الجمعة، 5 يناير 2018

حول قول الله تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" - وبلا إشكال


يراودني منذ سنوات معنى طبيعي لقول الله تعالى  ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مختلف تماماً عما ثار حول معنى هذه الآية الكريمة من إشكالات وخلافات.
  
والمعنى باختصار أن تعاقب الاستواء على العرش لخلق السموات والأرض – على الرغم من أن العرش العظيم قائم قبل الخلق - فيه إلماحة إلى أن العرش هنا ليس "العرش العظيم" السابق على وجود السموات والأرض. 

أي أن هناك "العرش العظيم" وهناك "عرش السموات والأرض"؛ فالعرش المتحدث عنه هنا غير هنا، أي أن لفظ العرش له وجهان (كما هو الاصطلاح في علم الوجوه والنظائر): عام وخاص، فالوجه العام هو العرش العظيم/الكريم/المجيد. والوجه الخاص، هو عرش السموات والأرض فقط، وهو ليس إلا ما يعرش السموات والأرض من العرش العظيم. وهذا هو الجديد في المسألة. ويمكن تصور الفرق بينهما، كالفرق بين الغلاف الجوي على كامل الأرض، والطقس الجوي على جزيرة صغيرة من سطح الأرض.

ويدخل هذا الفهم في باب (انفكاك العلة)، والذي يزول معه إشكال؛ تسبب عن توحيد مختلفَين، ظن الناس أنهما شيءٌ واحد.

فالعرش العظيم قائم على كل الوجود، أما عرش السموات والأرض فهو مخصوص بالسموات والأرض والتي تمثل بمجموعها مملكة واحدة (حلقة في فلاة) تمثل إحدى ممالك الوجود (حلقات أخرى كثيرة لا نعلم عنها شيء في نفس الفلاة)، وبما لا يجعل الفلاة هواء (أقصد فراغ)، بل مشحونة بما لا نعلم من عظائم الخلق (الأكوان).

ويصبح حدث الاستواء على عرش السموات والأرض مثله في دنيانا – ولله تعالى وجل في علاه ولعرشه العظيم المثل الأعلى - مِثل يوم اعتلاء ملك من ملوك الدنيا على مملكة جديدة – بين ممالك عديدة يعتلي عروشها؛ أْي تدخل تحت ملكه - أنشأها بعد عدم، وجعل لكل منها عيدها الخاص الـمتمثَّل باعتلاء عرش جديد لمملكة جديدة. وهذا بخلاف أن لهذا الملك عرش أكبر وأعظم يسبق كل الممالك بعروشها التي صاحبت إنشاءها، ويفوقها جميعا، ويدوم بعدها جميعا، هذا إن ذهبت إحدى تلك الممالك وانتهى أمرها، ومعها عرشها، والذي لا يصبح لوجوده وارتباطه بما كان يعرشه معنى بعدها، مثلما أنه لم يكن له معنى قبلها.

فالذي استدعى الاستواء على العرش بعد عدمه هو حدوث مملكة السموات والأرض بعد عدمها. وحيث إن لكل مملكة عرش، فلا بد أن ظهور مملكة جديدة هو المتغير الوحيد في الأمر، وبما لا يستدعي أي تغير للملك سواء بانتقال أو استواء تمثيلي يُتصور باستواء ملوك الأرض بعد عدمه، وإنما هو عيد ظهور المملكة الجديدة، وأوان دخولها بعرشها المميز لها (عرش السموات والأرض) ضمن الممالك العديدة التي يُظلّها جميعا العرش العظيم.

ويصبح الاستواء الجديد هنا بعد عدمه هو ظهور العرش الجديد إلى الوجود- بما أظله هذا العرش من سموات وأرض، ودخوله في ظل العرش الأعظم. فالله تعالى يعلو بالضرورة هذا العرش الجديد بعد نشأته وظهوره، وهو شيء لم يكن قبل ذلك، وليس لحدث يحل بالملك الجبار، سبحانه ، بل للحدث الطبيعي الجديد الذي هو دخول هذا العرش الجديد - بسمواته وأرضه - في ظل لله سبحانه، تحت عرشه الأعظم. وذلك مثلما نقول طلعت الشمس، والشمس لم تبرح مكانها لتحقيق هذا الطلوع، بل إن سطح الأرض الذي طلعت عليه هو الذي استدار ليستضيئ بالشمس، ... وأمثال هذه الحركات النسبية.

والآن، ما هي الاعتراضات المحتملة على هذا التدبر والفهم؟!

ولعلي لا أكون قد تجاوزت حدودي، فينبهني أخ كريم أو إخوة أعزاء، عندهم من العلم ما لا أعلم، على موطن خلل فاتني، فأرجع بسببه عن هذا الفهم المحتمل، الذي أرى حتى اللحظة أنه يُزيل كل إشكالات وخلافات الفهم المشهورة عن هذه المسألة الخطيرة.

هذا والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.