الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

الفصل (ن1) – كارين أرمسترونج - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (ن1) كارين أرمسترونج Karen Armstrong

بقلم: عزالدين كزابر
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس من الغريب أن يتفوه الملحد بإلحاده، ولا المفتري بافترائه، وإلا ما كان ملحداً أو مفترياً، ولكن أن ينسب إلحاده أو افترائه إلى المؤمنين، ويضعه على ألسنتهم، فهذا إلحاد مُركّب، وافتراء غير مهذب. وإذا زاد على ذلك ونسبه إلى أئمة المسلمين، ومنارات الهدى، وحجج الإيمان، فهذا إفك مبين. أما إذا خال هذا الإفك على مثقفي المسلمين وعلمائهم، فكان منهم انجرافاً مع الباطل، بدلاً من أن يكون انتصاراً للحق، فهذا ما تأسف عليه النفس وينفطر له القلب.
هذا وقد قرأنا للأستاذ الدكتور (نِضال قَسُّوم) – في تحقيقنا كتابه الذي يحمل عنوان: "السؤال الكمومي في الإسلام: المصالحة بين الإسلام التراثي والعلم الحديث"[1]- كلاماً ينسبه إلى أبي حامد الغزالي، فتعجبنا منه أشد العجب، لأنه كلامٌ يخدش كتاب الله تعالى في عقلانية الإيمان به، وفي علمية وعقلانية الاستدلال على وجود الله العزيز الجليل، الذي أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم! .. وكان نضال قسوم ينسب كلامه المستغرب هذا إلى أبي حامد الغزالي، مادحاً فيه – على ما يبدو - الموضوعية والحيادية! - وبالتحقيق في كلامه، ودون عناء، تبين أنه ليس إلا ناقلاً ومُصدّقاً هذا الإفك الصريح عن إحدى الكاتبات الانجليزيات وتُدعى (كارين أرمسترونج)، من كتاب لها مشهور، وقد حقق أعلى إيرادات المبيعات[2]، وعنوان الكتاب الحرفي هو "تاريخ الله: 4000 سنة من البحث في اليهودية والمسيحية والإسلام"[3].
فأما (نضال قسوم) فرددنا على كلامه بما هو أهله، ضمن فصلٍ طويل خصّصناه له في كتاب (براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه)، وأما (كارين أرمسترونج) فرأينا أن نخُصّص لها أيضاً فصلاً؛ نفتتح به بابا في نفس الكتاب، يحقق في "افتراءات الغربيين" على علمية القرآن وعقلانية الإسلام – من علميين وعلمانيين وملحدين- ورد إفكهم على أنفسهم، وإثبات لا عقلانيتهم، ولا علميتهم، ولا عدلهم، ولا ما يتوهمونه – هم ومن يدندن من ورائهم – من أنهم قد بلغوا الشأو الأعلى في النظر العلمي.
والقارئ لكلام كارين أرمسترونج عن أبي حامد الغزالي – إن صدق كلامها - يقطع بأنه كان من العقلانين الشُكَّاك بعقيدته التي نشأ عليها، في الله سبحانه؛ تعالى الله عن ذلك، وتقدست أسماؤه، وبَرِئ أبي حامد من هذا التشكيك. وسعت هذه الكاتبة لأن تقول – بلا مواربة وفي غير مناسبة- أن أبا حامد كلما سعى إلى محاولة تَعَقُّل وجود الله ومصداقية الوحي وعقائد الإسلام، لم يجد عقله إلى ذلك سبيلا، وأنه قد تأدّى به الأمر إلى محنة عقلية تطورت إلى أزمة نفسيه مرضية حادة، وأنه لجأ مضطراً إلى التصوف خشية من أن يكون مصيره الهلاك في الآخرة. فنحَّى عقله جانباً واعتزل التدريس ورحل عن بغداد وعاش على مدار عشر سنين، تجربة روحانية صوفية. وحتى بعد هذه التجربة لم يسلم من الشك، غير أنه عاد للتدريس في بغداد، وقد تغيرت منهجيته إلى التصوف، حيث لم يجد للعقل والتعقل مكاناً في العقيدة في الله تعالى، ولا بين العقائد!
نقول: هذه القصة مُفتراة، ولا نقول أُسيء فهمها. رغم أن مصدرها الرئيسي – أي كتاب "المنقذ من الضلال" - مُتاح ووافي المعاني الصحيحة والصريحة، سواء في أصل الكتاب العربي، أو في ترجمة جيدة قام بها (وليام مونتجومري وات W. Montgomery Watt)[4] سنة 1953، وقد لجأت إليها الكاتبة، وأشارت إلى ذلك. هذا وقد قمنا بقراءة الترجمة كاملة، ظناً منا أن تكون غير صحيحة في بعضٍ منها، أو أن فيها، ربما، ما أوحي إلى الكاتبة كارين أرمسترونج بهذا الإفك الذي فبركته، فوجدنا أن الترجمة تخلو من ذلك، بل كانت أكثر من جيدة.
وسنستعرض الآن مقولات هذه الكاتبة، ونُقارنها لاحقاً بأصل القصة لنضع أيدينا على مواطن الانحراف والتدليس، والتلفيق:
قالت (كارين أرمسترونج)[5] – وهو ما نقله عنها نضال قسوم[6] ومؤيداً لها كلامها!- :
[طبقاً لأبي حامد الغزالي، فإنه من المستحيل إثبات وجود الله فيما وراء الشك العقلي، وأن الحقيقة التي نسميها "الله" تقع خارج نطاق الحس والعقل الذي نحوزه. لذلك فإن العلم والميتافيزيقا لا يمكن لهما أن يثبتا أو أن ينفيا وجود الله.]
وتقع هذه الفقرة ضمن سياق، أثارت فيه الكاتبة موضوع (الشك العقلي) عند الغزالي، عبر عدة صفحات من كتابها، ووجهته عنوة ناحية الإيمان بوجود الله تعالى ومصداقية الوحي (وهو ما لم يقصد إليه الغزالي إطلاقاً كما سنبين بعد قليل) .. وذلك على النحو الآتي:
قالت الكاتبة[7]: [إذا كان العقل لا يمكن أن يقول شيئاً عن الإله، فما هي إذاً قيمة مناقشة المسائل الإلهية بالعقل؟! – هذا هو السؤال الذي أرَّق المفكر المسلم أبو حامد الغزالي (1058-1111)م، والذي يمثل شخصية محورية ورمزية في تاريخ الفلسفة الدينية. ..]
هذه هي العبارة الأولى لها في هذا السياق، وقد اعترفت فيها الكاتبة بقيمة الغزالي كشخصية رمزية ومحورية، وهو ما يُلزمها بأن تكون في منتهى الحرص والأمانة فيما تضعه على لسانه وفي عقيدته لما له من تداعيات على قيمته الدينية، وقيمة العقيدة التي دافع عنها، ولكنها لم تفعل. وجليّ في هذه العبارة أنها أرادت أن تقول أن الغزالي أراد مناقشة مسألة الإله بالعقل، وأنه فشل في ذلك، وأن ذلك أرّقه، وأضجّ مضجعه، بل وحياته بكاملها – كما سنرى من روايتها اللاحقة- فهل حدث ذلك بالفعل، وإن لم يكن، فما الذي حدث؟! .. سنرى بعد قليل، ولنكمل القراءة:
قالت[8]: [كان المعاصرون للغزالي يبحثون عن الإله بطرق متعددة، طبقاً لقدراتهم وحاجتهم النفسية والعقلية: سواء كان ذلك في علم الكلام، أو عبر إمام معصوم، أو عبر الفلسفة، أو التصوف الروحي. وبدى أن الغزالي قد درس كل من هذه الطرق الفكرية في محاولته لـ "فهم "الأشياء في نفسها" – على حد قوله[9] (يقصدون قول الغزالي: (إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور)[10]). وقد ادعى أتباع هذه الطرق الأربعة – التي مثّلت النُسخ الرئيسية للإسلام التي بحثها الغزالي – ادعوا أنهم وصلوا إلى قناعة تامة، ولكن الغزالي تساءل: كيف يمكن التأكد من صدق هذه الدعاوى تأكيداً جازماً؟]
قولها أن أصحاب هذه الطرق الأربعة كانوا يبحثون عن الإله (طبقاً لقدراتهم وحاجاتهم النفسية والعقلية) قول عام؛ فيه باطل وفيه حق. فأما الباطل الذي فيه، وأرادته كارين أرمسترونج، أنهم كانوا يبحثون عن الاستدلال على وجود الله، وعلى صدق الوحي من عدم صدقه. وأما الحق المطمور في العبارة فهو أنهم كانوا يبحثون عن أفضل المناهج للحفاظ على عقيدتهم في الله وصدق وحيه، والتي لم تكن محل شك، والزود عنها، وممارسة شعائرهم على النحو الأوفي والأقرب إلى مرضاة الله. والفرق بين هذين المنحيين كبير. وتعميم الكاتبة لعبارتها (كانوا يبحثون عن الإله) فتح الباب للباطل الذي ستتكلم عنه لاحقاً مع الحق الذي لم تُثره أصلاً، ولم تُرده لأنه لا يخدم غرضها السياقي.
قالت[11]: [كان الغزالي – مثله مثل أي متشكك معاصر لنا – مُدرك إلى أن "اليقين" حالة نفسية، وأنه ليس بالضرورة موضوعياً، متمكناً في الواقع. فالفلاسفة يقولون أنهم يستمدون المعرفة اليقينية من الحجج العقلية، ويُصر المتصوفة على أنهم قد وجدوها عبر طرقهم الصوفية، أما طائفة الاسماعيلية (الباطنية) فقد شعروا أنه قد وجدوها فقط في تعاليم إمامهم، ولكن الحقيقة التي نسميها (الإله/الله) لا يمكن أن نتحقق منها عملياً، لذلك، كيف يمكن أن نتأكد أن عقائدنا ليست محض أوهام؟!]
لم تُشر الكاتبة إلى أي عبارة للغزالي تشير إلى إدراكه إلى أن "اليقين" ليس بالضرورة موضوعياً متمكناً في الواقع! رغم أن ترجمة كتابه "المنقذ من الضلال" بين يديها. ونُقر معها أنه ليس كل يقين موضوعياً، فكم من الناس يؤمنون بأوهام أيقنوا أنفسهم أنها حقٌ وما هي كذلك، لكن البرهان إذا استوفى شروطه، فقد أصبح موضوعي اليقين، ومن رده بحجة أن اليقين حالة نفسية، وأنه لم يصل إليها، لم يكن إلا مُتملِّصاً من ضرورية البرهان الذي وُوجه به.
أما تعميمها لهذه العبارة الفاسدة ""اليقين" ليس بالضرورة موضوعياً متمكناً في الواقع" والتي ألحقتها بالغزالي، فقد استخدمتها قرينة لتضع بها الغزالي في سلة واحدة مع المتشككين في الأديان skeptics في عصرنا. وكأنها تُؤَصِّل لكونه متشككاً مثلهم، لاشتراكه معهم في منهجهم الفكري الذي تزعمه. وهذا دعم منها لفريتها التي تروج لها في كونه أزاح استخدام العقل عن الاعتقاد في الله تعالى، كما سنرى. ويتأكد منها هذا الترويج لوصولها إلى نتيجة توعزها إلى الغزالي بتسلسل السياق عندما انتهت إلى السؤال الاستنكاري الآتي، وكأن الغزالي هو الذي يسأله: [الحقيقة التي نسميها (الإله/الله) لا يمكن أن نتحقق منها عملياً، لذلك، كيف يمكن أن نتأكد أن عقائدنا ليست محض أوهام؟!] ونؤكد أن الغزالي كان بعيداً كل البعد – كما سنرى- عن ما تثيره الكاتبة وتطبخه له من فرية كونه تشكك في الله تعالى.
استكملت وقالت: [كانت تلك الحجج العقلية – للفرق المذكورة- هي الأكثر شيوعاً، إلا أنها لم تحقق المعايير التي وضعها الغزالي ليصل بها إلى القناعة التامة. فعلماء الكلام يبدأون بالنصوص (تقصد آيات القرآن) التي يجدوها في النص القرآني، ولكن هذه العبارات لم يمكن التأكد من كونها وراء الشك (تقصد أن مصداقية آيات القرآن في محل شك حتى عند الغزالي!). أما الطائفة الاسماعيلية الباطنية فتعتمد على تعاليم الإمام الغائب، غير الممكن الوصول إليه، ولكن كيف لنا أن نتأكد أن هذا الإمام يتلقى (وحياً/تعليماً/إلهاماً) من الله؟]
وهنا تُصعّد الكاتبة تشكيك الغزالي ليشمل صدق القرآن، وأن الغزالي كما شك في عقلانية وجود الله، فقد شك في صدق آيات القرآن! .. إذ أن الشك في الـمُتحدَّث عنه وجوداً أو عدماً، لا بد وأنه تشكيك فيما يتفرع عنه صدقاً أو كذباً. وجاءت عبارتها [هذه العبارات (تقصد آيات القرآن) لم يمكن التأكد من كونها وراء الشك] لتدمغ هذا التأصيل منها على شك الغزالي في كامل العقيدة الإسلامية – إلاهاً ووحياً- دون مواربة، ودون استحياء من أن النص الأصلي للغزالي يخلو تماماً مما تزعمه.
استكملت وقالت[12]: [كان الفلاسفة أشدهم في عدم القناعة عند الغزالي. (وبعد أن ذكرت تفنيده لحججهم باختصار، قالت:) وإلى أين وصل هذا المُخْلِص الأمين في بحثه عن الحقيقة؟ - هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟! ... ونتيجة عدم إجابته عن هذا السؤال، وصل الغزالي إلى حد الإجهاد، ومنه إلى محنة شديدة أدت به إلى الانهيار. ووجد نفسه لا يستطيع حتى على بلع الطعام، والتغذي (مما يضطر لأكله)، وشعر باكتئاب شامل ويأس. وأخيراً في عام 1094 وجد أنه غير قادر على الكلام وإلقاء المحاضرات، وقال (عن نفسه):
(أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطلق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة)[13].
(تُواصل وتقول:) أي أنه وقع في حالة اكتئاب مرضي، وشخّص الأطباء حالته على أنها أزمة نفسية متجذرة، وقالوا له أنه ما لم يتخلص من مصدر الانزعاج النفسي، فلن يشفى. (قال الأطباء -طبقاً لكلام الغزالي: "هذا أمر نزل بالقلب، ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلا بأن يتروح السر عن الهم الملم). ولما شعر الغزالي أن موقفه حرج، إلى الحد الذي يُخشى منه دخول النار إذا لم يسترد عقيدته، فقام باعتزال منصبه الأكاديمي، وذهب ليلتحق بالمتصوفة.]
وفي هذه العبارة تمتدح الكاتبة الغزالي – باعتباره رفيقاً من رفقاء الشك – وتصفه بأنه مخلصٌ أمين، وهو الانطباع  الذي يخرج فيه بحق كل من يقرأ كتابه المنقذ من الضلال، غير أنه برئ من وصفها له بالشك، ولو أقرت بهذه البراءة ما كانت لتمدحه، لأن مدحها لم يكن إلا مدحاً في التشكيك الذي ألحقته به بلا سند.
وإمعاناً في حبك المشاهد، وضعت الكاتبة على لسانه سؤالاً فاسداً ووضعت أيضاً الإجابة التي لا تقل عنه فسادا! أما السؤال فهو: [هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟] وكانت إجابتها: [نتيجة عدم إجابته عن هذا السؤال - وصل الغزالي إلى حد الإجهاد، ومنه إلى محنة شديدة أدت به إلى الانهيار. .. (وإلى أن) قام باعتزال منصبه الأكاديمي، وذهب ليلتحق بالمتصوفة] أي أنها أرادت أن تقول أنه لم ينفِ سؤال الاستحالة، ويعني ذلك أن (استحالة الوصول إلى عقيدة راسخة في الله تعالى) عنده محتملة! .. وهذا كله افتراء، فلم تكن لتلك المحنة التي مر بها أدنى علاقة بعقيدته في الله، على نحو ما سنرى. فهل جمعت الكاتبة بين سوء الطوية وسوء الفهم؟! -لا نظن. فهي ليست بالضحالة الفكرية التي تمرر عليها علل الأحداث الصريحة الواردة وضوح الشمس على لسان الغزالي، والترجمة الجيدة التي أعدها (مونتجومري وات).
استكملت وقالت: [وهناك – تقصد مع المتصوفة- وجد الغزالي ما كان يبحث عنه. وبدون أن يتخلى عن عقله، اكتشف الغزالي أن الطرق الصوفية - ولطالما كان يبغض الأشكال المفرطة من التصوف - تسفر عن الشعور المباشر بشيء، وسمّى هذا الشيء (الله).]
هكذا انتهى المطاف إذاً إلى تغييب العقل (دون فقدانه، وإلا كان الجنون)، والالتجاء إلى تعبد صوفي لا عقلانية فيه، لأنه الضمان الأخير لبقاء الإيمان بشيء اسمه (الله) – تعالى الله سبحانه وتقدست أسماءه عن هذا الافتراء. وحيث أنه لم يتخلَّ عن عقله، فلا معنى إذاً لعبادته لله على طريقة الصوفية إلا أن تكون عبادة نُسُكية لا عقل معها. وقالت أيضاً أنه عاد للتدريس مرة أخرى في بغداد – وهو ما لم يحدث أبداً- وأنه كان خالِ الوفاض من العقل، قالت[14]: [وأخيراً عاد الغزالي للتدريس في بغداد، ولكن لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي.]
وبذلك تكون الكاتبة قد وضعت العقدة الأخيرة في سيرة الغزالي، عقدة الشك المزمن في أن للعقل مكان مع العقيدة الإسلامية! .. وعلى لسان من؟ .. "حجة الإسلام" أبو حامد الغزالي!!!
وقبل أن نُتابع تحليلاتها (الفاسدة أيضاً) نرجع إلى الغزالي لنرى ما الذي حدث معه بالفعل، ولنقارن بين ما قالته الكاتبة وما قاله صاحب الشأن: ولنُعدد المحاور التي ذكرتها كارين أرمسترونج، وسنكشف فسادها جميعاً:
1- السؤال الذي أرَّق الغزالي هو: هل العقل يقول شيئاً عن الله (إثباتاً أو نفياً)؟ - الحقيقة التي نسميها (الإله/الله) لا يمكن أن نتحقق منها عملياً، لذلك، كيف يمكن أن نتأكد أن عقائدنا ليست محض أوهام؟!
2- كيف يمكن للغزالي التأكد من صدق دعاوى الطرق الأربعة – الفلاسفة، وعلماء الكلام، والباطنية، والمتصوفة - في (بحثها عن الله) تأكيداً جازماً؟
3- لم يقتنع الغزالي بحجج علماء الكلام لأنهم [يبدأون بالنصوص التي يجدوها في النص القرآني، ولكن هذه العبارات لم يمكن التأكد من كونها وراء الشك.]
4- نتيجة عدم قدرة الغزالي عن إجابة السؤال (هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟) وصل إلى حد الإجهاد، ومنه إلى محنة شديدة أدت به إلى الانهيار .. وحالة اكتئاب مَرَضي.
5- اعتزل الغزالي [منصبه الأكاديمي، وذهب ليلتحق بالمتصوفة] لأنه [شعر أن موقفه حرج، إلى الحد الذي يُخشى منه دخول النار إذا لم يسترد عقيدته.]
6- عاد الغزالي للتدريس في بغداد، ولكن لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي.
محاور محنة الغزالي بلسان الغزالي:
- في المحور الأول [قال الغزالي: [سمعت الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ فأبواهُ يُهودانهِ، وينُصرانهِ، ويُمجِّسَانِهِ " فتحرك باطني إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفي تمييز الحق منها عن الباطل اختلافات فقلت في نفسي: أولاً إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؟][15].
أي أن أبا حامد الغزالي سعي إلى بناء منظومة معرفية يرتكن إليها، في الوقوف على الفطرة الأصلية السليمة، والسابقة على تقليد الوالدين والمعلمين، ثم في استخدام هذه المنظومة المعرفية في تقييمه للمدارس المعرفية الأربعة التي كانت شائعة في عصره؛ أي مدارس المتكلمين والفلاسفة والباطنية والصوفية، وهو ما فعله بالتفصيل على مدار الكتاب. وفي هذا السعي ارتكن أولاً إلى الحواس، فوجدها غير مأمونة، فانتقل إلى الضرورات العقلية، فشكك نفسه فيها حتى تشككت، وقال:
[قالت الحواس: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقاً بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكماً آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالة!! فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً وأيدت إشكالها بالمنام، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أموراً، وتتخيل أحوالاً، وتعتقد لها ثباتاً، واستقراراً، ولا تشكل في تلك الحالة فيها، وثم تستيقظ فتعلم: أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل. فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك، بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك التي أنت فيها، لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك، كنسبة يقظتك إلى منامك، وتكون يقظتك نوماً بالإضافة إليها! فإذا وردت تلك الحالة، تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها.][16].
وتأزمت المشكلة (المعرفية) (العارضة) ثم انفكت بعد قريب من شهرين (فقط) – كما سيذكر الغزالي نفسه- ولم تستمر وراء ذلك، فضلاً عن أن تطير وتحلق على مدار رحلة عقلية طويلة على مدار الباقي من عمره كما زعمت الكاتبة، وكما يحكيها أبو حامد بقلمه! استكمل وقال: [فلما خطرت لي هذه الخواطر، وانقدحت في النفس حاولت لذلك علاجاً فلم يتيسر، إذ لم يكن دفعه إلا بالدليل، ولم يمكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية. فإذا لم تكن مسلمة لم يمكن تركيب الدليل. فأعضل الداء، ودام قريباً من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال. حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقاً بها على أمن ويقين][17].
ونفهم من ذلك بوضوح أن السؤال الذي أرَّق الغزالي لم يكن: [هل العقل يقول شيئاً عن الله (إثباتاً أو نفياً)؟]، ولم يكن: [(هل حقاً أن) الحقيقة التي نسميها (الإله/الله) لا يمكن أن نتحقق منها عملياً؟]، ولم يكن: [كيف يمكن أن نتأكد أن عقائدنا ليست محض أوهام؟!] كما زعمت كارين أرمسترونج.
بل كان: ما هي (المنظومة/الأرضية) المعرفية التي يرتكن إليها الغزالي في حكمه على أي أطروحة معرفية تعرض له، أو يدعيها مدعي، أو يتمثلها صاحب طريقة، كتلك الطرق الأربعة التي سعى إلى تقييمها؟!
كما وأن إشكال العقل (الذي راح يمحصه تمحيصاً دقيقاً) – أي الضرورات العقلية التي يبني عليها الدليل الذي يطمئن إليه قلبه - قد ذهب في غضون شهرين اثنين، ولم يعد له أثر، كما يحلو للمُشككة أن يكرروا ويعيدوا ويبنوا عليه أوهامهم!]
أما عن المحور الثاني [كيف يمكن للغزالي التأكد من صدق دعاوى الطرق الأربعة في (بحثها عن الله) تأكيداً جازماً؟] فخطأ الكاتبة فيه، أن دعاوى تلك الطرق التي سعى الغزالي للتأكد منها لم تكن في البحث عن الله تعالى وجوداً وعدماً، كما أرادت كارين أن تُظهر، لأن أصحاب هذه الطرق جميعاً لا يختلفون في أنهم عثروا على الله تعالى في الإسلام ديناً والقرآن وحياً- إلا المتفلسفة الذين نبذهم الغزالي وكفرهم وبدعهم – تبعاً لمسائلهم - في كتابه "تهافت الفلاسفة"- وإنما كان خلافهم في منهج تحقيق وتنفيذ المشيئة اللإهية والتشريعية في حياتهم، أهي: علم الكلام أم الإمام المعصوم أم التصوف، وذلك بعد استبعاد الفلاسفة.
وعلى ذلك، كان سعي الغزالي بالفعل في التأكد من صدق دعاوى هذه الطرق، ولكن ليس في محل النزاع الذي توهمته كارين!]
وأما عن المحور الثالث [والذي زعمت فيه كارين أن الغزالي لم يقتنع بحجج علماء الكلام لأنهم [يبدأون بالنصوص التي يجدوها في النص القرآني، .. لكن هذه العبارات (الآيات) لم يمكن التأكد من كونها (من عند الله) وراء الشك.]] ففيه خطأين بالغين؛ الأول أنه لا المتكلمين ولا الغزالي قد تشكك في أن آيات القرآن محل شك أبداً. فهذا إسقاط من عند نفسها، حاولت جاهدة أن تستثمر (شك الغزالي في الحواس والضرورات العقلية الذي انفض بعد شهرين من انقداحه). نعم، سعت كارين أن تستثمر هذا الشك العارض والمنجلي لأقصى ما تستطيع، ولكن كلام الغزالي الصريح، وكل من درس سيرته بعقلانية، لا بد وأن يرد سعيها الـمُغرض، لا تنال به خيرا.
أما الخطأ الثاني والأليم أيضاً (أليم لها بعد انكشاف زيفها وليس لنا): أنها زعمت أن الغزالي قد حمل على علماء الكلام ولم يقتنع بكلامهم، وهو ما لم يحدث إطلاقاً، وخير شاهد على ذلك كلامه هو عنهم، قال: [علم الكلام .. صادفته علماً وافياً بمقصوده، غير واف بمقصودي، وإنما مقصوده حفظ عقيدة أهل السُّنة، وحراستها عن تشويش أهل البدعة. .. وكان أكثر خوضهم (أي علماء الكلام) في استخراج تناقضات الخصوم، ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم، وهذا قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئاً أصلاً (وهذه شهادة أخرى له على أنه هنا يُسلّم بالضروريات (العقلية)، وبما يؤكد أنه قد تجاوز أزمة الشك العارضة، وأصبح عاكفا فقط على تقييم الطرق الأربعة، وموقعها من الحق والباطل، ثم مناسبتها لمقصوده)، قال: [لم يكن (علم) الكلام في حقي كافياً، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافياً. .. الغرض الآن: حكاية حالي، لا الإنكار على من استشفى به، فإن أدوية الشفاء تختلف باختلاف الداء. ][18]. ونسأل: هل هذا حال من لم يقتنع بكلام (علم الكلام)، وأن كلامهم كان في البحث عن الله؟! ... أللهم احفظ علينا عقولنا، واجعلنا من الصادقين.
أما المحور الرابع، وفيه قول كارين [نتيجة عدم قدرة الغزالي عن إجابة السؤال (هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟) وصل إلى حد الإجهاد، ومنه إلى محنة شديدة أدت به إلى الانهيار. ووجد نفسه لا يستطيع حتى على بلع الطعام، والتغذي (مما يأكل)، وشعر باكتئاب شامل ويأس. وأخيراً في عام 1094 وجد أنه غير قادر على الكلام وإلقاء المحاضرات. (... ووصولاً إلى) حالة اكتئاب مَرَضي.]
ففيه أيضاً خطأين، الأول: أنه لم يكن هناك سؤال (هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟) فضلاً عن أنه لم يستطيع الإجابة عنه، وقد أوفينا هذا الأمر حقه أعلى. فهذه إفادة ممتنعة لقيامها على فرضية كاذبة. أما عقيدته وصحتها ورسوخها فسنناقشها في المحور الخامس لارتباطها أيضاً به.
وأما الخطأ الثاني في هذا المحور، فقولها: أن عدم إجابة السؤال المزعوم هو السبب في وصول الغزالي إلى الاجهاد والمحنة والانهيار والاكتئاب المرضي،! .. وهذا تعليل فاسد كل الفساد. ولنترك الغزالي يحكي هذه المحنة، وكيف أنها لا علاقة بينها وبين إشكالية الرضا بالحواس والضرورات العقلية التي استمرت شهرين وانتهت، ولم تعد إليه ثانيةً، وأن هذه المحنة الثانية لم تكن تتعلق بأي مسألة فكرية بعينها، فضلاً عن أن تتعلق بوجود الله تعالى، قال الغزالي في محنته الثانية[19]: [لما فرغت من (تقييم) هذه العلوم (أي: الفلسفة وأصحاب الإمام المعصوم وعلم الكلام) أقبلت بهمتي على طريق الصوفية. وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل علومهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله. ...
وكان قد حصل معي - من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها، في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى، وبالنبوة، وباليوم الآخر. فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت قد رسخت في نفسي، لا بدليل معين مجرد، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها.
وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكف النفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله، قطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل والعلائق. ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي - وأحسنها التدريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة.
ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال. فلم أزل أتفكر فيه مدة، وأنا بعد على مقام الاختيار، أصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يوماً.
(إلى أن قال): فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطلق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزناً في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولا تنهضم لي لقمة، وتعدى إلى ضعف القوى، حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب، ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلا بأن يتروح السر عن الهم الملم.] .. هذه هي الأزمة الثانية! .. إنها أزمة تتنازع فيها الدنيا والآخرة على الغزالي، كل منهما تريده. حتى كان أن يتمزق بينهما. ثم قال: [ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب] وخرج من بغداد في رحلة صوفية لعالم لم ينقطع طلبه عن العلم، وكتب خلالها معظم مادة كتابه: "إحياء علوم الدين"، ولكن هذه المرة كانت نيَّته لله بالكلية،وليس لمنصب أو جاه أو دنيا.
أين هي إذاً تعليلات كارين أرمسترونج في محنة الغزالي (الثانية) التي أمرضته، وزعمها أنها كانت لعدم قدرته على إجابة سؤال (هل الوصول إلى عقيدة صحيحة راسخة في الإله، أمر مستحيل؟)؟! .. لم نجد أثر لما قالت، !!!
أما المحور الخامس وفيه قولها: [اعتزل الغزالي منصبه الأكاديمي، وذهب ليلتحق بالمتصوفة] لأنه [شعر أن موقفه حَرِج إلى الحد الذي يُخشى منه دخول النار إذا لم يسترد عقيدته.]. فيظهر فيه فساد التعليل أيضاً، فمن حيث اعتزال الغزالي المنصب الأكاديمي فنعم، ومن حيث لحوقه بالمتصوفة فنعم، ومن حيث أنه يخشى من دخول النار فنعم، أما من حيث أن ذلك كله لشكِّه أنه فقد عقيدته فلا. فليس فقدان العقيدة وحده هو الذي يترك له المؤمن زخرف المنصب، ولا اللجوء للتصوف، ولا الخوف من النار، بل إن رسوخ العقيدة مع كون العمل لغير الله تعالى، هو الذي أورث هذا الهم، الذي عانى منه الغزالي. فكان هم الغزالي أنه اشتغل في الدنيا للدنيا، وليس الآخرة. وإذا كانت كارين أرمسترونج لا تعي هذا الفرق بين ذهاب العقيدة المؤمن، وبين عقيدة بلا عمل؛ يبتغي به المؤمن وجه الله، فلن تفهم محنة الغزالي. ولكن كلام الغزالي واضح، وما نظنها لم تفهمه. وخاصة أننا لاحظنا في حكايته عن أزمته الثانية أعلى، كلامه عن عقيدته عندما قال[20]: [وكان قد حصل معي - من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها، في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى، وبالنبوة، وباليوم الآخر. فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت قد رسخت في نفسي، لا بدليل معين مجرد، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها.] وقال هذا الكلام في عمق أزمته التي مرض فيها، فكيف يكون قد مرض من إشكال في العقيدة استدعته الشكوك؟! ... !!!
أما المحور السادس والأخير، فقولها: [عاد الغزالي للتدريس في بغداد، ولكن لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي]، ففيه أيضاً خطآن: الأول أنه لم يعد للتدريس إلى بغداد، بل إلى نيسابور، وكان ذلك سنة 499هـ بعد أن ترك بغداد سنة 488هـ)، والثاني أن قناعته بالاستدلال على وجود الله تعالى لم تكن هي محل نظر إطلاقاً، لا في المحنة الأولى التي استمرت مدة شهرين وانفضت كما أقرّ هو إلى غير رجعة، وكان متعلقها الوحيد "الآلية المعرفية الموثوقة"، وليست أي من الموضوعات الفكرية التي يعمل فيها هذه الآلية المعرفية، سواء كانت مصداقية أي من الطرق الدينية الأربعة أو غيرها، ناهيك عن أن تكون مسألة وجود الله تعالى ومصداقية الوحي.
وإذا سألنا عن حصيلة أدلة الغزالي على اليقين الديني (الذي زعمت خلافه وقالت: لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي ) بعد رحلته العقلية والروحية الطويلة، نقرأ له وهو يرفع من قيمة جملة الاستدلالات (العقلية) فوق آحاد المعجزات – ناهيك عن غيرها- ويقول: [ترد عليك أسئلة المعجزات، فإذا كان مستند إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة، فينجزم إيمانك بكلام مرتب في وجه الإشكالات والشبهة عليها، فليكن مثل هذه الخوارق إحدى الدلائل والقرائن في جملة نظرك، حتى يحصل لك علم ضروري لا يمكنك ذكر مستنده على التعيين، كالذي يخبرك جماعة بخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين مستفاد من قول واحد معين، بل من حيث لا يدري ولا يخرج من جملة ذلك ولا بتعيين الآحاد. فهذا هو الإيمان القوي العلمي.][21] .. أي أن الإيمان القوي العلمي هو جملة من الأدلة والقرائن، ولا ترقى المعجزات إلى أكثر من كونها بعض من هذه الأدلة، دون الانفراد وحدها ضرورة باليقين. وأن اليقين العلمي هو في جملة أدلة وقرائن، وكما قال أيضاً – بعد أن أصَّل الضرورات العقلية ومحص بها المدارس الفلسفية والكلامية والباطنية وأشرف على المدرسة الصوفية (وقد أوردناه أيضاً لتونا في سياق مختلف نوعاً ما): [قد حصل معي - من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها، في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى، وبالنبوة، وباليوم الآخر. فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت قد رسخت في نفسي، لا بدليل معين مجرد، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها][22]
فكيف تقول كارين أرمسترونج أن الغزالي بعد رحلته الصوفية عاد و[لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي].
وكيف تقول: [جادل الغزالي بحماس عاطفي في كتابه "المنقذ من الضلال" بأنه لا الفلسفة ولا (علم) الكلام يمكن أن يُنقذ/يُقنع/يُرضي أحداً على وشك أن يفقد عقيدته. فهو (أي: الغزالي) نفسه قد شارف على حافة الشك (السفسطة) عندما أدرك أنه من المستحيل إثبات وجود الله]
ونسألها: (وهي على قيد الحياة) من أين جئت بهذا الكلام، وكيف استدللت عليه؟! .. فقد راجعنا ترجمة مونتجومري وات لكتاب "المنقذ من الضلال" فلم نجده يقع في خطأ تستدلين منه على ما زعمت في حق الغزالي! ..
هذا وقد أوردت كارين أرمسترونج كلاماً سنقرأه الآن، وكان مصدره (جون بوكر) John Bowker، ربما يكون قد فتح لها باباً، ولجت منه للخوض في معنى (الوجود)، فظنت منه أنه يحقق لها ثغرة تنفذ منها، ولكننا سنلاحظ أنها قد ترجمت كلمة (وجود) العربية، إلى الإنجليزية بـ (existence)، وهي ترجمة تنفي عنها أي حيود بالمعنى يمكن أن يُستقرأ من كلام (جون بوكر) الآتي:
قالت كارين أرمسترونج[23]: [بيَّن (جون بوكر) أن الكلمة العربية لـ existence ؛ أي كلمة (وجود wujud) مشتقة من الجذر )وَجَدَ wajada)؛ أي "he found"، وعلى ذلك يكون المعنى اللغوي الحرفي لكلمة (وجود wujud) هي "ذلك الذي يمكن وجوده" (الممكن وجوده) (ربما يصح كلامها إذا كان اللفظ "مضاف" كما في "وجود الله"؛ أي "الله الذي يمكن وجوده"، ولكنه مناف للمعنى الشائع المستخدم بلا أثر لما تذكر، وتستكمل:) إنها كلمة أكثر وضوحاً وواقعية من الألفاظ الأغريقة الميتافيزيقية، وعلاوة على ذلك، أنها أعطت المسلمين مساحة أوسع للمعنى. ولهذا فإن الفيلسوف المتكلم بالعربية إذا أراد أن يثبت وجود الله، فإنه يستطيع ذلك دون أن يتعرف على "الله" باعتباره شيء مع غيره من أشياء أخرى، وكل ما عليه أن يفعله أن يُثبت أنه يمكن العثور عليه (ممكن الوجود) ‘could be found’. أما البرهان المطلق والوحيد على وجود الله فسيكون – أو لا يكون – عندما يقابل المؤمن الله وجهاً لوجه بالحقيقة الإلهية بعد الموت. أما الآثار/الأخبار التي تقول بأن الأنبياء والأولياء/المتصوفة (العارفين بالله) الذين يقولون أنهم مرّوا بهذه التجربة في هذه الحياة، فلا بد أن تُعالج بحذر. ويدعي الصوفية بالتأكيد أنهم قد عاينوا بالتجربة وجود الله: فالكلمة (وَجْدْ wajd) اصطلاح يعبرون به عن حالة (النشوة العرفانية بالله) التي تمنحهم ذلك اليقين التام (yaqin) بأنها تجربة حقيقية وليست محض وهم. ومن المسلَّم به أن تلك الأخبار/الآثار قد تكون غير صحيحة، إلا أن الغزالي، وبعد أن قضى عشر سنوات متصوفاً، وجد أن التجربة الدينية هي الطريق الوحيد لإثبات الحقيقة التي تتجاوز حدود عقل الإنسان وعملياته الدماغية. إن المعرفة الصوفية بالله لم تكن معرفة عقلية ولا ميتافيزيقية/ما ورائية، ولكنها كانت رفيقة التجربة الشعورية الحدسية للأنبياء الذين عاشوا في الماضي: ومعنى ذلك أن المتصوفة وجدوا found الحقائق الأساسية في الإسلام لأنفسهم بمعايشة التجربة في نفسها (مع إمالة الخط كلمة وجدوا found للفت الانتباه لعلاقة ذلك بمعنى الوجود الذي فسرته الكاتبة من قبل بأنه (إمكان الإيجاد/العثور عليه))].
نقول:
ربما يكون هذا التحليل لكلمة (وجود) مُتكأ لها للتشكيك بمعنى: (وجود الله) وأنه مراد الغزالي من التشكك، رغم أن الغزالي لم يُثر هذه العبارة حتى ترتكن إليها. وإذا كانت ارتكنت إليها في اصطلاح المتصوفة، في كلمة (وجْد)، فلا نراه إلا تشويشاً وقعت هي فيه، وليس الغزالي. وكثيراً ما يقع غير أهل العربية في مثل هذا بسبب نطاقات الاشتقاق اللغوي المتسعة، وتداخل وحدة الجذر اللغوي جنباً إلى جنب مع ظاهرة الاشتراك اللفظي.
وإذا أرادت كارين أرمسترونج أن تقول – بما أوردته نقلاً عن (جون بوكر)- أن (وجود الله) يعني في العربية (العثور على الله ممن يبحث عنه) دون الحديث عن (الكينونة الواقعية لله تعالى) فلن يوافقها أحد. لأن العبرة إنما تقع في نية أصحاب اللغة في كلامهم، لا باستدلال غير أهل اللغة على المعنى الذي يتراءونه من قواعدها الاشتقاقية – التي تلملم أغلب المحكي من اللغة دون الزعم بالإحاطة بها - وبحسب فهمهم المستقل عن استخدام أهل اللغة. فالقائل (وجود الله) لا يقصد منه (العثور على الله مع عدم الحديث عن كينونته الموضوعية) بل يقصد محض (كينونته الموضوعية). وعليه فإن أرادت أن يكون تشكك الغزالي (بوجود الله) – الذي زعمته عليه - لا يلزم عنه التشكك (بكينونيته)، فكلامها مرفوض. ورغم ذلك، فقد يُحمل سؤال من يسأل: (هل وجدت ربك؟) على المعنى الأول إذا عُلم أنه وَجّه سؤاله إلى من يبحث عن سبيل إلى ربه يزداد منه قرباً، وهو به موقناً. ولكن هذا السياق غير وارد إطلاقاً في سيرة الغزالي، لا من قريب ولا من بعيد. ودليل ذلك أن كلام كارين أرمسترونج قد فهمه نضال قسوم – وأي قارئ غيره- على أنه تشكك من الغزالي بكينونة الله تعالى موضوعياً objective existence، وليس محض العثور النفسي والقرب من الإله الذي هو على يقين من كينونته. لذلك لا عذر لكارين أرمسترونج في ادعاءاتها على الغزالي بكونه شك عقلياً في وجود الله تعالى، وبراءة شيخنا الغزالي لا تختلف عن براءة الذئب من دمِ يوسف عليه السلام. وربما لا يختلف افتراء كارين أرمسترونج عن افتراء من قالوا أن الذئب قد أكل يوسف. وكما أن ظهور يوسف حياً قد أظهر كذبهم، فكذلك بقاء نص الغزالي حياً قد فعل نفس الشيء.
وبناءاً عليه، يصبح قولها (وهي العبارة التي اقتبسها نضال قسُّوم) :[(طبقاً للغزالي) من المستحيل إثبات وجود الله God’s existence فيما وراء الشك العقلي، وأن الحقيقة التي نسميها "الله" تقع خارج نطاق الحس والعقل الذي نحوزه. لذلك فإن العلم والميتافيزيقا لا يمكن لهما أن يثبتا أو أن ينفيا وجود الله.] افتراءا مبيناً على الشيخ الوقور، حُجة الإسلام، الصادق المخلص كما شهدت هي له.
- وبعد أن أصَّلت كارين أرمسترونج هذا الافتراء على الغزالي، راحت تعتمده أصلاً ومثالاً تبني عليه أحكاماً تمررها لبيان تأثر الأوربيين، أو تشابههم مع هذا المنحى المزعوم على الغزالي، في لجم العقل إذا استقل بالأحكام الإلهية إثباتاً أو نفيا. فقالت عن أوجستين[24]: [في عقيدة التثليث عند أوجستين، كانا العقل والقلب غير منفصلين. والفلاسفة المسلمون مثل ابن سينا والغزالي ربما قررا أن العقل وحده لا يمكن أن يجد الله، إلا أنهما توخيا فلسفة تتمثل الحب، وعلى منهاج التصوف].
ولم يحدث أن أثار الغزالي مسألة استقلال العقل بالحكم على وجود الله إلا ربما في طيات ما يُفهم من مناقشته لمذهب الفلاسفة ناسباً إياه إليهم، وأنهم يتناولون الإلاهيات بمحض التخمينات[25]، و......
ثم كيف تُدرج كارين الغزالي مع ابن سينا في موقفهما من العقل، وقد خص الغزالي ابن سينا بالنقد مع الفارابي – ووصفهما بأنهما من صنف الفلاسفة المتجملين بالإسلام، الذين يقول الواحد منهم[26]: [ما أنا من العوام الجهال حتى أدخل في حجر التكليف، وإنما أنا من الحكماء أتبع الحكمة وأنا بصير بها، مستغن فيها عن التقليد (قاصدا بذلك الشرع)]، وعاب على ابن سينا ما عاب – مع الفلاسفة وهو زعيمٌ لهم- تكفيرا وتبديعا في مسائل التهافت الشهيرة[27]، وإذا جاء لشرع الله، عاب عليه أنه يجيز لنفسه شرب الخمر احتجاجاً بالتداوي[28]؟!. .. والغريب أن عبارة كارين [والفلاسفة المسلمون مثل ابن سينا والغزالي] تُصرِّح بأن الغزالي من الفلاسفة! .. وما كان الغزالي من الفلاسفة، وما ينبغي له، وقد أدانهم في كتابه "التهافت الفلاسفة" أشد الإدانات، وكشف عوار مسالكهم في "المنقذ من الضلال"، .. فكيف تزعم هذه الكاتبة هذا الزعم، وبأي وجه؟!
- وعن كانط قالت[29]: [لم يكن كانط معارضاً لفكرة الله في ذاتها، وكانت اتجاهاته مماثلة للغزالي قبله بعدة قرون، حيث كان يدافع عن أن الحجج التقليدية لوجود الله كانت عديمة القيمة لأن عقولنا تفهم فقط الأشياء الموجودة في المكان أو الزمان، وليست قادرة على الحقائق التي تقع وراء هذه النوع من المدركات. إلا أنه قَبِل أن يكون للإنسانية ميل طبيعي لتجاوز هذه الحدود، وأن تسعى إلى مبدأ وَحْدَوِي يمنحنا رؤية الحقيقة ككل متجانس/متسق. وهذه هي فكرة الله. لأنه ليس من الممكن إثبات وجود الله بالمنطق، كما أنه ليس من الممكن نفي الفكرة. لأن فكرة الإله أساسية لنا: لأنها تمثل الحد المثالي الذي يمكننا من تحقيق رؤية شمولية للعالم.]
نلاحظ قولها: [كانت اتجاهات (كانط) مماثلة للغزالي، حيث كان يدافع عن أن الحجج التقليدية لوجود الله كانت عديمة القيمة] وهو قول فاسد أقامته على ما سبق من إفك في حق الغزالي. وإذا كان الغزالي قد قال بحدود العقل، فلم يقصد نكوصه عن معرفة الله، وقد دلت على صدق الوحي والنبوة الأدلة العديدة، فأصبح الوحي والنبوة هما المصدر الصادق لما يعلم عن الغيب، فتلقى العقل عن الوحي والنبوة ما لا يستطيع إدراكه لخروجه عن حدوده، ولا يستطيع معاينته. وقد قرب الغزالي هذه المعاني بقوله[30]: [الأكمه (الأعمى بالولادة) لو لم يعلم بالتواتر والتسامع الألوان والأشكال، وحُكِيَ له ذلك ابتداء، لم يفهمها ولم يقربها. وقد قرب الله تعالى على خلقه بأن أعطاهم نموذجاً من خاصية النبوة، وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب، إما صريحاً وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير.] ويقصد الغزالي أن العقل لا يفيد العاقل فيما لم تره العين وتسمعه الأذن، إلا إذا أُخبر به من صادق، وذلك مثلما أن الأعمى بالمولد لن يعقل الألوان والأشكال رغم تمتعه بالعقل، لأن العقل قصر عنده عنها بفقدانه تلك الحواس، وكذلك عقل العقلاء ذوي الحواس، ينقصهم من علم الغيب ما يمنعهم عن إدراكه إلا إذا أخبرهم عنه صادق، وهذا هو الوحي. وأعطى الله لبني آدم مثال ذلك من النوم، فهم يرون من المستقبلات ما يعلمون به صدق خبر الرؤية، فكيف لم يقف العقل عليها ما لم يكن قاصراً عن إدراكها؟! فكذلك قصرانه عن الغيب. .. وهذا كلام من الغزالي حكيم، ومن اتهم الغزالي بمثل ما اتهم به (كانط) – زعماً بأي مماثة بينهما في ذلك من أن [الحجج (العقلية) التقليدية لوجود الله كانت عديمة القيمة لأن عقولنا تفهم فقط الأشياء الموجودة في المكان أو الزمان] فهو نفسه قاصر العقل عن فهم كلام الغزالي البليغ، الذي يفهمه متوسطي الناس في قوة عقولهم. ومثله في (مثال الأعمى) مثل الأعمى الذي يُكذِّب الناس جميعاً وهم يصفون له الأشياء والألوان، ويقول لأمثاله من العميان: "الحجج التقليدية – يقصد وصف الناس لهم بالألوان والأشكال – عديمة القيمة، لأن عقولنا تفهم فقط الأشياء الموجودة، (يقصد لحواسه الباقية له)". فهذا مثل (كانط) - لو صدقت الكاتبة في النقل عنه - ولكنه ليس مثل الغزالي لأنه أفصح في كلامه عن فهمه الفرق بين عدم الاعتراف بحدود العقل مع التشكك في وقوع الغيب المحكي عنه، وبين الاعتراف بالقصور العضوي للعقل عن إدراك الغيب، والاستعانة بصادق تعويضاً عن هذا النقص. وشتان بين فهم الغزالي، وما أرادت الكاتبة أن تحكيه عنه، في تمثيلها له بكانط.
أما قول كانط – كما حكت كارين – [ليس من الممكن إثبات وجود الله بالمنطق، كما أنه ليس من الممكن نفي الفكرة.] فلا يعنينا ولا يعني حجة الإسلام الغزالي، ولو سمعها الغزالي لهزأ منها ومن قائلها. فمنطقنا يدلنا على الله. ومن نكص عنه منطقه، لم تسبق به حجته. وقد قال الله تعالى لرسوله r "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"(يوسف:108). ولو اقتفينا أو صدقنا قولها عن كانط وصدقناه بأن [فكرة الإله أساسية لنا: لأنها تمثل الحد المثالي الذي يمكننا من تحقيق رؤية شمولية للعالم] فلن يكفينا، لأن هذا الحد المثالي مشترك بين من يعبد الله وحده لا شريك له، ومن يعبد الله ويعبد معه غيره، ويُلحد في أسمائه ، وما كان كذلك فهو مؤمن أو مُشرك أو ملحد، ونعوذ بالله أن نقبل هذه الشركة، ونبرأ إلى الله تعالى منها. ونقول كما أمر الله تعالى رسوله r أن يقول: (هذه سبيلنا ندعو إلى الله على بصيرة نحن ومن اتبعنا، وما نحن من المشركين)، والحمد لله رب العالمين.
المؤلف 


[1] Guessoum, Nidhal - Islam's Quantum Question:  Reconciling Muslim Tradition and Modern Science, Published in I.B.Tauris and Co Ltd, London, 2011.
[2] http://en.wikipedia.org/wiki/A_History_of_God
[3] Armstrong, Karen, A History of God: the 4,000-Year Quest of Judaism, Christianity, and Islam,
New York: Ballantine Books, 1993.
[4]AI-Mundiqh ai-Dalal”, trans. in W. Montgomery Watt, the Faith and Practice of AI-Ghazzali (London, 1953)
[5] Armstrong, Karen, A History of God, p. 190.
[6] Guessoum, Nidhal - Islam's Quantum Question, p.25.
[7] Armstrong, Karen, A History of God, p.186.
[8] Armstrong, Karen, A History of God, p.187.
[9] أحالت (كارين أرمسترونج) هذه الجملة إلى:
 John Bowker, The Religious Imagination and the Sense of God (Oxford , 1 978), p. 202 .
[10] أبو حامد الغزالي، "المنقذ من الضلال"، تحقيق: جميل صليبا- كامل عياد، ، الطبعة السابعة، دار الأندلس، بيروت، 1967، ص 63.
[11] Armstrong, Karen, A History of God, p.187.
[12] Armstrong, Karen, A History of God, p.187-188.
[13] لم تُحِل الكاتبة إلى الموضع الدقيق لكلام الغزالي (في كتاب المنقذ من الضلال)، وهذا هو موضع العبارة التي نقلناها بنصها الأصلي، وما أتت هي به كان ترجمة له: [أبو حامد الغزالي، "المنقذ من الضلال"، تحقيق: جميل صليبا- كامل عياد، ، الطبعة السابعة، دار الأندلس، بيروت، 1967، ص 104.]
[14] Armstrong, Karen, A History of God, p.190.
[15] أبو حامد الغزالي، "المنقذ من الضلال"، تحقيق: جميل صليبا- كامل عياد، ، الطبعة السابعة، دار الأندلس، بيروت، 1967، ص 63.
[16] "المنقذ من الضلال"، السابق، ص 66-67.
[17] السابق، ص 67.
[18] السابق، ص 71-73.
[19] السابق، ص 100-104.
[20] السابق، ص 102.
[21] السابق، ص 114.
[22] السابق، ص 102.
[23] Armstrong, Karen, A History of God, p.188-189.
[24] Armstrong, Karen, A History of God, p.204.
[25]  "المنقذ من الضلال"، السابق، ص 80.
[26]  السابق، ص 119.
[27]  السابق، ص 83.
[28]  السابق، ص 120.
[29] Armstrong, Karen, A History of God, p.314-315.
[30]  "المنقذ من الضلال"، السابق، ص 111.
______________________

إضافة بتاريخ 14/ 11/ 2017 :


روى عدنان إبراهيم اعترافاً لـ (كارين أرمسترونج) عن اعترافها بحقدها على الإسلام ونبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) والسبب النفسي وراء هذا الحقد. (غير أنه لم يورد مصدره لهذا الاعتراف، وإلا لكنا أوردناه)، قال عدنان إبراهيم:



المصدر: خطبة بعنوان " عظماء ام مجانين ؟ "
https://www.youtube.com/watch?v=WtuuIUN7nzg
حول الدقيقة 39.
_______________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق