الاثنين، 10 مارس 2014

الفصل (ب2) – عبدالعزيز بن باز - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (ب2) عبدالعزيز بن باز
بقلم: عزالدين كزابر
الشيخ عبدالعزيز بن باز
عودة إلى فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
للشيخ عبدالعزيز بن باز [1] رحمه الله تعالى، جدالات ذائعة الصيت حول عدد من مسائل العلوم الطبيعية الحديثة، وإشكالاتها التي رآها لا تأتلف مع المفاهيم الطبيعية الواردة في التفاسير الموروثة، والتي يُطابق بينها وبين مراد الله تعالى في كتابه العزيز، ومن ثمّ، قام بردها وتخطئة من قال بها، بل وصل الأمر أحياناً إلى التقبيح الشنيع، من مثل قوله في شأن بعض من انتقدهم[2]: [أنه بعيد عن استعمال عقله، وفكره قد أعطي القياد لغيره كبهيمة الأنعام، فنعوذ بالله من القول عليه بغير علم، ونعوذ بالله من التقليد الأعمى الذي يُردي من اعتنقه، وينقله من ميزة العقلاء إلى خلق البهيمة العجماء..]. ونحن إذ نورد هنا بعض هذه الإشكالات، فلا نفعل ذلك إلا لبقاء عدد غير قليل من حجج الشيخ - رحمه الله تعالى - بعينها، تُثار من قِبَل آخرين [23]، من طُلابه ومُحبيه، ونحن من محبيه أيضاً ولا شك، وتعمل هذه الحجج على إبقاء الإشكالات قائمة، رغم أنها مُنْفَضَّة لمن أراد تحقيقها. إضافة إلى أن هذه الإشكالات ما زالت تمثل اعتراضات شائكة في أذهان الكثيرين، تصدهم عن قبول مبدأ التفسير العلمي، وقطع الطريق على أي مصداقية محتملة لمقولات العلوم الحديثة – المحققة - من فيزياء وفلك وغيرها، وتحض على استمرار التشكيك فيها والنيل منها. لذا وجب علينا مراجعة وتحليل أقول الشيخ بن باز في ذلك، برَوِيَّة وتبصُّر، وما احتجَّ به من حُجَج، لنرى صرامتها من اشتباهها، وما يمكن نصرته منها أو تعديله، أو استبعاده.
وبدايةً نقول أن العلم الطبيعي الحديث يعالج ظواهر كونية. وهذه الظواهر منها المحكم في فهم العلم الحديث له، ومنها المشتبه، ومنها المعدوم الـمُتأمل معرفته، بتتابع الكشوف وإعادة كَرَّة التحقيق العلمي فيه. وعليه يكون العلم الحديث ليس معصوماً في كل ما يقول، وليس مردوداً في كل ما يقول، ومثله في ذلك مثل التفسير والفقه في العلوم الشرعية، من حيث أن المناط المشترك في قابلية الصواب والخطأ في نوعي العلمين، هو أن المجتهدين بشر، يصيبون ويخطئون؛ في التأهُّل أو الفهم أو الإحاطة. وكما أن رد عموم التفسير وجملة الفقه، لاشتباه وانغلاق بعض مسائلهما، لعدم العثور على يقين بعض المسائل حتى الوقت الراهن، يُعد من التعطيل المريب، وهذا هو مذهب العِلمانيين في صورته الفجة، فكذلك يكون رد عموم العلم الحديث وتسخيفه أو سحب الثقة منه– حقّه ومشتبهَه – فعلاً شديد الخطأ من فاعليه، وبين هذين القطبين يقع الأحسن والأحكم الذي حثنا ربنا تبارك وتعالى على اتباعه، والذي ينبغي أن نجتهد في استقصائه، وتخليصه من شوائب الباطل، وغامضات الظنون.
فإذا قال قائل: إن علوم الطبيعيات خارجة عن المجال التداولي لأهل العلوم الشرعية[3]، يريد أن يبرر بذلك عدم وقوف أهل العلم الشرعي فيها على الحق من الباطل في مسائلها، ومن ثم عدم لزومهم الإقرار بثمراتها أو تقريراتها التي يزعم أصحابها فيها من حق، قلنا أن هذا تبرير مردود. وسبب رَدِّه أن أدلة علوم الطبيعيات ليست ممتنعة عمّن يطلبها بأسباب العلم الخالصة فيها. وهي أسباب مستقلة عن شخص من يدرسها، أو ثقافته، أو اعتقاداته الدينية، إلا أن يكون في ذلك من تأويلٍ أو تحيز. بل إن أبجديات هذه الأسباب العلمية شائع تعلمها، ويمكن الوقوف على صدقها وحجج – كثير منها - في المدارس قبل الجامعية، ناهيك عما هو أعلى. وليس هناك من سبب يمنع أن يتعلم طلاب العلوم الشرعية الضروري من الفيزياء والفلك والرياضيات لأغراض التفسير، مثلما أنه يتعلمون الحساب والجبر وحساب المثلثات وأدلتها الرصينة بغرض استخدامها في علم المواريث، والمواقيت وتعيين اتجاه القبلة، وأين يُلقي القاضي ببصره لترائي الهلال، الواجب رؤيته شرعاً، بعدما عم الجهل بالسماء وعلاماتها بعد علمٍ غزير، وفهم عند العوام بهيآتها لم يعد له نظير. وحيث أن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وما لا يمكن إعمال المواريث والقبلة والهلال إلا به وجب تعلمه، فكذلك ما لا يتم فهم آيات القرآن المتعلقة بالظواهر الطبيعية من حركات الفلك والأجرام من شمس وقمر وكواكب ونجوم، وغيرها، إلا به وجب تعلمه. وإن كانت آيات القرآن الكونية لا يمكن أن تُفهم إلا بمعالجة أعيان مسائلها – أي ما تتكلم عنه الآيات- تمييزاً ورصداً وحساباً، مثلما يعالج القاضي مسألته، ويستقصي ويحقق في الأدلة والشهود، لذا وجب أن يستقصي مفسر الآيات الكونية مسائلها من كل مصدر صادق محقق يمكنه الوقوف عليه. ورغم أن هذا الإعداد التعليمي من أصول التعليم، إلا أننا رأينا تمنُّع أصحاب العلوم الشرعية عنه، وكانت حجتهم أن ما يتضمنه هذا الفعل من الاحتياج من العلوم الطبيعية في فهم آيات القرآن قد رده العلماء باعتباره خارج منظومة الأدلة الشرعية (لا تدخل في مجالهم التداولي - باصطلاحهم)، وأنه يكفي الـمُعاصرون من المسلمين ما اكتفى منه السابقون في فهمها؛ أي اللغة والمأثور من التفسير. ومن ثم تصبح هذه العلوم الـمُستحْدَثة – على أيدي أهل الكتاب في ظاهر الأمر- من غير الضروري في الدين الإسلامي تعلُّمها، احتجاجاً بأن ديننا الحنيف مكتفٍ بنفسه عن علوم الآخرين (رغم أن هذه العلوم، أو المعارف، أو الكشوف مستقلة في نفسها عن شخص مكتشفها وثقافته). وإن تجوَّز بعضهم في الاطلاع عليها، فإن رأى أنها فارقت الموروث في المعاني، حتى لو صدقت!!! ..، تقدم الموروث وتأخَّرَت أو نُبذت. .... وهكذا إذاً تأصَّلت الإشكالية، وخلا الأفق التعليمي من بارقة أمل في تصحيح وضع يجب أن يُصحَح، وإلا أبقينا على أخطاءٍ علمية - لا خلاف على خطئها عند أهلها- في تفسير كتاب الله تعالى، وكفى به إثما مٌبينا!... نأمل ألا يغضب الله تعالى علينا بسببه، ما لم نتداركه؛ ... غضباً لا أراه يختلف عن غضبه سبحانه من الفارين يوم الزحف، وإن كان الزحف والصدام هنا زحفاً وصداماً فكرياً معرفيا. ثم نكون أيضاً قد صنعنا بأيدينا فتنة علمية تطرد أهل الفكر والبرهان وطلاب العلوم الحديثة من اتباع الخير الوافر في كتب التفسير الموروث، لما يجدوه فيها من أخطاء كونية، يتمنَّع أهل العلم في التفسير عن تصويبها، فيزهد شباب الأمة فيها، وإن كانوا بعض الأمة اليوم، فهم كل الأمة غداً. فنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ...
كما أن العلم الحديث قد كشف بالفعل عن أخطاءٍ في فهم الكثير من المعاني الطبيعية المبثوثة في كتب التفسير للآيات الطبيعية. وقد حملت معارفه الجديدة معها أدلتها وبراهينها في هذا الكشف، وهي يقينية في بعضها، وبما يمكن إثباته تجريبياً وتحليلياً، وراجحة رجحاناً كبيراً في بعض آخر منها. ويصبح رفض هذه الأدلة من قبل أهل العلم الشرعي لا مبُرِّر له. ويصبح لزومهم المعاني التفسيرية الموروثة في الكتب القديمة والتي تم الكشف عن خطئها، لزوم ما لا يلزم، وإصرار على اتباع ما ثبت خطؤه، ومعاندة حقٍّ جاء معه برهانه. ... وكل ذلك مما حذر الإسلام الإنسان منه، إن جاءه حق وتمنَّع عن السماع له، أو اعتذر عن الأخذ بيقينه، بحجة عدم الوقوف عليه، وهو غير محال في نفسه لمن أراده.
وسنبدأ بمثال يسير، نبتدره بسؤال:
هل كل جسم متحرك، صغيراً كان أو كبيراً، لا بد له أن يضطرب بسبب هذه الحركة؟ .. وأن هذا الاضطراب لا بد أن يظهر في صورة مَيَدَان أو مَوَرَان؟!
أو بعباة أخرى: إذا لم نشعر باضطراب جسمٍ ما، وكان هذا الجسم يحملنا على متنه، فهل هذا دليل على كونه ساكناً ثابتا، جامداً في مكانه المطلق في الكون، ولا يعتريه تغيٌّر في موضعه؟!
نقول أن هذا السؤال له إجابتان، الأولى: تاريخية قديمة موروثة قبل عام، 1767 وقد سقطت مصداقيتها التي لم يكن لها من مرتكز إلا الألفة والعادة الرتيبة في إطار الحواس الإنسانية ونمط الحياة التي يمكن تمييزها بهذه الحواس، ...
أما الإجابة الثانية، فهي إجابة حديثة، مُختبرة ومؤُكدة الصّحة بعد ذلك التاريخ. مع ملاحظة أن هذا التاريخ هو العلامة الفارقة بين الميكانيكا الفلكية في العصور القديمة والوسطى، وبين الميكانيكا الفلكية الحديثة التي ترتكز إلى الرصد التلسكوبي، والرياضيات التحليلة analytical mathematics. وفي هذا العام تحديداً – 1767م - نشر نيوتن كتابه (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية). أما ما يشتهر بين الناس بأن كوبرنيكوس هو أبو الفلك الحديث، وأنه هو الذي صحح التصور الفلكي، فلا يزيد عن كونه خبر دعائي إعلامي، لا قيمة علمية له، ولا تزيد مساهمات كوبرنيكوس عن حدس، لم يحمل معه عليه أدلة موثوقة. أما الحق الذي يجب الاعتراف به فهو أن هناك مبادي أو سنن واحدة للميكانيكا – أرضية وفلكية – وقد جمعها نيوتن في ذلك الكتاب، وتسري هذه السنن على حجر يلقيه الإنسان من يده مثلما تسري على القمر وهو يسبح في مداره. وقد احتوى هذا الكتاب الدليل العلمي على السنن الطبيعية التي استقرت حتى يومنا هذا – إلا من إعادة الصياغة التحليلية وحبكة الاستدلال، بمن تبعه من أمثال هاملتون ولاجرانج. هذا بالإضافة إلى تعديلات معتبرة لاحقاً – (في الفترة 1905-1916)- بالنظرية النسبية الخاصة والعامة، لا تُغيّر من القيمة العلمية لأعمال نيوتن، إلا من إضافة أفكار جديدة مدعومة تجريبياً، مع زيادة في تأصيل المنهج التحليلي، وزيادة دقة التنبؤآت.
أما الإجابة القديمة عن السؤال الذي طرحناه أعلى – والذي لم يعد له في كتب العلم إلاّ الذكرى التاريخية - فهي أن أي حركة لجسم ما، لا بد وأن تُعاني من اضطراب، ولا بد أن يشعر به الإنسان لو كان محمولاً عليه. فهذه الإجابة هي التي نجد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يدافع عنها ويحتج لها عندما قال[4]: [من الشُّبَه التي أوردها من قال بدوران الأرض، أنهم قالوا إن الـمَيْد الذي نفاه الله غير الدوران الذي أثبتناه، فالميد شيءٌ وهو الاضطراب وعدم الاستقرار، والدوران شيء آخر، وهو شيء خفي لا يُحس به، ... وهذا باطل، وشبهة زائفة. فقد نص أئمة التفسير واللغة على أن الميد يُطلق على الاضطراب،  والحركة، والدوران. ...]
وتابع الشيخ – بعد أن تكلم عن قوله تعالى "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً .." – وقال في مسألة الـمَيَدَان[5]:
[ها أنا أنقل لك أيها القارئ، والطالب للحق، ما تيسر من كلام أئمة اللغة، وعلماء التفسير، إتماماً للفائدة، وإيضاحاً للحق، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال الجوهري في الصحاح ما نصه: (ماد الشيء يميد ميداً: تحرك. ومادت الأغصان: تمايلت. وماد الرجل:تبختر). وقال ابن منظور في اللسان: (ماد الشيء يميد ميداً: تحرك ومال. وفي الحديث: "ولمّا خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها بالجبال": إلى أن قال: (وقال أبو العباس يعني ثعلب، وهو من أئمة اللغة، في قوله تعالى (أن تميد بكم) قال: تتحرك وتتزلزل، وقال الفراء: سمعت العرب تقول: الميد الذين أصابهم الميد من الدوار) وقال في القاموس: (ماد يميد ميداً تحرك وزاغ).]
وتابع[6]: [وقال (ابن جرير) - رحمه الله تعالى – عند قوله تعالى في سورة النحل: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ما نصه: "يقول تعالى ذكره، ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا، أن ألقى في الأرض رواسي وهي جمع راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال، وقوله أن تميد بكم يعني أن لا تميد بكم، وذلك أنه جل ثناؤه، أرسى الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها، وقد كانت مائدة قبل أن تُرسى بها، ثم ذكر بعض الآثار في ذلك، ثم قال: والميد هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفينة تميد ميدا إذا انكفأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر وهو الدوار"]
وتابع[7]: [وقال البغوي – رحمه الله – في تفسيره عند قوله تعالى في سورة النحل: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ما نصه: أي؛ لئلّا تميد بكم؛ أي تحرك، وتميل، والميد هو الاضطراب، والتكفؤ، ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر ميد، وقال عند قوله تعالى في سورة الأنبياء: (كل في فلك يسبحون) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. أ هـ المقصود، وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره عند قوله تعالى في سروة الأنبياء: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) أي جبالاً أرسى الأرض بها، وقررها وثقلها لئلّا تميد بالناس؛ أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها.]
وتابع[8]: [إلى أن قال (القرطبي): والذي عليه المسلمون، وأهل الكتاب: القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة لزلزلة تصيبها. أهـ، وقال القرطبي أيضا في تفسير قوله تعالى في سورة الأنبياء: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) أي جبالاً ثوابت (أن تميد بهم) أي لئلّا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها. قاله الكوفيون، وقال البصريون: المعنى: كراهة أن تميد بهم، والميد التحرك والدوران الذي يقال ماد رأسه أي دار.]
وتابع[9]: [وقال الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره لقوله تعالى في سورة النحل: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بهم) أي كراهة أن تميد بكم، على ما قاله البصريون، أو لئلا تميد بكم على ما قاله الكوفيون، والميد الاضطراب يميناً وشمالا، مادَ الشيء يميد ميداً: تحرك، ومادت الأغصان: تمايلت، وماد الرجل تبختر. وقال عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأنبياء (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم): الميد التحرك، والدوران، أي لئلا تتحرك وتدور بهم أو كراهة ذلك، أهـ. وهذا يوافق ما نقلناه آنفاً عن القرطبي – رحمه الله – وقال ابن القيم – رحمه الله – في مفتاح دار السعادة (فصل) ثم تأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة لتكون مهداً ومستقراً للحيوان، والنبات، والأمتعة ويتمكن الحيوان، والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحتهم، والنوم لهدوئهم، والتمكن من أعمالهم، ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً ولا هدوءاً، ولا ثبت لهم عليها بناءـ، ولا أمكنهم عليها صناعة، ولا تجارة، ولا حراثة، ولا مصلحة وكيف كانوا يهنئون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم.]
وقال[10]:  [الميد هو الحركة بجميع معانيها] ... إلى أن قال[11]: [قال الشيخ العلامة عبدالقاهر بن طاهر البغدادي المتوفي عام 429 هـ في كتابه (الفرق بين الفرق) في جملة ما نقله عن أهل السنة، صفحة 330، من الكتاب المذكور ما نصه: (وأجمعوا على قوف الأرض، وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً، لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره، وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها، وكذلك السماء متناهية الأطراف من الجهات الست(، وسبق ما نقلته عن القرطبي – رحمه الله – أنه حكى عن المسلمين وأهل الكتاب القول بسكون الأرض، وهذا كالإجماع فكيف يجوز للمسلم أن يعدل عن ظاهر الكتاب، والسنة، وعن قول علماء الإسلام المعروفين بالعلم، والتحقيق، وعما هو معروف بين المسلمين، وأهل الكتاب من سكون الأرض وثبوتها إلى ما يخالف ذلك، بل ويخالف المحسوس المشاهد.]
نقول: هذه هي الإجابة القديمة، ليس فقط عند المسلمين، بل عند غيرهم أيضا، من أهل الكتاب، والفلاسفة في جملتهم.
غير أن الدراسات الميكانيكية والفلكية التحليلية للحركة، قد تبين معها أن الحركة ليست ذلك النوع الواحد والوحيد الذي عمَّمه المفسرون – على ظاهر كلامهم- بلا استثناء! .... بل إن الحقيقة التجريبية تُقر أن هناك نوعين من الحركة يمكن التمييز العملي بينهما على نحوٍ يسير؛ النوع الأول من حيث الشيوع، هو المألوف من حركة مائدة بما تحمله، كحركة الدواب، والسفن التي تحطها المياه وترفعها، وتميل بها يمنة ويسرة وبما يشعر بها ركابها بالدوار، .. ( ويلحق بها كل ما وصفه المفسرون أعلى من الاضطراب والكفؤ والرجرجة وما ينشأ عنه من دواران الرأس – الدوار – والتمايل والتبختر ..) إلخ، .. أما الحركة الأخرى، فهي إذا خَلَىَ المتحرك مما يعتري انسيابه المستمر من اهتزاز أو تعجُّل أو تَبَاطُوء أو تمايل. وهذه الأخيرة هي الـمُسَمَّاة بالحركة المنتظمة. وأقرب أمثالها إلينا هو حركة السفينة الطافية على بحر أملس السطح، تدفعها الرياح بخفة وانسياب، كما قال تعالى "حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا"(يونس:22)، بما لا يشعر ركابها المقيمون في قُمراتها المغلقة: أمتحركة هي أم ساكنة؟! .. وإذا ظلت السفينة وركابها على حالها وحالهم بلا تغيير، فلن يستطيعوا التمييز بين حركة سفينتهم من سكونها. ولأن السفينة لن تظل ساكنة، بل ربما "جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ"، أو أنهم لن يبقوا داخلها، فيرون الماء ينساب من حولهم، أو نسيم الرياح على وجوههم، فسيعلمون عاجلاً أم آجلاً أنها تتحرك. ... أما إن بقيت على حالها، ولم يكن لهم من علم بالواقع خارجها، فلن يستطيعوا التقرير والتمييز بين الحركة والسكون. وهذا الوضع الأخير هو حال جِرْم الأرض - وأمثاله من أجرام أخرى كالقمر والكواكب السيارة - وما يُحمل على ظهرها من أي شيء كان؛ حياً كان أو جامدا. ويلحق بذلك أيضاً مركبات الفضاء التي يرتحل عليها رواد الفضاء.
والنتيجة، أن قول الشيخ بن باز[12] [الميد هو الحركة بجميع معانيها]، والذي نفى على أساسه أن تكون الأرض متحركة، غير صحيح. وهذه النتيجة مُستمدَّة من العلم المتين بالميكانيكا الحديثة، وما تأكد من سننها الرتيبة، والمسماة بقوانين الحركة، وأن الحركة المنتظمة لا يعتريها أي مَيَدَان، وأن الراكب لن يشعر بأدنى سبب بدني يجعله يميز بين حركة الأرض وسكونها. وأن هذا الحال هو ما سماه المتخصصون في هذه العلوم بإسم (القصور الذاتي inertia). ... وعلى هذا، فتفسير آيات القرآن عن الأرض لا يلزمها ذلك السكون والقرار الأبدي الذي ظنه المفسرون، والذي كان مردُّه إلى الدراج والمألوف في حدود الخبرة الحسية لنا على سطح الأرض.
الدليل العملي الذي طلبه الشيخ بن باز رحمه الله على دوران الأرض، ولم يُقدِّمه له أحد!:
من الأدلة التي تقطع بدوران الأرض حتى ولو كنا في بناية مغلقة، ولا مجال فيها لرؤية السماء، فهي تلك التجربة التي تُسمى (بندول أو رقاص فوكو Foucault pendulum)

 شكل (1): بندول (رقاص) فوكو Foucault Pendulum
وفيها يتأرجح بندول (يشبه بندول الساعات القديمة)، غير أنه لا يمنعه مانع من التأرجح في أي مستوى . فإذا أطلقنا البندول للتأرجح فوق خط الاستواء، وكان اتجاه تأرجحه بين الشمال والجنوب، فسوف يظل في هذا الاتجاه دائماً ولن يحدث شيء. ولن إذا وضعناه عند أحد الأقطاب (الشمالي مثلاً)، وأطلقناه للتأرجح، فإذا كانت الأرض تدور، فسوف نرى البندول يبدول وكأنه هو الذي يدور وهو يتأرجح، (انظر شكل:2)

شكل 2: دوران البندول - عند القطب - ليس إلا دوران الأرض تحته

بمعنى أننا سنجد أن مستوى تأرجحه يدور على الدوام، ليكمل دورة كاملة كل 24 ساعة بالتمام. أما إن كان على أي خط عرض آخر بين خط الاستواء والقطب، فسوف يتطلب زمناً أطول لإكمال دورة كاملة، ويعتمد الزمن على قرب أو بعد خط العرض عن خط الاستواء، فإذا كان على خط عرض 30 مثلاً، فسوف يدور البندول دورة كاملة حول نفسه في يومين كاملين. وبشكل عام يتناسب زمن الدورة عكسياً مع جيب زاوية خط العرض. (لاحظ أن جا30 = ½)، لذلك يدور البندول دورة كاملة في يومين إذا كان موقعه على هذا الخط أو قريبا منه.
ويمكن متابعة ذلك في أجنحة متاحف العلوم المنتشرة في العالم ويراها الناس جميعاً، كما في المقطع التالي (شكل:3):

شكل (3): فيلم بندول فوكو
بل يمكن لمن استنكر هذه النتائج - إن شاء - أن يجريها في بيته[13] حتى يطمئن قلبه، حتى ولو أغلق عليه نوافذه، بل يمكنه أن يعلم من التجربة أين يقع منزله: شمال أو جنوب خط الاستواء؟، وكم يبعد عنه؟!!! .. ولو لم تكن الأرض تدور، لما أمكنه العلم بذلك. .. لأن الأرض إذا كانت ساكنة، سوف تستوي كل المواقع على الأرض، وتتطابق النتائج أياً كان موقع المنزل الذي يُجرى فيه التجربة. ولكن الحاصل أن النتائج ستختلف باختلاف الموقع، وتتطابق نتائج التجربة مع المعلومات الجغرافية عن كل موقع.
الجدير بالذكر أن هذه التجربة، ذائعة الصيت، تقطع بدوران الأرض، حتى أن (بوانكاريه) الذي استشهد به محمد فريد وجدي – كما رأينا في (الفصل أ22) من قبل – ثم استشهد به الشيخ بن باز، تقليداً لاستشهاد محمد فريد وجدي، فقد عمد (بوانكاريه) بنفسه إلى استثناء هذه التجربة من حديثه، وبنى كل تشكيكاته الفلسفية على دوران الأرض على افتراض أن تجربة فوكو غير مطروحة للتقرير في مسألة دوران الأرض. أي أنه يقصد بهذا الاستثناء: ماذا لو كانت هذه التجربة غير معلومة، أكنا نستطيع حسم المسألة؟! .. وهو اشتراط معدوم، لأننا نعلم بها، وليس العلم بها من قبيل الصدفة، بل من قبيل لوازم السنن الميكانيكية نفسها. أي أنها سنة لازمة عن عين الدوران الذي أراد طرح فكرة التشكيك فيه، فكيف يُستثني الدليل، ويشكك بالمسألة بافتراض غيابه؟! .. ومثله مثل من يستثني نزول القرآن، ويشكك على أساس من هذا الاستثناء عن ضرورة إيماننا، وجدواه!!!
وخلاصة مسألة دوران الأرض أنها محسومة على الأقل بهذه التجربة، كما أنها محسومة بظواهر أخرى، سنقابل بعضها في استعراضنا اللاحق لآراء عدد من علماء الشريعة على المنهج السلفي، وعدد من المفكرين السلفيين، شككوا أيضاً في مسألة دوران الأرض، وحسب ما يقتضيه السياق الذي سيدفعنا إليه كلامهم.
الشيخ "بن باز" مفسراً علمياً من الطراز الأول، ولكنه (تفسير علمي) لثقافة علمية قديمة:
من أكثر ما راعَنا، وتفاجأنا به وله، أن الشيخ عبدالعزيز بن باز  - رحمه الله تعالى -كان يمارس التفسير العلمي بأجلى معانيه، إلا أنه كان ينقصه تعديلٌ هنا، أو تصحيحٌ هناك، أو تبديلٌ هنالك – وبما فارقت فيه ثقافة عصرنا هذا الذي نحياه في معارفه العلمية، عصور المفسِّرين الذي قرأ – رحمه الله- لهم. ولو أنه سار على دربه في المقابلة المعارفية بين المعطى القرآني و جديد المكتشفات بأسبابها، لاكتمل عنده بناء التفسير العلمي بأروع معانيه، ولاستوي على سوقه، وصار أنموذجاً لأهل التفسير جميعاً.
ولكن نُنَبِّه، فإن التفسير العلمي المعاصر الذي نقصده ليس محض [تفسير آيات القرآن بمقولات العلم الحديث]!! .. بل إنه "تفسير آيات القرآن بالأدلة العلمية التي قام عليها العلم الحديث"، وهذا تمييز دقيق وفرق لطيف، ويؤدي عدم الانتباه له إلى خلط كبير. والغريب أن الشيخ بن باز كان من الوعي والحكمة إلى قبول النوع الذي نقصده، أي مقابلة الشرع بالعلم الـمُستدل عليه. إلا أن النِّصاب العلمي لهذه المواجهة عند الشيخ كان يتطلب الكثير! .. كان يتطلب استحضار أدوات التحليل في معطيات العلم الحديث – على تنوعها وتبحُّرها – وهذا ما اعتذر عنه الشيخ، وقال أنه لا يقف عليه، ومن ثم لا يستطيع تبني الأدلة التي تُنتجه، ولا النتائج التي تَنْتُج عنه، ومن ثم لا يجد مستنداً تجعله يصدِّق ما ينتج عنه من استدلالات علمية. وإذا كان للشيخ عذره (الشخصي) في ذلك، فليس لغيره عذر ممن يستطيع الوقوف على تلك الطرق التحليلية والاستدلالات العلمية، وأن يأخذ بنتائجها. بل إن ذلك ليصبح من فروض الكفاية في حدِّه الأدنى، أن يتصدى له الباحثون للحكم في مسائل لا يُستغنى عنها في فهم آيات كتاب الله تعالى، وفي أحكام فقهية يجب التصدي لاستنباطها، ولا ينبغي أن تُهمل، وإلا تحملنا جميعاً وزر إسقاط القيام بها. ومن هذا النوع الأخير – على سبيل المثال - حسم مسألة رؤية أهلة الأشهر الهجرية، وضبط شرائع الله المرتبطة بها (أنظر في ذلك دراسة: رُجحان المقال في مسألة الهلال). وتمتد قائمة ثمرات المواجهة بين الشرع والعلم الحديث بما يخرج عن مرادنا هنا لو استطردنا فيه، غير أنه يدور جميعه في فلك تفسير آيات القرآن ذات الارتباط بالاكتشافات العلمية الحديثة. ونقصد بالحديثة، التي اكتُشفت لها معانٍ مؤكَّدة، على مدار الخمسة قرون الأخيرة، لم تكن معروفة قبلها. وليس الأمر محض أفكار كالتي كانت تتوراد على خواطر الفلاسفة قديماً، ولكن معارف علمية لازمة عن أدلة مُطَّردة، لا تتخلف عنها، ويمكن لمن شاء أن يتأكد من صواب الأدلة وإعادة اختبارها، بما يجعله يُصدِّق بها، أينما كان، ومتى كان.
ورغم أن الشيخ بن باز كان يمارس بالفعل التفسير العلمي لآيات القرآن، وعلى نحو جاد ورصين كل الرَّصانة، إلا أنه كان يمارسه بالنظرة العلمية الكونية لزمن قد مضى، ومضت معه كثرة من المفاهيم التي ترسَّخت عند أهل ذلك الزمن. ويكمن الإشكال في أن هذه المفاهيم كانت قد اشتبكت مع المعاني اللُّغوية لكثير من ألفاظ القرآن، وبما أشكل على النُّظَّار في المأثور من التفاسير القديمة، فجعلته يرتبك في إسناد المعاني؛ أهي من لوازم اللغة المجردة عن الثقافة، أم هي من ثقافة العصر الذي خُطَّت في أجوائها هذه المعاني اللغوية؟! ... ومعلوم أن التمييز بين لُغةِ ما، وثقافة أهل تلك اللغة، أمرٌ عسير وشاق. ونظن أننا على صواب إن قلنا أنه تمييز يكمن في الفرق بين لسان اللّغة من جهة، وثقافة اللغة، أي محمولاتها من معاني، من الجهة الأخرى.
وقد وقفنا طويلاً مع الشيخ بن باز - رحمه  الله تعالى- في كتابه الشهير "الادلة النقلية و الحسية على جريان الشمس و القمر و سكون الأرض"، فوجدنا له فيه، كثيراً من الإيجابيات، مثلما وجدنا كثيراً من المؤآخذات، والتي لولا افتراق الثقافة المعرفية، لكان الشيخ بن باز من أئمة التفسير العلمي المعاصر. ونوجز هنا أهم تلك الإيجابيات والمؤآخذات.
من إيجابيات كلام الشيخ بن باز رحمه الله في تأييد التفسير العلمي، بل في وجوبه:
1- أن هناك ارتباط بين العلم الحديث والشرع بقَدْره: وذلك في قوله (ص44): [علوم الفلك فيها ما له تعلق بالشرع، وقد وجد في الأدلة الشرعية ما يدل عليه، فهذا القسم لا يجوز لعلماء الإسلام ولا غيرهم أن يقلدوا فيه علماء الفلك، بل يجب عليهم أن يتمسكوا به بما دل عليه الشرع وأن ينكروا ما خالف ذلك.]
وقال (43): [لا شك أن المسائل الفلكية المنصوص عليها في القرآن أو في السنة الصحيحة من جملة المسائل الشرعية التي يجب على المسلمين أن يؤمنوا فيها بما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يحيدوا عن ذلك من أجل آراء الفلكيين أو غيرهم.]
2- وجوب تصديق وتكذيب ما دلت الأدلة العلمية على صدقه أو كذبه: وذلك في قوله (ص 44): [أما القسم الذي لم يرد في الشرع تعرض له، فهذا هو الذي يرجع فيه إلى علماء الفلك للعبرة والاستفادة، ولكن لا يجوز أن يُصدّق علماء الفلك في كل ما يقولون، بل يجب أن تقسم آراؤهم إلى الأقسام الثلاثة السابقة، فيُصدّق منها ما دلت الأدلة العلمية على صدقه، ويكذب منها ما دلت الأدلة العلمية على كذبه، ويوقف منها ما سوى ذلك، فلا يُصدّق ولا يُكذّب. ]
وقال في موضع آخر (ص 52): [الواجب عرض ما أجمعوا عليه (أي: علماء الهيئة، ويقصد الفلك)، وهكذا ما اختلفوا فيه من باب أولى، على الأدلة النقلية والحسية، وتمحيص أقوالهم، فما وافق الأدلة (العلمية) من ذلك وجب قبوله، وما خالفها وجب ردّه، وما اشتبه أمره ولم تتضح أدلة قبوله أو رده، وجب أن يكون موقوفاً حتى يوجد من الأدلة ما يقتضي قبوله أو رده.]
3- اعتماد شاهد العيان دليل، وذلك في:
- قوله (ص43): [ما لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا في شواهد العيان  ما يدل على قبوله أو رده، فإنه يكون موقوفاً لا يصدق ولا يكذب حتى يوجد من الأدلة العلمية ما يقتضي قبوله أو رده.]
- وقوله (ص 41):[لا دليل من النقل ولا من شاهد العيان يدل عليه.] .. بل إنه يأخذ بالدليل البصري إلى مدى يزيد ربما عمّا يحتويه من استدلال، أي أنه يرتقي به لدرجة تعكس الثقة فيه بما هو أكبر من حجمه، (أنظر البند رقم 2 في المؤآخذات، البادئ بـ  "اعتباره أن المشاهدة العينية – أي الرؤية البصرية - دليل قطعي")
********
أما المؤآخذات فقد وقفنا منها على الآتي:
1- اعتباره أن أدلة العلوم الأخرى (كالفلك) لا يؤخذ بها إلا على نحوٍ شخصي، وفقط لمن اطمأن لها واقتنع بها! .. وذلك في قوله (ص 43): [كل من عرف شيئاً من أحوال الفلك أو الأرض بالأدلة التي يعتمدها علماء الهيئة، أو غيرها، على وجه لا يخالف ما دلت عليه الأدلة النقلية، واطمأن إلى ذلك، واقتنع به، فلا مانع بالنسبة إليه أن يُصدّق ذلك، ويكون ذلك بالنسبة إليه من القسم المقبول. ولكن لا يلزم غيره ممن لم يقتنع بتلك الأدلة أن يقلده، ولكن يجوز له أن يَروي عنه ذلك.]
ومأخذنا هنا – كما هو واضح – هو: الهبوط بطلاقة الدليل، وتقييده بقدرة حامل الدليل على حمله. ونقصد أن الدليل له لوازم يجب على المستدل أن يحيط بها، وإلا لم يُحط علماً بكيفية الاستدلال، فإن قصر المستدل عن تلك الإحاطة، منعه ذلك – على نحو شخصي – من تصديق الدليل. وهذا الأمر لا علاقة له بصدق الدليل أو عدم صدقه. فإذا كان لهذه الآلية من الاستدلال منهج معتبر، ومجمع من العلماء مشهود لهم بالرصانة العلمية، يُقرون به، ويجمعون عليه، ويعلمونه طلاب العلم الطامحين إلى معرفته، كان ذلك من العلم، وكان الطعن في مصداقية هذا المنهج لأسباب شخصية، ليس مما يخدش رصانة هذا العلم وجديته. ولا ينبغي أن يكون مُسِّوغاً لرفض لوازم هذا العلم، من حيث الفهم، والنفعية، والعمل.
وإضافة إلى هذا المأخذ، نلاحظ استخدام الشيخ لاصطلاح (علماء الهيئة)، ويقصد به علماء (الفلك Astronomers والكونياتcosmologists )! .. ويبدو لنا أن استخدام هذا الاصطلاح القديم (الهيئة) بدلاً من الحديث (الفلك والكونيات) يحمل معه مضامين عدم اعتراف الشيخ بما يفترق به الجديد عن القديم، بمعنى أن الشيخ لا يرى افتراقاً للعلوم الجديدة في الفلك والكونيات، عما كان لعلم الهيئة القديم. والحقيقة أن الفرق كل الفرق إنما يقع في درجة صدق هذا من ذاك، وأن هذا الفرق يكمن في المنهج. فالمنهج الجديد يقوم على أمرين لم يكونا متيسرين لعلماء الهيئة قديماً، ونقصد بهما النظر إلى السماء بآليات تجعل النجوم قريبة وكأنها جيراننا كما هو حال القمر، ثم آليات التحليل الرياضي، والتي تجعل حساب مواقع القمر والشمس والنجوم والتنبؤ بها ومعرفة أسباب حركتها ومآلها، مثل حساب المواريث من حيث اليقين الرياضي. فارتقى بذلك علم الهيئة من الغموض وضعف الثقة، إلى اليقين في كثير من حالاته، والرجحان في شطر آخر، وانفراج باب المعرفة في ذلك لإضافة المزيد في كلا الحقلين: اليقين والرجحان!
2- اعتباره (أن اختلاف العلماء في علمٍ ما، دليل على غياب الأدلة القطعية على ما يقولون، كلهم أو بعضهم) ومن ثم يكون دليلاً على بطلان ذلك العلم لخلوِّه من اليقين، وذلك:
- حين قال (ص12) أن: [علماء الفلك عير مُتَّفِقين على ما نقله عنهم .. الحافظ ابن كثير ... ولو كانت لديهم أدلة قطعية على ما ذكروا لم يختلفوا.]
- وحين استشهد بكلام "محمد فريد وجدي"[14] ونقل عنه قوله (ص57، 58) [أما عن دوران الأرض، فهذا موضع الخلاف، ,, لأنه رغما عن شيوع فكرة دورانها، وتغلبها عن النظرية المضادة لها، لم تزل بين الأعلام الرياضيين موضع شك.]، وقد رددنا على الأستاذ "محمد فريد وجدي"، ومن أشار إليه من العلماء، ولم يكن إلا فيزيائي رياضي واحد، هو (بوانكاريه)! .. كما أن (بوانكاريه) لم يكن يتكلم إلا من جهة فلسفة العلوم، ولم يحمل في كلامه أي استدلال علمي مُعتبر، وقد أجهضنا قوله أيضاً في الرد المشار إليه. هذا بالإضافة إلا أنه استثنى أهم دليل (في زمنه) يقطع بدوران الأرض، وألا وهو (تجربة بندول فوكو)، وقد أشرنا إلى ذلك أعلى بصحبة شرح التجربة (شكل (1)، وأنظر الحاشية (15) في الفصل أ22: محمد فريد وجدي حيثما يشير بوانكاريه إلى تجربة بندول فوكو!).
- قوله (ص 65): [(عن حركة الأرض، أنها) موضع أخذ ورد عند الفلكيين أنفسهم.]
- قوله (ص 73): [إجماع علماء الهيئة على دوران الأرض لا صحة له، بل المسألة لا تزال بينهم محل نزاع وخلاف، لا محل اتفاق.]
وسبب المؤآخذة هنا على كلام الشيخ بن باز، أن الاختلاف جائز حتى مع وجود الحق، ألم يقل الله تعالى " وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ.."(البقرة:213)، كما وأن هذه الحجة برد المختلف فيه – لو كانت حجة – لكانت دليل أهل الكفر على المسلمين اختلافهم، في ردهم الإسلام، وقولهم: لو كانوا على حق لما اختلفوا! فهل يكون لهم في ذلك حجة؟ّ! .. أللهم لا .. وكذلك اختلاف العلماء في أي علم .. ليس دليلاً على غياب الحق في أقوال بعضهم. .. وهذا كله بافتراض وجود الاختلاف، أما في مسألة دوران الأرض، فلا نعلم اختلافاً بين العلماء لوفرة الأدلة الدامغة على هذا الدوران، وأقصى ما وجدنا كان كلام بوانكاريه الفلسفي، والذي كان معنياً بالدرجة الأولى بمسألة أكبر، ألا وهي العثور على إطار مرجعي مطلق في الكون، وعدم الاهتداء إليه، والذي يشبه بحث الأسماك في البحر العميق عن قاع البحر أو سطح الماء أو نهايةٍ ما يسترشدون بها، فيعلموا منها موقعهم المطلق من البحر! .. ثم قول إحدى السمكات أن عدم العثور على هذا الإطار المرجعي ضروري لمعرفة أي من سمكتين هي التي تدور حول الأخرى!!!
3- وثالث المؤآخذات اعتبار الشيخ أن المشاهدة العينية – أي الرؤية البصرية - دليل قطعي: (نافياً بذلك أي احتمال للزيغ أو الالتباس في تفسير الـمُشاهِد لما يراه):
- وذلك في قوله (ص 39): [الناس كلهم يشاهدون الشمس كل يوم تأتي من المشرق ثم لا تزال في سير وصعود حتى تتوسط السماء، ثم لا تزال في سير وانخفاض حتى تغرب في مدارات مختلفة بحسب اختلاف المنازل، ويعلمون ذلك علماً قطعياً بناءاً على مشاهداتهم.]
- وقوله (ص 71): [القول بدوران الأرض حول الشمس ... يُفضي إلى تشكيك العقلاء في حواسهم، والاستفادة منها، ويفضي إلى إنكار الضروريات بأدنى شبهة.]
وسبب المؤآخذة هنا أن الرؤية البصرية بانفرادها لا تمثل دليلاً، إلا إذا اشتبكت في برهان علمي محبوك الأسباب، وفي غياب هذا البرهان تشتبه الرؤية البصرية، ويُداخلها ما شكّك أبو حامد الغزالي به في مصداقيتها عندما قال[15]: [حاسة البصر .. تنظر إلى الظل فتراه واقفاً غير متحرك، وتحكم بنفي الحركة، ثم بالتجربة والمشاهدة - بعد ساعة - تعرف أنه متحرك، وأنه لم يتحرك دفعة واحدة بغتة، بل بالتدريج ذرة، ذرة، حتى لم يكن له حالة وقوف. وتنظر إلى الكوكب، فتراه صغيراً في مقدار دينار، ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار.]
وإذا وقعنا فيما حذر منه الغزالي، لاستدللنا على أن انتقال الشمس أمام أعيننا من الشرق دليلٌ على سيرها الحقيقي، ولكان هذا الاستدلال مشابه لاستدلال الطائر في شكل (4) الآتي:

شكل (4)
على أن المدينة تدور حوله، دون انتباه منه إلى أنه يقف على طرف ذراع وِنْش عملاق – كالذي يُستخدم في أعمال البناء Tower Crane - وأن ذراع الونش هو الذي يدور حول مركزه. فيبدو في الظاهر – بدليل الرؤية البصرية- أن المدينة هي التي تدور! .. ومثلما يدرك الطائر - إذا طار بعيداً عن الونش - أنه كان مخطئاَ في تصديق بصره تصديقاً ظاهرياً دون برهان علمي، فكذلك الإنسان، إذا ترك الأرض بعيداً ووقف على القمر مثلاً، فسيظهر له أن الأرض أصبحت تدور حول القمر، وأن الأرض في السماء، وأن .. وأن ....إلخ.. وعندها يكون البرهان المستقل عن وجهات النظر المقيدة بالمواقع – الأرض أو القمر أو أي جرم آخر - هو البرهان العلمي الصادق، دون سواه، وليس محض الرؤية البصرية.
4- وفي رابع المؤآخذات: مَزَجَ الشيخ بين سُنن طبيعية مُكْتَشَفَة وتوصيفها على ما هي عليه، من جهة، وإرادة الله سبحانه على ما شاء، كيفما شاء، من جهة أخرى. وذلك عندما احتج بقدرة الله تعالى على دوران الشمس الكبيرة الجرم حول الأرض الصغيرة جداً بالنسبة إليها. قال رحمه الله (ص 59): [(حول) استبعاد أن تكون الأجرام العلوية الكبيرة دائرة حول جرم صغير بالنسبة إليها، وهو جرم الأرض ...(فـ) جوابنا عن ذلك أن يقال: وأي مانع من أن تقتضي حكمة العزيز العليم القادر على كل شيء، تسخير هذه الأجرام الكبيرة السماوية للجريان حول الأرض لمنفعة سكان الأرض ومصالحهم .. .. .. فهذا الإله العظيم الذي خلق السموات وخلق الأرض وما بينهما، وسخر ذلك لعباده، كيف يُستغرب عليه وكيف يُستنكر من صنعه أن يجري الأجرام السماوية حول هذه الأرض ..]
نقول أن المسألتين منفكتان، ولا يلزم أن يكون تسخير الشمس للناس ومصالحهم من لوازمه إلا أن تدور الشمس حول الأرض! .. ولا ينفي دوران الأرض حول الشمس قدرة الله لو شاء أن تكون الشمس هي الدوارة، لو كانت الحكمة في ذلك! .. إذ أن معرفتنا بالحكمة تابعة لفعل الله سبحانه، وليست سابقة متحكمة فيما ينبغي أن يكون عليه فعله، سبحانه وتعالى، وتجلت قدرته ومشيئته؛ يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، قد أحاط بكل شيء علماً، أما نحن، فليس علمنا إلا نُذُر يسير من فيض علمه، سبحانه ... ونضيف للإفادة أنه إذا كان هناك دوران بين جرمين من أجرام السماء، فحتماً – عند أهل العلم بالسنن الطبيعية - يكون الدوران حول مركز كتلتهما، الواقع هندسياً على الخط المستقيم الواصل بينهما دوماً، مهما تحركا. وإذا كانت كتلة أحدهما أكبر من كتلة الآخر بنسبةٍ ما، فإنه يقترب من ذلك المركز بنفس النسبة، ويدور الجرم الأصغر بعيداً حول المركز، وحول الأكبر في وقت واحد. .... وهذا كله يتبع سنة كونية تقوم على ميزان القوى الدوارة، ومثلها مثل ميزان التجَّار الذي يكون فيه أحد الأذرع أطول من الآخر، والمسمى بالميزان القبّان، أو بما يشبه الونش الدوار في شكل (4) أعلى. ... فالأمر إذاً سُنَّة طبيعية، ونحن نقتفي أثرها، ولا ندير الشمس أو الأرض لمحض الكِبَر والصِغَر، ولا لاختيار الأصعب لأنه أدل على عظيم قدرة الله، بل تبعاً لما بثه الله تعالى في الخلق من سنن، .. وما وجدناه – من السنن من ذلك- أن الأصغر هو الذي يدور بعيداً حول الأكبر (أنظر شكل:5). فالأمر ليس اختياراً، وليس انتقاءاً للأصعب ظناً بأنه الأولى حتى يتناسب مع قدرة الله تعالى الله تعالى، سبحانه هو القدير العليم الحكيم.



شكل (5): إذا دار جرمان ماديان تحت تأثير قوة جذب متبادل بينهما، فإنهما يخضعان لسًنة (قانون)، تقصر الدوران حول مركز وهمي (+) يُقسم المسافة بينهما قسمة عكسية مع كتلتيهما، فيقترب منه الأثقل بهذه النسبة.
5- وفي خامس المؤآخذات: قوله (ص 64): [القول بأن (تثبيت الأرض بالجبال لا ينافي حركتها كالسفينة المثقلة بما يحفظ عليها توازنها مع سيرها في اللُّجَّة)، فيه من التكلُّف البارد ما يأباه الذوق الإسلامي وترفضه البلاغة القرآنية؛ إذ هو دخول في مأزق من التأويل يصرف النص عن المتبادر منه، من غير حاجة تدعو إليه. فهو في الحقيقة تلاعب، لا تأويل يقوم على أساس الصحة.]
ومن أسباب المؤاخذة هنا على كلام الشيخ ما لو تذكَّره المرء من أن غياب الجبال – في أي زمن بما فيه زمننا – سيجعل الأرض تميد. ويجب أن يُجيب أصحاب سكون الأرض عن سبب هذه الإمادة - الحاصلة يقيناً - إذا اختفت/زالت الجبال!! .. وهذا السبب يكافي تماماً مَيَدَان السفينة العظيمة – التي سَخِر الشيخ من التمثيل بها – إذا خلت من الغاطس keel الثقيل ballast كما قال تعالى "وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا". والغاطس في جسم السفينة يشبه الوتد الثقيل الممتد في الماء، فلا تترنح السفينة على سطح الماء. وكذلك الأرض – أي اليابسة - لا تترنح بسبب الجبال، وذلك لأن الجبال وجذورها العميقة، مقامها من يابسة الأرض، مقام الغاطس من السفينة.
              
شكل (6): المماثلة بين الجبل والسفينة، من حيث الطفو على سطح مائع، وقانون الاتزان، والقابلية للميدان، ولزوم وجود العارض السفلي keel+Ballast الباعث على الاستقرار والثبات
وإذا جرت السفينة على سطح الماء بلا غاطس فَقَدَت توازنها لحدٍّ كبير، ومادت مع أي حركة المياه من تحتها، وكذلك اليابسة تميد إلا بتثبيت الجبال لها، ولهذا قال سبحانه: "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا"(النبأ:7). وهذا لا يكون له معنى إلا إذا كان هناك حركة مائعة تعمل كسبب وراء الإمادة الضرورية التي تقينا منها الجبال. وليس أمامنا من فهم لهذه الحركة إلا بما نتعرف عليه في قول الله تعالى "وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ"(الطور:6) على أنه البحر المسجور تحت اليابسة وما يتعرض له من حركة داخلية.  ويمكن تصور الحركة الجامعة لهذا البحر المائد كما يتحرك سائل في زجاجة مغلقة نتيجة حركة الزجاجة في يد حاملها. وهنا حامل الزجاجة (الأرض) هو فعل التجاذب الذي يربط كرة الأرض بالشمس، كما يرتبط المصباح المتدلي من السقف بحبل. (هذا بالطبع بخلاف غليان وفوران هذا البحر بفعل الحرارة البالغة آلاف الدرجات، بما يجعل من صخور الأرض مائعاً في حالة من الغليان – أنظر مقطع الفيلم التالي)

شكل (7): بركان جزيرة أمبريم Ambrym (على الشرق من أستراليا)، والمشهد على مسافة 30 متر فقط من فوران الصُّهارة
           شكل (8): تاثير الجبال هو إحكام تعشيق اليابسة مع الطبقة المائعة الواقعة أسفل القشرة
ولو سعينا لاستقصاء العلاقة بين السفينة والجبل، لوجدنا أن عناصر التشابه تمتد لأكثر مما ذكرنا، .. فمن المعلوم أن زيادة وزن السفينة يرغمها على الهبوط في الماء أكثر مما لو كانت أخف، والسبب في ذلك هو قانون الطفو. وخلاصته أن السفينة تغطس في الماء بالقدر الذي يكون فيه وزنها مساويا تماماً للماء الذي يملاً المكان الذي شغلته من البحر (يُسمّى "الماء المزاح"). ولنفس السبب يغطس (يهبط) الجبل في البحر المسجور تحته mantle إذا زاد وزنه (جرماً وارتفاعاً) حتى يتكافأ وزن الجبل مع المائع المزاح. ومن تبعات ذلك أيضاً أن الجبل إذا تعرض لعوامل التعريه، وتقلص وزنه، فإنه يعود إلى الطفو، ويرتفع عما كان عليه. وتُسمَّى هذه الظاهرة التي تعمل على اتزان اليابسة بقدر وزن المادة فيها في البحر المائع تحتها Isostasy.
وهذا السلوك الأخير يؤكد أن للجبل غاطس عارض يعمل كجذر غائرة في البحر المائع تحته، حتى أن هذه الجذور سميت أيضاً عوارض keels مثلها مثل عوارض السفن keels التي تعمل على سكون/استقرار السفن على سطح الماء والتي نراها في شكل (6) أعلى.
ولمعرفة الألية التي تتماسك بسببها قشرة الأرض، وتثبت فوق البحر المسجور، فيتحركان معاً دون انزلاق يميد باليابسة مع حركة الأرض، وبمعرفتنا أن اليابسة مُقطعة إلى قطع متجاورة كما قال تعالى "وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ"(الرعد:4) والتي يسميها علماء الجيولوجيا بالصفائح plates، في نظرية الصفائح التكتونية plate techtonics، فيمكننا أن نتذكر ما نفعله نحن لتقوية الصفائح الرقيقة - سواء صُنعت من المعدن أو حتى الورق المقوى – وذلك إذا أردنا تقويتها دون زيادة سمكها. .. فالحاصل أننا نعمل على تضليعها كما بالأشكال (9). 

              
                شكل9: (أ) سطح معدني مُقوّى (مضلع)               (ب) ورق مقوي (مضلع)
ويحدث في قشرة الأرض سلوكٌ شبيه، أي انبعاجات والتواءات، وهي التي نعرفها بإسم الجبال. ويحدث ذلك بأنواع ثلاثة تلتقي جميعاً في الغرض، وهو تقوية وتثبيت وإحكام القشرة الأرضية فلا تميد فوق البحر المسجور. وهذه الأنواع الثلاثة من آليات تكون الجبال هي:
1- الجبال البركانية Volcanic Mountains:
وتقع معظم الجبال البركاينة عند مناطق تصادم صفائح قشرة الأرض، فتنزلق إحدى صفيحتين، تحت الأخرى، فتتجعد وتنسحق crumble وتغطس في البحر المسجور mantle فتعمل قوى التوازن isostasy على دفع صخور نارية  igneous matter  إلى الأعلى، فتدفع بدورها صخور اليابسة إلى الأعلى، فتتكون جبال بركانية في الموقع، شكل (10)

شكل (10): سلسلة جبال بركانية وكيفية نشأتها، ومثال لها (جبل رينير) وهو ليس إلا أحد جبال سلسلة جبال بركانية في غرب القارة الأمريكية (50 ميل شمال شرق مدينة سياتل)
2- الجبال ذات الثنيات أو الطيات Fold Mountains:
وإذا تصادمت صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، ولم تنغرس إحداهما تحت الأخرى، فإن الأضعف منهما أو كلاهما تتثنى وتنبعج وترتفع عن السطح على شكل التواءات بفعل الضغط الشديد. وأشهر الجبال من هذا النوع، بل الأشهر على الإطلاق، سلسلة جبال الهيمالايا، الناتجة عن تصادم الصفيحة الهندية بالآسيوية، شكل (11). والفيلم التالي شكل: (12)، وفيه نمذجة لتكون جبال الهيمالايا والتي استغرقت 70 مليون سنة لتعرض في دقيقتين!
شكل (11): سلسلة جبال الهيمالايا، الناتجة عن تصادم الصفيحة الهندية بالأسيوية، فتتثنى وتتعرض اليابسة عبر ملايين السنين إلى تشكل الجبال الشاهقة، والعميقة في آن واحدة.
شكل (12): نشأة جبال الهيمالايا بتصادم القارة الهندية – يوم كانت جزيرة كبرى- بجنوب آسيا
3- الجبال السُّلّمية Block Mountains.
إذا كان في صخور الأرض مناطق ضعف faults لا تتحمل الضغط الأفقي الشديد، تنشرخ الصخور في هذه المناطق وتنفلت اليابسة، وترتفع بعضها دون بعض، فيتكون منها جبال سُلّميّة جدارية الحواف. شكل (13-أ،ب).

(شكل 13-أ) تنفلت القشرة تحت تأثير الضغط الأفقي ووجود منطقة ضعف أرضي وترتفع أجزاء منها مكونة جبال سُلَّمية

  شكل (13-ب): جبال سُلّميّة (وادي يوسمايت Yosemite Valley بأميركا الشمالية)، ناتجة عن انفلات اليابسة بعضها من بعض نتيجة الضغط الأفقي الشديد، فيرتفع بعضها ويهبط الآخر، وتحتكم اليابسة متينة راسخة ثابتة لا تميد.
وفي كل الأمثلة السابقة لتكون الجبال، نلاحظ أن القشرة الأرضية قد أُحكمَت وتَرسَّخت بفعل التضليع الحاصل فيها، والذي نسميه الجبال. وهو الآلية التي نفعل مثلها إذا أردنا تقوية سطح ما، فتزداد مناعته ضد القوى التي تريد أن تنال منه، أنظر: شكل (9) أعلى.
وتكون النتيجة أن تأخذ اليابسة الشكل الآتي (14)، في جزء منها (أ)، ثم فيها جميعاً (ب). مع ملاحظة أن البروزات السطحية (الجبال) تمتد إلى العمق بعوارض عميقة تتماسك في البحر المسجور، كما تتماسك السفينة الثقيلة وتتأبّى على الميدان بفعل غاطسها الثقيل والعميق، فلا تميد اليابسة بانزلاقها على ذلك المائع بفعل دوران الأرض.
شكل (14): إحكام انغلاق اليابسة القشرة الأرضية على الأرض بفعل تكون الجبال، مع تعشيقها داخل الوشاح المائع الواقع أسفلها كما تتعشق السفن بغاطسها الثقيل والعميق في جوف الماء، فتستقر وتثبت.
والآن: هل لغاطس السفينة من قيمة في تثبيتها عن الميدان إذا لم تكن السفينة تجري؟! .. الإجابة: لا، ليس هناك من فائدة. .. وكذلك إرساء الأرض (القشرة الأرضية) بالجبال ليس له من فائدة إلا إذا كانت اليابسة معرضة دوماً للانزلاق على البحر المسجور تحتها. وفي ثبات الأرض لمن ظن به، ثبات لقشرتها على الوشاح المائع (البحر المسجور)، ومن ثمَّ، سلبٌ لفعل الجبال في تثبيتها. والنتيجة أن الأرض حتماً تجري، وإلا انتفت الحاجة لتثبيت يابستها،. .. أما أن الأرض تجري وتدور، فبجريانها ودورانها هذا يموج ويدور محتواها من الصهارة التي نراها خارجة من البراكين، ولو كانت اليابسة طافية على سطح هذا البحر المسجور دون أوتاد مغمورة فيها لمادت من افتراق سرعة الاستجابة للدوران بين القشرة الصلبة والوشاح المائع. ولو وقفت الأرض عن الحركة والدوران، لما كان هناك من سبب يدفع هذا البحر ليموج وتفترق حركته عن حركة اليابسة، ولما استدعى الأمر أوتاداً تتثبت بها اليابسة كما تتثبت السفينة العظيمة بغاطسها في قلب المياه. أما عن الغليان الناري الذي تكشف عنه البراكين والذي رأيناه في مقطع الفيلم (شكل: 7)، فإنه لا يقوى بمفرده على إمادة اليابسة، فالأرض إذاً تدور بجملتها، وتجري في الفضاء دون سكون مطلق كما يُتوهم بها، ولو لم تحتكم يابستها بقوة شديدة لمادت، وفقط في هذا التصور يكون لجبالها تلك القيمة التي أكدها القرآن مرارا.
6- أما سادس المؤآخذات، فقول الشيخ بن باز  (ص 64): [كما قرر القرآن ثبات الأرض، قرر حركة الشمس وجريانهما حولها (يقصد حول الأرض)] يقول تعالى : " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" والتنوين في كلٍّ تنوين عَوَضْ، أي: كل منهما - الشمس والقمر - ولا ذكر للأرض - وجمع ضميرهما وهما اثنان باعتبار تعددهما بتعدد المطالع وحسن هذا الجمع مراعاة الفواصل في الآيات التي قبلها وبعدها، إذ كلهن منهية بواو ونون.]
ومأخذنا هنا على ذلك يكمن في حصر الشيخ لـ (كلُّ) في الإشارة إلى [كل منهما - الشمس والقمر - ولا ذكر للأرض - وجمع ضميرهما وهما اثنان باعتبار تعددهما بتعدد المطالع] .. وعلة المأخذ هنا قوله:  [جمع ضميرهما وهما اثنان باعتبار تعددهما بتعدد المطالع] وهو ما لا نراه سائغاَ، لأنه يُفضي إلى أن الشمس قد جمعت مرات عديدة بتعدد مطالعها، وكذلك القمر! لأنه يعني أن للشمس في كل مطلع فلك غير الذي لها في مطلع آخر ... وهكذا. ونرى أن المعنى في الجمع يؤول إلى جنس المحذوف بعد (كل)، إذ أن الأصل في (كل) الإضافة، أي القول (كل كوكب، أو كل الكواكب، مثلاً)، فإذا قُطعت عن الإضافة، لحقها التنوين للإشارة إلى الجمع (لكل فرد أو لمجموع الأفراد)، ومن أصوب ما وجدنا في ذلك رأي ابن هشام في أن [الجمع والإفراد (في الفعل اللاحق لـ - كلٌ – وهو هنا يَسْبَحُونَ) يأتي على حسب تقدير المحذوف، فإن كان نكرة وجب الإفراد، كما لو صُرِّح بالمفرد كقوله تعالى "كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ"(البقرة:285) إذ التقدير (كل أحد)، وإن كان المحذوف جمعاً، وجب الجمع كما في قوله تعالى " كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ "(البقرة:116) فإنه بتقدير كلهم– وما نحن بصدده هنا قوله تعالى " كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "-، وإنما الإفراد والجمع لبيان نوع المحذوف.][16]. .. فإن بحثنا عن الجمع هنا، إلى ماذا يؤول؟! .. لم نجد إلا أنه جنس المذكورَين (الشمس والقمر) وكل ما ينتمي إليه. .. وإذا تساءلنا: وما هو الجنس الجامع لهما؟! .. لما وجدنا غير (الجرمية) .. أي أن كل جرم في السماء من (شموس، أي: نجوم، وكواكب وأقمار، بل وكويكبات)، يندرج في جنس المتحدث عنهما (الشمس والقمر). ومن ثم يدخل في عموم (كل). .. وإذا علمنا أن جرم الأرض مشمول أيضاً في هذا الجنس، لما وجدنا مهرب من أن الأرض تَسْبَح أيضاً في فلك، مثلها مثل الشمس والقمر.
7- وعن سابع المؤآخذات، فكان ردّ الشيخ بن باز رحمه الله على الشيخ محمد محمود الصوَّاف[17] - الذي سعى إلى إقناعه بعدم امتناع دوران الأرض علمياً، وأن باب التأويل مفتوح – وعن رد الشيخ بن باز كل من يقول بدوران الأرض (ص 69-70) بأن [دوران الأرض يقتضي تغير الجهات بالنسبة إلى البلدان] وكان يقصد بذلك أنه من لوازم الدوران أن يجعل من جهة الشرق متغيرة على الدوام بالنسبة للبلدان؛ فتطلع الشمس مرة من الشرق، ومرة من الجنوب، ومرة من غيرهما، وهكذا بلا انتظام! .. وهو ما يؤكد عموم الحركة في تصوره بين الحركة المخصصة الجهة، والحركة الميّادة الموّارة التي تتنقل بين الجهات بلا نظام، وأنه يرى أن هاتين الحركتين متلازمان دائماً، مثلما رأى من قبل أن الميد يدخل تحته كل حركة؛ منتظمة أو متغيرة. .. وهذا الظن متوقع من كل من لا يطلع على أدلة علم الميكانيكا، فلا يستطيع التمييز بين الحركة مخصصة الجهة والعشوائية الجهة، أو بين الحركة المنتظمة المقدار والمتغيرة المقدار.
شكل (15): ميل محور دوران الأرض حول نفسها بقدر ثابت على محور دوران الأرض حول الشمس (الظاهر لأهل الأرض على أنه دوران الشمس)
ومأخذنا على ذلك أن مستوى دوران الأرض اليومي حول نفسها، يميل بقدار ثابت على مستوى دوران الشمس الظاهر لأهل الأرض، وعلاقة المستويين ثابتة لا تتأثر بدوران الأرض- أنظر شكل (15) أعلى. ومن ثمَّ سيظل المشرق هو المشرق لكل أهل الأرض لأن اتجاه الدوران يكون دائماً ناحية المشرق. أما إذا اختل مستويا الدوران على نحو عشوائي فعندها يكون الدوران جائز ناحية أي جهة أخرى، وسوف يكون كلام الشيخ صحيحاً فقط في حالة هذه الحركة العشوائية، ولكن الأمر ليس كذلك. فالأرض لا تدور إلاً من المغرب إلى المشرق، ومستوى الدوران مستقر، وهذا هو السبب في الحقيقة الواقعة بأن الشمس تظهر فقط من هذه الجهة التي نسميها المشرق. ولا يعني أن الأرض تدور حول نفسها أن دورانها عشوائياً كما يفضي إليه كلام الشيخ رحمه الله.
8- وعن ثامن المؤآخذا على كلام الشيخ بن باز رحمه الله، فيما يتسع له المقام، قوله[18] أن لبعض الناس في قوله تعالى: ["وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ"(النمل:88)، .. شُبهة زائفة تنادي بجهل قائلها، وقلة بصيرته بكتاب الله، وعلى جهله بالواقع، فإن هذه الآية الكريمة ذكرها الله في سياق الخبر عن يوم القيامة، وذلك يُعلم مما قبلها وهو قوله تعالى "وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ" ثم قال سبحانه "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" يعني بذلك يوم يُنفخ في الصور كما هو واضح من السياق، ..] ثم ينتقل إلى آيات أخرى تتكلم عن الجبال يوم القيامة في سياقات آخرى. وقبل أن نقرن بين ما قاله حتى الآن وما سيقوله عن تلك الآيات سنحلل أولاً قوله أن السياق الحالي هو فقط سياق الأحداث يوم القيامة.
سنحلل المقطع الآتي من آيات سورة النمل (78-93) على نحو يجلِّي السياق:
[إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ... (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .. (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ .. (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ .. إِنْ تُسْمِعُ .. (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ .. (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ .. (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ .. (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ .. (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ .. (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ .. فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا .. (93)]
والآن .. نلاحظ أن الآيات باللون الأسود صريحة في كونها خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية ونهاية المقطع، وأن الآيات باللون الأحمر صريحة عن يوم القيامة أو شيء من علاماتها (الدابة). ونلاحظ أيضاً أن (الآية 86) صريحة عن آيات الدنيا، ... ولنلاحظ أخيراً أن الآية محل الخلاف (الآية 88) إما أنها عن الآخرة (كما قال الشيخ بن باز) أو أنها عن آيات الدنيا. فإن كانت من آيات الدنيا، فلونها بالأزرق كما فعلنا أعلى، وإلا فلونها ينبغي أن يكون بالأحمر.
والسؤال هو: هل من غرابة في تتابع السياق على النحو المبين بالألوان: .. (كلام للنبي ثم الآخرة ثم الدنيا ثم الآخرة ثم الدنيا ثم الآخرة ثم الختام بكلام للنبي)؟!
وإذا كانت آية الجبال من آيات الآخرة، لواجهنا صعوبة في تفهّم وضع (الآية 86) عن الليل والنهار، وانحشارها بين آيات جميعها عن الآخرة! .. ولكان علينا أن نتوقع أن تكون من آيات الآخرة – حسب تحليل الشيخ بن باز – وبقوة أكبر من آية الجبال، لأنها ستكون منفردة عن الدنيا بين آيات سياقها جميعاً عن الآخرة. ... ولكن هذا غير ممكن لأنها تتكلم عن صريح الليل والنهار في الدنيا، وما فيهما من سكون ويقظة مبصرة.
وإجابتنا أن استشهاد الشيخ بن باز (بالآية 87) وأنها كانت تتكلم عن الآخرة، ومن ثم تكون آية الجبال – التي تلتها - تتكلم عن الآخرة أيضاً .. لم يكن استشهاداً موفقاً، وأن السّياق – بعدما بينَّاه أعلى - لا يمنع أن تكون الآية مما يحكي عن آية من آيات الدنيا ..
كان هذا عن تناسب الآيات وتداخل سياقاتها بين الآخرة والدنيا على نحوٍ متناوب. .. أما عن محتوى آية الجبال، فلننظر في معانيها ودلائل هذه المعاني:
يقول تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)". ونسأل: هل لفت الانتباه إلى حكمة صنع الله في شيء بعينه والتذكير بها من سياقات الآخرة أم الدنيا؟! ... الحقيقة أننا لا نشك أن ما جاء على هذا النحو يكون دائماً أبداً من آيات الدنيا، لأن الآخرة ليست مما يمهل الناظر بالاعتبار بشيء أو تذكيره بشيء من حكمة الخلق وبديع الصنعة، سواء كان من الأنبياء أو من غيرهم، إذ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أن الأمر أكبر من ذلك، حتىى أن الناس عراة، ولا يلفت هذا انتباههم من هول أحداث ذلك اليوم، فكيف بهم ينتبهون أو لا ينتبهون إلى حركة الجبال أو سكونها، وأن هذا مما يستوجب التعجب والإقرار لله تعالى بإتقان صنعه سبحانه وحكمته فيها؟!
ثم يأتي الشيخ[19] بن باز بآيات أخرى، صريحة في ذكر أحوال الجبال في الآخرة، ويقارن بينها وبين آية الجبال التي نحن بصددها.
منها قوله تعالى "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا"(الكهف:47)، وقوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا"(طه:105)، وقوله تعالى "يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا، وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا"(النبأ:18-20). ويقول أن غيرها كثير في هذا المعنى .. ونسأل: هل وقوع هذه الأحداث مما يتعارض مع أو يستلزم ألا تكون الجبال في الدنيا لها سير على نحو ما؟! .. لا نرى لذلك أي تعارض.
ثم أن هذه الآيات الصريحات عن الجبال في الآخرة، لا تذكر أي اختلاف في رؤيتها عن واقعها، بمعنى أنه ليس هناك من حسبان يختلف عما هي عليه، بخلاف قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً..)؛ إذ فيها افتراق بين الرؤية الإنسانية لها، وواقعها الذي تحكيه الآية؛ من مرور يشبه مرور السحاب. ... كما وأن الحكاية عن تسيير الجبال يوم القيامة ليس غرضة التذكير بإتقان الصنع، بل غرضه الحكاية عن هول ذلك اليوم من ذهاب الجبال ونسفها، وانهيار بنية الكون، وهذا لا يستقيم مع قول الله تعالى (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).
ثم نقول إن ما تحكيه الآية من حسبان جمود الجبال رغم مرورها الذي يعلمه الله تعالى ويحكيه عنها،  هو بالفعل مما يُتعجَّب منه، خاصة وأننا نرى الجبال شوامخ عاتية في الرسوخ، حتى أن رسوخها قد ضربت به الأمثال، فكيف بها مع ذلك تمر مر السحاب؟!
وهذا يقودنا إلى تعجُّب الشيخ – الذي ألمحت إليه الآية - وقوله[20]:[هذا القول مخالف للواقع المشاهد المحسوس، فالناس يشاهدون الجبال في محلها لم تسير، فهذا جبل النور في مكة في محله، وهذا جبل أبي قبيس في محله، وهذا أحد في المدينة في محله، وهكذا جبال الدنيا كلها في محلها لم تسير، وكل من تصور هذا القول يعلم بطلانه، وفساد قول صاحبه، وأنه بعيد عن استعمال عقله، وفكره قد أعطي القياد لغيره كبهيمة الأنعام، فنعوذ بالله من القول عليه بغير علم، ونعوذ بالله من التقليد الأعمى الذي يُردي من اعتنقه، وينقله من ميزة العقلاء إلى خلق البهيمة العجماء ..]
ونستغرب هنا لأن ما قاله الشيخ [هذا القول مخالف للواقع المشاهد المحسوس، فالناس يشاهدون الجبال في محلها لم تسير] هو معنى ما قالته الآية " تَحْسَبُهَا جَامِدَةً "، وكان هذا أولى بالإقرار أن هذه الحركة (المرور) الذي تكلمت عنه الآيات غير محسوس به لدى الناس، فكيف يُستنكر حركة الجبال التي أكدتها الآية وأكدت معها أنها غير محسوسة عند الإنسان، ثم يستشهد الشيخ بكون عدم الإحساس بها مما ينفي ذات الحركة؟![21]
ثم نعقِّب على استشهاد الشيخ أعلى، برؤية جبال الحجاز التي ذكرها (النور، وأبو قبيس، وأُحد) في محلها، على أنه مما ينفي أن الجبال تتحرك في الدنيا، ... ولكننا نعلم من علم الجيولوجيا أن هذه الجبال جميعاً تتحرك، بل إننا نعلم بالتفصيل كيف تحركت وماهي وجهتها، وكم هي سرعتها، وأنها ما زالت تتحرك، وأن حركتها تتواصل، و و و.. ويمكن مراجعة دراستنا (الكعبة المشرفة، النسبة الذهبية، وعمر البشرية: هل من علاقة؟) في هذا الشأن والتي تَبَيَّن منها أن الجزيرة العربية برُمَّتها تتحرك حركة واحدة جميعاً بسرعة سنوية متوسطها هو 2.6 سم، ولا تقل عن 2.1 سم ولا تزيد عن 3.1 سم، وتتجه إلى الشمال الشرقي بزاوية قدرها 39.44 درجة مع اتجاه الشرق. وأن الجبال التي ذكرها الشيخ جميعاً واليابسة من تحتها والمسجد الحرام والكعبة، كل هذا قد تحرك منذ زمن النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى زمننا هذا بما مقداره 57 متر تقريباً، وأن موضع الكعبة في زمن النبي، إلى موضعها في زمننا هذا، فهو كما بيَّنه آخر شكل في الدراسة المشار إليها.
تفسير جديد لقوله تعالى "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً .. " بحركة الصفائح القاريَّة:
وأخيراً نتمم كلامنها السابق عن تفسير مرور الجبال، في قوله تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً .. "، ونقول: أن الأرجح عندنا في تفسير هذه الآية أن مرور الجبال المصرح به، يُفسَّر بحركة الصفائح القارية على الأرض، والتي يتم تناولها في علم الجيويوجيا الآن، نظرية الانجراف القاري plate tectonics. كما وأن التشبيه الوارد في نص الآية لمرور الجبال بمرور السحاب، إنما هو مرور محلي، لأن السحاب يمر علينا محلياً، لذلك كان أولى بالاعتبار. ومعلوم أن مرور السحاب يخضع لقوى الضغط الجوي ودرجات الحرارة، إضافة إلى دوران الأرض، وبناءاً على التشابه والمماثلة التي صرحت بها الآية، فإننا نوعز حركة الجبال إلى قوى جيولوجية عاملة في وشاح الأرض المائع الذي تطفو اليابسة عليه، وأن هذه القوى ينشأ عنها حركة صفائح القشرة الأرضية بالنسبة لبعضها بعضاً، فتتصادم فتصعد أو تنغمر، وتتفتق فينبثق من جوفها يابسة جديدة، مثلما تتحرك السحب على متن الريح، فتتصادم فتنهمر أو تتفكك فتتشتت، وعلى متن الصفائح القارية ترسو الجبال، وتتصادم فتعلوـ أو تتباعد فتهبط، وتمر الجبال على الناظر/الراصد لها، مروراً يشبه مرور السحاب في السماء بالنسبة إليه. غير أنه لن يراها على هذا النحو إلا لو اطلع عليها آلافاً كثيرة من السنين، أما في حياتنا القصيرة فنحسبها جامدة، وهذا هو الراجح عندنا من قوله تعالى "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ".
وفي إطار هذا المعنى، نمتدح في الشيخ بن باز – رحمه الله – قوله[22]: [إن الله سبحانه لم يقل "وترى الأرض تحسبها جامدة" وإنما قال " وَتَرَى الْجِبَالَ"، فكيف يجوز لمسلم أن يحتج بالآية على غير ما دلت عليه.] وما نمتدحه هنا، قصده أنه حتى ولو كان المقصد من حركة الجبال هو حركتها في الدنيا، فذلك ليس بدليل على دوران الأرض، أي جرم الأرض، وإنما هو دليل على حركة الجبال دون جميع الأرض. ... ونؤيد الشيخ في أن تأييد حركة الأرض جميعاً في دورانها بحركة الجبال يُعد قولاً ضعيفاً، فضلاً عن أن يُستشهد به في مواطن التفسير وما هو أعلى منه من إعجاز. وهذا ما يجعلنا نُرجح أن المعنى الأوْلَى بحركة الجبال هو حركة صفائح القشرة الأرضية بما تحمله من جبال، وأنها تعاني من قوى طبيعية جيولوجية تدفعها إلى الحركة، مثلما يعاني السحاب من قوى الريح التي تحمله فيمر كما نراه.
9- المؤآخذة الأخيرة: تكفير من قال بالثبات المطلق للشمس: تكفيرٌ بلا كافر!
قال الله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"(يس:38)، وقال سبحانه "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:38).
لا يخطئ الناظر في هذه الآيات الكريمات في أن معناها أن الشمس جارية سابحة ضرورة، وأنها لا يمكن أن تسكن سكوناً مطلقاً لا جريان فيه، ولا سباحة معه. .. فإذا جاء علم الفلك الحديث ليقول أن الشمس لا تجري حول الأرض، بل هي كقطب الرحى لها، وأن الأرض هي التي تجري وتدور حولها! .. هنا ينفلق في ذهن السامع لهذا المعنى تضاربٌ بين جريان وسباحة الشمس المقطوع به في القرآن، وبين نفي جريانها حول الأرض، الذي لم يكن يُفهم لها جريان خلافه، وما يتبع هذا الدوران من تعاقب الليل والنهار، والصيف والشتاء. .. وهنا يظهر كلام الفلك الحديث في ذهن السامع – مهما كانت أدلته –  على أنه يضرب بالمعنى المفهوم من الآيات عرض الحائط، خاصة إذا صدر ممن يؤمن بالقرآن، وأنه كتاب الله تعالى الحق، وليس إلا الحق.
هنالك انتفض الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ليعلن هذا التضارب، وأن صدق القرآن يستوجب كَذِب من خالفه فيما جاء به من معاني! وإن كان أصحاب هذه الأقوال المخالفة من أهل الإيمان، فهذا القول منهم كفرٌ صريح بما جاء به القرآن.
وقد مثّلت هذه الأزمة رأس حربة الإشكالات التي أثارتها آراء الشيخ بن باز رحمه الله تعالى، رغم أن المسألة التي تتناولها هذه المؤآخذة مُنْفَضَّة لمن أراد تحقيقها، على نحو ما سنرى! .. والسبب في حِدَّة هذه المسألة هو تناولها للتكفير الصريح – لمن يقول بثبات الشمس - وما يتبعه من ردة[24]. ولم نجد هناك، ممَن عبَّر عن تبعات هذه الفتوى بالتكفير، وفي ذروة هذا الأزمة، أبين تعبير، أكثر ممن عاصرها،. ومن هؤلاء، كان الشيخ محمود الصواف[17] رحمه الله تعالى – كما نقل عنه الشيخ بن باز نفسه في معرض رده عليه. ...
قال الشيخ الصواف[25] يعاتب الشيخ بن باز: [لقد قرأت بإمعان مقالك القيم، (الشمس جارية، والأرض ثابتة) ولمست الضجة الكبرى التي أحدثها في الأوساط العلمية، والمجامع الثقافية، ولقد كان حديث المجالس، وحديث الغادين والرائحين، وكانوا ما بين موافق ومخالف، ولم تكن الغرابة من موضوع المقال، فالخلاف في هذا الأمر قديم وحديث، ولكن الضجة مما جاء في المقال (كانت) من التكفير، والتضليل، والحكم بالردة، حيث قلت - حفظك الله – بعد أن سُقْت بعض الأدلة: (وهكذا علماء الإسلام المعروفون المعتمد عليهم في هذا الباب وغيره، وقد صرحوا بما دل عليه القرآن الكريم من كون الشمس والقمر جاريين في فلكهما، على التنظيم الذي نظمه الله لهما، وأن الأرض قارّة ساكنة، قد أرساها الله بالجبال، وجعلها أوتاداً لها، فمن زعم خلاف ذلك، وقال: إن الشمس ثابتة لا جارية، فقد كذّب الله وكذّب كتابه الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). ثم قلت – حفظك الله – من قال هذا القول فقد قال كفراً وضلالاً، لأنه تكذيب لله، وتكذيب للقرآن، وتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، ... إلخ) من هنا يا أخي، انطلقت الضجة، حتى أحدثت لها عجاجة في الأفق العلمي، ما كان أغنانا عنها، خاصة وقد صدمت الفتوى الملايين من شباب ورجال، يدينون بالإسلام في هذا العصر، والذين أضحوا يعتقدون أن مثل هذه الأمور أصبحت من المسلّمات العلمية، التي لا يجادل فيها اثنان، فكيف تُنفَى نفياً قاطعاً، ويُكفّر من قال بها، ويُحْكم عليه بالردة، ويُستباح دمه وماله؟! – نعم، إن من كذّب الله ورسوله، وكذّب كتابه فهو كافر مرتد ومجرم أثيم كما قلتم في مقالكم، وأنا أقول: وعليه غضب الله ولعتنه إلى يوم الدين، ولكن، هل من قال بحركة الأرض، ودورانها حول الشمس بأمر الله، هل يعتبر هذا مكذّباً لله ورسوله، ومكذّباً لكتاب الله حتى يُحكم عليه بالردة والكفر؟ - إنني هنا أتوقف، ولا أود أن أتعجل بمثل هذا الحكم، في أمور، أقل ما يقال فيها أنها ظنية وليست قطعية الدلالة، والتوقف فيها بأن تفويض الأمر إلى الله العلي القدير أسلم وأحكم، وأراكم قد تعجلتم في أمر كانت لكم فيه أناة، وفي التأويل مندوحة، كما لا يخفى على شريف علمكم، وفضلكم، إنتهى.]
كان هذا إذاً وصفاً لأثر الفتوى، في أوج ظهورها. ولنرجع الآن لنرى مُراد الشيخ بن باز من فتواه، من دوافع ومقاصد.
- حكم الشيخ بن باز على من قال بثبوت الشمس:
قال الشيخ[26] يرحمه الله تعالى: [لما شاع بين الكثير من الكتاب، والمدرسين، والطلاب القول بأن الشمس ثابتة، والأرض دائرة، كتبت في ذلك مقالاً، يتضمن إنكار هذا القول، وبيان شناعته، وذِكْر بعض الأدلة النقلية والحسية على بطلانه، وغلط قائله، وأوضحت فيه أن القول بثبوت الشمس، وعدم جريانها كفرٌ وضلال، ونُشر هذا المقال في الصحف المحلية سنة 1385].
وقال الشيخ[27]: [وأما قول الأخ الصواف: (أما القول بثبوت الشمس وقرارها كما يثبت الجبل في محله، والسهل في مكانه، فلم يقل به أحدٌ فيما نعلم) فجوابه أن يقال: إن عدم العلم بوقوع الشيء لا يدل لعلى عدم وقوعه، وقد بلغنا عن الكثير من مدرسي علوم الفلك إطلاقهم القول بثبوت الشمس، وأنها غير جارية، ولذلك نبَّهنا في المقال – يقصد الذي نشره في الجريدة- على بطلان هذا القول، وأنه كفر، وضلال، وتكذيب للكتاب، والسنةَّ، ليحذره الناس وينتبه له القراء، ويعلموا أن هذا الإطلاق منكر ظاهر، وتكذيب لما دل عليه الكتاب والسنة، من كون الشمس جارية لا ثابتة. ....
وأما قوله: (والذين قالوا بقرارها قالوا هي ثابتة، ومتحركة في آن واحد، ثابتة على محورها الذي أرساه الله، ومتحركة حول هذا المحور؛ أي هي دائرة حول نفسها، ومثلها كمثل المروحة السقفية الكهربائية، فهي ثابتة في السقف، ومتحركة حول نفسها، ... ) والجواب أن يقال: قد سبق من الأدلة النقلية والحسية ما يدل على بطلان هذا القول، وأنه لا يجوز لمسلم أن يقول أن الشمس ثابتة بوجه من الوجوه، لأن ذلك مصادم للآيات القرآنية والسنة النبوية وشواهد العيان، فإن الله سبحانه أخبر في كتابه الكريم في آيات كثيرة أن الشمس جارية، ولم يقل في موضع واحد أنها ثابتة، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنها جارية، ونص الله سبحانه في سورة إبراهيم أنه سخر لعباده الشمس والقمر دائبين، فلا يجوز بعد هذا كله أن يقال إنها ثابتة بوجه من الوجوه.]
وقال[28]: [أما تفسير المستقر المذكور في قوله عز وجل "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"(يس:38) بأنه المحور الذي تدور عليه، فهو تفسير باطل، لما دل عليه حديث أبي ذرّ المتفق على صحته، ومخالف لما قاله علماء التفسير. فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور أن مستقرها هو سجودها تحت العرش، وذكر علماء التفسير في معنى المستقر أقوالاً ليس منها ما ذكره الأخ الصواف، والألوسي ...(يقصد الذي فسروا فيه المستقر بالمحور – ونقله الشيخ الصواف عن الشيخ محمود الألوسي من كتابه:  ما دل عليه القرآن)[29]]
وقال الشيخ[30]: [الذي يقول إن الشمس ثابتة لا جارية، مُكذّب لله تكذيباً صريحاً، ومُعتَرَض عليه، ومُكذّب لما فطر الله عليه العباد، ولما يشاهده الناس بأبصارهم، فقد اجتمع في هذا الأمر العظيم النقل والفطرة وشاهد العيان، فكيف لا يكون مثل هذا كافراً؟!"
أما عن الحركة الرحوية للشمس، قال الشيخ[31]:
[أما القول بأن الشمس تجري حول نفسها وهي ثابتة في محل واحد كالرحاء، والمروحة في السقف، فلم أتعرضه في المقال بالكلية؛ بنفي ولا إثبات، ولم أتعرض لكفر قائله، وإن كنت أعتقد بطلانه وأنه خطأ ظاهر، لكونه مخالفاً لظاهر الكتاب العزيز، ولظاهر السنة الصحيحة، ولمشاهد العيان، ولكونه تقييداً لما أطلقه الله تعالى، فالله سبحانه يقول (تجري)، وهو يقول: ثابتة، إنما تجري حول نفسها، وتذهب إلى المغرب على وجوه شتى بحسب اختلاف منازلها في الفصول الأربعة، والجري المطلق في لغة العرب هو السير، والانتقال من مكان إلى مكان، كما قال تعالى "وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا.."(هود: 41)، فجعل سبحانه الجري في مقابل الإرساء، فالإرساء هو الثبوت والاستقرار، والجري السير والتنقل، فالأرض مرساة ثابتة، والشمس جارية سائرة وتنقلة من منزلة إلى منزلة، ومن برج إلى برج....
... أما جريان المروحة والرحاء، فهو، وأشباههما فهو دوران خاص، لا جري مطلق، فيجب التنبه للفرق بين الأمرين. فالمروحة ثابتة في مكانها في الحقيقة، والمشاهدة لا تزول عنها، وهكذا الرحاء. ولو كانت الشمس كالمروحة، والرحاء، في سيرهما، لما اختلف الليل والنهار على الأقاليم والبلدان، ولصار الليل والنهار على طريقة واحدة لا تختلف... (و) لما كانت هناك فصول أربعة، ولكان الزمان في كل بلد واحداً لا يختلف، والواقع بخلاف ذلك، ولو كانت الشمس ثابتة أيضاً لما أخبر أن لها مشارق ومغارب، بل كان مشرقها واحداً، ومغربها واحداً ..
فتأمل أيها القارئ: هل يلتئم هذا المعنى مع القول بأن الشمس ثابتة كالرحاء، والمروحة، ومن هنا يتضح لطلاب العلم أن الشمس جارية سائرة متنقلة في منازلها، ومشارقها، ومغاربها. وهذا هو الجريان المطلق الذي وصفها الله به في محكم كتابه. ..وعلى لسان رسوله ... (حديث سجود الشمس)]
وقال الشيخ[32]: [.. والواقع المشاهد من أن الشمس جارية في فلكها].
وقد يقول قائل إن الشيخ بن باز لم يكن يعلم أن الشمس تجري في الفضاء باستقلال عن الكواكب، ولكننا نجده ينقل ما يفيد جريان الشمس في الفضاء الكوني، وتقديرات لسرعة هذا الجريان، ذلك عن سيد قطب في تفسيره، حين قال[33]: [قال السيد قطب – رحمه الله – في تفسيره عند قوله تعالى { والشمس تجري لمستقر لها } ما نصّه: (والشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها . ولكن عُرف أخيراً أنها ليست مستقرة في مكانها. إنما هي تجري. تجري فعلاً . تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلاً في الثانية! والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها يقول : إنها "تجري لمستقر لها" . هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه. ولا يعلم موعده سواه . وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه. وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شيء، ندرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم) ... وفي كلام السيد قطب ما يُنبه القراء على أن ما يقوله بعض علماء الفلك عن ثبوت الشمس، وجريانها حول نفسها، إنما هو شيء مظنون لا معلوم، ولهذا ظهر لبعضهم أخيراً أنها جارية لا مستقرة، وأنها تجري فعلاً في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل، وقوله في اتجاه واحد يعني بذلك منازلها، ومداراتها التي نظمها الله، .... ولذا قال السيد قطب بعد ذلك ما نصّه: (والله ربها الخبير بها وبجريانها ومصيرها) ]
نقول:
1- تدلنا هذه الأقوال جميعاً على أن الشيخ رحمه الله تعالى لا يرى للشمس من جريان وسباحة إلا ما يراه الناظر لها على الأرض من شروق وتنقل في كبد السماء يعقبه غروب. وأن القول بدوران الأرض حول الشمس، ووقوع الشمس منها موقع قطب الرحي من الرحى، ينفي هذه الحركة! .. ومن ثم ينفي أصل معنى الجريان والسباحة اللذان جاءا في آيات القرآن عنها. ... ولكن الأمر ليس كذلك.
فالحاصل أن الشمس تجري بالفعل، ولكنها لا تجري حول الأرض، بل تجري حول مركز المجرة التي تنتمي إليها، وهي مجرة درب التبانة The Milky Way، مثلما أن الأرض تجري حول الشمس. فجريان الشمس لا علاقة له بالأرض. ولو أن أرضنا لم يكن لها وجود، بل والكواكب السيارة جميعاً، لما أثّر ذلك على الشمس في شيء من جريانها حول مركز المجرة.
وفي دراسة سابقة (مستقر الشمس وسجودها: رجحان التفسير، والرد على المنكرين) فصّلنا حركة الشمس حول المجرة، وكان مما جاء فيها أن الشمس لها مسار يمكن تصوره كما بالشكل الآتي: (شكل 16).

(شكل 16): جريان الشمس حول المجرة، حيث يكون مسار الشمس الأبيض أعلى من مستوى المجرة، والأسود أسفلها
2- أن الشيخ بن باز قد اطلع بالفعل على ما جاء به سيد قطب من خبر عن جريان حقيقي للشمس بسرعة 12 ميل في الثانية، في الفضاء الكوني، ولكنه وقع في منزلقين خطيرين في تناول المعنى. الأول أنه حسب أن هذا الجريان هو جريان الشمس في منازلها التي نعلمها لها من الأرض، أي أنه قرن هذا الجريان بالظاهر من وقوع الشمس في أبراج السماء المختلفة على مدار السنة الشمسية، أي: في دورانها الظاهر حول الأرض على مدار العام، وهذا خطأ. فالجريان الذي يقصده سيد قطب هو جريان الشمس حول المجرة، إلا أنه لم يأتِ به صريحاً في هذه الفقرة المقتبسة من كلامه، غير أنه أتى به في موضع آخر وقال: (يقول القرآن الكريم : { والشمس تجري لمستقر لها } فيثبت حقيقة نهائية عن الشمس وهي أنها تجري . . ويقول العلم : إن الشمس تجري بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدرت بنحو 12 ميلاً في الثانية . ولكنها في دورانها مع المجرة التي هي واحدة من نجومها تجري جميعاً بسرعة 170 ميلاً في الثانية)، وكان من الضروري الوقوف على معنى كلام سيد قطب بالاستقصاء عن مراده منه. وربما كان من الأولى الاستقصاء عن المصدر الذي استقى منه كلامه، لأن وفرة هذه المعلومات من مصادرها الأولى ليست بعيدة عن الساعي إليها في سبعينات القرن الميلادي العشرين، وقد أصبحت الجامعات زاخرة بالعلماء المتخصصين في هذه المسائل.
أما المنزلق الثاني، فهو أن الشيخ بن باز ظن أن جريان الشمس المشار إليه قد نفى ثباتها الأول. وأنه من ثم كان ثباتاً مظنوناً! وأنه قد انتفى بالعلم بجريانها !!! .. والأمر ليس كذلك. فالثبات الأول هو هو، وهو ثبات نسبي في قلب المجموعة الشمسية، وأنها بثباتها هذا تقع في قلب الكواكب السيارة الدوارة حولها والتي منها الأرض. أما جريانها، فهو مضاف إلى هذا الثبات، بمعنى أنها تجري وتحمل هذه الكواكب السياة حولها وهي تجري، فيدورون حولها رغم أنها تجري، مثلما يتحلق صغار الدجاج حول أمهم، وهي تجري في وجهةٍ ما. فلا يمنع وقوعها وسط صغارها كونها تجري، ولا يمنع جريانها كونها واقعة بينهم، وهم الذين يدورون حولها.
3- أما عن الحركة الرحوية للشمس، التي رشحها الشيخ الصواف لمعنى الجريان، والتي نفى الشيخ بن باز صلاحيتها لتفسير الجريان، فالحق يقال أنها لو كانت رحوية خالصة، كما دل عليه الكلام، مثل مروحة السقف، لكان اعتراض الشيخ بن باز في محله، ولما كان هذا مما يمكن أن يُسمّى جريانا. غير أن هذه الحركة ليست رحوية خالصة، بل هي جريان محلي كالكرة الساعية للسقوط في حفرة منزلقة، فتدور حولها اقتراباً وابتعاداً دون السقوط فيها، كما يتضح من الشكل الآتي (17). وإذا كانت هذه هي الحركة الرحوية لما كان ممتنعاً أن تسمى جريانا لمستقر، وأن هذه الحفرة هي مستقر الجريان، أي ما يسعى الجاري إليه ليستقر فيه. غير أنه ربما لا يفي تماماً بمعنى قول الله تعالى "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33). .. أما الأنسب في معنى "الفلك"، فهو نطاق الدوران الكامل الذي تجري فيه الشمس حول المجرة، .. وقد درسنا في المقالة المشار إليها هذه الحركة بدرجة من التفصيل، تبين منه أن مستقر الشمس على نوعين، القريب منها هو ما أشرنا إليه أعلى، والذي يحدث على فترات زمنية سريعة شهور أو سنوات، والبعيد والأرجح ويحدث على فترات متباعدة تقدر بمئات السنين، ويكون وطأته على الشمس أشد وأرجح في معنى الاستقرار. (راجع دراسة: مستقر الشمس وسجودها: رجحان التفسير)

شكل (17) الحركة الرحوية للشمس في قلب المجموعة الشمسية في الفترة (1990م-2012م)[34]



شكل (18) حركة رحوية لمجموعة من الكرات المعدنية تسعى للسقوط في وهدة تثاقلية (منحدر جذبي)
وتشبه حركتها حركة الشمس حول مركز ثقل المجموعة الشمسية
ونخلص من هذه المؤآخذة إلى النتائج الأتية:
1- أن الشمس تجري بالفعل، وأن جريانها يجمع بين الحركة الرحوية على تأرجح من قطب الرحى، وفلكياً حول مركز مجرة التبانة. ومن ثم، فليس هناك من كفر بجريان الشمس، كما ظن الشيخ بن باز. ففتواه صحيحة لمن قصد ما فهمه هو، ولكن لم يقصده أحد من علماء الفلك سواء قديماً أو حديثاً ما فهمه الشيخ. إنما كان الثبات المقصود من كلامهم هو الثبات النسبي، كثبات قنديل الضوء في سقف عربة قطار، مع دوران الحشرات حوله. فالنافي لدوران القنديل حول الحشرات ليس بنافي جريان القنديل مع القطار. وهكذا الشمس. تجري، وتحمل حولها الكواكب، وهم الذين يدورون وليست هي.
2- أن مدرسي العلوم والفلك الذين اشتكى الشيخ بن باز من قولهم بثبات الشمس، فهم مخطئون في فهمهم - بحسب ما نقل عنهم - وما يُعلمونه للطلاب، إلا إذا كان كلامهم قد أخذ بلا قيوده، الذي هو ثبات الشمس على نحوٍ نسبي، وهنا يجب تفصيل ذلك في المدارس، لعدم حمل الكلام على غير محمله.

3- أن الدرسات الشرعية – وخاصة تفسير القرآن والحديث النبوي - لا تستغني عن العلم بالفلك وسننه وأدلته. وأن الإحاطة بذلك في المسائل المشتبكة مع معاني الآيات ضرورة لمن يتصدر لتفسيرها، وإلاّ حمل كلام أهل الفلك على غير محمله، وأصدر من الفتاوى ما لا موجب له.


الخلاصة:
حلَّلنا مقاطع من كلام الشيخ بن باز رحمه الله، وأيدنا من كلامه ما ترجَّح عندنا بأدلته، وأخذنا عليه بعض الآراء، وتوقفنا بما رجح عندنا أيضاً من أدلة. وخلصنا إلى أن الراجح في دوران الأرض أنها مؤيدة بأدلة يصعب دحضها، وأن معارضة ذلك – على النحو الذي جاء به الشيخ – لم يكن من لوزم لغوية، وإنما كان من رواسب ثقافية، ارتبطت بالمناخ الثقافي الذي ساد في عصور المفسرين. ولهذا كان الشيخ بن باز يمارس التفسير العلمي في إطار تلك الثقافة القديمة. .. كما أننا رجَّحنا أن تفسير حركة الجبال في قوله تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً.. " إنما هو في حركة صفائح القشرة الأرضية وليست دوران الأرض، وبما ينشأ عنه من حركة تلك الجبال، على نحو يشبه مرور السحاب.
وأخيراً درسنا فتوى الشيخ بن باز في تكفير القائلين بالثبات المطلق للشمس، وتبين أن مصدر هذا القول ليس علماء الفلك، ولا من نقلوا عنهم من العلماء والمفسرين، أمثال الشيخ محمود الألوسي، أو سيد قطب، وإنما هو ترديد غير محيط من مدرسي المدارس، كان ينبغي توعيتهم بالضبط في النقل، والحِرفية في الفهم، والصدق في التبليغ. وأن هذه الفتوى مُنفضة لعدم انطباقها على قائل يقول بها، وأنه لا خلاف بين العلم الفلكي في هذه المسألة وجريان الشمس المنصوص عليه في آيات القرآن.

هذا والله تعالى أعلم.
المؤلف 



[1] الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز (1330هـ-1420هـ)، المفتي السابق للمملكة العربية السعودية،
[2] كتاب " الادلة النقلية و الحسية على جريان الشمس و القمر و سكون الأرض"، عبد العزيز بن باز، مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الثانية، 1982، ص 25.
متاح على هذا الرابط
[3] أنظر:
(الفصل: أ23)، أبو عبدالمعز.
[4] " الادلة النقلية و الحسية على جريان الشمس و القمر و سكون الأرض"، عبد العزيز بن باز، ص 24.
[5] السابق ص 25.
[6] السابق، ص 26.
[7] السابق، ص 26-27.
[8] السابق، ص 27-28.
[9] السابق: ص27-28.
[10] السابق، ص 52-54.
[11] السابق، ص 56-57.
[12] السابق، ص 52-54.
[13] كهذا الشاب الذي قام بإجراء التجربة داخل منزله، ومنها قام بحساب خط العرض الذي يقع عليه منزله، بحسبة بسيطة يعلمها كل الفيزيائيين، ومن ثم حسب كم يبعد المنزل عن القطب الشمالي، وذلك دون أن يطل حتى من نافذة بيته!
[14] رددنا بالتفصيل على محمد فريد وجدي بـ (الفصل أ22)
[15] المنقذ من الضلال، ص2. نسخة إلكترونية.
[16] مغني اللبيب، (1/ 200)، نقلاً بتصرف عن: (الحمل على المعنى في العربية، د. علي العنبكي، بغداد، 2012، ص 161.)
[17] الشيخ محمد محمود الصوَّاف: أحد علماء العراق المجاهدين المشهورين، ولد في الموصل (1334هـ-1915م)، وتوفي في تركبا (1413هـ-1992م). وقد حصل الشيخ الصواف على الشهادة العالمية من الأزهر، فضلاً عن النشاط الجهادي في الدفاع عن فلسطين، والاحتلال. وقد ترك الشيخ العديد من المؤلفات.
[18] الشيخ بن باز، ص 24.
[19] السابق، ص: 24. وأيضاً: (ص:63-64), وص: 68، 
[20] السابق، ص 24-25.
[21] قال مصطفى محمود في آية الجبال "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً.." كلاماً هاماً للغاية، قال: [ يوم القيامة هو يوم اليقين و العيان القاطع و لا يقال في مثل هذا اليوم (و ترى الجبال تحسبها).. فلا موجب لشك في ذلك اليوم ](القرآن- محاولة لفهم عصري، ص50)
[22] الادلة النقلية و الحسية على جريان الشمس و القمر و سكون الأرض"، عبد العزيز بن باز، ص 25.
[23] مثال لذلك: مقال بعنوان "جريان الشمس وسكون الأرض"، خالد بن صالح الغيص.


[24] أشاع عدد غير قليل من الكتَّاب أن الشيخ بن باز يُكفِّر من قال بحركة الأرض، وهذا باطل على نحو ما سنراه من نفي قاطع من الشيخ بن باز لهذا الافتراء. أما الأبشع من ذلك، فهم أولئك الكتاب الذين افتروا أكثر من ذلك، وقالوا بأن الشيخ بن باز يُكفِّر من قال بكروية الأرض! [قال طارق حجي: (منذ سنوات غير بعيدة أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز بكفر من يقول أن الأرض كرويةhttp://www.tarek-heggy.com/books/Arabic/ch_60.htm].. ولو أنهم تحروا الأمر بشيء من البحث لعلموا أن هذا عبث إخباري، ولَكَان هذا أحصن لمصداقيتهم، من أن يمسها السوء بإشاعة أخبار كاذبة! وكان أولى بهم الانتباه إلى أن القول بكروية الأرض كان شائعاً منذ زمن يسبق زمن ابن تيمية بقرون، وقد ذكر ابن تيمية ذلك وأفاض في مسائل تتعلق بكروية الأرض في فتاويه، ثم أنهم يعلمون أن الشيخ بن باز من أتباع ابن تيمية وأنصاره (يقول طارق حجي: (الفرع الحنبلي الذي بدأ بأحمد بن حنبل ومر بإبن تيميه وبإبن قيم الجوزية ووصل إلى محمد بن عبد الوهاب في نجدٍ منذ قرنين ونصف من الزمان)، الرابط السابق) ، فكيف يقول ابن ياز – الذي هو على مدرسة محمد ابن عبد الوهاب - ما يخالف قول ابن تيمية في مسألة أظهر من أن يختلف معه فيها؟! .. إلا إذا كانوا لا يعلمون فتاوى ابن تيمية المتعلقة بكروية الأرض، فيكونون بذلك يتكلمون فيما لا يعلمون، ولا يعنيهم إلا تلقي الأخبار الكاذبة بالألسنة.

[25]  قال الشيخ بن باز: [ فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة الدعوة في أعدادها الصادرة في 10/2، و 17/2، و 24/2 – 1386، من الخطاب الموجه إلىّ من فضيلة الأخ الشيخ محمود الصواف المتضمن التعليق على مقالي المنشور في الصحف المحلية في رمضان 1385هـ، فيما يتعلق بجريان الشمس، وثبوت الأرض، وقد أرسل إليّ فضيلته صورة الخطاب المشار إليه قبل نشره في الصحيفة فأجبته عنه جواباً مختصراً، فلما نشره في الصحيفة المذكورة، رأيت أنه لا بد من نشر الجواب وبسطه لإفادة القراء، وإيضاح الأدلة، وكشف الشبهة، والهدف من ذلك أولاً وآخراً، هو بيان الحق بأدلته، وبيان بطلان ما خالفه، آداءاً لواجب النصح والتبليغ، حسب ما ظهر لنا من الأدلة النقلية وغيرها، والله ولي التوفيق.](الأدلة النقلية، ص33).

[26]  الأدلة النقلية، ص 17.
[27]  ص 45-46.
[28]  السابقن ص 46.
[29]  السابقن ص 45.
[30]  السابق، ص 36.
[31]  السابق، ص 36-37.
[32]  ص 21.
[33]  ص 48-52.


 [34] باستخدام برنامج  Solar Orbit Simulator 2.

ويمكن تنزيله من الرابط http://arnholm.org/astro/sun/sc24/sim2/index.html

هناك 22 تعليقًا:

  1. بندول فوكو يدل على حركةٍ "ما" في الكون، كحركة الأجرام - في نظام مركزية الأرض - حول الأرض..
    والدليل أنه مرتبط بالحركات الفلكية لا الأرضية هو أنه يتأثر بالكسوف، فيما يسمى "تأثير ألايس"

    ردحذف
    الردود
    1. تأثير أليس Allais effect ليس إلا تشويش على حركة البندول وسببه كسوف الشمس، أي (اجتماع الشمس والقمر على خط واحد على جانب من الأرض)، ويحدث هذا التأثير فقط خلال زمن الكسوف الذي لا يزيد عن ساعتين إلا قليلا.

      أما دوران بندول فوكو فيحدث في أي وقت من الليل أو النهار، وفي أي موقع على الأرض، ويحدث طبقاً للمعادلة المستنتجة من دوران الأرض، وهي أن دوران البندول يتناسب مع جيب زاوية خط العرض، ومن ثم يدور البندول دورة كاملة عن أي من القطبين (زاوية 90) والسبب هو دوران الأرض تحت البندول. ... وليس هناك أي خلاف بين العلماء على أن دوران بندول فوكو يحدث بسبب دوران الأرض. ولم يشكك أحد في ذلك أبداً ... أللهم إلا عند من لا يؤمن بدوران الأرض، وقصارى جهد هذا المشكك هي قوله أن البندول يدل على حركة ما في الكون!!!!!!!!!!!!!! ... أي أنه ينكر ما دلت عليه فيزياء المسألة فقط لأنه لا يؤمن إلا بنقيضها. والبديل عنده أن هناك سبب لا يعرفه أحد!!!! .. وإذا سُئل عن هذا السبب قال حركة الأجرام !! وإذا سُئل أي أجرام .. قال أنه لا يعرف.. ناهيك عن أنه لن يستطيع استنتاج معادلة الدوران، كما استنتجتها ظاهرة دوران الأرض. (ومن ينتبأ بالمعادلة الواصفة للظاهرة أحق بالتصديق ممن لا يعرف حتى سبب الظاهرة)

      أما الزعم بأن تأثير أليس Allais effect له علاقة بأصل دوران فوكو فكلام لا أصل له، وكل ما يفعله هذا التأثير هو التشويش على أصل حركة البندول، التي لا دخل له في إحداثها من حيث المبدأ . وهذا التأثير يشبه تأثير سيارة مسرعة على الطريق على سيارة أخرى، فلو لم تمر السيارة السريعة بجانب الأبطأ لما كان لمرورها أثر على أصل حركة الأخرى. ... إلا عند من يريد أن يشوش على كامل الموضوع، فيلبس الأمور على القراء!!!

      حذف
    2. بخصوص البندول
      Barbour and Bertotti (Il Nuovo Cimento 32B(1):1-27, 11 March 1977) proved that a hollow sphere (the universe) rotating around a solid sphere inside (the earth) produced exactly the same results of Coriolis forces, dragging of Foucault pendulums etc. that are put forward as "proofs" of heliocentricity

      http://geocen.blogspot.com/2013/07/foucault-pendulum.html
      وسأقرأ الرابط الخاص بمستقر الشمس وأعلق عليه بإذن الله

      حذف
    3. لا بأس أن يدلل Barbour and Bertotti رياضيا على ما شاءوا، إلا أن واقعا عملياً واحداً معارضاً يجعل هذه الاستدلالات في خبر كان .. فالرياضيات المنبتة عن الواقع لا قيمة لها. .. وأقصد بذلك أن دوران الكون حول الأرض في يوم وليلة، مستحيل لسبب يعلمه أي طالب فيزياء جامعي، وهو أن هذا الدوران الموهوم سيضطر كل نجم أن يتحرك عبر فلكه الموهوم حول الأرض - في اتجاه مماسه - بسرعة أضعاف مضاعفة (بمئات ثم آلاف ثم ملايين المرات) من سرعة الضوء وهذا مستحيل للمادة الباريونية والإلكترونية محلياً locally ولم يثبت إلا للنيوترينوهات وبشكل هامشيء فوق سرعة الضوء..

      ومن ثم تكون أي متابعة في هذا الخط إضاعة للوقت، وخاصة تلك التدوينة التي أوردها صاحب البلوج الذي أحلتني إليه وجاءت بعنون COSMOS CAN'T SPIN THAT FAST!
      http://geocen.blogspot.com/2013/10/cosmos-cant-spin-that-fast.html
      لأنني قرأتها ولم أجد لها أي قيمة علمية، ومنهجها منهج الشكاك skeptics. وكل كلام صاحبها لتسويغ سرعات محلية أعلى من سرعة الضوء تسويغات جدلية، ولو أن عنده دليل (بحثي) واحد على إمكانية أن يتحرك جرم نجمي محلياً أسرع من الضوء فليقدمه أو يحيلنا إليه. وأنا على يقين من أنه - هو أو غيره - لن يستطيع ... لأن حدية سرعة الضوء للمادة الباريونية الإللكترونية المحلية مختبرة بشكل جيد.

      حذف
  2. عن الدورة اليومية للشمس:

    قال مسلم: "عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهَا: ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَاكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] "،" (صحيح مسلم) (1/ 138)

    ردحذف
    الردود
    1. هذا الحديث الصحيح (أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ ....) لا علاقة له باليوم الشمسي، ودليلنا على ذلك يجده القارئ في دراستنا التالية - والتي نشرناها قبل عام تقريبا على نفس هذا الموقع:

      عنوان الدراسة: مستقر الشمس وسجودها: رجحان التفسير، والرد على المنكرين
      الرابط: http://kazaaber.blogspot.com/2013/01/blog-post_29.html

      نأمل من المطلع على الدراسة أن يقرأها كاملة بإمعان قبل التعليق .. فالدراسة علمية وتتطلب التركيز والوقت الكافي للإحاطة بها. فالأمر جاد، لأننا نتكلم عن معاني علمها النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي ... ولا يجوز معاملتها إلا بما تليق به من جدية.

      هذا والله تعالى أعلم.

      حذف
  3. السلام عليكم..

    هل الايات ( حركة الارض ) تحتمل التفسيرين من الناحية اللغوية بعيدا عن العلمية ؟؟؟؟؟

    هل كنتم ستقولون بهذا الكلام قبل علمكم بثبات حقيقة دوران الارض بالاعتماد على المعنى اللغوي فقط؟؟

    الايمكن لغويا وبعيدا عن العلم ان نقول ان الاية تحتمل وجهين من التفسير

    بخصوص عبارة (كل) هل يمكن لغويا وبعيدا عن العلم ان نقول ان ما قالة الشيخ لغويا صحيح ام انك اصلا تنفي الصحة اللغوية لم قالة الشيخ ؟


    اليس اجماع العلماء سابقا ومنهم حاليا على نفي دوران الارض ناتج عن الوضوح اللغوي للايات بعيدا عن التفسير العلمي التي تشير حتما الى ثبات الارض؟؟؟


    قرأت ردا لك على احد التعليقات في موضوع اخر حول الدحو لكن اليس المعنى اللغوي مخالف للعلم

    ان "دحا الله الأرض" تعني بسطها (كما هو في المعاجم العربية) أم انها تعني "جعل الأرض على هيئة البيضة؟؟؟ كما يقول بعض رجال الدين كذبا على االلغة

    ردحذف
  4. عليكم السلام ورحمة الله
    حول السؤال: [هل الايات ( حركة الارض ) تحتمل التفسيرين من الناحية اللغوية بعيدا عن العلمية ؟؟؟؟؟]

    أقول: التفسير اللغوي هو مدونة المعاني المفهومة من الألفاظ زمن تدوينها؛ أي المقيدة بثقافة التدوين. ويُعد تجريد التفسير بإلحاقه باللغة وتسميته (التفسير اللغوي) ما يُضفي عليه ثباتاً معنوياً مع ديمومة في الإسقاط، تكافئ الإسقاط الفقهي للمعاني على متعينات المسائل، وعدم تجاوزها إلى ما يماثلها. أي أنه بمثابة المعاني الظاهرة التي تكافئ الفقه الظاهري. وعلى هذا فـ (التفسير اللغوي) - في حرفية معانيه - يجب اعتماده في الآيات المحكمات في القرآن فقط، لأنها لا مساس بها باعتبار أنها آيات العقيدة، وأنه لا جديد من المعلومات يمكن أن يُلحق بها، فيزيدها وضوحا، لأنها لا مصدر لها إلا الوحي، وقد انقطع الوحي.

    أما ما عدا المحكمات من الآيات، فهو كل الآيات التي يمكن أن ينضاف إلى العلم بها بعد انقضاء زمن الوحي، ما يُضيء منها شيئا مما كان مخفيا عنها. وهنا لا يجب أن يكون لتفسيرها اللغوي المدون أي قدسية إلا في معاني الجذور اللغوية للألفاظ، وأساليب الفهم، وعلل التسمية. وهو ما يكافيء في الفقه علل الأحكام. وكما أن الأحكام الفقهية تُنقل/تدور مع عللها، فكذلك الأسماء. ويصبح الحديث مثلاً عن الشمس (والشمس تجري ..) والحديث عن الأرض (والأرض مددناها ... ) .. إلخ، حديث عن كل ما ينطبق عليه علة التسمية التي تجعل من الشمس شمساً، وتجعل من الأرض أرضاً .. وهكذا.

    وتأييدا ً لذلك نستدل بالتحليل اللغوي الذي جاء به أبو حامد الغزالي وقد توصل منه إلى احتمال وجود شموسٍ وأراضٍ غير شمسنا وأرضنا ينطبق عليها كلام الله، وذلك قبل حوالي ألف سنة، أي قبل العلم الحديث بأمد بعيد. قال (في كتاب محك النظر): [الإسم المفرد في لغة العرب إذا أُدخل عليه الألف واللام كان لاستغراق الجنس. وقد يسمى لفظاً عاماَ، ويقال الألف واللام للعموم، فإن قيل كيف يستقيم هذا ومن يقول الإله أو الشمس أو الأرض فقد أدخل الألف واللام، ولا يدل اللفظ إلا على وجود معيّن خاص لا شركة فيه. فاعلم أن هذا الوهم غلط فان امتناع الشركة هاهنا ليس لنفس اللفظ بل الذي وضع اللغة لو جوّز في الآلهة عدداً لكان يرى هذا اللفظ عاما في الالهة، فحيث امتنع الشمول لم يكن لوضع اللفظ بل لاستحالة وجود إلَه ثان، فلم يكن المانع نفس مفهوم اللفظ بل المانع في الشمس أن الشمس في الوجود واحدة. فإن فرضنا عوالم وفي كل واحد شمس وأرض كان قولنا الشمس والأرض شاملاً للكل فتأمل هذا.]

    إذا عُلمت هذه المقدمة، عُلم أن موقفنا من (التفسير اللغوي) في الآيات (المتشابهات) موقف الاستدلال بعلل التسمية، ثم النظر في جواز النقل/الدوران مع هذه العلل.

    وإذا طبقنا هذا المبدأ على الآيات التي تتكلم عن حركةٍ ما تتعلق بالأرض كالمَيَدان وغيرها، سنجد أن التفسير اللغوي لها يصبح (تفسير ثقافي/حضاري)، وأن الوقوف عنده يصبح مثل الوقوف على تحريم ما نصت الآيات والسنة على تحريمه وتحليل ما وراءه (حتى ولو حمل نفس الأثر) باعتباره غير داخل في النص. ويصبح استنكار فهم حركة الأرض فيما زاد عن إدراك المدونون للـ (التفسير اللغوي) استنكار تحريم ما زاد على النص، رغم اتحاده في علة التحريم.

    وللاقترب أكثر من عين السؤال، اقول أن (التفسير اللغوي/الثقافي) لما يتعلق بالأرض (وغيرها من موجودات كونية) ... لم يعرض معاني مستوعِبة، بل عرض وجوها محتملة، أي تحتملها الآيات وتحتمل معها غيرها، .. وهذا يجعله منفتحاً على مزيد العلم بها. ومن ثم فهو غير منغلق على المزيد من المعاني (أي أنه ليس جامعاً)، فضلاً عن أنه غير مانع لإسقاطات المعاني.

    والخلاصة أن المعاني اللغوية لآيات الأرض تحتمل حركتها حتى قبل ظهور المعاني العلمية الحديثة عنها.
    والتحليل اللغوي في ذلك ذو مدى بعيد، منه أن الأرض كانت تميد قبل ظهور الجبال (الحديث)، والميدان هو اضطراب الحركة وليس الحركة، وما فعلته الجبال أنها منعت هذا الاضطراب فقط. أي أنها لم تمنع بالضرورة مبدأ الحركة. وحيث أنه لا اضطراب في الحركة إلا مع وجود حركة، فالحركة - المنتظمة - إذاً كانت محتملة. ومن الأدلة الاحتمالية قوله تعالى (كلٌّ في فلك يسبحون) باعتبار أن (كلٌّ) تشمل كل ما هو من جنسهما (الشمس والقمر) والأرض من جنس القمر.

    هذا والله تعالى أعلم، ...

    يتبع ...،

    ردحذف
    الردود
    1. وحول السؤال: [هل كنتم ستقولون بهذا الكلام قبل علمكم بثبات حقيقة دوران الارض بالاعتماد على المعنى اللغوي فقط؟؟]
      أقول:
      كنت سأقول مثلما قال أبو حامد الغزالي في شأن وجود شموس وأرض، وشمول الآيات للحديث عنها لو أنها أكتشفت فعلا. ... وأن الاكتشاف التعييني لهذه الشموس والأراضي سيبطل الإحتمال الأول المظنون بتفرد الشمس والأرض في العالم، والذي كان محض ظن غير ممتنع بسبب عدم العلم، .. ومع ما طرأ من العلم أصبح هذا الظن الاحتمالي ممتنع.
      وفيما يتعلق بحركة الأرض خصيصاً، كنت سأقول بالاحتمال، أي بعدم الامتناع، وكنت سأرفق الفقرة الأخيرة من الإجابة السابقة، والتي فيها الأدلة الداعمة لهذا الاحتمال، في مسألتي ميدان الأرض، و (كل في فلك يسبحون) .. وغير ذلك من آيات مثل (وترى الجبال تحسبها جامدة) .. إلخ

      حذف
    2. وحول السؤال: [الايمكن لغويا وبعيدا عن العلم ان نقول ان الاية تحتمل وجهين من التفسير ]
      أقول:
      يمكن لغوياً أن تقول أن الآية تحتمل الوجهين من التفسير فقط قبل العلم، ويصبح الحكم معلق كالحكم على ما يُحدثنا به أهل الكتاب.
      أما بعد العلم فلا يمكن أن تقول إلا بما أيده العلم، ويمتنع أن تقول بما ينفيه العلم، ... وإلا لم يكن للعلم فائدة.
      وليس للمرء منا أن يستبعد العلم اختياراً – ويبقي على ما كان احتمالاً قبله، وأصبح ممتنعاً به؛ لأن الاحتمال هنا انتفائي مقرون بنقص العلم، وليس إضافي لا تتنافى أفراده مع ظهور العلم.

      حذف
    3. وحول السؤال: [بخصوص عبارة (كل) هل يمكن لغويا وبعيدا عن العلم ان نقول ان ما قالة الشيخ لغويا صحيح ام انك اصلا تنفي الصحة اللغوية لم قالة الشيخ ؟]
      أقول:
      بالرجوع إلى الموضع في الدراسة أعلى المتعلق بهذا السؤال، نجد أن العلة في تعيين المحذوف بعد (كل) – والتي هي الجنس الجامع للشمس والقمر، والذي هو علة السباحة في الفلك - لم تكن متعينة باللغة وحدها تعيناً تاماً، وهل تندرج الأرض في ذلك الجنس أم لا. وحيث أنها قد تعينت بعد العلم، و ظهر أن الأرض من جنس المتحدث عنه، أصبح رأي الشيخ غير مقبول بعدما ظهر من هذا العلم.
      أي أن الاستناد إلى اللغة وحدها لم يكن كافياً في حسم المسألة، والقول بأحد الوجوه التي يمكن أن تقبلها اللغة قبل الوفاء بالعلم على سبيل الاحتمال غير المقطوع به، أصبح غير مبرر بعد أن قطع العلم برد هذا الوجه.
      أي أن عبارة (كل) لا يمكن أن تُحسم لغوياً فقط بعيداً عن العلم، ومن يفعل ذلك بعد العلم الذي يحسمها، يُرد قوله، لإنه يُنكر ما يجب أن يُعلم بالضرورة بأسباب العلم المتاحة.
      ومن يقل أني غير مقتنع أو غير قادر على اتخاذ أسباب ذلك العلم، فحكمه حكم المقلد في كل علم، ولا يجوز له أن يرتكن إلى ما اشتهر بطلانه بين أهل العلم المحققين فيه، وفقط لأنه في مقدوره.

      حذف
    4. وحول السؤال: [اليس اجماع العلماء سابقا ومنهم حاليا على نفي دوران الارض ناتج عن الوضوح اللغوي للايات بعيدا عن التفسير العلمي التي تشير حتما الى ثبات الارض؟؟؟]
      أقول:
      في هذا السؤال ثلاث مفردات تُعد من المشكلات في موضوع (الآيات الكونية) التي نحن بصددها.
      - الإجماع، والوضوح اللغوي، ثبات الأرض.
      - فالقول بـ (الإجماع) هنا لا يمكن إقراره،
      - والقول بـ (الوضوح اللغوي)، لا يلتقي مع كون المعاني التي قيلت كانت وجوها من المعاني لا هي جامعة، ولا هي مانعة، ولا هي متضايفة بالضرورة.
      - والقول بـ (ثبات الأرض) مشتبه مع السكون وكونها قرارا. إذ أن ليس كل ساكن ثابت. بمعنى أن القول بالسكون لا يقتضي الثبات. لأن المتحرك حركة منتظمة ساكن عن الاضطراب، ولا يشعر راكبوه بحركته، مثل ركاب السفينة على سطح المياه المنبسطة؛ تدفع الرياح الرفيقة شراعها. فسفينتهم ساكنة وليست ثابتة. كما أن القرار لا يعني الثبات عن الحركة، فقعر القارورة قرار لما فيها رغم حملها والانتقال بها، ورحم الأم قرار لجنينها، حتى وإن جرت به مضطربة، وكذلك الأرض جعلها الله تعالى لنا قراراً، وليس في قرارها لنا ثبوتا ضرورياً عن الحركة حتى يُستشهد به أو بسكونها على انتفاء حركتها. بمعنى أن قول العلماء بسكون الأرض كان مقروناً بما يصاحب الحركة المتصورة من اضطراب. فإن انتفى الاضطراب انتفى المعنى الذي يقصدونه، وانتفى الاجماع على نفي الحركة المنتظمة (الساكنة) بالتبعية.

      حذف
    5. حول السؤال: [قرأت ردا لك على احد التعليقات في موضوع اخر حول الدحو لكن اليس المعنى اللغوي مخالف للعلم ان "دحا الله الأرض" تعني بسطها (كما هو في المعاجم العربية) أم انها تعني "جعل الأرض على هيئة البيضة؟؟؟ كما يقول بعض رجال الدين كذبا على االلغة ]
      أقول:
      لو انك اتيت بذلك الرد لكان أفضل، غير أنَّ ما أذكره أني جئت بترجيح معنى (دحى) و(آلية الدحو) في سياق واحد، فلربما ظهر لك وكأنه خلاف ما جاء في المعاجم، ولكنه هو هو لو أمعنت فيه النظر.
      "دحى" معناها بالفعل "بسط" ، ولكن كيف؟! .. هنا التفصيل الذي ربما استغربته أنت وظننت أنه من عندي. ولكني أعرض عليك ما جاء في لسان العرب لترى أنه هو هو.
      قال ابن منظور عن الدحو: [دحا الأرض يدحوها دحوا: بسطها، ....]
      وقال عن آلية الدحو: [عن (ابن الأعرابي): يقال هو يدحو بالحجر بيده أي يرمي به ويدفعه، قال: والداحي الذي يدحو الحجر بيده، ... ودحا المطر الحصى عن وجه الأرض دحوا: نزعه. والمطر الداحي يدحى الحصى عن وجه الأرض. ... وفي حديث أبي رافع: كنت ألاعب الحسن والحسين، رضوان الله عليهما، بـالمداحي؛ (و) هي أحجار أمثال القرصة، كانوا يحفرون حفرة ويدحون فيها بتلك الأحجار، فإن وقع الحجر فيها غلب صاحبها، وإن لم يقع غُلب. والدحو: هو رمي اللاعب بالحجر والجوز وغيره. والمدحاة: خشبة يدحى بها الصبي فتمر على وجه الأرض لا تأتي على شيء إلا اجتحفته. ]

      والآن قارن بين هذه الآلية في الدحو وما جرى التنظير به حول آلية نشأة كوكب الأرض؛ مثله مثل باقي أجرام المجموعة الشمسية، وذلك من حيث أن السديم الدخاني الذي كان كالسحابة المحشوة حجارة وغباراً ودخاناً ظل يدور ويدور، ومع الزمن تراكمت فيه المادة في شكل أجرام لا هيئة لها، .. وبفعل التراكم والتحات (الاجتحاف) انبرت أسطح هذه الأجرام التي أصبحت ما نعرفه بالكواكب والأقمار والكويكبات، حتى صقلت = انبسطت = دُحيت أسطحها. ... وهذه هي الصورة الراجحة للكيفية التي دحى الله تعالى بها (كوكب) الأرض، أي جعل سطحه منبسطا؛ أي ممهداً.

      هل ترى اختلافاً بين هذا الوصف وبين المعجم العربي في معنى دحى وآلية الدحو؟! ... واضح أنه المعنى اللغوي غير مخالف للعلم كما ظننت أنت. بل يوافقه تماماً.

      أما ما قاله الإعجازيون (ولا يقال رجال الدين) في معنى أدحية، فليجيبوا هم عنه، ولا أراهم إلا أنهم قد نقلوا معنىً دارجاً في أحد البلاد عن الأدحية بمعنى البيضة، والذي انحرف عن معناه الأصلي؛ الذي هو الموضع من الأرض الذي يمهده النعام ليضع فيه بيضه؛ وبذلك اقترب الإعجازيون من المعنى دون أن يُصيبوه، فأخطأوا، ولا أقول كذبوا. ولا علاقة لرجال الدين بهذا القول كما ذكرت أنت.

      حذف
  5. لسلام عليكم هل الضمير في ترونها يعود الى عمد او الى سموات في هذة الاية خلق السموات بغير عمد ترونها

    وما دلالة ذلك علميا

    وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان } .

    هل ثم هنا لترتيتب الحوادث ام لترتيب الأخبار ؟
    وما دلالة ذلك علميا ؟

    ماتفسير هذة الاية : أفلا يرون أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافه

    هل تعني ان قطر الارض بين القطبين اقل منة عند خط الاستواء وهل دلاللة الفعلين في الاية تدل على الماضي او الحاضر

    هل تدل هذة الاية على ان الارض متحركة ؟ وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب



    مامعنى بروج ؟ وهل القمر مضىء بذاتة ؟ تَبَارَكَلَّ اذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً)

    ما المقصود بكلمة فيهن (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وهل القمر هو نفسة في الاية الاولى ام قمر اخر ام ان هذة الاية لها دلالة اخرى

    هل الارض خلقت قبل النجوم والشمس كما مذكور في الايات الكريمة ؟؟؟ اوليس العلم يقول ان السماء خلقت قبل الارض؟؟

    أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ /

    الآية واضحة ولا تحتاج لمقال , خلقت الأرض وعليها رواسي أي رواسخ , جبال من فوق الأرض , والسماء كانت مجرد دخان , ثم قضى الله هذه السموات إلى سبع و جعل النجوم في السماء الدنيا
    السؤال
    كيف تخلق الأرض بجبالها قبل الشمس وقبل كل الموجودات الكونية ؟ علما أن العلم الحديث يخبر بأن الأرض خلقت بعد الشمس , والكون كان هرم قبل خلقق الأرض وملىء بالأجرام السماوية والنجوم , بل الكثير منها كان مات قبل خلق الأرض

    ردحذف
    الردود
    1. عليكم السلام ورحمة الله

      1- الضمير في ترونها في قوله تعالى " اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا" يعود – في ترجيحاتي – إلى (عمد)؛ أي أن المعنى الراجح هو: [الله الذي رفع السموات بشيء، وهذا الشيء ليس عمد ترونها.]
      أما السبب العلمي لهذا الترجيح، فهو أن أقوال العلماء كانت تتأرجح بين عودة الضمير إلى السموات أو إلى العمد. وأنه إذا عاد الضمير إلى السموات كان المعنى هو [الله الذي رفع السموات بغير عمد، وها أنتم ترون السماء لا عمد ترفعها.] ... ولكن القائلين بهذا المعنى كانونا يظنون أن ما يرونه من لون أزرق (مضيء بالنهار ومعتم بالليل) هو تلك السماء المرفوعة ... ولكن العلم الحديث بيَّن بأدلة لا سبيل إلى نقضها أن هذا اللون ليس لون سقف سماء مرفوعة، بل إلى انتشار ضوئي متكسر على الغلاف الجوي، وأننا يمكننا تجاوزه، والذهاب خلفه، وتظل السماء مرفوعة، ... والنتيجة اللازمة عن ذلك أننا لا نرى على الحقيقة السماء المرفوعة، وهذا ما ينفي المعنى الثاني بأن (ترونها) تعود إلى السماء، لأننا لا نراها صراحةً، وبناءاً عليه أصبح الاحتمال الوحيد هو أن الضمير يعود إلى العمد، وإثبات الرفع لها بشيء، ولكنه مختلف عن العمد.

      2- في تقديري أن (واو العطف المتعدد) في قوله تعالى " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ" إنما هو لترتيب الأخبار، والسبب أن هذه المعطوفات متداخلات، ولو كان العطف لترتيب الحوادث لاستلزم ذلك عدم تداخلها، ولكانت أطوار متتابعة، ولكننا نعلم أن الجبال تنشأ من تحركال القشرة الصلبة للأرض، فلزم عن ذلك أن تشكل الجبال (رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) لا بد أنيكون قد أتي في مراحل متأخرة من تقدير الأقوات في أرض مصهورة، ولكنه كان أول المذكورات، فدل ذلك على أن الترتيب ليس للحوادث، بل للأخبار.

      3- وحول قول الله تعالى " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا "، أرى أنه لم يتم تفسير هذه الآية بعد، وفيما يخص الفعلين (نأتي) و(ننقص) فهما للاستمرار .. أي في الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا يعني أن الآية تتكلم عن سنة طبيعية ... ولكن ما هي على الحقيقة؟ .. أُرجّح أن معناها لم يظهر بعد، وأن لا بد وأن يظهر في يوم من الأيام، مصداقاً لقول الله تعالى " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ".

      - وحول قول الله تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ "، فقد رأى بعض المفسرين العلميين أنها تدل على حركة الأرض باعتبار أن حركة الجبال التي تثبتها الآية وتمثلها بحركة السحاب تستلزم حركة الأرض من تحت الجبال لأنها أوتاد فيها. ولكني أفسرها بشكل مختلف، وهو أن حركة الجبال هنا هي الحركة التكتونية لصفائح القشرة الأرض، وأن هذه الحركة - بحسب الآية - تماثل أو تشبه حركة السحاب. وليس بمعنى محض الحركة النافية للسكون، بل بمعنى هيئة الحركة الدورانية والدوامية للرياح الحاملة للسحاب. أي أن الآية في تقديري تتكلم عن تفاصيل الحركة الجيوفيزيائية لقشرة الأرض وتقول أنها تشبه تفاصيل حركة السحاب في الغلاف الجوي، وهذه الحركة أشد تعقيداً من الحركة التكتونية المظنونة في علوم الأرض المعاصرة، ويُعد هذا التصور أكثر تأصيلاً لوحدة أو نشأة الحركة بين الغلاف الجوي والغلاف الصخري. .. ومعنى ذلك أن الآية لا يُستدل منها على حركة الأرض بجملتها بالضرورة (ولا تنفيها بالطبع، ويوجد غير هذه الآية ما يُثبت حركة الأرض)، بل تدل الآية على تفاصيل حركة داخليه في الطبقة الصخرية وتمثيلها بالحركة الغازية العلوية. وهذا التوحيد بين الطبقتين يُعد تنظيراً أشد غوراً وعمقاً علمياً مما هو سائد الآن في العلوم المتعلقة بهذه المسائل.

      .... يتبع،،

      حذف
    2. 4- حول قولك: [مامعنى بروج ؟ وهل القمر مضىء بذاتة "تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا"]
      فالبروج هي التشكلات النجمية التي يراها الناظر إليها من الأرض، والتي تُعرف أيضاً بالأبراج: (الأسد .. السرطان ...)، وأما القمر، فكأن السؤال يتضمن أن تأكيد الآية على جعل القمر منيراً يعني أنه مضيء بذاته. ... والإجابة هي أن إثبات الإنارة للقمر لا تستلزم أنه مضيء بذاته، بل إن انعكاس النور على القمر يجعل القمر منيراً لأن درجة انعكاس الإضاءة عليه عالية بسبب رماله عالية الانعكاسية، وهي الصفة التي سماها الفلكيون العرب في القديم بـ (البياض)، ونقلها الأوربيون بحرفيتها وأصبحت تُنطق Albedo)، بمعنى أن القمر غير مضيء بذاته، مثله مثل الكواكب، وأن نوره مثل نور الكواكب انعكاس لضوء يأتي من مصدر خارجه (سراج منير) وهذا السراج هو الشمس بلا منافس في موقعنا من الكون. وأن إنارة القمر والكواكب التي هي انعكاس لنور الشمس تُقاس بهذا المقياس المسمى بالبياض Albedo، والعائد لطبيعة سطح كل منه، ودرجة انعكاسيته للضوء.

      5- المقصود بكلمة فيهن "وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً" هو: (في السموات)، لأن الآية السابقة هي: " أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ..." .. ويصح أن تعم صفة نور القمر فتؤول إلى كل قمر، بحكم الاطراد في صفة طبيعية إن صدقت على القمر المعهود تصدق على كل قمر تتحقق فيه صفاته التي كانت في مجموعها عِلَّة لهذا الحكم.

      6- وحول سؤالك: [هل الارض خلقت قبل النجوم والشمس كما مذكور في الايات الكريمة ؟؟؟ اوليس العلم يقول ان السماء خلقت قبل الارض؟؟] ...... وحول ما يليه من أسئلة حول قول الله تعالى " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ..."
      فتجد إجابة كل ذلك على الرابط الآتي، وما به من روابط:
      http://kazaaber.blogspot.com/2014/01/20.html

      هذا والله تعالى أعلم،،

      حذف
  6. بغير عمد ترونها

    لمذا قال الله تعالى ترونها ؟ لمذا لم يقل بغير عمد فقط ؟

    اليس هذا دلالة على ان الاية تقصد السماء الضاهرة للعيان ؟ وألا لمذا قال الله تعالى ترونها؟؟

    وهذا يعني ان الضمير عائد الى السماء وليس الى عمد

    ويبدو ان العلم يتقاطع مع هذا الفهم

    ردحذف
    الردود
    1. في التعبير (رفع السماء بغير عمد ترونها ) إثبات ونفيان:
      الإثبات: أن السماء مرفوعة بشيء، يقوم مقام ما يعرفه الناس ويرونه من عمد يرفعون به أسقف بيوتهم.
      النفي الأول: أن هذا الشيء ليس من نوع العمد.
      النفي الثاني: أن هذا الشيء غير مرئي.

      فإن قال قائل: أن الآية تحتمل (أن تكون السماء مرفوعة بغير شيئ، وها نحن نراها كذلك)،
      قلنا: هذا غير صحيح، لأنه هذا الذي نراه إما أن يكون اللون الأزرق، أو يكون النجوم والكواكب. واللون الأزرق باطل أن يكون هو السماء المقصودة بالرفع هنا، لأنه قريب للغاية، عشرات الكيلومترات من الغبار الذي ينعكس عليه ضوء الشمس، ولو كانت هي المصودة بالرفع والرؤية، لكانت النجوم وراءها، وهذا غير ممكن، لأن النجوم داخل السماء المقصودة بالرفع وليست وراءها.

      كما أن النجوم والكواكب ليس إلا أجرام تجري في أفلاك في جوف السماء. أما السماء المرفوعة، فقد قال الله تعالى عنها في آية أخرى " رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا". وما كان له سَمْكْ، فلا بد وأن يكون له سقف لهذا السَّمْكْ. وهذا السقف هو المقصود بالرفع مع السَّمْك. أي أن السماء المرفوعة فوق رؤوسنا تشبه البحر المرفوع فوق رؤوس مخلوقات البحر. ومثلما أن البحر مرفوع بغير عمد فكذلك السماء مرفوعة بغير عمد، غير أن البحر مرفوع بما هو مرئي، أي: عين مائه الذي يملؤه بسبب حالته السائلة، فيرتفع بعضه فوق بعض، وحتى يكون منه ما هو أعلى من غيره ولا يرفع شيء منه فوقه، وهذا هو سقف البحر، أي سطحه المرئي مثلما كان جوفه المادي مرئياً ، أما السماء فلا نرى مادتها ناهيك عن سقفها.

      والخلاصة أن الضمير في ترونها لا يمكن أن ينطبق على السماء. .. ولا يبقى أمامنا إلا أنه ينطبق على ذلك الشيء الذي يقوم مقام العمد الذي نفته الآية، وأن الآية تثبت لهذا الشيء وجوداً، وأن هذا الشيء غير مرئي لأبصارنا.
      -----
      وربما يقول قائل أن الآية تحتمل نفي العمد كناية عن عظيم القدرة التي تخلق سقفاً لا يتطلب عمداً ترفعه، وهو فعل أعلى مقاماً من خلق سماء تتطلب عمد ترفعها، ... قلنا أننا نؤمن بعظيم القدرة، إلا أن هذا التصور غير صحيح، لوجود كلمة ترونها (والتي أثبتنا أعلى أنها لا تؤول إلى السماء)، لأن نفي الرؤية عن شيء تتطلب وجوده، إذ المعدوم لا يستدعي نفي الرؤية عنه.
      ------
      والخلاصة هي أن الآية تؤكد أن السماء (سَمْكَاً وسقْفَاً) مرفوعة بشيء، وأن هذا الشئ لا هو عمد، ولا هو مرئي لأبصارنا. وأقرب تصور لهذا الشيء، هو أن مقامه من مقام السماء كمقام ما يرفع سَمْكْ البحر من البحر، وبما يجعل له سطحا مرفوعا فوق كل ما تحته.

      هذا والله تعالى أعلم.

      حذف
  7. اية مرورو الجبال في يوم القيامة وليس الان انضر الى الاية السابقة هذة احداث يوم القيامة

    ردحذف
    الردود
    1. تناوبت الآيات في سورة النمل بين الآخرة والدنيا على النحو التالي:
      الآيات (83-84-85) ... الآخرة
      الآية (86) ...........الدنيا
      الآية (87) ...........الآخرة
      الآية (88) ...........الدنيا
      الآيات (89-90) .......الآخرة

      آمل أن تراجع التحليل أعلاه والذي ابتدأته بالعبارة (سنحلل المقطع الآتي من آيات سورة النمل (78-93) على نحو يجلِّي السياق:)
      وبعد قراءة هذا التحليل قراءة مجردة وواعية وحضور ذهن (وكامل الدراسة لو أمكنك ذلك) ستتخلى عن رأيك الذي ذكرته في تعليقك السابق.

      وفقني الله وإياك

      حذف
  8. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف