مقدمة:
أشرنا في موضع آخر إلى أن حسام مسعود يقبل
المحسوسات والتجريبيات والطبيعيات المجردة كدلائل على حق فيها. ولكن، دعونا ننظر
في آليات عملها الذي يقبله أو لا يقبله، يقول (في "معيار النظر" 7/ 347-348):
فإن ظهر أنه لا يلتزم بهذا التصريح، فمعنى كلامه: أنه يقبل المحسوسات والتجريبيات فقط ذراً للرماد في العيون، لأنه لا يستطيع أن ينكرها صراحةً، وإلا خالف الأئمة كابن تيمية مخالفة مخجلة. فإذا جئت تلزمه بما يلزم عنها (مها كان بسيطا صريحا) أعرض وقال هذا تصور تنظيري أو قياس باطل. وسنرى الآن أمثلة فجة في ذلك. ونقصد أنه لن يقبل بنتائج القوة الطاردة المركزية (وهو دليلنا الأول، من بين عدة أدلة) وكونها دليلاً على الدوران، وربما يحتج ويقول: [لا نقيس الأرض الكبيرة على الأجسام الصغيرة، فهذا "قياس الغيب على الشهادة" وهذا باطل]. علماً بأنها ظاهرة شديدة الوضوح والصراحة من المحسوسات الطبيعية التجريبية وتَثبُت على جرم الأرض من واقع فروق وزن الشيء الواحد على سطح الأرض على خطوط العرض المختلفة. أما اعتباره كون دوران الأرض أو عدم دورانها غيب محض، فهذا هو كلامه بنصه في (معيار النظر 7/ 360):
فإن كان لا يعلم بالقوة الطاردة المركزية (وبغيرها من أدلة سنسوقها أمامكم بإذن الله)، فهذه مصيبة علمية كبرى تمنعه من إبداء الرأي الحسي التجريبي في المسألة بنفي ولا إثبات ولا القول بتكافؤ أدلة الدورانات المتضادة كما سنرى. فإن عرفناه بها، وبأدلتها الحسية التجريبية الصريحة وأنكرها، فأين يذهب من إقراره بصحة الحسيات التجريبية الصريحة؟! إلا أن يعترف بأنه أخطأ، أو أنه يعاند الحق التجريبي ويجحده وأنه لم يكن إلا مصرحا بتصريح مخادع، فإن أبى هذا وهذا، فسوف نترك للقارئ الواعي الحكم عليه ومحاسبته، وكفى بالله حسيبا.
--------------
تمهيد
نفى حسام مسعود (أبو الفداء) دوران الأرض حول نفسها. وقال أنها ثابتة ساكنة لا تدور. ولم يكن له من دليل إثبات إلا ما سماه "إجماع السلف"، رغم إنه نفى وجود أي نص صريح في القرآن أو السنة يقول بثبات الأرض، ومع ذلك قال أن هذا الثبات معلوم بالمفهوم الظاهر من مجموع النصوص!!!. يقول (معيار النظر 3/ 427):
ومن هذا (المعلوم بالمفهوم الظاهر) بثبات الأرض المطلق، يقول (معيار النظر 7/ 342):
ويقصد من آية لقمان، قوله تعالى "خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ"(لقمان: 10)
أما دليل النفي التجريبي (أي نفي أن تكون الأرض دوارة حول نفسها) الذي ساقه، فهو أنه كافأ بين القول بين دوران الأرض، ودوران السماء بما فيها حول الأرض. وأنه ظن أن كلا الأمرين مكافئ للآخر. وبناءاً عليه ظن أن القطع بأحدهما على أساس من التجربة، غير ضروري ولا لازم ، وأن كلا الاحتمالين جائز، وأن الطبيعيين اختاروا دوران الأرض، وكان من الممكن أن يختاروا دوران السماء. والسبب عنده أن الطبيعيين أقحموا أنفسهم في مسألة غيبية!!! (أنظر الاقتباس 7/ 360) أعلى. ومن ثم لا يرى عندهم من قدرة على الترجيح بين الاختيارين، وأن اختيار منهم سيكون من الرجم بالغيب!!!
والنتيجة التي يخلص إليها، هي "سكون
الأرض عن الدوران" الذي عند المسلمين بدليل "إجماع السلف" (كما يزعم).
ولكن هذا التكافؤ التجريبي الذي زعمه حسام
مسعود بين (دوران الأرض وسكون السماء)، و (دوران السماء وسكون الأرض) .. يخالف كل التجارب والشواهد الفيزيائية المتوافرة
بكثرة. وحتما يستغرب أي متخصص فيزيائي بشدة من هذا الكلام. ولا بد أن يتساءل: على
أي أساس قال حسام مسعود هذا الكلام؟! .. وما معنى التكافؤ الذي نادى به؟! .. إذ ما
من فيزيائي متخصص إلا ويعلم خلاف ذلك من عدة طرق تجريبية، وليس من طريق واحد. فهل
اطلع حسام مسعود على هذه الطرق التجريبية ورآها واهية لا تثبت شيئا؟! .. ليته قال
ذلك، وأتى بتلك الأدلة وفندها إن صدق في ادعائه. .. لكنه لم يفعل! .. إذن، ما
دليله التجريبي على دعواه بنفي دوران الأرض وتفنيد ما يقدمه علماء الفيزياء من
أدلة (والذي سنسوق أمثلة منه الآن)؟
ولما بحثنا عن دليله على التكافؤ المزعوم، فوجدنا أنه عنده مشكلة في فهم الدورانات.
والمشكلة مكررة في فهم كل من علاقة الأرض مع السماء (أي ثباتها أو حركتها حول نفسها)
وعلاقة الأرض مع باقي الأجرام (كالشمس والقمر ومن يدور حول من؟): وجوهر المشكلة في
تصورات حسام مسعود تؤول إلى خطئين:
الخطأ الأول: أنه لا يجد في الدورانات أي دلالة على
دورانات حقيقية وجودية، ولكن فقط على دورانات نسبية تواضع عليها الناس واختاروا
الأيسر في الحسابات والتصورات والهيئات. يقول (في كتاب
"آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين"، ص650):
الخطأ الثاني: أن نسبية الدورانات في تصوره مثلها مثل
نسبية الحركة الخطية! فإذا كان الطبيعيون مُجمعون على نسبية الحركة الخطية، فهو
يرى أن الحركة الدورانية مثلها في كونها نسبية. فالقول بمن يدور حول من، ليست إلا
مسألة اصطلاحية آدآتية يوظفها من شاء فيما شاء.
يقول في نسبية الحركة الدورانية (معيار النظر 2/161-162):
ويقول أيضاً (4/114):
ثم ينتقل إلى الحركة الخطية ويطابق بينها
وبين الحركة الدورانية أعلى، في كونهما يخضعان لنفس المبدأ النسبي، ويقول (2/ 162):
ونعبر بالرسم الآتي عن هذا التصور الفادح في خطئه في الجمع بين الحركة الخطية النسبية والحركة الدورانية.
وكل خطأ من الخطئين فادح. ولو نطق بهما طالب جامعي
في علم الطبيعة لا يتأهل لشيء، ولا يُجاز في علم الطبيعة. لأنه لا يعلم أدلة يسيرة
الفهم لكل طالب. فكيف بمن دافع عن فهم السلف والأمة بالطعن الضمني بهذه الأدلة، بل
حتى قبل الإحاطة بها – بل بواحد منها - على ما يبدو؟!
والطامة البرى أنه يقول أن الأمر لا يستدعي إلا
(تلقائية من غير تكلف ولا تدبر ولا نظر) .. وهو ما يعني في الكلام الدارج (أنه عَلِمَ
هذه الأفهام الصادمة .... بالفهلوة)!!! ثم يأتي ويتندر على الفيزيائيين ويتهمهم
بأشنع الأوصاف، وفقط لأنهم لا يوافقونه (هذه الفهلوة). والغريب أن يُسمِّي هذه
الفهلوة مرة بـ (الحدس العقلي) ومرة بـ (الأقرب إلى الذهن) ومرة (الفطرة)، كما في
قوله (3/412):
والآن سنقدم ما لدينا من أدلة تجريبية على دوران الأرض حول محورها:
------------
الدليل الأول: دليل القوة الطاردة المركزية:
أي جسم يدور .. سواء حول محوره .. أو حول
محور خارجي ... لابد حتما وأن ينشأ فيه قوة طرد مركزي. وهذه القوة نابذة لأي شيء
محمول عليه قابل للحركة بعيداً عن محور الدوران. ولهذه القوة صياغة قانونية هي:
قوة الطرد المركزي = (ك*ع2ر)
أي: (الكتلة * مربع السرعة الزاوية * البعد
عن محور الدوران).
وكلما زادت الكتلة أو السرعة الزاوية أو البعد
عن محور الدوران زادت القوة الطاردة.
والآن: كيف لنا أن نستخدم هذه القوة في معرفة
دوران الأرض إن كانت تدور؟
الإجابة: بمقارنة وزن أي جسم على سطح الأرض
عبر خطوط عرض مختلفة. فلو كان الجسم في أي من القطبين، فلن يعاني من طرد مركزي،
وإن كان على خط الإستواء فسوف يعاني من طرد مركزي أشد ما يكون. وبتطبيق القانون
أعلاه، سنجد أن وزن أي جسم على خط الاستواء لا بد وأن ينقص وزنه بمقدار 0.34 % بسبب
الطرد المركزي. أي أن كتلة وزنها 100 كجم في القطب الشمالي سيكون وزنها 99.66 كجم على
خط الاستواء - إذا كانت على نفس البعد من مركز
الأرض. (أنظر طريقة حساب فرق الوزن).
وهذه النتيجة محققة بالتجارب، .. ، وبناءا
عليها ... فالأرض تدور، ودورانها هو المسئول عن القوة الطاردة المركزية والتي سببت فرق الوزن. وإلا كان على المخالف أن يبرر انخفاض الوزن بدوران السماء لو كانت الأرض ساكنة. ومعلوم أن العلاقة منفكة بين السماء وأوزان الأجسام على الأرض، والتي تعتمد فقط على جذب جرم الأرض لها.
وإذا لم ينتبه بعض القراء لمعنى قوة الطرد
المركزي وعلاقتها بالدوران، فلينظر إلى الصورة الآتية، والذي فيه سيارات تسير على
طريق دائري، وكيف أن الراكب يشعر بقوة تسحبه خارج الدوار لو كانت السيارة مسرعة.
كما أن السيارة من الممكن أن تنجرف خارج الطريق، وخاصةً لو كانت الأرض منزلقة. لذا يصنع
مهندسو الطرق السريعة الأجزاء الدوارة بشكل مائل ليمنع انزلاق وخروج السيارات خارجه
بفعل قوة الطرد المركزي. ويظهر هذا الميل بوضوح شديد في طرق سباقات السيارات كما في
الصورة الآتية.
ولو كان كلام حسام مسعود صحيح وأن الجسم الدوار يمكن اعتباره ساكن بنقل مركز إحداثيات الحركة إليه ويصبح ما كان ساكنا في مركز الدوران سابقا هو الذي يدور حوله الآن، لو صدق حسام مسعود في ذلك لكان هناك تكافؤ تام بين الجسمين، ولما ظهرت قوة طرد مركزي تميز دوران أحدهما وسكون الآخر.
استخدامات الطرد المركزي الشائعة في معامل التحليل الكيميائي والصناعي:
يوضح الفيديو التالي أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في معامل الكيمياء والتحاليل الطبية.
ومن المشهور في تاريخ العلم، ما يُسمى بـ سطل نيوتن Newton's Bucket. وهو استخدام نيوتن للطرد المركزي كحجة لإثبات أن الدوران حركة مطلقة - حتى لو كان منتظم السرعة الدوارة - وليست نسبية كالحركة الخطية المنتظمة، وهي نفس محل النزاع بيننا وبين حسام مسعود (أبو الفداء) في أن دوران الأرض حركة حقيقية وجودية وليست نسبية. ويوضح الفيديو الآتي والذي يليه نفس فكرة الطرد المركزي ولكن بالتأثير على سطل أو وعاء فيه ماء أو سائل. وبتدوير الإناء تؤثر قوة الطرد المركزي على الماء فيه بقوة طرد ناحية محيط الإناء، فيتقوس سطح الماء.
والآن، لن يختلف إثنان من طلبة الفيزياء الجامعية، فضلا عن أساتذتهم، على أن حسام مسعود لا يحيط علماً بمسألة الدورانات، بل لا يعلم عنها شيئا البتة، وكذلك لا يعلم الفرق بين الإطارات المرجعية الإحداثية الفيزيائية والإطارات الإحداثية الهندسية، ولا الفرق بين الإطارات القصورية (الخطية المنتظمة) والإطارات متغيرة السرعة سواء كانت دوارة أو خطية متعجلة !!! .. لا يعلم كل هذا ... فلماذا يحرج نفسه ؟!!!
والآن، هل صدَّق أصحاب الأرض الساكنة عن
الدوران أن الأرض تدور بمعرفة قوة الطرد المركزي على سطحها، أم ليس بعد؟
وهل صدقوا أن حسام مسعود قد ضل في هذه المسألة، وضلل من صدقه، أم ليس بعد؟
وفيما يلي (إن شاء الله) دليلٌ فيزيائيٌ من
نوع ثاني على دوران الأرض حول نفسها.
(علماً بأن قائمة الأدلة طويلة، لمن كان له قلب يعي. أما أصحاب السفسطة، فبينهم وبين فهمها موانع، أهمها عدم حرصهم على "العلم بما خلق الله من شيء" ... وإن أصرّوا .. فلن يستفيدوا شيئا إلا أن يظلوا على هامش الحياة .. في كوكب آخر ... )
السلام عليكم
ردحذفبخصوص اصحاب مركزية الأرض، هناك فيلم وثائقي من سنوات اسمه المبدأ أو the principle فيه ادلة على كلامهم وشهادات من فيزيائيين معاصرين
هل راجعته أو ألقيت عليه نظرة؟
عليكم السلام
حذفأولاً: الفيزيائيون الظاهرين في الفيلم اشتكوا بعد عرضه من أنهم تم خداعهم، واقتطاع أقوالهم من سياقها.
راجع هذا الرابط والمصادر داخله:
https://en.wikipedia.org/wiki/The_Principle
ثانيا: الفيلم مخادع وكاذب في وقت واحد
حذفأنظر ماذا فعل في الدقيقة 33
اقتبس العبارة الآتية لأينشتاين من كتابه (The Evolution of physics) الذي أصدره في 1938، ونصها:
The struggle, so
violent in the early days of science, between the views
of Ptolemy and Copernicus would then be quite
meaningless. Either c.s. could be used with equal justification.
The two sentences, "the sun is at rest and the earth
moves", or "the sun moves and the earth is at rest",
would simply mean two different conventions
concerning two different c.s.
والتي توهم أن أينشتاين يؤيد في آن واحد صلاحية النظامين: دوران الأرض حول نفسها، أو سكونها ودوران الكون.
ولو لاحظت كلمة then والتي معناها (في هذه الحالة) لوجب أن تسأل أي حالة تلك التي يتكلم عنها، والتي لم يوردها الفيلم؟!!!
ولو رجعت إلى الفقرة السابقة من كتاب Albert Einstein, Leopold Infeld - Evolution of physics-Touchstone (1967) (ص 224 - لوجدت أن أينشتاين قال فيها:
Can we formulate physical
laws so that they are valid for all c.s., not only those
moving uniformly, but also those moving quite
arbitrarily, relative to each other? If this can be done,
our difficulties will be over. We shall then be able to
apply the laws of nature to any c.s.
ومعناها أن أينشتاين يبحث عن صياغة قوانين الفيزياء بحيث تأخذ شكلا واحدا في أي إطار فيزيائي قصوري (وهو المحقق في النسبية الخاصة) أو غير قصوري (كما هي حالة الأرض وعلاقتها بالسماء)
وقال أنه لو استطعنا أن نجد تلك الصياغة في حالة الإطارات اللاقصورية لكان كذا وكذا (الفقرة التي جاءت في الفيلم) ... أي أن الحالة التي سكت عنها الفيلم وبنى عليها أينشتاين كلامه كانت حالة استحالة (لو ان كذا لكان كذا) أي: لو استطعنا صياغة القوانين بهذه الصورة (وهو غير حاصل) ... ففي هذه الحالة سيتتكافأ دوران الأرض أو دوران السماء.
أي أن أينشتاين لم يكن يصرح بالتكافؤ بين دوران الأرض ودوران السماء كما أوهم الفيلم المشاهدين .... لذلك الفيلم كاذب. ولا يستحق حتى استكمال المشاهدة.
رابط الفيلم على اليوتيوب هو
https://www.youtube.com/watch?v=yHnwl22hxiE
تحياتي
تم إضافة مقالة سريعة عن كتاب (Galileo Was Wrong: The Church Was Right) والذي يُعد مرجع رئيسي للفيلم الوثائقي The Principle، على الرابط الآتي:
حذفhttps://kazaaber.blogspot.com/2021/08/blog-post_25.html
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ردحذفاتمنى تكتب مقال ترد على هذه الأبيات بشكل مفصل..
علم النجوم وعلم شرع محمد ... في قلب عبد ليس يجتمعان
لو كان علم للكواكب أو قضا ... لم يهبط المريخ في السرطان
والشمس في الحمل المضيء سريعة ... وهبوطها في كوكب الميزان
والشمس محرقة لستة أنجم ... لكنها والبدر ينخسفان
ولربما اسودا وغاب ضياهما ... وهما لخوف الله يرتعدان
أردد على من يطمئن إليهما ... ويظن أن كليهما ربان
يا من يحب المشتري وعطاردا ... ويظن أنهما له سعدان
لم يهبطان ويعلوان تشرفا ... وبوهج حر الشمس يحترقان
أتخاف من زحل وترجو المشتري ... وكلاهما عبدان مملوكان
والله لو ملكا حياة أو فنا ... لسجدت نحوهما ليصطنعان
وليفسحا في مدتي ويوسعا ... رزقي وبالإحسان يكتنفاني
بل كل ذلك في يد الله الذي ... ذلت لعزة وجهه الثقلان
فقد استوى زحل ونجم المشتري ... والرأس والذنب العظيم الشان
والزهرة الغراء مع مريخها ... وعطارد الوقاد مع كيوان
إن قابلت وتربعت وتثلثت ... وتسدست وتلاحقت بقران
ألها دليل سعادة أو شقوة ... لا والذي برأى الورى وبراني
من قال بالتأثير فهو معطل ... للشرع متبع لقول ثان
إن النجوم على ثلاثة أوجه ... فاسمع مقال الناقد الدهقان
بعض النجوم خلقن زينة للسما ... كالدر فوق ترائب النسوان
وكواكب تهدي المسافر في السرى ... ورجوم كل مثابر شيطان
لا يعلم الإنسان ما يقضى غدا ... إذ كل يوم ربنا في شأن
والله يمطرنا الغيوث بفضله ... لا نوء عواء ولا دبران
من قال إن الغيث جاء بهنعة ... أو صرفة أو كوكب الميزان
فقد افترا إثما وبهتانا ولم ... ينزل به الرحمن من سلطان
وكذا الطبيعة للشريعة ضدها ... ولقل ما يتجمع الضدان
وإذا طلبت طبائعا مستسلما ... فاطلب شواظ النار في الغدران
علم الفلاسفة الغواة طبيعة ... ومعاد أرواح بلا أبدان
لولا الطبيعة عندهم وفعالها ... لم يمش فوق الأرض من حيوان
والبحر عنصر كل ماء عندهم ... والشمس أول عنصر النيران
والغيث أبخرة تصاعد كلما ... دامت بهطل الوابل الهتان
والرعد عند الفيلسوف بزعمه ... صوت اصطكاك السحب في الأعنان
والبرق عندهم شواظ خارج ... بين السحاب يضيء في الأحيان
كذب أرسطاليسهم في قوله ... هذا وأسرف أيما هذيان
الغيث يفرغ في السحاب من السما ... ويكيله ميكال بالميزان
لا قطرة إلا وينزل نحوها ... ملك إلى الآكام والفيضان
والرعد صيحة مالك وهو اسمه ... يزجي السحاب كسائق الأظعان
والبرق شوظ النار يزجرها به ... زجر الحداة العيس بالقضبان
أفكان يعلم ذا أرسطاليسهم ... تدبير ما انفردت به الجهتان
أم غاب تحت الأرض أم صعد السما ... فرأى بها الملكوت رأي عيان
أم كان دبر ليلها ونهارها ... أم كان يعلم كيف يختلفان
أم سار بطلموس بين نجومها ... حتى رأى السيار والمتواني
أم كان أطلع شمسها وهلالها ... أم هل تبصر كيف يعتقبان
أم كان أرسل ريحها وسحابها ... بالغيث يهمل أيما هملان
بل كان ذلك حكمة الله الذي ... بقضائه متصرف الأزمان
لا تستمع قول الضوارب بالحصا ... والزاجرين الطير بالطيران
فالفرقتان كذوبتان على القضا ... وبعلم غيب الله جاهلتان
كذب المهندس والمنجم مثله ... فهما لعلم الله مدعيان
الأرض عند كليهما كروية ... وهما بهذا القول مقترنان
والأرض عند أولي النهى لسطيحة ... بدليل صدق واضح القرآن
والله صيرها فراشا للورى ... وبنى السماء بأحسن البنيان
والله أخبر أنها مسطوحة ... وأبان ذلك أيما تبيان
أأحاط بالأرض المحيطة علمهم ... أم بالجبال الشمخ الأكنان
أم يخبرون بطولها وبعرضها ... أم هل هما في القدر مستويان
أم فجروا أنهارها وعيونها ... ماء به يروى صدى العطشان
أم أخرجوا أثمارها ونباتها ... والنخل ذات الطلع والقنوان
أم هل لهم علم بعد ثمارها ... أم باختلاف الطعم والألوان
الله أحكم خلق ذلك كله ... صنعا وأتقن أيما إتقان
قل للطبيب الفيلسوف بزعمه ... إن الطبيعة علمها برهان
أين الطبيعة عند كونك نطفة ... في البطن إذ مشجت به الماآن
أين الطبيعة حين عدت عليقة ... في أربعين وأربعين تواني
أين الطبيعة عند كونك مضغة ... في أربعين وقد مضى العددان
أترى الطبيعة صورتك مصورا ... بمسامع ونواظر وبنان
أترى الطبيعة أخرجتك منكسا ... من بطن أمك واهي الأركان
أم فجرت لك باللبان ثديها ... فرضعتها حتى مضى الحولان
أم صيرت في والديك محبة ... فهما بما يرضيك مغتبطان
يا فيلسوف لقد شغلت عن الهدى ... بالمنطق الرومي واليوناني
هذه الأبيات كتبت في زمن اشتبه فيه علم الفلك (وكان يُسمى بعلم الهيئة) مع التنجيم. فما كان من الأبيات وله تعلق بالتنجيم، فهي أبياتُ حق، وما كان منها وله علاقة بعلم الفلك فهي أبياتٌ باطلة المعنى.
حذف