسطحة التي يفتريها
الكافر على القرآن من آخرها؟! .. أم تغور في الأرض من فتحة ما وتخرج من فتحة أخرى (ومن
ثم لا حاجة لأن تكون الأرض مسطحة كما زعم).. كل هذا غامض، ويتركه الكافر هكذا
فيتوه معه القارئ في تخبيل لا مثيل له! وكأن كل هذا من أقوال القرآن. ثم يأتي في
النهاية ليُلحق الكافر هذا الغموض بالقرآن، وأن العرب كانوا يؤمنون بأرض مسطحة،
وأن هذه ثقافة محمد وأنه وضع القرآن من عند نفسه استناداً إلى هذه الثقافة! ..
فزاد الكافر على كفره كذباً، ولو كان كافراً غير كذاب لحظى بشيء من احترام القراء.
الخطأ الثاني من الجملة الأولى من جملة
الأخطاء:
زعم الكافر أن [القرآن يفترض أن الأرض بها مواقع طبيعية تغرب الشمس فيها]! وهذا الخطأ مركب من وجهين:
زعم الكافر أن [القرآن يفترض أن الأرض بها مواقع طبيعية تغرب الشمس فيها]! وهذا الخطأ مركب من وجهين:
وجه الخطأ الأول: أن الكافر يسعى في هذه الفرية– التي هي مدار هذه الحلقة برُمَّتِها –
إلى إثبات أن قول الله تعالى عما وجده ذو القرنين من حال الشمس في غروبها، وفي
الموقع الذي وصل إليه، أنها "تغرب في عين حمئة" فظن أن القرآن
يقول بأن الشمس تغرب بجرمها وتغور في الأرض في ذلك الموقع!!! واقتنص هذا الوهم،
وأخذ يعظم منه وكأنه حقيقة، ويسخف من خلافه. ونلاحظ أنه ما زال في بداية عرض
المسألة، وعليه أن يعرضها بحيادية قبل أن يقرر فيها بمواجهة الأدلة وما يعارضها،
إلا أنه يقرر النتيجة التي يريد أن يصل إليها – رغم روعنتها وسخافتها - قبل أن يوازن
بين الأدلة. ونرد على ذلك بالآتي:
هل إذا قلنا: (وجد ذو القرنين أن الشمس
تغرب في البحر) .. أكان قولاً مقبولاً لغويا ودلاليا على أن الشمس تغطس في البحر
وتغور بداخله؟! .. أم أن معناها – مما لا يختلف عليه اثنان وفي أية لغة كانت - أن
الشمس تغرب وراء البحر؟! .. وكما يقولون بالإنجليزية : the
sun sets in the sea؟! .. فإذا ما جاء أحمق يريد أن يُخطئ القائلين
بذلك من بني جلدته، ويقول: أتقولون أن الشمس تغور في البحر، هذا خطأ علمي وأنتم جهال؟!
.. فلا بد أن يردون عليه قائلين له: شفاك الله. إذهب عنا بحمقك وسوء طويتك وتحاملك
علينا، وجهلك باللغة.
فإذا ما كان غروب الشمس ليس وراء بحر، بل
وراء جبل أو يابسة أو عين ماء أو ما شئت من علامات أرضية landmarks، .. هل من غرابة أن يُستبدل لفظ "البحر" – وهو هنا ليس إلا علامة
أرضية – بغيره من علامات، فنقول (وجدنا الشمس تغرب في اليابسة)، أو (وجدنا الشمس
تغرب في الجبل) أو (وجدنا الشمس تغرب في العين) أو (وجدنا الشمس تغرب في كذا)؟! –
لا غرابة، هذا ما يقوله أي عاقل، أللهم إلا الشكاك والمتحذلقون، أو "المُبطلون"
بلغة القرآن.
ثم ماذا؟! .. القول بأن (وجدنا الشمس تغرب
في العلامة الأرضية كذا) جمع بين العلامة الأرضية والاتجاه الجغرافي – الذي هو
الغرب - في موقع العلامة الأرضية. وهذا يماثل ما يُعرف في الفيزياء الحديثة بإسم
(المتجه) والذي (له مقدار – يقابله هنا الموقع) بالإضافة إلى (اتجاه). ومعنى ذلك
أن قول الله تعالى عن ذي القرنين (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)
قام مقام متجه يبين الموقع الذي وصل إليه ذو القرنين (عين حمئة) واتجاه حركته –
اتجاهه عندما وصل إلى هذا الموقع إلى الغرب. فكم من فائدة أفادتها الآية الكريمة؟!
وكم من جهالة وقع فيها من لم يجتمع عنده هذا الفهم!
الوجه الثاني من الخطأ الثاني، والذي يمثل
تمادي الكافر الافترائي: جاء بكلمة
مواقع بالجمع عندما قال [القرآن يفترض أن الأرض بها مواقع طبيعية تغرب الشمس فيها] رغم أن
حجته التي فندناها لتَوِّنا استندت إلى موقع واحد (عين حمئة)، فكيف صعَّد الفرية
لتصبح مواقع بعد أن كانت موقعاً واحداً؟! .. أهو تعميم للفرية؟! .. أم أنه يكذب ثم
يعمم الكذبة إلى كذبات متعددات؟! .. أهذا هو المنهج العلمي الذي ارتآه لمناهضة
معاني القرآن؟!
الخطأ الثالث من الجملة الأولى من جملة
الأخطاء:
قال الكافر: [يفترض القرآن أن الأرض .. بها مواقع طبيعية .. تطلع (الشمس) منها]!! ونتساءل: أين وجد هذا المعنى؟! هل قرأه في النص القرآني، أم في
تفسير، أم في كتاب تاريخ، أم ماذا؟! .. الراجح عندنا أنه واسع الخيال، ويبني
أوهاما، ويصعِّدها كما يحلو له، وأنه "فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ
أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ ": [إذا كانت الشمس تغور في العين
الحمئة، ويجب أن تخرج منها، أو من غيرها، فلا بد وأن القرآن يقول بأن الشمس تطلع
من الأرض، أي أن القرآن يفترض مواقع طبيعية تطلع الشمس منها]. ... !!! .. هذا هو
البرهان العلمي المتسق الذي استند إليه أذكى أذكياء الكفار في افترائه على القرآن قولا
بطلوع الشمس من جوف الأرض! .. وما أشبهه بمن أشرنا إلى فكره وتقديره بتعبيرات
قرآنية كشفت خبايا نفسه!
*****************
الجملة الثانية من أخطاء الكافر:
يقول الكافر: [ينشر
مؤلف القرآن قصة تاريخية مشهورة في القرن السابع الميلادي، لرجل يُدعى "ذي
القرنين" والذي زار المواقع التي تغرب الشمس فيها والتي تطلع منها؛ وفيها وجد
أن الشمس تدخل غائرة في عين موحلة، ثم تطلع لاحقاً على قبيلة لا شيء يسترهم.]
التحليل والتصويب:
هنا أيضاً عدة أخطاء:
الخطأ الأول: قول الكافر أن القرآن يقول عن ذي القرنين أنه: [زار
الأماكن التي تغرب الشمس فيها] علماً
بأنه ليس هناك في القرآن إلا موقع واحد هو (العين الحمئة)، فمن أين جاء ذلك الفصيح
بأنها مواقع (بالجمع)؟!
الخطأ الثاني: قوله: [زار الأماكن التي تطلع الشمس منها] ... وليس في القرآن (تطلع من) بل جاء النص القرآن هكذا: "حَتَّى
إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ" ..
و(الطلوع على) غير (الطلوع من) .. وكما يلاحظ القارئ أن التلفيق جاري على قدم وساق
لتحميل القرآن ما لم يقله من كل وجه يستطيعه الكافر، وتتفتق عنه قريحته.
الخطأ الثالث: قوله: [وجد (ذو
القرنين) أن الشمس تدخل غائرة في عين موحلة]. فمن أين جاء بأن القرآن قال بدخول غائر للشمس في العين؟! .. القرآن
قال: [وَجَدَهَا (أي: ذو القرنين) تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ] وهذا
يماثل (وجدها تغرب في البحر) كما سبقت الإشارة، فهل كل ما تغرب الشمس فيه يعني
دخولها الغائر فيه؟! .. لا يقول بذلك إلا من لا يعلم لغات البشر. أم هل كونها (عين)
يقلب غروب الشمس من كونه وراءها إلى أن يصبح دخولاً غائراً فيها؟! .. أو ربما أنه
يكون السبب أن العين (حمئة) مثلاً .. ؟! لو كان الكافر قليل الذكاء، لقلنا أنه إنه
دون مستوى الفهم، ولكنه ليس كذلك، ولا حتى أنه ذو مكرٌ سيء، فالمكر فيه ذكاء يصعب
كشفه إلا بعد الوقوع فيه في الغالب. ولكن حججه مفضوحه قريبة المأخذ، وتتدنى
تلفيقاته إلى مستوى يثير الضحك، وتهوي به في أعين القراء الفطنين، لهبوط مستوى
حججه، وتهافتها، وكثرة الكذبات التي يبني بعضهاعلى بعض.
الخطأ الرابع: قوله: [ثم (وجد ذو
القرنين أن الشمس) تطلع لاحقاً على قبيلة.]
فقوله (لاحقاً) يجعل الطلوع لاحق
للغروب لحوقاً مباشراً، وكأنه الشمس دخلت في بداية الليل في العين الحمئة، وطلعت
في الصباح على تلك القبيلة. وهذا هذيان في فهم النص القرآني، إذا افترضنا أنه فهم معانيه.
فالقرآن يقول: " حَتَّى إِذَا
بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا " ومفهوم لأهل العربية أن (حَتَّى إِذَا) وقت طويل
يستغرقه المتحدث عنه حتى يبلغ منتهاه في مقارنة مع حدث أول مرتبط، وباقتران النص
مع انتقال ذو القرنين من الغرب إلى الشرق، فلا بد وأن فترة الانتقال كانت شهوراً
طويلة أو ربما سنين؛ وذلك كي يصل فيها ذو القرنين وجيشه أو حاشيته أو حاميته، مع
مكثه بقدر ما شاء الله له أن يمكث فيما بين ذلك الموضعين في أممٍ لاقاها، وحَكَّمه
الله في شأنها ما حكَّمه، وقدره بما قدرّره. ثم أن كلمة (لاحقاً التي افتراها
الكافر) ربطت بين ذلك الغروب وذلك الطلوع وكأن الشمس – عبر هذا الزمن الطويل –لم
تغرب خلال هذه الفترة في غير هذا المكان، ولم تطلع إلا من ذلك المكان الآخر (من
جوف الأرض كما توهم المسكين، ثم يُلقي بوهمه على القرآن)؟! .. فهل كان باقي الناس
على الأرض محرومين من الشمس؟!
فأي قيمة تحريفية أدخلتها كلمته (لاحقا)
حتى يوردها؟! – هذا الكافر الباهر في ذكائه!
الخطأ الخامس: قوله: [ثم تطلع ..
على قبيلة لا شيء يسترهم].
علماً بأن ("القوم" المعنيين)
ربما لم يكونوا قبيلة بالضرورة، وسنتجاوزها. والخطأ الذي نقصده هنا قوله: [لا شيء
يسترهم with no coverings]، وهذا مستغرب، ويوهم للقارئ أنهم كانوا بلا
ملابس، وفي استقلال عن الشمس. وما ورد في القرآن من نص في ذلك فهو قول الله تعالى
[وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا]
أي أن الشمس كانت تلازمهم دائماً دون حجاب لهم عنها يسترهم من ضوئها أو سطوعها –
وذلك في الفترة التي زارهم فيها ذو القرنين على أقل تقدير. فأين هذا المعنى الصريح
في القرآن من ذلك التحريف الذي قصر الأمر على الملابس باستقلال عن لاشمس؟! ... أي
عبث لمعاني القرآن يأتينا بها هذا الأعجمي – الذي لا يفهم القرآن إلا بالإنجليزية،
كما يشير في إحالاته، وبانتقائية مغرضة. وسأترك للقراء أن يحكموا على فهمه، لأن
الحجة تأتي بعد التأكد من سلامة قواه المفهومية. فإن خلا منها، فأي حجة يستطيعها
بعد ذلك؟!
*****************
الجملة الثالثة من الأخطاء:
قال الكافر: [بعد قرون من الفترة التي عاش فيها محمد، جاء أناس يمتلكون معرفة فلكية أفضل منه، وشرعوا في توليف تأويلات أكثر إبداعاً لهذه الآيات.]
التحليل والتصويب:
هذه العبارة تستند إلى النتيجة غير المُثبتة
بعد، والطبيعي أن تستند النتيجة إلى السبب الذي أنشأها، لا العكس. وهذا المنهج
العكسي هو منهج "وَضْع العربة أمام الحصان". ولا يختلف أصحاب العقول على
فساده، وأن صاحبه – في كل زمان ومكان - مُغرض، يقرر النتيجة قبل أن يثبتها، ثم
يبني عليها أوهامَ استدلاله ليعود فيقررها هي هي.
والنتيجة غير المثبتة هي أن (محمداً قد أتى
بالقرآن من عند نفسه)، والسبب الذي لو صدق فيه الكافر (أن الآيات بشرية). فلو كانت
الآيات بشرية (استدلالاً من عدم صحتها) فإن القرآن من عند محمد. أما أن يقول أنه
استناداً إلى أن القرآن من عند محمد، وبسبب من ضحالة معلوماته الفلكية جاء بمعنى
فاسد علمياً في القرآن ثم جاء من بعده بقرون من يخترعون تأويلات لتصحيح كلامه ...
فهذا من أفسد الحجج وأضلها في تفنيد كلام الخصم، ويقوم مبناها على التأثير النفسي
على مؤيدي الخصم وفبركة سيناريو يوهم بصحة كلام صاحبها الساعي للاستدلال عليه حتى
قبل أن يبدأ أي استدلال، ومن يفعل مثل ذلك يُهْمَل كلامه، ويوضع في أسود قوائم
المُناظرين.
ثم هل وجد الكافر أن النص القرآني معارض
لحق علمي – كما يزعم؟! – لا لم يجد دليلاً واحداً على ذلك، وكل ما سعى إليه هو لي
معاني الآيات لتحقق مطمحه وأمنيته، ووضع هذه المعاني التي أرادها على ألسنة بعض كتاب
التاريخ تحريفاً لكلامهم كما سنرى. ثم زعم أن ثقافة الماضي غير المحقق هو تأويل
محمد للنص القرآني لأنه معاصر له، ومن ثم يكون ذلك التأويل الثقافي للماضين – بحسب
أمنية الكافر - يكون هو المعنى المراد لآيات القرآن. ولن يختلف منصف على أن عملاً
هذا وصفه ليس إلا تلفيق وتدليس وتخبيص.
وسيجد القارئ لاحقاً أن الكافر يشير بقوله
:[ بعد قرون من الفترة التي عاش فيها
محمد، جاء أناس يمتلكون معرفة فلكية] إلى القرطبي والرازي وابن كثير، وذلك لأن تأويلهم الصريح والواضح الذي
لم يستطع الكافر التهرب منه يفند كلامه تفنيداً تاما. لذلك سعى إلى المباعدة بين كلامهم
وبين مراد القرآن، زمنياً ومعرفيا، حتى يتجنب هذا التفنيد، وكأن القرآن كتاب ثقافي
مقيد بزمن تبليغه للناس. فقال ما قال من أن تأويلهم ليس هو فهم محمد. اعتماداً على
النتيجة التي يريد البناء لترسيخها. وهي أن الآيات من صنع محمد. ومن ثم يجب أن
يكون تأويل هؤلاء اللاحقون المتميزون بمعارفهم الفلكية – بحسب وصفه - غير مرادة من
محمد، وليلاحظ القارئ أن الكافر يبني ويحشد طعونه على أن القرآن ثقافي محمدي، هكذا
يضلل الكافر القراء. ولو أنه كان محايدا في البحث عن حقيقة الأمر لوجد أن القرآن إلهي
فوق ثقافي، ويخلو تماماً من أي إلحاق بثقافة العرب، رغم أنه بلغة العرب، وهذا من عجائب
القرآن. وهو الأمر الذي انتبه إليه الباحث الياباني (توشيهيكو ايزوتسو) في
كتابه (بين الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم، ترجمة
هلال محمد الجهاد، ص 288)، فقد لاحظ هذا الباحث القريب من الإنصاف [أن في القرآن الكثير
من الكلمات والمفاهيم القديمة السابقة للإسلام، والمستخدمة بدلالات جديدة كليّاً،
إذ جرى تكييفها لهيكل مفهومي جديد تماماً. فالمفاهيم القديمة موجودة ثمة، لكنها
خضعت لتحويل دلالي عميق بإدخالها في نظام جديد للقيم]، وبعبارة أخرى: (أنَّ) [لكل
كلمة معنى وضعياً أساسياً لا يتغير بتغير الاستعمال، ومعنى سياقياً يضفي على
الكلمة معان جديدة قد تقطع مع معناها الأصلي وتصبح كلمة جديدة كلياً في معناها،
وهذا شأن المفردات القرآنية.](دراسة بعنوان: "استخدام علم الدلالة في فهم القرآن:قراءة في تجربة الياباني توشيهيكو" - لعبدالرحمن حللي).
ويقول في موضع آخر (ص 51 من ترجمة عيسى علي العاكوب) : [المعجم اللغوي لشعراء
الجاهلية، - والشعراء المخضرمون جزئيا - ونظرتهم إلى العالم مبنيان على خطوط مختلفة
جوهرياً عن تلك التي للقرآن]، وهذا ما جعل القرآن ينتقل بالمعجم العربي نقلة نوعية
حتى [صار المعجم العربي كله خاضعاً لسلطة المعجم القرآني، وأصبحت اللغة العربية
بكليتها متأثرة بهذه الحقيقة على نحو عميق](ترجمة هلال الجهاد، ص75).
أي أن المطابقة التي يسعى إليها الكافر – بين معاني آيات القرآن وتصورات العرب الطبيعية
قبل الإسلام وصدره – مطابقة زائفة، بل كاذبة، وغرضها نفي المصدرية الإلهية للقرآن،
ولكن هيهات، فعِلْمِ الدلالة ينفي هذه المطابقة نفياً قاطعا، وبشهادة العلماء
المتخصصون حتى من غير المسلمين، أمثال من اقتبسنا شيء من كلامه أعلى. وإذا كان
محمدا هو مصدر القرآن، فكيف يمكن الجمع بأن ثقافة العرب المعاصرين له تطابق معاني
القرآن التي جاء به، وتطابق تصورات محمد، في وقت يفارق القرآن ثقافتهم مفارقة جازمة؟
... فالحق أن هذه المفارقة دليل صارخ على مصدرية مختلفة عن الواقع اللغوي الموروث والمعيش
في صدر الإسلام، وأن هذه الثورة الدلالية الجديدة لم تكن لتظهر من داخل الثقافة
العربية مهما كان إبداع العنصر الذي ينسب الكفار إليه هذا الفعل زرواً وبهتانا.
أما أدهى وأخزى ما وقع فيه الكافر في
افترائه، فهو أنه سيضع بهتانه على لسان ابن إسحاق في سيرته بأنه فهم أن الأرض مسطحة
وذات حواف، وأن هذا هو المعنى الذي أراده محمداً باعتبار الطبري قريباً زمنياً من
صدر الإسلام، وذلك في اختلاف عن أولئك الأكثر علماً فلكياً وجاءوا بعد قرون (يقصد القرطبي والرازي وابن كثير). وسيرى القارئ أن الكافر مفضوح الكذب والتلفيق في هذا
الاستدلال الفاسد، على نحو يستوجب ازدراء أكاذيب الكافر ووضاعتها.
*****************
الجملة الرابعة من الأخطاء:
التحليل والتصويب:
أراد الكافر من هذه العبارة التدليل على أن
التفسير الدارج والمشهور بين المفسرين والمغاير لافترائه فاسدة، حتى أنه يهبط بها
من الحديث عنها بأنها تأويل وليست تفسير، ليوهنها نفسياً عند القراء بظنِّه. ومن
ثم يثبت بوهمه افترائه القائل بأن القرآن قال بدخول الشمس دخولاً غائراً في العين
الحمئة، وأن محمداً جاء بهذا من عند نفسه لضحالة معلوماته الفلكية. وأما هذا
التفسير المغاير، فأوجزه هنا في قوله [ارتحل ذو القرنين فقط حتى وصل إلى "الغرب" أو إلى الموقع
"في ذلك الوقت" عندما كانت تغرب الشمس، وليس في البقعة التي تغرب فيها
الشمس.] ثم أحال تفنيده هذه
التأويلات البديلة إلى رابطة كفرية أعدها هو وجماعته بقوله [هذه التأويلات البديلة تتقيد بحسم شديد بــسياق الكلمات
العربية] يريد
من ذلك أن يقول أن هذا التفسير باطل بتحليل السياق. وإذا كان الأمر كذلك في ظنه، فلن
يتبقى إلا أن المعنى هو دخول الشمس في العين دخولاً غائرا. .. ويظن بهذا الإيهام
أنه أثبت افترائه.
ولكي نرى صدقه من عدم صدقه ننتقل إلى حيث
أشار (أي هذا الرابط)، لنرى
حجته هناك على فساد كل التأويلات البديلة:
قسَّم الكافر كلام المفسرين (لوصول ذو
القرنين إلى مغرب الشمس ومطلعها) إلى ثلاثة تأويلات متباينة!!!:
3- التأويل الثالث: أنه وصل إلى المواقع التي تغرب الشمس فيها وتغور بداخلها
وتطلع من مواطن من داخل الأرض.
والآن نبحث عن حججه في كل فئة من هذه
الفئات التأولية الثلاث التي صنفها وتفنيده للأول والثاني، وفبركته للثالث وكأنه كان تفسيرا أو تأويلاً مطروحا! :
1- في التأويل الذي سماه التأويل الأول،
أسهب الكافر في الكلام البعيد عن عين تصنيفه، ولم نجد من إشارة إلى عين التأويل،
الذي هو وصول ذو القرنين في الغرب والشرق فقط. إلا إلى هذه الرابطة،
وبمراجعتها، وجدنا أنها أحالت إلى ترجمة (عبدالله يوسف علي) في قوله:
“Until, when he
reached the setting of the sun…”: The translation of this part of the verse does not say that
Dhul-Qarnain reached the place where the sun sets LITERALLY, rather it means
here that Zul-Qarnain was facing the direction in which the sun is setting. The
“setting of the sun,” is an Arabic idiom meaning ‘the western-most point’ of
his expedition. However, in general, idioms should not be literally translated.
وبالعربية يقول عبدالله يوسف علي:
[إن ترجمة الجزء من الآية "حتى إذا
بلغ مغرب الشمس .." لا يعني بأن ذي القرنين وصل إلى الموقع الذي تغرب
الشمس فيه حرفيا، وإنما يعني أنه كان يواجه جهة الغرب حيث تغرب الشمس.
فالعبارة (مغرب الشمس) إصطلاح عربي يعني (آخر موضع جهة الغرب) من رحلته. وبشكل
عام، لا ينبغي ترجمة الاصطلاحات حرفيا.]
والآن نتساءل (مع الانتباه إلى الجزء من
كلام "عبد الله يوسف علي" وتحته خط):
هل هذه الجملة عِلَّة التأويل الأول ولا
شيء سواها؟!
إن كانت كذلك (وما وجدنا غيرها في طول
كلامه وعرضه وإحالاته، بحيث تشير إلى مقصده من التأويل)، فما أسوأه من تحليل
للكافر عندما يعتبر أن جملة صغيرة ابتغى بها قائلها طرفاً من الموضوع، وفقط في
تفسير جزء صغير من الآية، حتى يجعلها الكافر تأويلاً مستقلاً قائماً بذاته للآية
جميعا. ..
والغريب أن يقول الكافر عن تلك الإحالة
التي بنى عليها تصنيفه الفاسد وسماه بـ (التأويل الأول) بأن من نقلها استند إلى
عدد من التفسيرات التراثية، وبالتحقيق لم نجد هناك أي علاقة بين الجملة فوق الخط
(من كلام المترجم "عبدالله يوسف علي") والتفاسير التي نقلها الرابط
للقرطبي والرازي وابن كثير، وأخيراً سيرة ابن اسحاق، ويبدو أن الكافر اشتبه عليه
قولهم جميعاً (أن ذو القرنين وصل إلى موقع في أقصى الغرب) وزعم بأن تأويل الآية هو
فقط (وصل إلى الغرب والشرق).
والآن، لنحقق في رده على هذا التاويل المزعوم
(والذي لا يحتاج إلى
رد لأنه ليس بتأويل يُؤبه له):
يقدم الكافر اعتراضين:
الأول: على ما أكد عليه الرابط المصدر على
المعنى البلاغي للاصطلاحات مطلع الشمس ومغرب الشمس وأن ذلك يستلزم استبعاد المعاني
الحرفية لما عساه يفهمه السطحيون من أماكن بعينها في الأرض تطلع وتغرب فيها الشمس،
وفي هذا التمييز أخطأ أصحاب الرابط في تمييز المعنى البلاغي – في تقديرهم - بأنه
ربما يخالف المعنى العلمي. وهذا خطأ من أصحاب الرابط. فقولنا (مطلع الشمس) و(مغرب
الشمس) بالإشارة إلى المكان أو الزمان الذي تحدث فيه هذه الأحداث أمر مشروع تماماً
في العلم كما هو الحال في كل اللغات، وهذه روابط تؤكد أن هذه الاصطلاحات
(طلوع/غروب الشمس، طلوع/غروب القمر) مستخدمة في Nautical Almanac وغيره من التقاويم الفلكية، لذلك فهي علمية بكل المقاييس، ما دامت محددة المعنى، بإلاضافة إلى
أن لها قيم عددية تعبر عن كميات قابلة للقياس.
وإذا ذهبنا لنرى اعتراض الكافر على هذه
المسألة فسنجده مقصوراً على الكلام على المسألة البلاغية – اللاعلمية، بحسب ما
قاله أصحاب الرابط - وهي مسألة منفصلة عن عين التأويل الأول (الذي هو قصر المعنى
على الاتجاه غرباً وشرقا)، فذهب الكافر ليعترض عن أن كلمة (وجد) في قوله تعالى
(وجدها تغرب) تعارض التأويل البلاغي، وهي كذلك بالفعل، من حيث أن وجدانَ شيء
معاينةٌ له من وجهة نظر الواجد، ولكن ليس لهذا الاعتراض قيمة في لُب مسألة التأويل
الأول، التي هي حصر معنى مغرب الشمس ووجدانها في الاتجاه غرباً – بحسب ما فهم هو،
وقد فندنا فهمه.
الثاني: جاء في نهاية كلامه، وبعد استناده إلى
ابن إسحاق في سيرته حين قال:
(مُدَّت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضا
إلا سُلِّط على أهلها، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق)(السيرة النبوية لابن هشام، (1/ 307))،
واستند إلى ترجمة هذه العبارة بالنص الآتي[2]:
[Roads were
stretched out before him until he traversed the whole earth, east and west. He
was given power over every land he trod on until he reached [the end of the
east and the west, to] the farthest confines of creation] والتي لو ترجمناها إلى العربية مرة أخرى لحصلنا
على: [مُدَّت الطرق/السبل أمامه حتى مسح/اجتاز الأرض جميعا، شرقاً وغربا.
وأُعطي السلطة على كل أرض وطأها حتى وصل (نهاية المشرق ونهاية المغرب، وإلى) آخر
حدود (الوجود المخلوق على الأرض). .. هكذا شرح الكافلا معنى كلمة creation في الأسطر التالية! في حين أن ابن إسحاق قصد من
لفظ الخلق: أرض يمكن أن يعمرها البشر.]
فظن الكافر أنه حصل على ضالَّته في هذه
العبارة فقال معترضاً:
[لا تدل هذه العبارة على أن ابن إسحاق (أو المصدر الذي اعتمد عليه) لم يعتقد أن ذي القرنين وصل إلى المواقع الأرضية لغروب وطلوع الشمس. وعلى خلاف المفسرين الذين سبقت الإشارة إليهم (يقصد القرطبي والرازي وابن كثير) فلم ينكر ابن إسحاق أن ذو القرنين فعل ذلك. فالمعنى الحرفي لهذه العبارة باللغة العربية يقول أنه لم يكن هناك من الخلق شيء وراء هذه المواقع. وهذا معناه قطعاً أن هذه المواقع هي حواف الأرض المسطحة. وأن مغرب الشمس هو الحافة الغربية وأن مطلع الشمس هو الحافة الشرقية. وزيادة على ذلك، فقد استخدم ابن إسحاق ترتيب مختلف للكلمات: المشرق ثم المغرب، بدلاً من المغرب ثم المطلع كما جاء بالقرآن. وهذا يلمح إلى أنه كان يقتبس جملة وصفية عامة يلخص بها مغامرة ذو القرنين. ]
[لا تدل هذه العبارة على أن ابن إسحاق (أو المصدر الذي اعتمد عليه) لم يعتقد أن ذي القرنين وصل إلى المواقع الأرضية لغروب وطلوع الشمس. وعلى خلاف المفسرين الذين سبقت الإشارة إليهم (يقصد القرطبي والرازي وابن كثير) فلم ينكر ابن إسحاق أن ذو القرنين فعل ذلك. فالمعنى الحرفي لهذه العبارة باللغة العربية يقول أنه لم يكن هناك من الخلق شيء وراء هذه المواقع. وهذا معناه قطعاً أن هذه المواقع هي حواف الأرض المسطحة. وأن مغرب الشمس هو الحافة الغربية وأن مطلع الشمس هو الحافة الشرقية. وزيادة على ذلك، فقد استخدم ابن إسحاق ترتيب مختلف للكلمات: المشرق ثم المغرب، بدلاً من المغرب ثم المطلع كما جاء بالقرآن. وهذا يلمح إلى أنه كان يقتبس جملة وصفية عامة يلخص بها مغامرة ذو القرنين. ]
وبعد هذه الطامة الكبرى في الفهم (التي
سنعود إليها في الفقرة التالية) .... يُنهي كلامه بأن كلمة (وجد) في (وجدها تغرب)
و (وجدها تطلع) تنفي أن يكون المقصود من مغرب الشمس ومطلع الشمس إشارة إلى المغرب
والمشرق، والذي هو لب التأويل الأول حسبما جاء هو به. .... ونسأله ونسأل عقلاء
البشر: ومن الذي قال بأن المراد هو الإشارة إلى ذات المغرب وذات المشرق؟! .. إن
مرجعه في ذلك – بالإحالة المزدوجة- هو ترجمة عبدالله يوسف علي، والتي عممها الكافر
على كل الآيات، في حين أن عبدالله يوسف
كان يتكلم عن شطر آية واحدة. .. أي أن هذا الكافر لم يفهم ما الذي يقرؤه،
وإذ به يبني عليه افتراءاً عملاقاً في الهواء.
أما عن الطامة الكبرى التي قرأناها لتوّنا،
والتي استدل فيها الكافر – من كلام ابن إسحاق - استدلاياً مخزياً على أن الأرض
مسطحة، وأن لها حواف غربية وشرقية (والتي علاماتها هي مغرب الشمس عند العين الحمئة
ومطلع الشمس حيث الناس الذين لا يجدون ساترا لهم منها !!!).. فسوف نتركها للقارئ
ليحكم بها عليه .. لأننا نضن بوقتنا على أن نتكلم في هكذا سخافات لغوية عقلية،
ونكتفي بالقول انه لا يليق بصاحبها إلا أن يجلس في كًتَّاب القرية المصرية القديمة
يتعلم قواعد النحو والصرف والمعاني، حتى يتأهل أو لا يتأهل للكلام في القرآن. ..
ولا نظن أن سيدنا سيجيزه لذلك في يوم من الأيام مهما جلس، لأن حظه العقلي دون نصاب
الفهم. أو أنه يفهم جيداً ويستغفل القراء.
وأياً كانه حاله، فلا قيمة لكلامه عند العقلاء.
وأما عن إدانته لابن إسحاق (وترحابه أو
فرحه بهذه الإدانه) وقوله بأنه لم ينف دخول الشمس غائرة في العين الحمئة، مثلما
نفاها كل من القرطبي والفخر الرازي وابن كثير، ومن ثم أقام – بظنه الحجة عليه –
بأنه لا بد وأنه يعتقدها – ومثله معاصريه في القرن الثامن الهجري - حيث لم يجد في
فهمه مانع لها، وكأنه شق عن فهمه وعلم أن عدم إشهار البراءة منها في هذا الموضع
بالذات من كلامه يعني الوقوع فيها، فمثله مثل من يأتي بالإثبات إذا غاب النفي
الصريح، حتى لو كان سياق الكلام لا يتحمل. وكأن من لا ينفي شيء تصريحاً لا بد وأنه
يثبته، وكأن السكوت علامة الرضا ... بئس الاستدلال والمستدل. .. هذا رغم أنه هو
بنفسه الذي أقر أن ابن إسحاق كان يتكلم في مقام الوصف العام الذي يلخص به مغامرة
ذو القرنين. ومع ذلك يقيم عليه حجة باطلة، افتراها الكافر بلا أي دليل إلا وهمه.
وربما نسى أن ابن اسحاق كتاب في السيرة، وأن كتب القرطبي والرازي وابن كثير كتب في
التفسير. بل الراجح أنه لا يعلم الفرق بين هذا وذاك. ولا يهم عنده أن يعلم لأنه
كان يبحث في أي كتاب يصطاد منه ضالته التدليسية، ثم يلوي بها حيث أراد من معاني.
وخلاصة القول: هذا "التأويل الأول"
المزعوم ليس إلا تأويلا من نمط: "ويل للمصلين" .. اختلقه الكافر من عند
نفسه ونسبه للمسلمين ... ولا نعده إلا لغواً في القرآن - بما يُصدِّق قول الله
تعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا .. الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"(فُصَّلت:
26) - وحشواً يوهم القارئ بأنه يطالع بحثاً علمياً، .. والحقيقة أنه كلام مزور،
عديم القيمة، افترائي في استخراجه، فكاهي في بنائه، سخيف في أهم نتيجة له، ألا وهي
الأرض ذات الحافتين!!! .. والتي نسبها الكافر بيقين إلى ابن إسحاق – ومعاصريه - في
سيرته، والحقيقة أنه من فبركاته هو وتلفيقاته هو.
فئة التأويل الثاني:
قال بهذا التأويل أحد المعاصرين على اليوتيوب وهو
(ذاكر نايق Zaker Naik) وليس بالجزم، وإنما على سبيل تعديد الوجوه
المحتملة، والاستساغة اللغوية التي استساغها هو – علماً بأنه هندي مسلم ومدافع نشط
عن الإسلام. وبعد مراجعة كلامه رأيناه مرجوحا، وليس له داعم، وخلاصته أن معنى
" حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وجدها .. " هو (أنه
ساعة وصل إلى ذلك الموقع كان وقت الغروب .. فوجد هيئة غروب الشمس كذا وكذا ..) ..
والسبب أن هذا الكلام مرجوح أنه سيفتقر إلى هدف أراد ذو القرنين الوصول إليه بخلاف
زمن الوصول الذي أصبح مسألة ثانوية. هذا في حين أن التفسير الدارج لجل المفسرين والذ
يواكب السياق اللغوي هو أن (مغرب الشمس) إشارة إلى الموقع الذي وصل إليه، وأنه كان
هو الهدف، أي: أخر اليابسة من جهة الغرب، والتي لا يعقبها يابسة أخرى معروفة أو
يمكن الوصول إليها، ومن ثم كان أقصى موقع يمكن أن تُرى الشمس منه غاربة، فكان أدل
على مغرب الشمس من غيره. وذلك المعنى يلتئم مع طرف الرحلة الآخرالذي كان الوصول
إلى نهاية اليابسة من الجهة الأخرى؛ أي من جهة المشرق، أي أول يابسة يمكن أن
تستقبل الشمس طالعة، فكانت أحق من غيرها بتسميتها مطلع الشمس. ... وهذا التنقل بين الغرب والشرق كان العرف القديم في
تصور أن للأرض (في العالم القديم) طولاً لا يُعلم مداه إلا بالبحر المحيط (الأوقيانوس الذي أصبح الآن Ocean)، أما ما
بين الشمال والجنوب فكان يعرف بعرض الأرض. وله موانع أرضية كالغابات جنوباً والبرد
شمالا، وليس فيها حضارات وأمم ذات بال مثلما هو الحال بين المشرق والمغرب.
هذا وقد ذهب الكافر يطعن أيضاً في هذا
التأويل بتكلفات لا داعي لها، لأن أمرها واضح للناطقين بالعربية، وبما يصبح طعنه إطناباً وحشوا لا فائدة فيه، هذا حتى لو صدق الكافر في آليات الطعن، لأنه ليس هناك
زعم من (ذاكر نايق Zaker Naik) في هذه المسألة ذو قيمة يستحق الطعن، وما نظن
دوافع الكافر في ذلك ابتغاء وجه الطعن، بل تجلية الأجواء لتأويله الباطل فيما يلي،
حتى ليبدو أن الرجل ذو باع في استقصاء الأقوال والتأويلات وتفنيد ما فسد منه. أي
أنها فبركة استعراضية على القدرة التحليلية ولا تخيل أهميتها إلا على عوام القراء.
فئة التأويل الثالث:
ظننا أن يأتي الكافر بالتفسير الذي أجمع عليه
المفسرون؛ مثل القرطبي، والرازي، وابن كثير، خاصة وأن الكافر قد أورد كلامهم في
معرض تنقله بين أقوال المفسرين، ورد كلامهم بأنهم جاءوا بعد صدر الإسلام بقرون - وكـأنها حُجَّة يحتج بها - وأنهم كانوا أكثر معرفة فلكية من محمد – بزعمه - وأنهم يتأولون ما فهمه المسلمون
الأوائل من دخول الشمس الغائر في الأرض، والذين تمثَّل لهم الكافر بابن إسحاق - كذباً وبهتاناً عليه كما سنرى - في سيرة ابن
هشام، وظن أنه فنَّد كلامهم ليخدع الغفل من القراء. وفي هذا التأويل الذي
أجمع عليه المفسرون تغيب الشمس وراء الأفق حيث وصل ذو القرنين أقصى الغرب، وقد رآها
تغرب وبينه وبينها تلك العين الحمئة، فوجدها تغرب في العين الحمئة مثلما يرى الناس دوماً الشمس وهي تغرب في البحر بلا إشكال. وظننا أيضاً أن الكافر سيعترض على هذا
التأويل بما شاء من اعتراضات. ... ولكن .. خيب الكافر ظننا في عقلانيته .. بل وفي
احترامه لعقول قرائه. وما فعله الكافر - ويا خزي ما فعل - أنه قدم تأويله هو على أنه التأويل الثالث، وجاء بتفسير كبار المفسرين على أنها اعتراضات ضعيفة على تأويله هو !!! .. وذلك مثلما يقوم أحد الأطفال المفرطين في ذكائهم فينادي في الناس أنه يستعرض ثلاث نظريات في قياس حجم الشمس، ثم يقدم ثالث هذه النظريات فيجد الناس أنها نظرية وضعها الطفل ذاته، وفيها أن الشمس أصغر من الجبل، فيقولون له أنك مخطئ بسبب كذا وكذا فيقول أن فهمه هو التفسير الثالث المطروح من جملة كل التفاسير، وأن ما يردون به عليه ليس إلا اعتراضات مردود عليها ... منتهى الغرور الملتبس بطفولة علمية مراهقة - مصحوبة بزهو أعمى وتلبيس أخرق - لأن من يستعرض التفاسير المعروضة لمسألة ما، لا يجعل تفسيره هو واحداً منها، بل يستعرض ما قر في كتب التفسير، ويقدم تفسيره كإعتراض عليها، أما أن يقلب الأسماء، بين ما هو التفسير الذي ملأ الكتب قروناً طويلة، ويجعلها أدلة هذا التفسير محض اعتراضات على كلام أخرق يأتي به اليوم، وأن هذا الكلام الأخرق هو التفسير، فهذا سفه علمي.
ولنستعرض ما فعله: ....
ولنستعرض ما فعله: ....