الاثنين، 25 نوفمبر 2013

الفصل (أ11) - محمود محمد شاكر - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (أ11) محمود محمد شاكر
بقلم: عزالدين كزابر
صورة جامعة لثلاثة من عمالقة اللغة العربية
عبدالسلام هارون (يمين)، يحيى حقي (وسط)، محمود محمد شاكر
وقد حصل ثلاثهم على جائزة الملك فيصل العالمية
عودة إلى فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول محمود شاكر[2]،[1]: [من البَيِّن أن العرب قد طُولِبوا بأن يعرفوا دليل نبوة رسول الله، ودليل صدق الوحي الذي يأتيه، بمجرد سماع القرآن نفسه، لا بما يجادلهم به، حتى يلزمهم الحجة في توحيد الله، أو تصديق نبوته، ولا بمعجزة كمعجزات إخوانه من الأنبياء ممن آمن على مثله البشر. وقد بيّن الله في غير آية من كتابه أن سماع القرآن يقتضيهم إدراك مباينته لكلامهم، وأنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب العالمين، وبهذا جاء الأمر في قوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ"(التوبة:6).
فالقرآن المعجز هو البرهان القاطع على صحة النبوة، أما صحة النبوة فليست برهاناً على إعجاز القرآن (بدليل يسوقه محمود شاكر قبل ذلك بأسطر وهو أن معجزات الأنبياء السابقين قصدت صحة نبوتهم وصدق كتبهم بالتبعية، دون إعجاز عين الكتب كما هو الأمر مع القرآن). والخلط بين هاتين الحقيقتين، وإهمال الفصل بينهما في التطبيق والنظر، وفي دراسة (إعجاز القرآن)، قد أفضى إلى تخليط شديد في الدراسة قديماً وحديثاً، بل أدى هذا الخلط إلى تأخر (علم إعجاز القرآن) و (علم البلاغة) عن الغاية التي كان ينبغي أن ينتهيا إليها]
نقول: أراد محمود شاكر من ذلك تبيين أنه ليس من مقاصد كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي (حيث كان كلامه تقديماً للكتاب) أن يتناول (علم إعجاز القرآن) وإنما عُني بإثبات صحة دليل النبوة. والفرق بين المقصدين لطيف إلى الحد الذي لا يستطيع معظم الدارسين تمييزه. ويدفعنا هذا التحليل الرائع من محمود شاكر، للتساؤل من جهتنا عن (التفسير العلمي للقرآن)؛ أهو من نوع (علم إعجاز القرآن) أم أنه من (علم دلائل النبوة)؟
ونُفَضِّل أن نُمهل أنفسنا فسحة من الوقت قبل التعجل بالإجابة، لنفهم أولاً تعريف العلامة محمود شاكر لما هو (إعجاز القرآن).
يقول (رحمه الله تعالى)[3]: "أما مسألة (إعجاز القرآن)، ... (فـ).. هي عندي أعقد مشكلة يمكن أن يعانيها (العقل) الحديث – كما يسمونه – حتى بعد أن يتمكن من إرساء كل دعامة يقوم عليها إيمانه بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبصدق الوحي، وصدق التنزيل، وأيضاً فهي المسألة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية الشعر الجاهلي، وبالكيد الخفي التي اشتملت عليه هذه القضية (يشير بذلك إلى الطعن في مصداقية الشعر الجاهلي من قِبل المستشرق مرجوليوث[4] سنة 1925، ومن بعده طه حسين[5] سنة 1926، ومن ثم الطعن في مرجعية الشعر للّغة العربية، لغة القرآن والإسلام)، بل إنها لترتبط ارتباطاً لا فكاك له بثقافتنا كلها، وبما ابتلي به العرب في جميع دور العلم، من فرض منهاج خال من كل فضيلة في تدريس اللغة وآدابها. بل إنها لتشتمل ما هو أرحب من ذلك. تشتمل بناء الإنسان العربي أو المسلم، من حيث هو إنسان قادر على تذوق الجمال في الصورة والفكر جميعاً."
يريد محمود شاكر من كلامه هذا أن (إعجاز القرآن) مسألة خاصة بالقرآن ذاته، وأنها مسألة عويصة إذا ما أردنا استيفائها حقها، وخاصة أنها تتعلق مباشرةً بكلام الله تعالى، الذي يعلو على أي كلام لغير الله، مثلما يعلو الله تعالى على خلقه. فالوقوف على مسألة إعجاز القرآن، والإحاطة بها، أمر بعيد المنال، وإن قدّر الله تعالى لنا أن ننال منها شيئاً يسيرا. وأن هذه الغاية لتزداد بعداً عن المسلمين في وضعٍ يؤسف له، من حيث إهمال لغة القرآن، وفقدانها أرضاً خصبة كان يرعاها أصحابها، فيحصدون منها أينع ثمار اللغات، حيث طغت الجهالة باللغة على حماها القديم، وذلك أمام ثقافات جديدة، فخسرنا بذلك جولة هامة في محاولات الاقتراب من ماهية "علم إعجاز القرآن". ... وكما هو واضح من هذا المدخل أن محمود شاكر يريد حصر (إعجاز القرآن) في النظم القرآني وجمال إبداعه، وأهليتنا نحن في تذوق هذا الجمال.
ولا ينبغي أن ينكر أصحاب الإعجاز العلمي هذا المنحى الجمالي في نظم القرآن وصياغته الذي هو عليه؛ ظانين بذلك أنه منحى قديم قِدم التراث العربي، وأنه قُدِّر فقط لقومٍ كان تذوق اللغة عندهم وبيانها جزءاً من شخصيتهم، وأنه من ثم لم يعُد كذلك لمن تبعهم من أجيال، غلب عليهم تقديم قيمة المحتوى القرآني على الصورة اللغوية للنظم. ومرد دفاعنا عن المنحى الجمالي في الصياغة، أنها لا تنفك في الحقيقة عن قيمة المحتوى، وتوجد لذلك شواهد عديدة في الصياغات القانونية في النظريات العلمية الحديثة، بل إن جمالية الصياغة أصبحت من معايير صدق المحتوى! فالقانون العلمي المفتقر لجماليات النظم العلائقي بين عناصره، أصبح أقل قيمة علمية وحظوة عند العلماء من قانون يماثله في قيمة المحتوى، ولكنه أرقى منه في الصياغة والنظم! وإن حصل ذلك لأصبح دليلاً عن ضرورة تعديل القانون الأقل جمالاً أو اتساقاً للوفاء بالمزيد من المزية النظامية/الجمالية. بل إن المدخل الجمالي نفسه أصبح فرعاً من فروع البحث العلمي الساعي إلى، والباحث عن، صادق القوانين في محتواها المفاهيمي. وأقرب مثال لذلك مفهوم النظامية، أو التماثل symmetry. ودون الدخول في تفاصيل ذلك – وهو موضوع قائم بذاته - نستكمل مع محمود شاكر مذهبه في (إعجاز القرآن)، لنرى انعكاساته على رأيه في التفسير والإعجاز العلمي في القرآن.
يقول محمود شاكر[6]: "(إن) معرفة معنى (إعجاز القرآن)، ما هو وكيف كان، أمرٌ لا غنى عنه لمسلم ولا لدارس، وشأنه أعظم من أن يتكلم فيه امرؤ بغير تثبت من معناه، وتَمَكُّن من تاريخه، وتتبع للآيات الدالة على حقيقته. ... وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. (وذكر قصة بداية الوحي) ... أمره ربه أن يقرأ ما أنزل عليه على الناس .. ولم يكن من برهانه، ولا مما أمر به أن يلزمهم الحجة بالجدال، حتى يؤمنوا أنما هو إلهٌ واحد، وأنه هو نبيُّ الله، بل طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم إليه، ويُقرّوا له بصدق نبوّته، بدليل واحد، هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه. ولا معنى لمثل هذه المطالبة بالإقرار لمجرد التلاوة، إلا أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية؛ فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه هو، ولا من كلام بشر مثله. ثم أيضاً لا معنى لها البتة إلاّ أن يكون في طاقة هؤلاء السامعين أن يميزوا تمييزاً واضحاً بين الكلام الذي هو من نحو كلام البشر، والكلام الذي ليس من نحو كلامهم."
نقول: لا نجادل في هذا الكلام، غير أننا نرى غموضاً في عبارته التي تقول: "أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه". ولإزالة هذا الغموض نسوق هنا مثالاً – يجلِّي المسألة - لموقفٍ من هذه المواقف التي يستمع فيها أعرابي للقرآن، وما تبع ذلك من حوار دار بينه وبين قارئ القرآن عليه، وهو حوار يحمل كثيراً من الدلالات:
ذكر القرطبي في تفسيره: "عن الأصمعي قال: كنت أقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غفور رحيم}، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ - قلت كلام الله. قال: ليس هذا كلام الله! فانتبهت فقرأت: "وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(المائدة:38). فقال: أصبت. هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ ... - قال: لا. ... - قلت: من أين علمت؟ - قال: يا هذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع."
من البين في هذا المثال أن الأعرابي، الذي أقر بأنه لا يقرأ القرآن، أي: لا يحفظ متنه في صدره. إنما علم من سياق الآيات، ما لا ينبغي أن يأتي من تالي ألفاظه! وأنه قد فطن إلى أن ما سمعه أول الأمر ليس من كلام الله تعالى، لأن الكلام معيب، رغم أن المتلو عليه كان مكوناً من جزئين؛ كل منهما من كلام الله تعالى حقاً، ولكن الجزئين لا يأتلفان دلالة، ولا يمكن أن تتبع ثانيتُهُما الأولى. وقد علل الأعرابي ذلك صراحة، وجاء تعليله بديعاً في تحليل المتن المتلو عليه، فاستنكر ما كان متنه معيباً أن يُنسب إلى الله تعالى، رغم أن جزئيه - كلٌّ على انفراد - من كلام الله، وقد جاء في موضع مباين، وفي سياق يخصه، غير الذي أخطأ الأصمعي في جمعهما دون انتباه.
وهذا المثال غايةً في بيان أن الذين سمعوا كلام الله تعالى من رسوله الأمين، قد أقروا بأنه كلام الله، ليس لجمال نظم متلو بلا إمعان للمعنى والصدق الدلالي، بل لارتقاء الكلام في معناه قبل نظمه؛ إذْ ما قيمة جمال النظم مع انكسار المعنى أو امتناعه. وما كان هذا شأنه من كلام الله تعالى، الذي يعلو ولا يُعلى عليه، فلا يُستشهد منه على النظم دون المعنى. فإن قيل: أن السبب في تمعُّر الأعرابي من قبول الكلام دون مراجعة، أن جُزْئَي الكلام لم يأتلفا نظماً، فاختلّ بذلك، فنفر منه الأعرابي! قلنا: لو كان الأمر كذلك، لما علل الأعرابي بالتعليل المذكور، ولقال ما يشبه أنه استنشز الكلام، وهذا لم يحدث، بل حدث خلافه. كما وأن القارئ هو من هو، إنه الأصمعي، ومعروف قدره في العربية، فكيف به ينطق بما يكسر النظم ويخدش جماله؟! – فالمسألة إذاً - لو كانت كذلك - لم تكن من جهة النظم، إلا إذا التئم المعنى، ثم من بعده انكسر النظم، وأبت الآذانُ سماعه.
وهب أن مثال الأصمعي والأعرابي السابق، قد تكرر في أيامنا هذه، وقرأ القاريء، فأخطأ وقال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، والشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، والليل سابق النهار، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وكان يجلس بجانب القارئ عالم بالفلك لا يقرأ القرآن، فسأل الفلكيُّ القارئ: كلام من هذا؟ فأجابه مثل جواب الأصمعي، فاعترض الفلكي مثل اعتراض الأعرابي! – وعنده أسبابه في فساد المتن كما كان عند الأعرابي- فكيف نحلل إذاً هذا الحوار الشبيه بالأول، وإلى ماذا نُرجع فطنة هذا العالم الفلكي في انكسار المعنى؟!!! ... وقد لا نعدم من يحاجج الفلكي ممن يظن أنه من أهل الفصاحة المعاصرين، ويقول له هذا دين وليس علماً فلكياً حتى تدلي فيه بدلوك! ..وعندها علينا أن نستغرب الأمر! ...ونتساءل .. كيف انقلب الأمر بين صاحب الحُجَّة والمحجوج، وكيف ضاع منّا معيار الاحتجاج؟!
يصعب جداً التمييز - من حيث جمال نظم - بين الكلام السابق، وبين قول الله تعالى "لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ... الآية" من حيث السياق اللغوي، المجرد عن العلم بالفلك. هذا بافتراض أن العالم الفلكي من متذوقي اللغة العربية على تمامها. فإذا اعترض على القارئ بأن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله، ثم سأله القارئ: وكيف عرفت أن هذا الكلام ليس من كلام الله تعالى؟ - فسوف تكون إجابته: لأن نجم الشمس لا يمكن أن يصطدم في سنن حركته الجارية بالقمر، كما وأن الليل والنهار قائمان لا يسبق أحدهما الآخر، وما بدأ أحدهما قبل الآخر، وسيضيف عالم الفلك: وهذا مما أعلمه يقيناً من سنن علم الفلك ولوازمه!!!
وهنا نأتي على المحك!
هنا يرفض عالم الفلك هذا النظم المتلو، رغم خفاء فروق المعاني وجمال السياق بينه وبين كلام الله تعالى، مثلما رفض الأعرابي تلاوة الأصمعي الخاطئة، والعلة المشتركة بينهما، هي أن الكلام المستنكر يتناقض مع الحكمة العلمية، التي هي مطابقة الكلام لواقع الحال المحكي عنه.
وهنا نصل إلى نتيجة هامة، وهي أن العلم الحديث قد مد في سعة أفق الحكمة العلمية، فأصبح الإنسان أبعد تمحيصاً للمعاني، وأقدر على مقاربة الكلام المتلو لوقائع الأحوال، وأصبحت مرجعيات الحكم على صدق الكلام وعدم صدقه أكثر تفصيلاً باتساع علم الإنسان. وهذا الأمر يتفاوت بالطبع بين الناس، تبعاً لنصيبهم من العلم الحديث من حيث النوع والعمق المعرفي. ومن هنا يرى الأكثر علماً من التوافقات المعرفية بين القرآن وبين ما يعلمه أكثر ممن هو أقل منه علماً، فإن كانت تلك (التوافقات، أو الالتقاءات) يقينية؛ ناسبتها التسمية: (إعجاز علمي)، وإن كانت أقل من اليقين، وتُقاربه، وعالية الرجحان، وبما لا يمكن نبذه أو تسخيفه من استدلالات؛ ناسبتها التسمية: (تفسير علمي).
وهنا نتساءل: هل من مذنب؟! ... ومن هو؟ ... هل هو عالم الفلك الفطن لما يسمع، العامل بما علَّمه الله؟! ... أم من لا يمتلك أدوات التمييز بين أي العبارات أصدق؟! فضلاً عن إقامة البرهان على علة صدقها؟! ... وليس هذا اتهاماً لأحَدْ، بل هو عملٌ بقول الله تعالى "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ"(الزمر:18)، ويُقال مثل هذه الدقائق المعرفية على مئات الآيات ذات العلاقة بالمخلوق الحي والجامد.
ونأمل بهذه الأمثلة أن نكون قد أزلنا الغموض الذي أحاط بعبارة محمود شاكر رحمه الله تعالى، في قوله: "أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه". حيث أن فهم المعاني بالوقوف على أسباب صدقها، وأسباب فساد ما خالفها، إنما سبيله العلم بالمعاني، قبل الانتشاء ببديع النظم، ... وهذا هو التفسير العلمي وإعجازه لما تيقن منه. ... ولا ضرورة لأن يرتقي الأمر دائماً إلى جدل أو جدال إذا تجاوز "إعجاز القرآن" حاجز النظم، وحط رحاله في جنان المعاني، كما أراد محمود شاكر من قوله "ولم يكن من برهانه، ولا مما أمر به أن يلزمهم الحجة بالجدال، حتى يؤمنوا .. بل طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم إليه، ويُقروا له بصدق نبوته، بدليل واحد، هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه."
ويتابع محمود شاكر ويقول[7]: "وكان هذا القرآن يُنزَّل منجماَ، وكان الذي نزل عليه يومئذ قليلا .. فكان هذا القليل مما أوحي إليه من الآيات يومئذ، هو على قلته وقلة ما فيه من المعاني التي تتامت وتجمعت في القرآن جملة كما نقرؤه اليوم، منطوٍ على دليل مستبين قاهر، يحكم له بأنه ليس من كلام البشر..
وإذا صح أن قليل القرآن وكثيره سواء من (حيث) (أن هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر، وذلك من وجه واحد هو وجه البيان والنظم) ثبت أن ما في القرآن جملة، من حقائق الأخبار عن الأمم السالفة، ومن أنباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من تنزيل، كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب، وهو أن يستبينوا في نظمه وبيانه، انفكاكه عن نظم البشر وبيانه، من وجه يحسم القضاء بأنه كلام رب العالمين بهذا الدليل."
نقول: لا يُسَلَّم بأن علة الإعجاز بين قليل القرآن وكثيره لا بد أن تكون في نظمه وبيانه دون دلالته ومضمونه. فقليل الكلام الفائق النظم والبيان، لا ضمان معه في إصابة المضمون على نحو لا يستطيعه البشر، مثلما أنه يأتي في نظم وبيان إلهي لا يدانيه ناظم من البشر. بل إن تكشُّف المضمون متجددُ الصدق على نحو أبعد مما كان، في حين أن آليات النظم والبيان اللغوي لا تستدعي التجديد في ظاهرها. ومن ثَمَّ يكون المتجدد في القرآن مع مرور الزمن أشد إدماغاً على البشر مما خلا منه. فكان المضمون والمحتوى أدوم للتحدي، سواء مع قلته أو كليته. أما إن اقترن بُعد صدق المضمون مع بديع النظم، كان التحدي أفحم.
وإذا علمنا عدم امتناع، بل ضرورة، الإعجاز في المضمون، شمل ذلك كل مضمون أتى القرآن على شيء منه، سواء كان من أنباء الغيب أو دقائق التشريع، أو أسرار الكون، أو حتى ما لا يُعرف له تصنيف ولا تعريف من البشر بعد، بل ربما في مستقبل الزمان.
وفي هذا النوع الأخير من المضمون – الذي لم يعرف عنه البشر شيئاً بعد – هو المحك في بيان معنى الإعجاز الجديد، وهو الذي نفاه محمود شاكر أعلى حين قال: "..كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب"، وهو الذي غاب عن الذكر فيما كتبه يقول فيه: "إذا أقروا أنه كلام رب العالمين بهذا الدليل (يقصد النظم والبيان)، كانوا مطالبين بأن يؤمنوا بأن ما جاء فيه من أخبار الأمم، وأنباء الغيب، ودقائق التشريع، وعجائب الدلالات على أسرار الكون، هو كله حق لا ريب فيه، وإن ناقض ما يعرفون، أو باين ما اتفقوا على أنه عندهم أو عند غيرهم حق لا يشكون فيه."
نقول: لا شك أن المؤمن بالقرآن – أياً كان سبب إيمانه به – عليه بعد أن يؤمن، أن يُصدّق بكل ما جاء فيه، وأنه من عند الله تعالى، وأنه يعلو ولا يُعلى عليه، غير أن تصنيف محتوى القرآن إلى سبب للإيمان، هو النظم والبيان، ومُصدَّق من القرآن، هو المضمون، قسمة لا دليل عليها. فلا يمتنع أن يكون سبب الإيمان بعضاً من النظم والبيان، وبعضاً من المضمون، ومثال لهذا الأخير ما قاله الله تعالى عن بني إسرائيل "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"(الشعراء:196-197)، ومعناه أن مضمون القرآن الذي يطابق ما في زبر الأوليين بلغاتها التي أنزلت بها، آية لعلماء بني إسرائيل الذين يعرفون صحة هذه المطابقة وصدق المضمون، من سابق علمهم بزُبُر الأوليين، ومن ثم كان التعجب من فعلهم من عدم الإيمان مع توفر سببه لهم دون غيرهم! وفي نفس الوقت كان إخبار القرآن أنه في زبر الأوليين مُصدَّق عند من آمنوا بالقرآن لغيره من أسباب، ولأصبح ذلك بالنسبة إليهم خبراً جديداً – رغم قدمه- إذا علموا بصدقه ممن يعلم ذلك من علماء بني إسرائيل. ويستوي في ذلك أي مضمون جاء في القرآن، وتبين له مُصدِّق آخر من خارجه، أو استبان واحتكم مضموناً بعد أن كان مشتبهاً، مثلما هو حال الآيات الكونية أو آيات الحكمة التشريعية، أو غير ذلك، وهو ما أصبح مندرجاً في مُسمّى الإعجاز العلمي، أو دلائل صدق القرآن وأنه من وحي الله سبحانه دون غيره.
ومعنى ذلك أن كل مضمون في القرآن يحتمل أن يكون آية وسبب للإيمان عند قوم، ومصدق به بعد الإيمان بالقرآن عند قوم آخرين. وإذا عُلم ذلك، عُلم أن نفي دلالة المضمون واستبعاده كآية تدعو للإيمان بالقرآن – أي كونه إعجاز علمي على أن القرآن وحيٌ من عند الله وحده – لم يكن نفيه واستبعاده على صواب من أصحابه. ولا يمنع ذلك أن يكون النظم والبيان أية أيضاً بينة جلية لأهل العربية – خصيصاً – ؛ العالـِمين بأسرارها المتذوقين لجمالها. فدلائل الإيمان المختلفات تقبل الإضافة دون مزاحمة، وهذه نعمة من الله تعالى على العباد، كلاًّ يُمِدُّ من عطائه ومَنِّه.
أما ما نستغربه حقاً فهو قول محمود شاكر: "أما صحة ما جاء فيه (يقصد من مضمون) فليست هي الدليل الذي يطالبهم بالإقرار بأن نظم القرآن وبيانه مباين لنظم البشر وبيانه، وأنه بهذا من كلام رب العالمين." لأنه يوهم بأن عين النظم والبيان يصبح المقصود لذاته (بعد مباينته لكلام البشر) إذا كان المضمون هو الدليل. ويثير هذا دهشتنا لغياب مثل هذا الادعاء، رغم كون النظم والبيان وتفرُّده تحصيل حاصل يُستشهد به على انحطاط أي نظم وبيان بشري بجانب كلام الله، مثلما يُستشهد بقدرة الله تعالى - لمن يقف من العلماء على بديع الخلق وعظمته - على أن قدرة البشر سراب بجانب قدرة الله تعالى. ثم كيف يكون النظم والبيان هو المستهدف الأول من أي كلام، ومعلوم أن الكلام إنما هو وعاء للمعاني. وأننا يمكننا أن نجد معاني بلا كلام؛ أي: "ما في الذهن من معاني لم يصغها صاحبها بعد في أي نظم"، ولكننا لا نجد أبداً كلاماً بلا معاني، وإلا كان ضجيجا، ولا يُسمى عندئذ أنه كلام!. .. ويبدو لنا من نفي محمود شاكر الاستشهاد بالمضمون على النظم والبيان، أنه يرى انفصالهما؛ أي أن الأمر عنده: إذا كان "المضمون" مُستَشْهَداً به، فلا بد وأن "النظم والبيان" هو المستشهد له، وإذا كان "النظم والبيان" هو المستشهد به، فالمضمون هو المستشهد له. وأن علينا أن نختار أحد هذين الاختيارين بلا اختيار ثالث، وإذا كان النظم والبيان هو المعلوم للعرب في قابلية التحدي، فالمضمون هو المستشهد له، ومن ثم يخرج بالضرورة عن الاستشهاد به. .. وهذه القسمة العقلية غير مستوفية لكل الاحتمالات إن أردنا العدل في القسمة والوفاء بها. ولو فعلنا لوجدنا أن بعض المضمون وبعض النظم والبيان قد يكون مستشهداً بهما، وأن بعض المضمون وبعض النظم والبيان قد يكون مستشهد لهما. وهذه القسمة الثالثة هي التي، لما غيبها محمود شاكر، أدت به إلى إنكار ما لا دليل على إنكاره، فضلاً عن فيض الأدلة التي تدعمها. 
ونود هنا أن نؤكد على أن محمود شاكر يتبع بدقة تعريفه وتمييزه بين دلالة القرآن على أنه من عند الله تعالى (دلالة النبوة ومصدرية الوحي للقرآن)، وإعجاز البشر على الإتيان بمثل القرآن (إعجاز القرآن). ففي حين أنه يقصر الإعجاز بهذا المعنى على النظم والبيان، إلا أنه لا يمنع أن يؤدي المضمون إلى تأكيد مصدرية الوحي للقرآن. وهذا هو التمييز الذي يقصده في عبارته التالية:
يقول[8]: "إن ما في القرآن من مكنون الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك يعد دليلاً على أنه من عند الله، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلام رب العالمين، لا كلام بشر مثلهم."
وإنّا لنعجب حقيقة من إصرار محمود شاكر على هذا التمييز، وتجنُّب تأييد أن العرف السائد بين الناس حديثاً على أن (إعجاز القرآن) يؤدي بدوره إلى إثبات (مصدرية الوحي للقرآن)، ومن ثم اتخذه الناس عَلَمَاً عليه، إذا أن قول الله تعالى يؤكد ذلك، عندما قال سبحانه: "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَـ .. "(البقرة:23). كما وأن محمود شاكر نفسه يؤكده، لقوله: " ما فيه من (مكنون الغيب، ودقائق التشريع، وعجائب آيات الله في خلقه) يعد دليلاً على أنه من عند الله ". إلا إذا كان يميز بين أن يكون من عند الله وأن يكون كلام الله تعالى، وهو تمييز لا مطلب له! .. ثم ما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها أحد من تحدِّي إعجاز القرآن بالإتيان بسورة من مثله إن لم يكن سعيه لنفي أنه من عند الله. فالإعجاز القرآني إذاً سبب لا يختلف عليه أحد أنه يؤدي إلى إثبات مصدرية الوحي. ولا ضير أن يضع الناس السبب عَلَمْ على المسبب. ويصبح الخلاف من ثم خلاف على التسمية. وتصبح عندئذ محاولات محمود شاكر الدؤوبة لنفي العلاقة بين مضمون آيات القرآن، وإعجاز القرآن الذي يقصده، صد لحق فهمه الناس وأيده محمود شاكر نفسه، وليس له من غرض إلا التعلق بالأسماء، رغم أنهم قالوا منذ القديم: "لا مشاحة في الألفاظ إذا فهمت المعاني".
أما من جهة وجاهة تسمية الآيات العلمية الكونية التي استبان صدق دلالتها والتي اشتهرت بـ "الإعجاز العلمي للقرآن" أنها إعجاز تحدي، فهذا غير صحيح، ولم يقصده أهل الإعجاز العلمي. وكل ما قصدوه أنه دلالة على صدق الوحي، وأنه من عند الله تعالى. فإن أريد التمييز بين "إعجاز (علمي) قرآني دلالي على الوحي"، و"إعجاز (علمي) قرآني يتحدى الإنس والجن عن الإتيان بمثل سورة من القرآن"، فهذا مطلب وجيه. .. ونُقِر بأن أصحاب الإعجاز العلمي، لم يستطيعوا - حتى الآن - تحقيق النوع الثاني، وأن كل ما استطاعوا تحقيقه هو شذرات من النوع الأول. أي أن الإعجاز العلمي الراهن هو فقط للدلالة على صدق الوحي، وليس التحدي. ... ومن ثم، يجب الإقرار أن التسمية الشائعة غير صحيحة، إلا إذا اعتبرت اصطلاحاً تواضع عليه مستخدموه، ولا يختلفون في معناه، أللهم إلا مع من يتمسك بحرفية المعنى اللغوي، مثل محمود محمد شاكر. والحق يقال أن من يتمسك بالمعنى اللغوي للإعجاز (العلمي وغيره من بياني وتاريخي وتشريعي ... إلخ) له كل الحق في استنكار الإسم المستعار لما هو دليل على صدق الوحي مما هو للتحدي، وأنه تركٌ لمجال التحدي شاغراً لا يملؤه إعجاز تحدي حقيقي. إلا قولهم أن الإعجاز القرآني الحقيق والذي غرضه التحدي هو – على لسان محمود شاكر - "نظم القرآن وبيانه".  وهذا لا نُقرُّهم عليه، وبيان ذلك على التفصيل هو ما أوردناه في موضع آخر (مقالة بعنوان: كيف يكون القرآن معجزاً للأعجمي؟!)، ونوجز هنا الفائدة منها:
"الإعجاز القرآني العلمي" الذي غرضه التحدي:
قال الله تعالى " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "(البقرة:23)
والآن: لنفترض أن هناك من أراد أن يخوض هذا التحدي! ... فماذا عليه أن يفعل؟
عليه بكل بساطة أن يأتي بمثل سورة – ولو في أقصر سور القرآن - من عند نفسه أو مما شاء من مصدر آخر يُعينه غير القرآن – حتى ولو سانده الإنس والجن جميعا.
وإتيانه بسورة يعني أن يأتي بـ (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى)، فإن أتى بها على شرطها المبين وعلى أي صورة كانت، لغوية أو رياضية، يكون قد اجتاز مرحلة أولى تتعلق بالمعنى، وعندها ننتقل إلى مرحلة ثانية تتعلق بالصياغة اللغوية لنرى درجة النظم والبيان المطلوب تحققهما قبل المقارنة مع سور القرآن.
وفي المرحلة الأولى، نقول: ليس هناك من أمل أن يستطيع مخلوق أو حتى كل عقلاء الخلائق، ولو مجتمعين، أن يأتوا من عند أنفسهم بـ أي (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى)؛ لأن هذا أمر محال! فأي إفادة مَأتيٌ بها، لا تَصدُق إلاّ جزئياً ومحلياً في المكان أو الزمان. أما أن تبقى صادقة دوماً ولا تنكسر أبداً فهذا ما لا يضمنه أحد من العلماء. بل سوف يتهكمون على من يأمل في نفسه أو غيره من البشر أن يحاول ذلك! وإذا سأل سائل: ولماذا؟ - نجيبه بأنه مهما أَتَى المخلوق من علم، فلن يعلم شيئاً إلا باستقراء ناقص أو تخمين، وكلاهما يخلو من اليقين، وكلاهما يحيد عن الواقع مع اطراد اختباره بمزيد من الفحص والرصد، فأنَّى يزعم زاعم أنه قد أتى بإفادة معرفية صادقة تحقق الشرط الأول؟! (أنظر في ذلك المحاولة التي أتينا بها في مقالة كيف يكون القرآن معجزاً للأعجمي؟! وهي محاولة فاشلة، رغم أنها اقتضت خبرة تزيد عن 2400 سنة في الاستقصاء والتحري عن معانيها!)
فإن لم يجتز المتحدي الشرط الأول، فالحديث عن النظم والبيان يصبح خارج دائرة التحدي لعدم الوصول إليه، وليس لعدم وقوع التحدي بالنظم والبيان القرآني، الذي هو في أعلى درجات البلاغة في التعبير عن الإفادة المعرفية القرآنية.
فإذا كان هذا هو حال البشر جميعاً، على الأقل، فقد أُسْقط في أيديهم، وخاب مسعاهم، وبقى القرآن شامخاً عزيزاً مهاب الجانب، لا تدانيه أي (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى) من عند غير الله العزيز الحكيم.
وإذا كان ذلك كذلك، فما هي الحاجة إلى المرحلة الثانية في أي مقارنة في النظم والبيان. إن هذا النظم الشارد يصبح ممتنع لممتنع، مثلما يشترط أحد شرطاً محالا ويقول، لو وُلد لي ولدٌ صحيح بعد أربعة أشهر من حمل أمه له، فسأفعل كيت وكيت. فالشرط ممتنع، وكلامه غير ذي فائدة، لأنه محال. فكذلك يصبح التمسك بأن الإعجاز القرآني منحصرٌ فقط في نظمه وبيانه، بلا قيمة عملية! لأنه أمر لن يصل إلى مرحلته أحد، إلا إذا تجاوز ممتنع، أي: أن يأتي بـ (إفادة معرفية تامة وصريحة المعنى) من عند نفسه، وهذا محال أبدا. ويبقى القرآن عصياً على التحدي ما بقى الليل والنهار؛ المعنى قبل النظم.
المؤلف



[1] محمود محمد شاكر (أبو فهر) (1909-1997)، أديب مصري، منافح شرس عن اللغة العربية، محقق للتراث، له معارك أدبية مع طه حسين ولويس عوض. له العديد من المؤلفات منها: المتنبي، القوس العذراء، أباطيل وأسمار، وله العديد من التحقيقات، منها: دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني. وقد حصل محمود شاكر على جائزة الملك فيصل العالمية عن كتابه "المتنبي" سنة 1984.



كلمة الشيخ الدكتور محمود محمد شاكر أمام الملك فهد بن عبد العزيز بعد تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية
وننوه إلى أن ما قاله الشيخ شاكر من أن كتاب المتنبي - الذي حصل على الجائزة بسببه - ليس من تأليفه، بل كان من تأليف شخص آخر له نفس الاسم، لم يكن إلا مزحة علمية لها غرض قد تحقق، والفقرة التالية مقتطعة من طبعة متأخره من كتابه: 
[2] " مداخل إعجاز القرآن"، محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، 2002، ص 154-155.
(أو: كتاب "الظاهرة القرآنية"، لمالك بن نبي، تقديم "محمود محمد شاكر"، ص 25-26.)
[3] السابق، ص 156.
[4] راجع هنا كتاب: "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي"، تصدير وترجمة: عبدالرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ص 12، ص (87-129). وقد رد المستشرق برونليش Braunlich على مرجوليوث Margoliouth في مقال مترجم نفس الكتاب ص (130-142).
[5] "في الشعر الجاهلي"، طه حسين، ص 38، دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة، تونس، بدون تاريخ ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، 1926. وقد رد عليه طائفة من العلماء في مقدمتهم مصطفى صادق الرافعي (في مقالات جمعت تحت عنوان "تحت راية القرآن")، ومحمود محمد شاكر.
[6] السابق، ص 156-158.
[7] السابق، ص 158
[8] السابق، ص163.

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الفصل (أ10) - محمد حسين الذهبي - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (أ10) محمد حسين الذهبي
بقلم: عزالدين كزابر
الدكتور محمد حسين الذهبي
عودة إلى فهرس الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
أيد الدكتور الذهبي[1] ما أورده الشاطبي من اعتراضات على التفسير العلمي، ثم عقب وقال[2]:
"هناك أُمور أُخرى يتقوى بها اعتقادنا أن الحق فى جانب الشاطبى ومَن لَفَّ لفه، فمن ذلك ما يأتى:
أولاً: الناحية اللغوية: كثير من الألفاظ القرآنية، تغيرت وتوسعت دلالاتها، بمرور الزمان. وهذه المعاني كلها تقوم بلفظ واحد، بعضها عرفته العرب وقت نزول القرآن، وبعضها لا علم للعرب به، وقت نزول القرآن، نظراً لحدوثه، وطروئه على اللفظ، فهل يعقل أن نتوسع هذا التوسع العجيب في فهم ألفاظ القرآن، وجعلها تدل على معان جدت باصطلاح حادث ؟!
ثانياً: الناحية البلاغية: البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، والتفسير العلمي للقرآن يضر بلاغة القرآن. لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله، إن كانوا يجهلون هذه المعاني، وكان الله يريدها من خطابه إياهم لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب! وإن كانوا يعرفون هذه المعاني، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية، من لدن نزول القرآن، الذي حوى علوم الأولين والآخرين ؟!
ثالثاً : الناحية الاعتقادية: أنزل الله القرآن إلى الناس كافة حتى قيام الساعة. ولو ذهبنا مذهب من يحمل القرآن كل شئ، وجعلناه مصدراً للعلوم ، لكنا بذلك قد أوقعنا الشك في عقائد المسلمين نحو القرآن الكريم. وذلك لأن قواعد العلوم، وما تقوم عليه من نظريات، لا قرار لها ولا بقاء. ولو نحن ذهبنا إلى تقصيد القرآن ما لم يقصد، من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات، فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم. لأنه لا يجوز للقرآن أن يُكذِّب اليوم ما صححه بالأمس."
أولاً: تكمن خلاصة اعتراض الذهبي في الناحية اللغوية في قوله: "هل يعقل أن نتوسع هذا التوسع العجيب في فهم ألفاظ القرآن، وجعلها تدل على معان جدت باصطلاح حادث؟! "
والرد عليه أن مدار الألفاظ على المعاني، ولهذا أمكن الترجمة من لسان إلى آخر، ولو لم تكن المعاني هي الأصل لما أمكن عبورها من لغة إلى أخرى. كما وأن اللفظ الواحد ذو وجوه من المعاني، يجمعها قالب دلالي مشترك. وباعتبار السياق يتعين للَّفظ وجه واحد فريد دون باقي الأوجه. وفي سياق آخر يتعين وجه آخر إن لم يكن الأول، وهكذا. ويصعب استغراق اللفظ لعدد منحصر من الوجوه، لأن القالب الدلالي للّفظ يحتمل عدد غير محدود من المعاني المتحدة القالب. والأمثلة على ذلك عديدة، منها على سبيل المثال لفظ "السماء"، فهي تؤول - إذا انفردت - إلى كل ما هو أعلى بالنسبة لغيره، أي "كلّ ما ارتَفع وعَلا"[3]، أو: سماءك "كلُّ ما عَلاكَ فأَظَلَّكَ"، فيكون من وجوهها - بالنسبة للأرض - كل ما في الكون ويعلو الأرض، ومن ذلك قوله تعالى "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ"(الأنبياء:16)، ويكون من وجوهها السماء الواحدة من بين سبع سموات خلقهن العزيز الرحيم، كما في قوله تعالى "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا"(فصلت:12). ومن وجوهها الغلاف الجوي كما في قوله تعالى "وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى"(طه:53). ومن وجوهها سقف البيت لأنه أعلاه، كما في قوله تعالى "مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ"(الحج:15). ومن وجوه لفظ "السماء" ما يؤول إليه قول الله تعالى "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ ..." ولم ترسو له في هذه الآية دلالة واضحة حتى الآن. وتكاد هذه القاعدة أن تعم جميع ألفاظ القرآن، أللهم إلا أسماء الأعلام والأجناس. والخلاصة أن اللفظ يحتمل وجوهاً قد تتعدد، ولا ينفرد بإصابة أحدها إلا بسياق مفيد المعنى. وحتى بعد ذلك قد يعمم الوجه المقصود أو يخصص، وقد يطلق أو يقيد، وللأصوليين في ذلك طرقهم في استنباط العلل والأحكام.
وعلى ذلك، يجوز حمل شيء من الاصطلاحات المستحدثة على بعض معاني ألفاظ القرآن في وجوه خاصة لها، بما تسمح به هذه البنية اللغوية للقالب الدلالي للّفظ، ووجوهه المحتملة، والآليات الاستنباطية المشار إليها، واشتراكات محتملة بين معنى السياق القرآني ومعنى الظاهرة الطبيعة (أو الاجتماعية أو الإنسانية أو النفسية). فمن هذه الاصطلاحات في علاقاتها المحتملة مع مفردة "السماء" في القرآن نجد: "الفضاء"، و"الغلاف الجوي" وأي من طبقاته المختلفة، و"المجرات"، والعناقيد النجمية، والنسيج الكوني، و"النجوم"، والثقوب السوداء، و"السُدُم"، و"الأشعة الكونية"، و"الفراغ"، و"الفضاء الفيزيائي"، ... .
وإذا كانت ثقافة المفسِّر ضحلة في المعارف المختلفة، وجديد المكتشفات والظواهر التى تنفلق أسرارها للإنسان دوماً، وإذا كان لم يمتثل لأمر الله تعالى " قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "(يونس:101)، فمثله مثل من يفتي الناس في غير قريته - دون أن يخالط أهلها، ويعلم طباعهم وسجاياهم وبيئتهم ومعايشهم وأحوالهم ولسانهم ودلالات كلامهم، وفي المجمل لم يعرف أعرافهم الاجتماعية، فأنى له يُسقط أحكام الله على واقع غير معلوم ولا مفهوم، وأنى له يُنْكر على المتفحص لكل ذلك من المتفقهه الواعية؛ يريد أن يعلم أن كلام الله تعالى من أحوال هؤلاء الناس هو كذا وكذا، وأن معاني كلامهم من كلام الله تعالى هو كذا وكذا؟!
وإذا كنا ننادي ألا ينغلق الباب دون التوسع الدلالي بما تسمح به المعاني في اللغة، إلا أن ذلك لا يعني تحكيم الاصطلاح الحادث في عام المعنى أو مطلقه، ويندرج هذا في التخصيص بلا مخصص، والتقييد بلا مقيد، ويقع هذا ممن يغلب على تفسيره الظن والهوى والقصور العلمي. ومن ذلك كلمة "ذرَّة" في قول الله تعالى "وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"(يونس:61). فالاصطلاح الحادث اختار هذا اللفظ "ذرَّة" حديثاً ليعني الجزء الذي لا يتجزء من المادة، رغم أن نفس هذا المعنى كان قد اُختير له اصطلاح آخر في العربية قبل بضعة مئات من السنين، هو "الجوهر الفرد"! وقد كان هذا الاصطلاح الأقدم[6] أدل على المعنى، وأبعد من الالتباس، بما تكشف لاحقاً من أن ما حمل اصطلاح "الذرة" من المادة قابل لأن يتجزأ، رغم أنه متفرد في صفاته! أي أن الخبرة التجريبية أثبتت لاحقاً مفارقة الاصطلاح الأحدث، أي: "الذرة" لما اصطُلح له من معنى. فظن وتوهم بعض المشتغلين بالتفسير العلمي أن تفكُّك ما اصطلحوا عليه بإسم "ذرة" إلى ما هو أصغر منه، كان نبوءة القرآن، وأنه مطابق لما قصدته الآية الكريمة " وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ (أي الذرة).. إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "! .... ولكن هذا غير صحيح، لأنه كان من الممكن إطلاق لفظ "ذرة" على ما تم تسميته "جزيء" والذي تبين أنه جمْعٌ من عناصر متشابهة (التي سُمِّيت ذرات) دون أفرادها، فهل كان تفكك الجزئ لتلك العناصر المفردة يؤدي إلى تحقق نبوءة القرآن أيضاً لو سمّي الجزيء ذرة، ولو لم تتفكك ما سموه "ذرة"؟! ... وماذا لو بقى الاصطلاح القديم "الجوهر الفرد" هو الاسم المعتمد بدلاً من الذرة، هل كانت نبوءة القرآن – المظنونة - بأن هناك أصغر من الذرة لتنمحي؟! ... ثم بعد أن يظهر أن هذا الجوهر الفرد يتفكك إلى ما هو أصغر منه (البروتونات والنيوترونات والإلكترونات والنيوترينوهات، .. و مئات أخرى من الجسيمات)، فما الذي يمنع أن يُسمى أي أو كل هذه الجسيمات الأصغر ذرات، وليس تجمع منهم على ما هو شائع الآن؟! ... بل ما الذي يمنع أن اصطلاح "ذرة" يُستبقى ويؤثر لما هو أدق من ذلك واُطلق عليه لاحقاً بالإنجليزية وغيرها (كوارك)، أو فئة الجسيمات المسماة ليبتونات، والمعلوم أنه لا تتفكك؟!!! ... الحقيقة أن إطلاق الاصطلاح لا مشاحة فيه كما قال علماء اللغة (إذا فُهمت المعاني ولم تتداخل وتتغامض)، ولكن الخطأ يقع في تقييد اللفظ القرآني ("ذرة" في هذا المثال) بقيود المواضعة دون المعنى. وهنا يكون ضبط التعامل مع اللفظ القرآني هو المنهج السوي، لا منعه كما يؤدي إليه كلام الشيخ الذهبي، ولا التلاعب به – حسب الظن والهوى وقلة الخبرة والحنكة العلمية- كما يفعل الإعجازيون (المتهافتون سريعاً نحو أي إعجاز مهما كان مشتبها).
أما عن الناحية البلاغية فقد اعترض الشيخ الذهبي وقال: "البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، والتفسير العلمي للقرآن يضر بلاغة القرآن. لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله، إن كانوا يجهلون هذه المعاني، وكان الله يريدها من خطابه إياهم، لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب! وإن كانوا يعرفون هذه المعاني، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية، من لدن نزول القرآن، الذي حوى علوم الأولين والآخرين ؟!"
أما وأن البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، فهذا لا مراء فيه. أما المراء فهو في القول بأن من خوطبوا به هم فقط من عاصروا نزوله. نعم، الخطاب القرآني نزل للناس كافة بلسان عربي مبين، ومن وقت نزوله إلى قيام الساعة. والأدلة على ذلك وفيرة ولا ينكرها إلا من لا يعلم الإسلام من آي القرآن، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولو شئنا لسردنا منها ما نعلم، ولسودنا بها صفحات وصفحات.
أما القرآن فمنه المحكم والمتشابه، ولا ينكر ذلك عالم بالقرآن. فالمحكم لا يختلف على فهم المراد منه أول المسلمين من آخرهم إذا تعلم اللسان العربي على وجهه الصحيح. أما المتشابه فهو ما يتكشف تباعاً للناس بما تقتضيه زيادة معارفهم، واختلاف ثقافاتهم إلى ما هو أصوب عن السابقين لهم، فيظل القرآن يخاطب كل أمة من الأمم المتتالية جيلاً بعد جيل، بما يعرفون من آيات دلائل القدرة والعلم، بما لا ينضب معينه، ولا تنقضي عجائبه.
فإذا كانت هذه هي أحوال الناس من استحقاق لمخاطبة القرآن لهم على اختلافهم وتوسع معارفهم، وإذا كان هذا هو القرآن على إحكامه وتشابهه وفيض عطائه وتجدد معينه، فلا بد وأن النموذج البلاغي الذي أورده الشيخ الذهبي قد جانب الصواب حين افترض قرآناً ساكن المعاني، ومخاطبين راكدي الثقافة. ويصبح ما ذَمَّه الشيخ رحمه الله تعالى في انتفاء البلاغة عنه هو قمة البلاغة، وما مدحه الشيخ بدعوة البلاغة ليس "بلاغة" في الحقيقة!
وكما أقررنا أن البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، ولأن الحال أصبح أمم متعاقبة وثقافات متشعبة ومعارف متجددة، فوجب أن تقتضي بلاغة القرآن ثراء المعاني وتجددها لتفي بمتطلبات كل هذا التنوع. ولا ريب أن يكون ذلك بقَدَرٍ من الله، يخرجه وقتما يشاء، بحكمته البالغة، وهو سبحانه من تعهد ببيان وحيه بذاته العلية، فقال " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"(القيامة: 19). ويصبح نضوب معاني القرآن على ما فهمه الأولون بقدر وعاءهم الثقافي، وفهم آياته التي كانت متشابهات على ما قيل فيها من قبل، دون أدلة راجحة ولا حجج بالغة، يصبح عبئاً تراثياً، وقيداً فكرياً، واجتراراً معرفياً. وتكون النتيجة انطلاق الحضارات المغايرة استباقاً ومغالبة وفتنة للناس وأخذاً بألباب الأغرار من أبناء المسلمين، فلا يبقى من الدين إلا كتب الأولين، وإن جدّ جديد، فلا يزيد عن النقل عنها، وطحن الطحين.
أما عن الناحية الاعتقادية فقد اعترض الشيخ الذهبي وقال: "أنزل الله القرآن إلى الناس كافة حتى قيام الساعة. ولو ذهبنا مذهب من يُحَمِّل القرآن كل شئ، وجعلناه مصدراً للعلوم، لكنا بذلك قد أوقعنا الشك في عقائد المسلمين نحو القرآن الكريم. وذلك لأن قواعد العلوم، وما تقوم عليه من نظريات، لا قرار لها ولا بقاء. ولو نحن ذهبنا إلى تقصيد القرآن ما لم يقصد، من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات، فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم. لأنه لا يجوز للقرآن أن يُكذِّب اليوم، ما صححه بالأمس."
نقول أن " الالتقاء بين بعض مقولات العلوم الحديثة و بعض المقولات الجديدة في فهم آيات القرآن " لا يتطابق مع الاتهام الذي أتى به الشيخ الذهبي والذي نصه "تحميل القرآن كل شئ، وجعله مصدراً للعلوم". إن واحدة من أهم أوليات الفكر الإسلامي تأصيلاً هي "تحرير محل النزاع". ولا نرى إلا أن الشيخ قد تراءى له محلاً للنزاع لا وجود له، ثم بنى عليه أحكاماً إقصائية. فهذا الالتقاء المشار إليه، لا يستطيع أن يدعي أصحابه مهما أُتوا من جرأة، ومهما حاولوا من إقصاء لغيرهم، أن يقولوا أنه التأويل الوحيد والفريد والنهائي لآيات القرآن. إنه لا يعدوا أن يكون طرحاً ووجهاً محتمل النظر والاعتبار، وجل خطئهم أن يحشروه في الإعجاز، وكان عليهم أن يبقوه محض تفسير، ويجوز لغيرهم أن يحققوه وأن ينقدوه، ولهم إن استطاعوا أن ينقضوه. فالنقاش منفتح الأبواب، والأفهام متفاوتة المشارب ومتفاضلة منح العزيز الوهاب. وتبقى الغلبة للحجة الأقوى، بما يعضدها من وقائع وأحوال، لا لحبس الأنفاس وحجر الأفكار. وما نرى الإسلام قام يناهض الناس ليرغمهم على الإيمان، إنما قام يناهضهم لكسر الحواجز والآصار التي كبل الناس أنفسهم بها، فيصل كلام الله إلى الناس حُراً طليقة، فيقبله من شاء الله له النجاة، ويُعرض عنه من لا يستحقه. إن أصحاب التفسير والإعجاز العلمي بشر كغيرهم، لهم إصابات، ولهم مثلما لغيرهم من الزلات. وقد تقود حماسة بعضهم إلى الزعم بيقين وهمي لا دليل عليه، أو أن يَظهر دليلٌ لا يعلمه أحدهم على خلاف زعمه، وفقط عندئذ يجب التدخل من أهل العلم والتحقيق في كل مسألة مسألة، بأن يردوا الأمور إلى نصابها، ويظل كتاب الله تعالى عزيزاً متعالياً.
وربما يكمن الإشكال في غياب أهل العلم والتحقيق المشار إليهم الذين يردون الباطل، ويدعمون الحق فيه. فمناخ الالتقاء بين القرآن والعلوم الحديثة جديد، لم تتراكم فيه الخبرات بعد، ولا تشكلت له محبوكات المناهج قط.
وما نرى إلا أن مُتَّبعي التفاسير والمذاهب الموروثة - حذو القذَّة بالقذَّة - قد انتفضوا لما أثارته عليهم تلك الثورات الإعجازية الجديدة من تعكير صفو علومهم، فاتخذوا مبدأ "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". ويُخشى أن تكون معارضتهم لما هو جديد لا عن تحقيق وإصابة، وإنما عن اتقاء وحماية. وليس بمستغرب أن ينقلب شدة الاتقاء، وفرط الحماية إلى نقيض حرية طيور الفكر في الإسلام، والتي ما ناهض الإسلام غيره إلا للدفاع عنها. وأخشى ما نخشاه على الإسلام أن يكون أتباعه قد فقدوا الحُجَّة والبرهان، وآثروا السلامة والاطمئنان. فإن كان، فلله تعالى جنودٌ من الملائكة والأنام، لا يكلُّون فيَنامون، ولا يُصادِرون ولا يَتَّهمون، وهم بعملهم مشغولون.

ولنا في أبي حامد[4] وابن تيمية[5] مثالان، قام الأول فكشف زيف المتفلسفة وتهافتهم، ومخالفتهم للقرآن، وقام الثاني فعرى المنطق الأرسطي العقيم، وكشف خداع وأوهام العقل البهيم. ولو أنهما قطعا ألسنة المتفلسفة والمتعقلة لكان لهم دمٌ ومعهم أعذار، ولمالت معهم قلوب المتذبذبة والفجار، ولَكَمن تحت الرماد ضرامها، وترقب إلى التلظي أزيزها، غير أن للحجة البالغة سلطانها، شديدٌ على أهل الباطل لجامها.
المؤلف




[1] محمد حسين الذهبي (1915 - 1977)، حصل على درجة العالمية، أي الدكتوراه، بدرجة أستاذ في علوم القرآن عام 1946 من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، عن رسالته التفسير والمفسرون التي أصبحت بعد نشرها أحد المراجع الرئيسة في علم التفسير. ترقى إلى عميد كلية أصول الدين، ثم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية (هيئة كبار العلماء سابقاً)، ثم وزيراً للأوقاف وشئون الأزهر حتى عام 1976. وفي عام 1977 أغتيل على يد جماعة التكفير والهجرة. له مؤلفات عديدة منها: الوحي والقرآن الكريم، الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها، تفسير ابن عربي للقرآن حقيقته وخطره. التفسير والمفسرون ، مقدمة في علم التفسير ، مقدمة في علوم القرآن ، مقدمة في علوم الحديث ، الإسرائليات في التفسير والحديث ، نور اليقين من هدي خاتم المرسلين.
[2] محمد حسين الذهبي، "التفسير والمفسرون"، 4/391.
[3] كما قال الزجاج – لسان العرب مادة (سما).
[4] أبو حامد الغزالي، في كتابه تهافت الفلاسفة.
[5] ابن تيمية الحراني، في كتبه: نقض المنطق، والرد على المنطقيين، ودرء تعارض العقل والنقل.
[6] وجدنا أن أحدث استخدام عملي لاصطلاح "الجوهر الفرد" لكلمة Atom قريب إلى حدِّ تفاجأنا له، فقد وجدناه في خطبة مترجمة في مجلة المقتطف (فبراير 1915) للفيزيائي الإنجليزي الشهير أوليفر لودج Oliver Lodge. وقد نقل ذلك لنا محمد فريد وجدي في "دائرة معارف القرن العشرين"، الجزء 6/ ص 587، 588. وجاءت العبارة الأولى التي تشمل هذا الاصطلاح "الجوهر الفرد"- من أصل عبارتين -  في الخطبة المترجمة كالآتي: [أن الإنسان ... بدأ اليوم يعرف شيئاً عن بناء الجواهر الفردة.]


الاثنين، 11 نوفمبر 2013

الفصل (أ9) - أبو إسحاق الشاطبي - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (أ9) أبو إسحاق الشاطبي
بقلم: عزالدين كزابر
بسم الله الرحمن الرحيم
لأبي إسحاق الشاطبي[1] موقف حاسم ضد القائلين بأن القرآن يحتوي بين دفتيه على شيء من المعارف التي لم يعهدها العرب، ويقيم حُجَجه في ذلك على أن "الشريعة أمِّية"، ويقول[2]: [هذه الشريعة المباركة أمية؛ لأن أهلها كذلك، فهو أُجْرِي على اعتبار المصالح، ويدل على ذلك أمور: أحدها:  النصوص المتواترة اللفظ والمعنى، كقوله تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ"(الجمعة:2)، وقوله: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ"(الأعراف:158)، وفي الحديث: "بعثت إلى أمة أمية" لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين، والأمي منسوب إلى الأم، وهو الباقي على أصل ولادة الأم لم يتعلم كتابا ولا غيره، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها. وفي الحديث: "نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، وقد فسر معنى الأمية في الحديث، أي: ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب. ونحوه قوله تعالى: "وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ"(العنكبوت:48) وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة في الكتاب والسنة، الدالة على أن الشريعة موضوعة على وصف الأمية لأن أهلها كذلك.
والثاني: أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما، إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية أو لا، فإن كان كذلك، فهو معنى كونها أمية، أي: منسوبة إلى الأميين، وإن لم تكن كذلك، لزم أن تكون على غير ما عهدوا، فلم تكن لتتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد، وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها، فلا بد أن تكون على ما يعهدون، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية، فالشريعة إذاً أمية.
والثالث: إنه لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزاً ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم: هذا على غير ما عهدنا، إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام، من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا، وهذا ليس بمفهوم ولا معروف، فلم تقم الحجة عليهم به، ولذلك قال سبحانه: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ"(فصلت:44)، فجعل الحجة على فرض كون القرآن أعجميا، ولما قالوا: "إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ"( النحل:103)، رد الله عليهم بقوله: "لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ"( النحل:103)، لكنهم أذعنوا لظهور الحجة، فدل على أن ذلك لعلمهم به وعهدم بمثله، مع العجز عن مماثلته، وأدلة هذا المعنى كثيرة.]
كتب الشيخ عبدالله دراز في شرحه على "الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي" توضيحاً لقول الشاطبي "هذه الشريعة المباركة أمية" وقال[3]: "أي: لا تحتاج في فهمها وتعرف أوامرها ونواهيها (يقصد من ذلك: من حيث هي عقائد وتكاليف) إلى التغلغل في العلوم الكونية والرياضيات وما إلى ذلك، والحكمة في ذلك: أولا: أن من باشر تلقيها من الرسول صلى الله عليه وسلم أُمِّيون على الفطرة. ثانيا: أنها لو لم تكن كذلك، لما وسعت جمهور الخلق من عرب وغيرهم، فإنه كان يصعب على الجمهور الامتثال لأوامرها ونواهيها المحتاجة إلى وسائل علمية لفهمها أولا، ثم تطبيقها ثانيا، وكلاهما غير ميسور لجمهور الناس المرسل إليهم من عرب وغيرهم، وهذا كله فيما يتعلق بأحكام التكليف، لأنه عام يجب أن يفهمه العرب والجمهور ليمكن الامتثال". ثم يُفَنِّد الشيخ عبدالله دراز تعميم كلام الشاطبي لصفة "الأمية" في معنى الشريعة ويقول: "أما الأسرار والحكم والمواعظ والعبر، فمنها ما يدق عن فهم الجمهور ويتناول بعض الخواص منه شيئا فشيئا بحسب ما يسَّره الله لهم وما يلهمهم به، وذلك هو الواقع لمن تتبع الناظرين في كلام الله تعالى على مر العصور، يفتح على هذا بشيء ولم يفتح به على الآخر، وإذا عرض على الآخر أقره على أنه ليست كل الأحكام التكليفية التي جاءت في الكتاب والسنة مبذولة ومكشوفة للجمهور، وإلا لما كان هناك خواص مجتهدون وغيرهم مقلدون حتى في عصر الصحابة، وكل ما يؤخذ من مثل حديث "نحن أمة أمية" ما ذكرناه على أن التكاليف لا تتوقف في امتثالها على وسائل علمية وعلوم كونية وهكذا."
ونقول: أنْ يجعل كلام الشاطبي من وصف الشريعة "شريعة أمِّيَة"، ويحمل هذا الوصف لينسحب على كامل محتوى القرآن من قيمة معرفية، وتتوقف مع الزمن عند صدر الإسلام الأول، وتظل هكذا وحتى قيام الساعة، فهذه حالة عطالة معرفية، تتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه"(الترمذي)، إضافة إلى أنه أمر غير مُبَرَّر ضرورةً بالعلّة التي ساقها الشاطبي، وفنّد عمومها الشيخ عبدالله دراز. وللوقوف على تفصيل ذلك، نوجز ما أقمنا عليه الحجة في دراسة "فضيلة"الأُمِّية وبراءتها من يقين الحساب الفلكي في رؤية الهلال" من معنى "الأمية" في كتاب الله تعالى "النبي الأمي" و "الأميين".  وكانت خلاصة هذه الدراسة أن "الأمية" تعني الحالة المعرفية الغضة التي على مُسْتَقْبِل الشريعة أن يكون عليها كي لا يكون لتأثير ثقافته السابقة - إن لم يكن أمياً - أي تشويش معرفي، يطمس شيئاً من رونق الشريعة ونضارتها، ويعكر معانيها الخالصة، كما أرادها الشارع الحكيم، سبحانه. وقد شبّهنا في تلك الدراسة إنزال الله تعالى رسالته – القرآن - على قلب النبي – صلى الله عليه وسلم- والأمة الحافظة لها،كمن يسكب طعامه وشرابه في إناء. وإذا كان أحدنا لا يقبل أن يضع طعامه إلاّ في إناء طاهر، فكيف بالقلب الذي تتقاطر فيه آيات الله تعالى! .. أفلا يكون الأنقى والأطهر؟! .. وما ذلك إلا القلب النقي معرفياً، أي القلب الأُمّي، والأمة الخالية من آثارات الحضارات السالفة، أي الأمة الأمِّية. أي أن الأمِّية حالة معرفية قِبلية لمستقبل دين الإسلام، وليست شرط ملازم للمسلمين على الدوام.
والمفارقة أن الدراسة التي أشرنا إليها، كانت قد أُعدت لعدة أغراض، منها الرد على الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - حين قال[4] بأن شرط رؤية الهلال العيانية ارتبطت بأمية أمة الإسلام التي نزل فيها الإسلام، لعلة النص عليها في حديث النبي عن دخول الشهر الهجري، فكان حُجته أن زوال الأمية عن المسلمين تعفيهم من لزوم الرؤية، وأن الحساب الفلكي عندئذ هو الأنسب. فكانت الأمية عنده قد زالت على التمام، ومن ثم، أراد أن يمحو معها كل ما رآه قد ارتبط بها. وإذ بنا هنا نرى من الشاطبي الرأي الضد من ذلك، أي: قوله أن بقاء الأمية في الشريعة أمر لازم لمعناها الذي لزمها ليناسب من أنزلت عليهم، ومن ثم بقاء الشرع الإسلامي - ويقصد منه المحتوى المعرفي لما في القرآن بتمامه - كما هو مطابقاً لما كان عليه السلف! ومن ذلك أن عِلَّة "الأمية" قد أوّلها الراغبون في محو الشريعة بزوال الأمية على التمام[5] ومن وراء كل ما يلزم عنها حسبما يرى هو، أما الراغبون في مطابقة ما كان عليه السلف – الخطوة بالخطوة والقذة بالقذة – مهما استجدت مسائل الحياة، ، وانكشاف معاني المخلوقات، ومنهم الشاطبي، فرأوا أن الشريعة أمية لأن أهلها الذي أنزلت عليهم كانوا كذلك، فلتتطابق حياتُنا وتصوراتُنا حياتَهم وتصوراتَهم، ولنعش ما عاشوا، ولنمحُ ما لم يشاكل ما كانوا عليه. فكان التأويلان على الضد من بعضهما، الأول يجردنا من الشريعة بما تجردنا به من الأمية، والآخر يعيدنا إلى أمية ما أنزل الله بها من سلطان، و لا ريب أن كلّاً منهما قد طوع معنى "الأمية" حسب رؤيته، لا حسب معاني آيات القرآن المنزَّهة عن التصورات القريبة!
والمستَغْرب في كلام الشاطبي آليته البرهانية في إقصاء ما لا يجيزه، حيث نراه يستخدم المنطق الأرسطي في ثنائيته المتواترة بحصر الإشكال بين الصدق والكذب (إما وإما) وذلك في قوله [أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمِّي صلى الله عليه وسلم إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما، إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية أو لا، فإن كان كذلك، فهو معنى كونها أمية، أي: منسوبة إلى الأميين، وإن لم تكن كذلك، لزم أن تكون على غير ما عهدوا.] حيث يضطر الخصم إلى قبول أحد الأمرين، وحيث أن الأمر الأخير لا شك في ضلاله (من كون الشريعة على غير ما عهد العرب) فيلزم الخصم أن الشريعة أُمّية! ... وهو لزوم ما لا يلزم بالمعنى الذي أراده الشاطبي. وهذه قسمة غير سديدة. فمن جهة كون المنطق الثنائي هو عين المنطق الأرسطي، فهذا يوقع الشاطبي في تناقض استخدامه المنطق الذي نبذه لاندراجه فيما يخرج عن الأمية، ومن جهة ثانية أن القسمة العقلية في موضع النزاع ليست ثنائية، لأن الشريعة أمية من الجهة (التكليفية التعبدية)، وغير أمية من الجهة (الاجتهادية العلمية). ومعلوم مدى الفساد الناتج عن إقصاء ما في الشريعة مما هو من تكاليف العلماء، ولا يمكن إدراجه في أمية شرائعية!
ونلحظ في حجج الشاطبي التي ساقها أعلى إشكال مربك، وذلك في قوله " إنه لو لم يكن (الشرع) على ما يعهدون (أي العرب) لم يكن عندهم معجزاً ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم: هذا على غير ما عهدنا، إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام، من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا، وهذا ليس بمفهوم ولا معروف، فلم تقم الحجة عليهم به، ولذلك قال سبحانه: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ"(فصلت:44)" ويمكن لم شاء من خصوم الإسلام من غير أهل العربية أن يستخدم نفس حجة الشاطبي هنا ويقول بلسان قومه: "لولا فُصّلت آياته" أي بلسان القائل، يحتج بذلك لكونه غير ما يفهم من أعجميته، مثلما كان العرب ليحتجوا لو لم يكن القرآن عربياً، والذي لم يلحظه الشاطبي – عفا الله تعالى عنه – أن الآية ذاتها قد أجابت عن هذه الحجة، سواء كانت من العرب لو لم يكن القرآن عربياً، أو من العجم باعتبار أن القرآن غير أعجمي، وجاءت الإجابة صريحة موجزة بليغة فصيحة "أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ"؟! ... أي: ليست العبرة بعربية القرآن ولا أمية أهل العربية، ولا لغير عربيته لو لم يكن عربياً. ففي أي لغة نزل ففيه الهدى، إلا أن مشيئة الله تعالى، وتقديره أن يكون القرآن عربياً. فالحجة مردودة، سواء كانت من عرب لقرآن غير عربي، أو من عجم لكون القرآن عربي. فـ عِلّة الإعجاز والتحدي القرآني واقعة في المحتوى المعرفي للقرآن، وليست في كونه عربياً ولا أُمّياً. وأيما لغة نزل بها القرآن، فحتما سيكون في أعلى درجات البلاغة والنظم والفصاحة، غير أن التحدي بذلك لا يُبتدأ به إلا بعد الإتيان على معاني صادقة، وأنّى لبشرٍ أن يأتي بمعاني صادقة وتظل صادقة ما دامت على الأرض شمسٌ تشرق؟! وعلى ذلك يكون التحدي بالصدق والقيمة المعرفية أساس الإعجاز والتحدي، فمن يتجاوزه – وهيهات- فليتحدّى بالبلاغة والنظم والفصاحة والجزالة. وهذا الأخير ممتنع لممتنع –ومثله مثل من يصمم بيتاً يسكن فيه على المريخ، وهو يعلم أن الحياة على المريخ محال- فما جدوى البحث والنظر في مثل فعله؟! (أنظر في ذلك مقالة: كيف يكون القرآن العربي معجزًا للأعجمي؟)
وإذا راعى الشاطبي المعنى الحقيق للأمية، وأنها صفة قِبلية للمُرْسل إليه الإسلام، ولمن بقى منهم على فطرته وسجيته من عوامهم دون خواصهم، وأنها تتعلق بالتكاليف التعبدية والمناسك وليست للطبقات الفقهية العليا من لوازم الشريعة، التي منها علوم حسابات المواريث، والمواقيت، وأصول الدين الفقهية والعلمية، وما وراء ذلك من حجاج الكافرين، وسجالات المتفقهين، ووصف للخلق والأرض والسماء، وما يرتبط بكل ذلك من دقائق وأسرار، لما كان له أن يقول[6]: "ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب، ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحدَّ ؛ فأضافوا إليه كلَّ علمٍ يُذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم (أي الرياضيات من الهندسة وغيرها)، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من أهل الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح .. وإضافة إلى هذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحدٌ منهم في شئ من هذا المُدَّعى، سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة وما يلي ذلك. ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر، لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشئ مما زعموا! وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"(النحل:8).وقوله "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"(الأنعام:38) ونحو ذلك …، فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين: ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"(الأنعام:38) اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع تلك العلوم، النقلية والعقلية … فليس بجائز أن يُضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصلح أن يُنكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه، على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فَبِه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له، ضل عن فهمه، وتقول على الله ورسوله فيه، والله أعلم وبه التوفيق."
 و قد رَدَّ على حجج الشاطبي، الطاهر بن عاشور - رحمه الله تعالى - في تفسيره وقال[7]: "هذا (الكلام) مبني على ما أسسه (الشاطبي) من كون القرآن لـمَّا كان خطاباً للأمِّيين وهم العرب فإنما يعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم، وأن الشريعة أمّية. ... وهو أساس واهٍ لوجوه ستة:
الأول: أن ما بناه عليه يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حالٍ إلى حال، وهذا باطل لما قدمناه، قال تعالى "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا"(هود: 49).
الثاني: أن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة وهو معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
الثالث: أن السلف قالوا (يقصد كما جاء في الحديث): "إن القرآن لا تنقضي عجائبه"، يعنون معانيه، ولو كان كما قال الشاطبي، لانقضت عجائبه بانحصار أنواع معانيه.
الرابع: أن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه، ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
الخامس: أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء، لا يقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لديهم، فأما ما زاد على المعاني الأساسية، فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
السادس: أن عدم تكلّم السلف عليها، إن كان فيما ليس راجعاً إلى مقاصده فنحن نساعد عليه، وإن كان فيما يرجع إليها، فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات، بل قد بيَّنوا وفصَّلوا وفرَّعوا في علوم عنوا بها، ولا يمنعنا ذلك أن نقتفي على آثارهم في علوم أخرى، راجعة لخدمة المقاصد القرآنية، أو لبيان سعة العلوم الإسلامية، أما ما وراء ذلك فإن كان ذكره لإيضاح المعنى فذلك تابع للتفسير أيضا. لأن العلوم العقلية إنما تبحث عن أحوال الأشياء على ما هي عليه، وإن كان فيما زاد على ذلك، فذلك ليس من التفسير لكنه تكملة للمباحث العلمية، واستطراد في العلم لمناسبة التفسير، ليكون متعاطي التفسير أوسع قريحة في العلوم."
وقال أيضاً في موضع آخر[8]: "والشاطبي قال في الموافقات: "إن القرآن لا تُحمَل معانيه ولا يُتَأوّل إلا على ما هو متعارف عند العرب" ولعل هذا الكلام صدر منه في التفصي (الخروج ) من مشكلات في مطاعن الملحدين؛ اقتصاداً في البحث وإبقاءً على نفيس الوقت، وإلا فكيف ينفي إعجاز القرآن لأهل كل العصور؟! وكيف يقصر إدراك إعجازه بعد عصر العرب على الاستدلال بعجز أهل زمانه إذ عجزوا عن معارضته؟! وإذ نحن نسلم لهم التفوق في البلاغة والفصاحة، فهذا إعجاز إقناعي بعجز أهل عصر واحد ولا يفيد أهل كل عصر إدراك طائفة منهم لإعجاز القرآن."
وإذا كان الطاهر بن عاشور، ومن قبله محمد عبدالله دراز، قد كَفَيانا مؤونة الرد، وخاصة ما أتى به ابن عاشور من تفصيل، إلا أنه يحق لنا أن نبحث عن علة أحكام الشاطبي، التي أدت به إلى حيود قياسه عن القبول.
وقد يكون من أمثل النماذج فيما نحن بصدده من علة الأمية في الأحكام – والتي احتكم إليها الشاطبي- مسألة الهلال ودخول الشهر القمري، وما فيها من خلاف بين النظار حول الوفاء بالرؤية البصرية للهلال كما جاء في صريح أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - أو الاستعاضة عنها بالحساب الفلكي. فقد جاء نص حديث النبي كالآتي: [إنا أُمّة أمِّيَة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا ...] ولا خلاف على أن علة عدم استخدام الحساب هنا "أمية الأمة"، والحكم هو الاقتصار فقط على رؤية الهلال رؤية عيانية صريحة. .. ولكن، هل تُعمم هذه العلة لكل أحكام الإسلام؟! ... وما جاء به الشاطبي، ونحن بصدده في هذه الدراسة، هو أنه عمم هذا الحكم على كل أحكام الإسلام، ممثلاً بالمحتوى المعرفي للقرآن. إلَّا أن التسليم بهذا التعميم غير متيسر، ولا مأمون من الاعتراض كما رأينا. .. بل إن ما قبله من المطابقة بـالأحكام الفقهية للمحتوى المعرفي للقرآن نفسه محل تساؤل ينبغي تقريره قبل حمل الأحكام الفقهية وعلتها (الجامعة المفترضة) التي هي الأمية على معاني القرآن. لأنه معلوم أن آيات الأحكام لا تمثل فقط إلا بعضاً قليلاً من آيات القرآن. .. بل وقبل هذا وذاك، هنا علة الأمية وتحكيمها على انفراد في دخول الشهر العربي. وهي مسألة غير مُسلَّم بها، إذ لا يمتنع أن يجتمع مع علة الأمية علل أخرى، يجب الوفاء بها. وهذا كله بخلاف أن حكم الهلال وتعليله بالأمية جاء نتيجة لصراحة النص في إقرار العلة، ويصبح تعدية الحكم بالأمية لغير ذلك من مسائل لا نص فيها للعلة أمراً مشكلا. ... ومن الواضح إذاً أن اقتفاء آثار ولوازم عموم حكم الأمية الذي اعتمده الشاطبي لا يتسم باليسر ولا الصراحة التي تبدو عليها. ويصبح أصل الحكم الذي بنى عليه الشاطبي حكمه الفرعي أمراً غير مستقر، ويسهل التشكيك فيه من جهات عديدة[9].
وأخيراً، .. نرى أن لهذا الموقف والحكم والرأي – أياً كان تصنيفه- من أبي إسحاق الشاطبي، صدىً لاحق أو رنين سابق في مواقف المدرسة الدينية – على اختلاف مذاهبها – من التصنيف الفكري بجملته عند المسلم. بمعنى أن أي مظهر فكري يعترض المسلم أصبح يُصنف – تصنيفاً صريحاً أو ضمنياً – بين تصنيفين لا ثالث لهما؛ ويصبح إما أنه من الدين، وهذا مصدره النقل، ويصبح الناقلون فيه أميون وظيفياً، ولا إعمال فيه لعقل إلا الحفظ والمدارسة، ... ولماذا؟ ... لأن العرف والحال في من نزل القرآن فيهم هو الأمية حتى وإن كتبوا ودوَّنوا. أما التصنيف الثاني، فهو العقل، وهذا مجاله غير مجال الدين، وفيه يمارس العقل حرية لا غبار عليها، طالما أنه لا يمس من الدين شيئاً، ... وهنا كانت الازدواجية المعرفية عن المسلم، القديم والمعاصر. ما بين دين ودنيا، ثم صار الشعار بعد القرون الأخيرة، وطفرة العلوم الحديثة: لا دين في العلم، ولا علم في الدين! ... واتسعت رقعة الحرية اللادينية من الدنيا إلى العلم إلى السياسة إلى كل مناحي الحياة التي طرقها العقل الإنساني تحت ستار العلم. وانحسرت رقعة الدين، حتى كادت ألا تتسع إلا للعبادات والمناسك، وتسارعت وتيرة المواجهة، حتى بات العلم يناقش مجتمع الدين والمتدينيين، وصلة الدين بالأساطير، والفعل التاريخي والإنساني التقديسي لكل ما هو عزيز. وأصبح الدين مادة للدراسة في أيدي المزهوين بالعلم. ...
والسؤال هو: متى يكف حملة لواء الدين عن التقهقر المعرفي، تعللاً بـ (أُمّيّة الشريعة)، حتى وإن جادلوا بالتي هي أحسن – بما يظنون أنه أحسن في اللغة فقط؟! ... رغم أنه ينبغي أن يكون أحسن في كلِّ شيء، لغةً وخبرةً ودرايةً وتجربةً وإحاطةً وتنظيراً وترجيحا!!
المؤلف



[1] أبو إسحاق الشاطبي (720-790 هـ)، هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي، الشهير بالشاطبي. أصولي حافظ محدث، لغوي مفسر مع الصلاح والعفة، والورع واتباع السنة واجتناب البدع. نشأ بغرناطة، وأخذ عن أئمة منهم: ابن الفخار وأبو عبد الله البلنسي وأبو القاسم الشريف السبتي وأبو عبد الله الشريف التلمساني والإمام المقري. كان رحمه الله من العلماء العاملين المجاهدين في إظهار الدين وإبطال البدع وإماتتها. له تآليف نفيسة منها: 'الاعتصام' و'الموافقات' و'المجالس' شرح فيه كتاب البيوع من صحيح البخاري و'الإفادات والإنشاءات' وغيرها.
[2] الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، شرح الشيخ عبدالله دراز، الجزء الثاني، دار المعارف، بيروت، ص 69.
[3] السابق، حاشية نفس الصفحة.
[4] شاهد ذلك أنْ قال الشيخ أحمد محمد شاكر: [الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللا بعلة منصوصة، وهي أن الأمة "أمية لا تكتب ولا تحسب"، والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فإذا خرجت الأمة عن أميتها، وصارت تكتب وتحسب، أعني صارت في مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، وأمكن الناس عامتهم وخاصتهم أن يصلوا إلى اليقين والقطع في حساب أول الشهر، وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية أو أقوى، إذا صار هذا شأنهم في جماعتهم وزالت علة الأمية: وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، وأن يأخذوا في إثبات الأهلة بالحساب وحده، وأن لا يرجعوا إلى الرؤية إلا حين يستعصي عليهم العلم به، كما إذا كان ناس في بادية أو قرية، لا تصل إليهم الأخبار الصحيحة الثابتة عن أهل الحساب، وإذا وجب الرجوع إلى الحساب وحده بزوال علة منعه، وجب أيضا الرجوع إلى الحساب الحقيق للأهلة، وإطراح إمكان الرؤية وعدم إمكانها، فيكون أول الشهر الحقيق الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس، ولو بلحظة واحدة](أحمد محمد شاكر, "أوائل الشهور العربية: هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي؟"، رسالة كتبها 13 فبراير 1939هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1987، ص 14-15. وقد أخذ بهذه الفتوى عدد من مؤيدي الحساب الفلكي وما زالوا إلى يومنا هذا، رغم ما يقال عن أنه ربما تراجع عنها.)
[5] أما بقاء علة الأمية في رؤية الهلال، فلا يمكن إنكارها عن عوام المسلمين في شتى أنحاء الأرض الذين ربما يتجردون من جميع أسباب المدنية، فيظل الهلال لهم هادياً ما بقى القمر في السماء. هذا بالإضافة إلى أن مناسك الإسلام لا تتغير بتطور أسباب الحياة وتمدنها، وإن اختلف وسائل آدائها، من تنقل، وتبليغ، وغيرها. يراجع في ذلك دراسة "براءة الأمية"
[6] السابق: ص 79.
[7] محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1420-2000، الجزء الأول، ص 42.
[8] (التحرير والتنوير، 1/ 126) – من 124 وحتى 127 أو بعدها.
[9] انتقد حمزة يوسف هانسن (الأمريكي المسلم) هذه العبارة للشيخ أحمد شاكر نقداً لاذعاً وقال: [يوجد بهذه العبارة أخطاء شنيعة من الممكن أن تضل الناس، وأول هذه الأخطاء أن الشيخ - أحمد شاكر - استخدم واحدة من أدق المبادئ الأصولية – يقصد القياس الفقهي- بدون أي ضبط، وتلك التي تخطئ التزام الرؤية بعد الخروج من الأمية حسبما تفيد العبارة]
(Hamza Yufuf, Caesarean Moon Births: Calculations, Moon Sighting, and the Prophetic Way, Zaytuna Institute, USA, 2007, P.49