كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (أ11) محمود محمد شاكر
بقلم: عزالدين كزابر
عودة إلى فهرس الكتاب
صورة
جامعة لثلاثة من عمالقة اللغة العربية
عبدالسلام
هارون (يمين)، يحيى حقي (وسط)، محمود محمد شاكر
وقد حصل ثلاثهم على
جائزة الملك فيصل العالمية |
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول محمود شاكر[2]،[1]:
[من البَيِّن أن العرب قد طُولِبوا بأن يعرفوا دليل نبوة رسول الله، ودليل صدق
الوحي الذي يأتيه، بمجرد سماع القرآن نفسه، لا بما يجادلهم به، حتى يلزمهم الحجة
في توحيد الله، أو تصديق نبوته، ولا بمعجزة كمعجزات إخوانه من الأنبياء ممن آمن
على مثله البشر. وقد بيّن الله في غير آية من كتابه أن سماع القرآن يقتضيهم إدراك
مباينته لكلامهم، وأنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب العالمين، وبهذا جاء
الأمر في قوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ
حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَعْلَمُونَ"(التوبة:6).
كلمة الشيخ الدكتور محمود محمد شاكر أمام الملك فهد بن عبد العزيز بعد تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية
فالقرآن
المعجز هو البرهان القاطع على صحة النبوة، أما صحة النبوة فليست برهاناً على إعجاز
القرآن (بدليل
يسوقه محمود شاكر قبل ذلك بأسطر وهو أن معجزات الأنبياء السابقين قصدت صحة نبوتهم
وصدق كتبهم بالتبعية، دون إعجاز عين الكتب كما هو الأمر مع القرآن). والخلط بين
هاتين الحقيقتين، وإهمال الفصل بينهما في التطبيق والنظر، وفي دراسة (إعجاز
القرآن)، قد أفضى إلى تخليط شديد في الدراسة قديماً وحديثاً، بل أدى هذا الخلط إلى
تأخر (علم إعجاز القرآن) و (علم البلاغة) عن الغاية التي كان ينبغي أن ينتهيا
إليها]
نقول: أراد
محمود شاكر من ذلك تبيين أنه ليس من مقاصد كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي
(حيث كان كلامه تقديماً للكتاب) أن يتناول (علم إعجاز القرآن) وإنما عُني بإثبات
صحة دليل النبوة. والفرق بين المقصدين لطيف إلى الحد الذي لا يستطيع معظم الدارسين
تمييزه. ويدفعنا هذا التحليل الرائع من محمود شاكر، للتساؤل من جهتنا عن (التفسير
العلمي للقرآن)؛ أهو من نوع (علم إعجاز القرآن) أم أنه من (علم دلائل النبوة)؟
ونُفَضِّل أن
نُمهل أنفسنا فسحة من الوقت قبل التعجل بالإجابة، لنفهم أولاً تعريف العلامة محمود
شاكر لما هو (إعجاز القرآن).
يقول (رحمه
الله تعالى)[3]:
"أما مسألة (إعجاز القرآن)، ... (فـ).. هي عندي أعقد مشكلة يمكن أن
يعانيها (العقل) الحديث – كما يسمونه – حتى بعد أن يتمكن من إرساء كل دعامة يقوم
عليها إيمانه بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبصدق الوحي، وصدق التنزيل،
وأيضاً فهي المسألة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية الشعر الجاهلي، وبالكيد
الخفي التي اشتملت عليه هذه القضية (يشير بذلك إلى الطعن في مصداقية الشعر
الجاهلي من قِبل المستشرق مرجوليوث[4]
سنة 1925،
ومن بعده طه حسين[5] سنة 1926،
ومن ثم الطعن في مرجعية الشعر للّغة العربية، لغة القرآن والإسلام)، بل إنها
لترتبط ارتباطاً لا فكاك له بثقافتنا كلها، وبما ابتلي به العرب في جميع دور
العلم، من فرض منهاج خال من كل فضيلة في تدريس اللغة وآدابها. بل إنها لتشتمل ما
هو أرحب من ذلك. تشتمل بناء الإنسان العربي أو المسلم، من حيث هو إنسان قادر على
تذوق الجمال في الصورة والفكر جميعاً."
يريد محمود
شاكر من كلامه هذا أن (إعجاز القرآن) مسألة خاصة بالقرآن ذاته، وأنها مسألة عويصة
إذا ما أردنا استيفائها حقها، وخاصة أنها تتعلق مباشرةً بكلام الله تعالى، الذي
يعلو على أي كلام لغير الله، مثلما يعلو الله تعالى على خلقه. فالوقوف على مسألة
إعجاز القرآن، والإحاطة بها، أمر بعيد المنال، وإن قدّر الله تعالى لنا أن ننال
منها شيئاً يسيرا. وأن هذه الغاية لتزداد بعداً عن المسلمين في وضعٍ يؤسف له، من حيث
إهمال لغة القرآن، وفقدانها أرضاً خصبة كان يرعاها أصحابها، فيحصدون منها أينع
ثمار اللغات، حيث طغت الجهالة باللغة على حماها القديم، وذلك أمام ثقافات جديدة،
فخسرنا بذلك جولة هامة في محاولات الاقتراب من ماهية "علم إعجاز القرآن".
... وكما هو واضح من هذا المدخل أن محمود شاكر يريد حصر (إعجاز القرآن) في النظم
القرآني وجمال إبداعه، وأهليتنا نحن في تذوق هذا الجمال.
ولا ينبغي أن
ينكر أصحاب الإعجاز العلمي هذا المنحى الجمالي في نظم القرآن وصياغته الذي هو
عليه؛ ظانين بذلك أنه منحى قديم قِدم التراث العربي، وأنه قُدِّر فقط لقومٍ كان
تذوق اللغة عندهم وبيانها جزءاً من شخصيتهم، وأنه من ثم لم يعُد كذلك لمن تبعهم من
أجيال، غلب عليهم تقديم قيمة المحتوى القرآني على الصورة اللغوية للنظم. ومرد
دفاعنا عن المنحى الجمالي في الصياغة، أنها لا تنفك في الحقيقة عن قيمة المحتوى، وتوجد
لذلك شواهد عديدة في الصياغات القانونية في النظريات العلمية الحديثة، بل إن
جمالية الصياغة أصبحت من معايير صدق المحتوى! فالقانون العلمي المفتقر لجماليات
النظم العلائقي بين عناصره، أصبح أقل قيمة علمية وحظوة عند العلماء من قانون يماثله في قيمة المحتوى، ولكنه أرقى منه في الصياغة والنظم! وإن حصل ذلك لأصبح دليلاً
عن ضرورة تعديل القانون الأقل جمالاً أو اتساقاً للوفاء بالمزيد من المزية
النظامية/الجمالية. بل إن المدخل الجمالي نفسه أصبح فرعاً من فروع البحث العلمي
الساعي إلى، والباحث عن، صادق القوانين في محتواها المفاهيمي. وأقرب مثال لذلك مفهوم
النظامية، أو التماثل symmetry. ودون الدخول في تفاصيل ذلك – وهو موضوع قائم بذاته - نستكمل مع
محمود شاكر مذهبه في (إعجاز القرآن)، لنرى انعكاساته على رأيه في التفسير والإعجاز
العلمي في القرآن.
يقول محمود
شاكر[6]:
"(إن) معرفة معنى (إعجاز القرآن)، ما هو وكيف كان، أمرٌ لا غنى عنه لمسلم
ولا لدارس، وشأنه أعظم من أن يتكلم فيه امرؤ بغير تثبت من معناه، وتَمَكُّن من
تاريخه، وتتبع للآيات الدالة على حقيقته. ... وذلك أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم .. (وذكر قصة بداية الوحي)
... أمره ربه أن يقرأ ما أنزل عليه على الناس .. ولم يكن من برهانه، ولا مما أمر
به أن يلزمهم الحجة بالجدال، حتى يؤمنوا أنما هو إلهٌ واحد، وأنه هو نبيُّ الله، بل
طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم إليه، ويُقرّوا له بصدق نبوّته، بدليل واحد، هو هذا
الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه. ولا معنى لمثل هذه المطالبة بالإقرار لمجرد
التلاوة، إلا أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية؛ فيها أوضح الدليل على أنه
ليس من كلامه هو، ولا من كلام بشر مثله. ثم أيضاً لا معنى لها البتة إلاّ أن يكون
في طاقة هؤلاء السامعين أن يميزوا تمييزاً واضحاً بين الكلام الذي هو من نحو كلام
البشر، والكلام الذي ليس من نحو كلامهم."
نقول: لا
نجادل في هذا الكلام، غير أننا نرى غموضاً في عبارته التي تقول: "أن هذا
المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه".
ولإزالة هذا الغموض نسوق هنا مثالاً – يجلِّي المسألة - لموقفٍ من هذه المواقف
التي يستمع فيها أعرابي للقرآن، وما تبع ذلك من حوار دار بينه وبين قارئ القرآن
عليه، وهو حوار يحمل كثيراً من الدلالات:
ذكر القرطبي
في تفسيره: "عن الأصمعي قال: كنت أقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غفور رحيم}،
وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ - قلت كلام الله. قال: ليس هذا كلام الله! فانتبهت
فقرأت: "وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(المائدة:38). فقال: أصبت. هذا كلام الله.
فقلت: أتقرأ القرآن؟ ... - قال: لا. ... - قلت: من أين علمت؟ - قال: يا هذا، عز فحكم
فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع."
من البين في
هذا المثال أن الأعرابي، الذي أقر بأنه لا يقرأ القرآن، أي: لا يحفظ متنه في صدره.
إنما علم من سياق الآيات، ما لا ينبغي أن يأتي من تالي ألفاظه! وأنه قد فطن إلى
أن ما سمعه أول الأمر ليس من كلام الله تعالى، لأن الكلام معيب، رغم أن المتلو
عليه كان مكوناً من جزئين؛ كل منهما من كلام الله تعالى حقاً، ولكن الجزئين لا
يأتلفان دلالة، ولا يمكن أن تتبع ثانيتُهُما الأولى. وقد علل الأعرابي ذلك صراحة،
وجاء تعليله بديعاً في تحليل المتن المتلو عليه، فاستنكر ما كان متنه معيباً أن
يُنسب إلى الله تعالى، رغم أن جزئيه - كلٌّ على انفراد - من كلام الله، وقد جاء في موضع
مباين، وفي سياق يخصه، غير الذي أخطأ الأصمعي في جمعهما دون انتباه.
وهذا المثال
غايةً في بيان أن الذين سمعوا كلام الله تعالى من رسوله الأمين، قد أقروا بأنه
كلام الله، ليس لجمال نظم متلو بلا إمعان للمعنى والصدق الدلالي، بل لارتقاء
الكلام في معناه قبل نظمه؛ إذْ ما قيمة جمال النظم مع انكسار المعنى أو امتناعه.
وما كان هذا شأنه من كلام الله تعالى، الذي يعلو ولا يُعلى عليه، فلا يُستشهد منه
على النظم دون المعنى. فإن قيل: أن السبب في تمعُّر الأعرابي من قبول الكلام دون
مراجعة، أن جُزْئَي الكلام لم يأتلفا نظماً، فاختلّ بذلك، فنفر منه الأعرابي!
قلنا: لو كان الأمر كذلك، لما علل الأعرابي بالتعليل المذكور، ولقال ما يشبه أنه
استنشز الكلام، وهذا لم يحدث، بل حدث خلافه. كما وأن القارئ هو من هو، إنه
الأصمعي، ومعروف قدره في العربية، فكيف به ينطق بما يكسر النظم ويخدش جماله؟! –
فالمسألة إذاً - لو كانت كذلك - لم تكن من جهة النظم، إلا إذا التئم المعنى، ثم من
بعده انكسر النظم، وأبت الآذانُ سماعه.
وهب أن مثال
الأصمعي والأعرابي السابق، قد تكرر في أيامنا هذه، وقرأ القاريء، فأخطأ وقال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ
مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، والشمس ينبغي لها أن تدرك
القمر، والليل سابق النهار، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وكان
يجلس بجانب القارئ عالم بالفلك لا يقرأ القرآن، فسأل الفلكيُّ القارئ: كلام من هذا؟ فأجابه
مثل جواب الأصمعي، فاعترض الفلكي مثل اعتراض الأعرابي! – وعنده أسبابه في فساد
المتن كما كان عند الأعرابي- فكيف نحلل إذاً هذا الحوار الشبيه بالأول، وإلى ماذا
نُرجع فطنة هذا العالم الفلكي في انكسار المعنى؟!!! ... وقد لا نعدم من يحاجج الفلكي ممن يظن أنه من أهل الفصاحة المعاصرين، ويقول له هذا دين وليس علماً فلكياً حتى تدلي فيه بدلوك! ..وعندها علينا أن نستغرب الأمر! ...ونتساءل .. كيف انقلب الأمر بين صاحب الحُجَّة والمحجوج، وكيف ضاع منّا معيار الاحتجاج؟!
يصعب جداً
التمييز - من حيث جمال نظم - بين الكلام السابق، وبين قول الله تعالى "لَا
الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
... الآية" من حيث السياق اللغوي، المجرد عن العلم بالفلك. هذا بافتراض
أن العالم الفلكي من متذوقي اللغة العربية على تمامها. فإذا اعترض على القارئ بأن
هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله، ثم سأله القارئ: وكيف عرفت أن هذا الكلام ليس
من كلام الله تعالى؟ - فسوف تكون إجابته: لأن نجم الشمس لا يمكن أن يصطدم في سنن
حركته الجارية بالقمر، كما وأن الليل والنهار قائمان لا يسبق أحدهما الآخر، وما بدأ
أحدهما قبل الآخر، وسيضيف عالم الفلك: وهذا مما أعلمه يقيناً من سنن علم الفلك
ولوازمه!!!
وهنا
نأتي على المحك!
هنا يرفض عالم
الفلك هذا النظم المتلو، رغم خفاء فروق المعاني وجمال السياق بينه وبين كلام الله
تعالى، مثلما رفض الأعرابي تلاوة الأصمعي الخاطئة، والعلة المشتركة بينهما، هي أن
الكلام المستنكر يتناقض مع الحكمة العلمية، التي هي مطابقة الكلام لواقع الحال
المحكي عنه.
وهنا نصل إلى
نتيجة هامة، وهي أن العلم الحديث قد مد في سعة أفق الحكمة العلمية، فأصبح الإنسان
أبعد تمحيصاً للمعاني، وأقدر على مقاربة الكلام المتلو لوقائع الأحوال، وأصبحت
مرجعيات الحكم على صدق الكلام وعدم صدقه أكثر تفصيلاً باتساع علم الإنسان. وهذا
الأمر يتفاوت بالطبع بين الناس، تبعاً لنصيبهم من العلم الحديث من حيث النوع
والعمق المعرفي. ومن هنا يرى الأكثر علماً من التوافقات المعرفية بين القرآن وبين
ما يعلمه أكثر ممن هو أقل منه علماً، فإن كانت تلك (التوافقات، أو الالتقاءات) يقينية؛ ناسبتها التسمية: (إعجاز علمي)، وإن كانت أقل من اليقين، وتُقاربه، وعالية الرجحان، وبما لا يمكن نبذه أو تسخيفه من استدلالات؛ ناسبتها التسمية: (تفسير علمي).
وهنا نتساءل:
هل من مذنب؟! ... ومن هو؟ ... هل هو عالم الفلك الفطن لما يسمع، العامل بما علَّمه
الله؟! ... أم من لا يمتلك أدوات التمييز بين أي العبارات أصدق؟! فضلاً عن إقامة البرهان على علة صدقها؟! ... وليس هذا اتهاماً لأحَدْ، بل هو عملٌ بقول الله تعالى
"الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"(الزمر:18)،
ويُقال مثل هذه الدقائق المعرفية على مئات الآيات ذات العلاقة بالمخلوق الحي
والجامد.
ونأمل بهذه
الأمثلة أن نكون قد أزلنا الغموض الذي أحاط بعبارة محمود شاكر رحمه الله تعالى، في
قوله: "أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية فيها أوضح الدليل على
أنه ليس من كلامه". حيث أن فهم المعاني بالوقوف على أسباب صدقها، وأسباب
فساد ما خالفها، إنما سبيله العلم بالمعاني، قبل الانتشاء ببديع النظم، ... وهذا
هو التفسير العلمي وإعجازه لما تيقن منه. ... ولا ضرورة لأن يرتقي الأمر دائماً
إلى جدل أو جدال إذا تجاوز "إعجاز القرآن" حاجز النظم، وحط رحاله في
جنان المعاني، كما أراد محمود شاكر من قوله "ولم يكن من برهانه، ولا مما
أمر به أن يلزمهم الحجة بالجدال، حتى يؤمنوا .. بل طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم
إليه، ويُقروا له بصدق نبوته، بدليل واحد، هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه."
ويتابع محمود
شاكر ويقول[7]:
"وكان هذا القرآن يُنزَّل منجماَ، وكان الذي نزل عليه يومئذ قليلا .. فكان
هذا القليل مما أوحي إليه من الآيات يومئذ، هو على قلته وقلة ما فيه من المعاني
التي تتامت وتجمعت في القرآن جملة كما نقرؤه اليوم، منطوٍ على دليل مستبين قاهر،
يحكم له بأنه ليس من كلام البشر..
وإذا
صح أن قليل القرآن وكثيره سواء من (حيث) (أن هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر،
وذلك من وجه واحد هو وجه البيان والنظم) ثبت أن ما في القرآن جملة، من حقائق
الأخبار عن الأمم السالفة، ومن أنباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات
على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من تنزيل، كل ذلك
بمعزل عن الذي طولب به العرب، وهو أن يستبينوا في نظمه وبيانه، انفكاكه عن نظم
البشر وبيانه، من وجه يحسم القضاء بأنه كلام رب العالمين بهذا الدليل."
نقول: لا يُسَلَّم
بأن علة الإعجاز بين قليل القرآن وكثيره لا بد أن تكون في نظمه وبيانه دون دلالته
ومضمونه. فقليل الكلام الفائق النظم والبيان، لا ضمان معه في إصابة المضمون على
نحو لا يستطيعه البشر، مثلما أنه يأتي في نظم وبيان إلهي لا يدانيه ناظم من البشر.
بل إن تكشُّف المضمون متجددُ الصدق على نحو أبعد مما كان، في حين أن آليات النظم والبيان
اللغوي لا تستدعي التجديد في ظاهرها. ومن ثَمَّ يكون المتجدد في القرآن مع مرور
الزمن أشد إدماغاً على البشر مما خلا منه. فكان المضمون والمحتوى أدوم للتحدي،
سواء مع قلته أو كليته. أما إن اقترن بُعد صدق المضمون مع بديع النظم، كان التحدي
أفحم.
وإذا علمنا
عدم امتناع، بل ضرورة، الإعجاز في المضمون، شمل ذلك كل مضمون أتى القرآن على شيء
منه، سواء كان من أنباء الغيب أو دقائق التشريع، أو أسرار الكون، أو حتى ما لا
يُعرف له تصنيف ولا تعريف من البشر بعد، بل ربما في مستقبل الزمان.
وفي هذا النوع
الأخير من المضمون – الذي لم يعرف عنه البشر شيئاً بعد – هو المحك في بيان معنى
الإعجاز الجديد، وهو الذي نفاه محمود شاكر أعلى حين قال: "..كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب"، وهو الذي غاب عن الذكر فيما كتبه يقول فيه: "إذا
أقروا أنه كلام رب العالمين بهذا الدليل (يقصد النظم والبيان)، كانوا
مطالبين بأن يؤمنوا بأن ما جاء فيه من أخبار الأمم، وأنباء الغيب، ودقائق التشريع،
وعجائب الدلالات على أسرار الكون، هو كله حق لا ريب فيه، وإن ناقض ما يعرفون، أو
باين ما اتفقوا على أنه عندهم أو عند غيرهم حق لا يشكون فيه."
نقول: لا شك
أن المؤمن بالقرآن – أياً كان سبب إيمانه به – عليه بعد أن يؤمن، أن يُصدّق بكل ما
جاء فيه، وأنه من عند الله تعالى، وأنه يعلو ولا يُعلى عليه، غير أن تصنيف محتوى
القرآن إلى سبب للإيمان، هو النظم والبيان، ومُصدَّق من القرآن، هو المضمون، قسمة
لا دليل عليها. فلا يمتنع أن يكون سبب الإيمان بعضاً من النظم والبيان، وبعضاً من
المضمون، ومثال لهذا الأخير ما قاله الله تعالى عن بني إسرائيل "وَإِنَّهُ لَفِي
زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ"(الشعراء:196-197)، ومعناه أن مضمون القرآن الذي يطابق ما في
زبر الأوليين بلغاتها التي أنزلت بها، آية لعلماء بني إسرائيل الذين يعرفون صحة
هذه المطابقة وصدق المضمون، من سابق علمهم بزُبُر الأوليين، ومن ثم كان التعجب من
فعلهم من عدم الإيمان مع توفر سببه لهم دون غيرهم! وفي نفس الوقت كان إخبار القرآن
أنه في زبر الأوليين مُصدَّق عند من آمنوا بالقرآن لغيره من أسباب، ولأصبح ذلك
بالنسبة إليهم خبراً جديداً – رغم قدمه- إذا علموا بصدقه ممن يعلم ذلك من علماء
بني إسرائيل. ويستوي في ذلك أي مضمون جاء في القرآن، وتبين له مُصدِّق آخر من
خارجه، أو استبان واحتكم مضموناً بعد أن كان مشتبهاً، مثلما هو حال الآيات
الكونية أو آيات الحكمة التشريعية، أو غير ذلك، وهو ما أصبح مندرجاً في مُسمّى
الإعجاز العلمي، أو دلائل صدق القرآن وأنه من وحي الله سبحانه دون غيره.
ومعنى ذلك أن
كل مضمون في القرآن يحتمل أن يكون آية وسبب للإيمان عند قوم، ومصدق به بعد الإيمان
بالقرآن عند قوم آخرين. وإذا عُلم ذلك، عُلم أن نفي دلالة المضمون واستبعاده كآية
تدعو للإيمان بالقرآن – أي كونه إعجاز علمي على أن القرآن وحيٌ من عند الله وحده –
لم يكن نفيه واستبعاده على صواب من أصحابه. ولا يمنع ذلك أن يكون النظم والبيان
أية أيضاً بينة جلية لأهل العربية – خصيصاً – ؛ العالـِمين بأسرارها المتذوقين
لجمالها. فدلائل الإيمان المختلفات تقبل الإضافة دون مزاحمة، وهذه نعمة من الله
تعالى على العباد، كلاًّ يُمِدُّ من عطائه ومَنِّه.
أما ما
نستغربه حقاً فهو قول محمود شاكر: "أما صحة ما جاء فيه (يقصد من
مضمون) فليست هي الدليل الذي يطالبهم بالإقرار بأن نظم القرآن وبيانه مباين
لنظم البشر وبيانه، وأنه بهذا من كلام رب العالمين." لأنه يوهم بأن عين
النظم والبيان يصبح المقصود لذاته (بعد مباينته لكلام البشر) إذا كان المضمون هو الدليل. ويثير هذا دهشتنا
لغياب مثل هذا الادعاء، رغم كون النظم والبيان وتفرُّده تحصيل حاصل يُستشهد به على انحطاط أي نظم وبيان
بشري بجانب كلام الله، مثلما يُستشهد بقدرة الله تعالى - لمن يقف من العلماء على بديع الخلق وعظمته - على أن قدرة البشر سراب
بجانب قدرة الله تعالى. ثم كيف يكون النظم والبيان هو المستهدف الأول من أي كلام، ومعلوم أن الكلام إنما هو وعاء للمعاني. وأننا يمكننا أن نجد معاني بلا كلام؛ أي: "ما في الذهن من معاني لم يصغها صاحبها بعد في أي نظم"، ولكننا لا نجد أبداً كلاماً بلا معاني، وإلا كان ضجيجا، ولا يُسمى عندئذ أنه كلام!. .. ويبدو لنا من نفي محمود شاكر الاستشهاد بالمضمون على النظم والبيان، أنه يرى انفصالهما؛ أي أن الأمر عنده: إذا كان "المضمون" مُستَشْهَداً به، فلا بد وأن "النظم والبيان" هو المستشهد له، وإذا كان "النظم والبيان" هو المستشهد به، فالمضمون هو المستشهد له. وأن علينا أن نختار أحد هذين الاختيارين بلا اختيار ثالث، وإذا كان النظم والبيان هو المعلوم للعرب في قابلية التحدي، فالمضمون هو المستشهد له، ومن ثم يخرج بالضرورة عن الاستشهاد به. .. وهذه القسمة العقلية غير مستوفية لكل الاحتمالات إن أردنا العدل في القسمة والوفاء بها. ولو فعلنا لوجدنا أن بعض المضمون وبعض النظم والبيان قد يكون مستشهداً بهما، وأن بعض المضمون وبعض النظم والبيان قد يكون مستشهد لهما. وهذه القسمة الثالثة هي التي، لما غيبها محمود شاكر، أدت به إلى إنكار ما لا دليل على إنكاره، فضلاً عن فيض الأدلة التي تدعمها.
ونود هنا أن
نؤكد على أن محمود شاكر يتبع بدقة تعريفه وتمييزه بين دلالة القرآن على أنه من عند
الله تعالى (دلالة النبوة ومصدرية الوحي للقرآن)، وإعجاز البشر على الإتيان بمثل
القرآن (إعجاز القرآن). ففي حين أنه يقصر الإعجاز بهذا المعنى على النظم والبيان،
إلا أنه لا يمنع أن يؤدي المضمون إلى تأكيد مصدرية الوحي للقرآن. وهذا هو التمييز
الذي يقصده في عبارته التالية:
يقول[8]:
"إن ما في القرآن من مكنون الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب آيات الله
في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك
يعد دليلاً على أنه من عند الله، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام
البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلام رب العالمين، لا كلام بشر مثلهم."
وإنّا لنعجب
حقيقة من إصرار محمود شاكر على هذا التمييز، وتجنُّب تأييد أن العرف السائد بين
الناس حديثاً على أن (إعجاز القرآن) يؤدي بدوره إلى إثبات (مصدرية الوحي للقرآن)،
ومن ثم اتخذه الناس عَلَمَاً عليه، إذا أن قول الله تعالى يؤكد ذلك، عندما قال
سبحانه: "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَـ .. "(البقرة:23).
كما وأن محمود شاكر نفسه يؤكده، لقوله: " ما فيه من (مكنون الغيب،
ودقائق التشريع، وعجائب آيات الله في خلقه) يعد دليلاً على أنه من عند الله
". إلا إذا كان يميز بين أن يكون من عند الله وأن يكون كلام الله تعالى، وهو
تمييز لا مطلب له! .. ثم ما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها أحد من تحدِّي إعجاز
القرآن بالإتيان بسورة من مثله إن لم يكن سعيه لنفي أنه من عند الله. فالإعجاز
القرآني إذاً سبب لا يختلف عليه أحد أنه يؤدي إلى إثبات مصدرية الوحي. ولا ضير أن
يضع الناس السبب عَلَمْ على المسبب. ويصبح الخلاف من ثم خلاف على التسمية. وتصبح
عندئذ محاولات محمود شاكر الدؤوبة لنفي العلاقة بين مضمون آيات القرآن، وإعجاز
القرآن الذي يقصده، صد لحق فهمه الناس وأيده محمود شاكر نفسه، وليس له من غرض إلا
التعلق بالأسماء، رغم أنهم قالوا منذ القديم: "لا مشاحة في الألفاظ إذا فهمت
المعاني".
أما من جهة
وجاهة تسمية الآيات العلمية الكونية التي استبان صدق دلالتها والتي اشتهرت بـ "الإعجاز
العلمي للقرآن" أنها إعجاز تحدي، فهذا غير صحيح، ولم يقصده أهل الإعجاز
العلمي. وكل ما قصدوه أنه دلالة على صدق الوحي، وأنه من عند الله تعالى. فإن أريد
التمييز بين "إعجاز (علمي) قرآني دلالي على الوحي"، و"إعجاز
(علمي) قرآني يتحدى الإنس والجن عن الإتيان بمثل سورة من القرآن"، فهذا
مطلب وجيه. .. ونُقِر بأن أصحاب الإعجاز العلمي، لم يستطيعوا - حتى الآن - تحقيق النوع الثاني،
وأن كل ما استطاعوا تحقيقه هو شذرات من النوع الأول. أي أن الإعجاز العلمي الراهن هو فقط
للدلالة على صدق الوحي، وليس التحدي. ... ومن ثم، يجب الإقرار أن التسمية الشائعة
غير صحيحة، إلا إذا اعتبرت اصطلاحاً تواضع عليه مستخدموه، ولا يختلفون في معناه،
أللهم إلا مع من يتمسك بحرفية المعنى اللغوي، مثل محمود محمد شاكر. والحق يقال أن
من يتمسك بالمعنى اللغوي للإعجاز (العلمي وغيره من بياني وتاريخي وتشريعي ... إلخ)
له كل الحق في استنكار الإسم المستعار لما هو دليل على صدق الوحي مما هو للتحدي،
وأنه تركٌ لمجال التحدي شاغراً لا يملؤه إعجاز تحدي حقيقي. إلا قولهم أن الإعجاز القرآني
الحقيق والذي غرضه التحدي هو – على لسان محمود شاكر - "نظم القرآن
وبيانه". وهذا لا نُقرُّهم
عليه، وبيان ذلك على التفصيل هو ما أوردناه في موضع آخر (مقالة بعنوان: كيف يكون القرآن معجزاً للأعجمي؟!)، ونوجز هنا الفائدة منها:
"الإعجاز
القرآني العلمي" الذي غرضه التحدي:
قال الله
تعالى " وَإِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ
مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "(البقرة:23)
والآن: لنفترض
أن هناك من أراد أن يخوض هذا التحدي! ... فماذا عليه أن يفعل؟
عليه بكل
بساطة أن يأتي بمثل سورة – ولو في أقصر سور القرآن - من عند نفسه أو مما شاء من
مصدر آخر يُعينه غير القرآن – حتى ولو سانده الإنس والجن جميعا.
وإتيانه بسورة
يعني أن يأتي بـ (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى)، فإن أتى بها على شرطها المبين
وعلى أي صورة كانت، لغوية أو رياضية، يكون قد اجتاز مرحلة أولى تتعلق
بالمعنى، وعندها ننتقل إلى مرحلة ثانية تتعلق بالصياغة اللغوية لنرى درجة
النظم والبيان المطلوب تحققهما قبل المقارنة مع سور القرآن.
وفي المرحلة
الأولى، نقول: ليس هناك من أمل أن يستطيع مخلوق أو حتى كل عقلاء الخلائق، ولو مجتمعين،
أن يأتوا من عند أنفسهم بـ أي (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى)؛ لأن هذا أمر
محال! فأي إفادة مَأتيٌ بها، لا تَصدُق إلاّ جزئياً ومحلياً في المكان أو الزمان.
أما أن تبقى صادقة دوماً ولا تنكسر أبداً فهذا ما لا يضمنه أحد من العلماء. بل سوف يتهكمون على من يأمل في نفسه أو غيره من البشر أن يحاول ذلك! وإذا سأل سائل:
ولماذا؟ - نجيبه بأنه مهما أَتَى المخلوق من علم، فلن يعلم شيئاً إلا باستقراء ناقص أو
تخمين، وكلاهما يخلو من اليقين، وكلاهما يحيد عن الواقع مع اطراد اختباره بمزيد من
الفحص والرصد، فأنَّى يزعم زاعم أنه قد أتى بإفادة معرفية صادقة تحقق الشرط الأول؟! (أنظر
في ذلك المحاولة التي أتينا بها في مقالة كيف
يكون القرآن معجزاً للأعجمي؟! وهي محاولة فاشلة، رغم أنها اقتضت
خبرة تزيد عن 2400
سنة في الاستقصاء والتحري عن معانيها!)
فإن لم يجتز
المتحدي الشرط الأول، فالحديث عن النظم والبيان يصبح خارج دائرة التحدي لعدم
الوصول إليه، وليس لعدم وقوع التحدي بالنظم والبيان القرآني، الذي هو في أعلى
درجات البلاغة في التعبير عن الإفادة المعرفية القرآنية.
فإذا كان هذا
هو حال البشر جميعاً، على الأقل، فقد أُسْقط في أيديهم، وخاب مسعاهم، وبقى القرآن
شامخاً عزيزاً مهاب الجانب، لا تدانيه أي (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى) من
عند غير الله العزيز الحكيم.
وإذا كان ذلك
كذلك، فما هي الحاجة إلى المرحلة الثانية في أي مقارنة في النظم والبيان. إن هذا
النظم الشارد يصبح ممتنع لممتنع، مثلما يشترط أحد شرطاً محالا ويقول، لو وُلد لي
ولدٌ صحيح بعد أربعة أشهر من حمل أمه له، فسأفعل كيت وكيت. فالشرط ممتنع، وكلامه غير ذي
فائدة، لأنه محال. فكذلك يصبح التمسك بأن
الإعجاز القرآني منحصرٌ فقط في نظمه وبيانه، بلا قيمة عملية! لأنه أمر لن يصل إلى
مرحلته أحد، إلا إذا تجاوز ممتنع، أي: أن يأتي بـ (إفادة معرفية تامة وصريحة
المعنى) من عند نفسه، وهذا محال أبدا. ويبقى القرآن عصياً على التحدي ما بقى الليل
والنهار؛ المعنى قبل النظم.
المؤلف
[1] محمود محمد
شاكر (أبو فهر) (1909-1997)، أديب مصري، منافح شرس عن اللغة العربية، محقق للتراث، له معارك
أدبية مع طه حسين ولويس عوض. له العديد من المؤلفات منها: المتنبي، القوس العذراء،
أباطيل وأسمار، وله العديد من التحقيقات، منها: دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة
لعبد القاهر الجرجاني. وقد حصل
محمود شاكر على جائزة الملك فيصل العالمية عن كتابه "المتنبي" سنة 1984.
كلمة الشيخ الدكتور محمود محمد شاكر أمام الملك فهد بن عبد العزيز بعد تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية
وننوه إلى أن ما قاله الشيخ شاكر من أن كتاب المتنبي - الذي حصل على الجائزة بسببه - ليس من تأليفه، بل كان من تأليف شخص آخر له نفس الاسم، لم يكن إلا مزحة علمية لها غرض قد تحقق، والفقرة التالية مقتطعة من طبعة متأخره من كتابه:
(أو: كتاب "الظاهرة
القرآنية"، لمالك بن نبي، تقديم "محمود محمد شاكر"، ص 25-26.)
[3] السابق، ص 156.
[4] راجع هنا كتاب: "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي"، تصدير وترجمة: عبدالرحمن
بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ص 12، ص (87-129). وقد رد المستشرق
برونليش Braunlich على مرجوليوث Margoliouth في مقال مترجم نفس الكتاب ص (130-142).
[5] "في الشعر
الجاهلي"، طه حسين، ص 38، دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة، تونس، بدون
تاريخ ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، 1926. وقد رد عليه طائفة من
العلماء في مقدمتهم مصطفى صادق الرافعي (في مقالات جمعت تحت عنوان "تحت راية
القرآن")، ومحمود محمد شاكر.
[6] السابق، ص 156-158.
[7] السابق، ص 158
[8] السابق، ص163.