من كتاب: فتاوى شرعية في النظرية النسبية
الفصل الثالث: لماذا وكيف أنشأ أينشتاين النظرية النسبية
الجزء الثالث: تأويل أينشتاين الـمُسمّى بـ "النسبية
الخاصة"، في حل أُحجية الفيزياء الكبرى (عرضٍ تمثيلي)
كتبه: عزالدين كزابر
كتبه: عزالدين كزابر
روابـــــط
عودة إلى فهرس الكتاب: فتاوى شرعية في النظرية النسبية
عندما تكلم أينشتاين وقال: هكذا اخْتَرَعْت النظرية النسبية
السنوات الأولى للنسبية ولماذا يؤمن بها الفيزيائيون
عندما تكلم أينشتاين وقال: هكذا اخْتَرَعْت النظرية النسبية
السنوات الأولى للنسبية ولماذا يؤمن بها الفيزيائيون
كان
يا ما كان، في القرن التاسع عشر الميلادي من الزمان:
1-
في العام 1845 أتى الـمُدَرِّس أطفاله الصغار بلعبة الموزايكو التصويرية. والتي فيها
صورة كبيرة تم تقطيعها إلى قطع صغيرة غير منتظمة الأشكال. فإذا التَئَمَت القطع باتساق تام، وكانت كل
قطعة في مكانها الصحيح، ظهرت الصورة، وعُلم محتواها. ففعل التلاميذ ما طلبه منهم
مدرسهم، وتعلموا تجميع صورة كبيرة من أجزائها الصغيرة، وعرفوا شكل الصورة، شكل (1).
2- وبعد مُضي 20 سنة، أي في سنة 1865، أتى نفس الـمُدرِّس، وقد
أصبح شيخاً خبيرا، وكبر التلاميذ وأصبحوا طلاباً باحثين. كما في شكل (2).
وقال
لهم: سنلعب نفس اللعبة التي لعبناها وأنتم صغار. وبدلاً من أن يأتيهم بالقطع
التصويرية، أتى بمسائل فيزيائية لجسم بطيء الحركة، إذا حُلت كل مسألة منها آلت إلى
شكل هندسي مُضَلَّع (مثلث، مربع، مخمس .. وهكذا). وقال لهم المدرس: إذا كانت
حلولكم صحيحة، فيجب أن تلتئم هذه القطع المُضلَّعة جنباً إلى جنب في مكانها
الصحيح، وتصنع في النهاية شكلاً متَّسقاً، وعندما تنتهوا أخبروني ما الذي حصلتم
عليه. .. ففعل الطلبة الباحثون، وحصلوا في النهاية على شكل مستطيل، يُقاس طوله بالمتر،
ويُقاس عرضه بالزمن،. فأجابهم المدرس بأن إجابتهم صحيحة، وقال لهم أن الطول هو طول
الجسم، وأن الزمن هو ما مر على الجسم من الوقت، .. إلخ، شكل (3).
3- ثم قال لهم: والآن، سنجري تعديلاً على المسائل الفيزيائية التي
أعطيتكم إياها، والتعديل هو أن المسائل في هذه المرة ستصف جسماً يتحرك بسرعات
متغيرة وعالية بلا سقف أعلى بقدر ما نستطيع. وعليكم الآن أن تُعيدوا الحسابات،
وتعيدوا استخراج المضلعات، وتعيدوا تركيبها، ولنرى ما الذي ستحصلون عليه هذه المرة!
....
بدأ
الطلاب حساباتهم اعتباراً من العام 1965، وعلى مدار 40 سنة ظلوا يحاولون، .. فما
الذي أنجزه هؤلاء الطلاب خلالها في حل هذه الأحجية الفيزيائية مع كل مسألة على
حدى، وعلى ضوء المضلعات التي سبق لهم تركيبها في شكل (3)؟!
وإليكم
ما فعلوه (باختصار شديد):
1-
جمع السرعات ليس بسيطا:
في سنة 1881 و 1887 أجرى أحد الطلبة (مايكلسون)
تجربة لحساب مجموع السرعات بجمع سرعة الضوء مع سرعة الأرض، ووجد أن جمع السرعات
ليس بسيطا، بل يساوي دائما ًأبداً سرعة الضوء. فوضع علامة خطأ X مكان مُضلع هذه المسألة، لأن المضلع لم يعد صحيح
الشكل، وحصل (بوانكاريه) لاحقاً على معادلة الجمع الصحيح للسرعات والذي لا يتجاوز
أبداً سرعة الضوء، غير أن معادلته لا تلتئم مكان المضلع القديم. وكان تجربة
(مايكلسون) تثبت أيضا مطلقية المرجع الأثيري المطلق، ولما لم تأتي النتيجة كما
توقع وضع علامة استفهام على مضلع الأثير المطلق، ولم يستطع نزعه لعدم تصور الأحداث
الفيزيائية في غيابه، كما بالشكل (4) الآتي:
2- سعى الطلبة "لورنس" سنة 1895، 1899، 1904– ومن قبله "فواجت" سنة 1887،
و"لارمر" سنة 1897- إلى اختبار مسألة تبديل موضع وزمن الجسم بين معملين،
أحدهما يجري والآخر ساكن (تُسمّى هذه العملية: التحويل الجاليلي – نسبة إلى
جاليليو) وذلك في رصد كلا المعملين للأمواج الكهرومغناطيسية، التي منها الضوء كما
قال ماكسويل، فلم يجدوها محققة، أي أن معادلة الأمواج الكهرومغناطيسية ستختلف في معمل
متحرك عما لو كان المعمل ساكنا. ووجدوا أن المحقق مكانها بضعة معادلات أخرى سماها
الطالب (بوانكاريه) باسم (لورنس)؛ أي: "معادلات تحويل لورنس"، والذي بذل
في دراستها جهداً كبيرا. واختلف شكل هذا التحويل ومضلعه عن مضلع (التحويل الجاليلي)
السابق، وأصبح أكثر تعقيداً. فوضع (بوانكاريه) أيضاً علامة خطأ X على موقع المضلع
القديم، وحصل على المضلع الجديد، وسعى إلى تعشيقه .. لكنه لم يفلح لأن محيطه من
مضلعات لم يتم تصحيحه بعد! شكل (5).
3- لاحظ الطالب طومسون الذي اكتشف الإلكترون سنة 1897 أن كتلته
تتأثر بسرعته، وأجرى الطالب كاوفمان سلسلة من التجارب (1901-1903) فأكدت تجاربه أن
سرعة الكترون يلازمها حدوث زيادة حقيقية في كتلة الكترون، وتزداد الكتلة بزيادة
السرعة، وتصبح هائلة كلما اقتربت السرعة من سرعة الضوء، وعند سرعة الضوء تصبح
الكتلة لا نهائية. فقام بوضع علامة خطأ X على مضلع الكتلة
القديم الثابت القيمة، كما في شكل (6)، ووضع مضلعاً متغير الشكل جانباً يناسب الحل
الصحيح لهذه المسألة، لاستبداله بالقديم لاحقاً.
4 – وجد الطالب لورنس سنة 1895 ضرورة لتعريف الزمن المنصرم على
الأجسام المتحركة بما سماه (الزمن المحلي local time) كوسيلة رياضية
مساعدة تتحقق بها المعادلات الرياضية الواصفة للأحداث الفيزيائية، وخاصة كمحاولة
لفهم وتبرير عدم رصد تيار الأثير في تجربة مايكلسون ومورلي. وذلك دون أي تشويش
ذهني على رتابة الزمن الحقيقي المنصرم في الإطار المرجعي للأثير الساكن، وأوَّل
الطالب بوانكاريه هذه الألية "الزمن
المحلي" سنة 1900 فيزيائياً على أنها تحقق آلية المزامنة الطبيعية إذا كانت
إشارات الضوء هي وسيلة الاتصال بين المتحركات، وامتدحها كثيراً. وكانت نتيجة
عملهما هذا أن مسألة الزمن ارتبكت بين زمن حقيقي يؤمنان به، ولا يشكَّان في وجوده،
وزمن محلي ضروري لفهم السلوك الفيزيائي، فوضعا علامة خطأ X على مضلع الزمن،
دون نزعه لأنهما لا يتصوران أي مساس بالزمن الحقيقي، ووضعا مضلعاً للزمن (المحلي)
المتغير، وارتبكا كيف يجمعان بين الزمن الحقيقي الذي هو مكان المضلع القديم، وهذا
المضلع الجديد للزمن المحلي. فوصلا إلى الشكل (7).
5- وفي مسألة طول الجسم المتحرك، ساهم كل من الطالب (فيتزجيرالد)
سنة 1889، و(لورنس) سنة 1892 بحل المسألة، فوصلا إلى أن طول الجسم ينكمش مع
الحركة، واستطاع لورنس استخراج هذا الانكماش رياضياً من تحويله الشهير (تحويل
لورنس). وأصبح لزاماً عليهما أن يحذفا المضلع القديم لمسألة الطول، ويضعا علامة خطأ
X على الشكل (8)
محله.
6- وفي سنة 1897، توصل الطالب (جورج سيرلز) في دراسته لحركة
الجسيمات المشحونة كهربياً، ومتابعةً لما نشره الطالب (هيفيسايد)، توصل إلى نتيجة
غاية في الخطورة، قال فيها: [عندما يجري الجسيم المشحون بسرعة متزايدة حتى تساوي
سرعته سرعة الضوء (ع = ض)، عندها تصبح الطاقة المطلوبة لذلك لا نهائية، ويظهر من
ذلك أنه من المستحيل أن يجري جسما مشحونا بسرعة أكبر من سرعة الضوء.] .. وهذا
معناه أن سرعة الضوء هي السرعة القصوى لأي متحرك، وعند ذلك، عُلِّم المضلع القديم
القائل بعدم وجود سقف للسرعات بعلامة خطا X، ووجب استبداله
بإفادة أخرى، هي أن سقف السرعات هو سرعة الضوء، شكل (9).
7- وقد لاحظنا أن الكتلة تزداد بزيادة السرعة (تجارب كاوفمان رقم
(3) أعلى)، وأن الطاقة التي يجري بها الإلكترون تزداد زيادة لا نهائية باقترب
سرعته من سرعة الضوء – كما لاحظ جورج سيرز (رقم 6) أعلى. وقد توصل الطالب (بوانكاريه)
سنة 1900 إلى طريقة جمع فيها بين الكتلة والطاقة[1]،
وفيها أن الطاقة الكهرومغناطيسية للجسيم المتحرك تتصرف كما لو كانت مائعاً غير
حقيقي وكثافة كتلته هي m = E/c2، أي أن E = mc2. والخلاصة أن
استقلال الكتلة عن الطاقة، والطاقة عن الكتلة بدأ في التلاشيء. وتطلب الأمر تعديل
مضلع الانفصال بينهما، كما في شكل (10).
8- ونظراً لأن الأثير لم يعد بالإمكان إثبات وجوده ولا نفيه، أصبح
ما يعتمد عليه من باقي المضلعات (الموجات الكهرومغناطيسية، والقصور الذاتي) في
مكانه إلا من علامات استفهام عن شكل ارتباطها بذلك الأثير، وأيضاً عن ضرورة تغير
شكل تلك المضلعات. وكان مفهوم الأثير بالنسبة لهم هو ما يحقق وضع السكون المطلق،
غير أن هذا الوضع السكوني المطلق أصبح محال التحقيق.
اجتماع الفيزيائيين – في شهر يونيو من
عام 1905-
وما آلت إليه أحجية الحركة بسرعات عالية
اجتمع
الطلاب العاملون في حل أحجية فيزياء السرعات العالية (التي تبين أنها فيزياء
تقاربية لسرعة الضوء، ولا يمكن تجاوزها (عملياً))، ورأس منصة الاجتماع أكبر
المساهمين في لم شتات اللعبة، وهما: لورنس، وبوانكاريه. وكان بوانكاريه الأكثر
نشاطاً وإثماراً في عرض الحلول. ونال الحظ الأوفر في الحديث وعرض النتائج، وتقييم
الموقف النهائي بعد 40 سنة من المحاولات.
قال بوانكاريه (بلسان
الحال):
هذه هي النتائج
إخواني الأعزاء:
نؤمن بزمن رتيب مطلق،
ومكان ثلاثي الأبعاد، يملؤه أثير جاسئ مثلما يملأ الماء بحراً لا سقف له ولا شطآن
ولا قاع، مع أننا لا نستطيع التدليل على ذلك عملياً. وسأعرض عليكم في الجدول الآتي
الفروق بين عامي 1865 و 1905 في يومنا هذا، وذلك في ترجمة لمضلعات اللعبة التي
اجتهدنا جميعاً في فك ألغازها.
مُضلَّع
اللعبة
|
1865
|
يونيو
1905
|
سرعة
الضوء المستقبلة على الأرض
|
سرعة
الأرض+ سرعةالضوء
(ض= 300 ألف كم/ث)
|
لم
تتأثر سرعة الضوء بحركة الأرض.
|
جمع
السرعات
|
ع
= ع1 + ع2
|
ع
= (ع1 + ع2)/ (1 + ع1ع2)
|
الكتلة
(ك)
|
ثابتة
|
ك
= ك◦
/ √(1-ع2/ض2)
|
الزمن
المَحلِّي (ن)
|
ثابت
|
ن
= ن◦ / √(1-ع2/ض2)
|
الطول
(ل)
|
ثابت
|
ل
= ل◦ * √(1-ع2/ض2)
|
الطاقة
(ط)
|
منفصلة
عن الكتلة
|
ترتبط
بالكتلة ط = ك ض2
|
التحويل
من معمل ساكن (س،ن) إلى متحرك (س*،ن*)
|
يتطلب
تحويل جاليليو
س*
=(س+ع ن)
ن*
= ن
|
يتطلب
تحويل لورنس
س*
=(س+ع ن)/
√(1-ع2/ض2)
ن*= (ن-ع س/ض2) /√(1-ع2/ض2)
|
القصور
الذاتي
|
كمية
حركة الجسم بالنسبة للأثير الساكن (مطلقة)
|
نفسه
|
مبدأ
استقلال القوانين الفيزيائية
|
مستقلة
عن حركة المعمل بتطبيق تحويل جاليليو
|
مستقلة
عن حركة المعمل بتطبيق تحويل لورنس
|
الضوء
كأشعة كهرومغناطيسية
|
أمواج
أثيرية
|
نفسه
|
الأثير
|
موجود،
مع اليقين بقياس سرعته
|
موجود،
مع الشك في كيفية التعرف عليه تجريبياً
|
الزمن
الحقيقي
|
مطلق
|
مطلق،
مع الشك في قياسه
|
المكان
الحقيقي
|
مطلق
ثلاثي الأبعاد
|
مطلق
ثلاثي الأبعاد
|
جدول
(1)
ثم
قال بوانكاريه: إذا طبقنا هذه النتائج إخواني الأعزاء على وضعنا الراهن (يونيو
1905) فإن لعبتنا قد تشابكت في (تحويل لورنس)، وقد استخرجناه من (نظرية ماكسويل في
الكهرومغناطيسية)، ومن هذا التحويل أمكن تخريج ما يحدث مع السرعة لكل من الطول،
والكتلة، والزمن المحلي، وجمع السرعات، وفوق ذلك، وسنامه، كانت سرعة الضوء بعلو هامتها،
وسطوتها على باقي الفيزياء. وبالرغم من هذا الإنجاز، فما زال النسق الفيزيائي مفتقر
إلى أهم ما فيه، ونقصد: الأثير، والزمن الحقيقي، والقصور الذاتي ومطلقيته بالنسبة
للأثير. أي أننا بإزاء هذه الثلاث مسائل، مازلنا متحيرين، وينحصر تحيرنا في تعيين مضلعاتها
الثلاث، ثم كيفية تعاشقها مع ما تم تشبيكه على الجانب الآخر. وهذا أقصى ما استطعناه
حتى الآن، شكل (11).
وعند
هذا الحد – انتهى كلام (بوانكاريه)، ويدخل أينشتاين منصة الاجتماع!
حقائق ما قبل دخول أينشتاين
اللعبة، وعرض تأويله (النظرية النسبية الخاصة)
من الواضح في هذه
اللحظة من هذا الاجتماع، وقبل أن يدخل أينشتاين، أن هؤلاء الفيزيائيين:
1.
كانوا
يعرفون ثبات سرعة الضوء بالنسبة لأي راصد، وما من نظرية نسبية بعد،
2.
وكان
هناك استطالة الزمن المقيد بمن يتحرك، ولم تكن هناك النظرية النسبية،
3.
وكان
هناك زيادة في الكتلة مع السرعة، ولم تكن النسبية قد ولدت بعد،
4.
وكانت
علاقة ارتباط الكتلة بالطاقة معروفة ومستدل عليها، ولم يكن أحد يسمع بإسم أينشتاين.
5.
وكان
هناك تحويل لورنس، ولم تكن هناك أي نظرية نسبوية خاصة،
6.
وكان
مبدأ استقلال القوانين الفيزيائية مأخوذاً بالاعتبار في تحويل لورنس، ولم يكن
منتظرا من يفترضه، لأن نقيضه كان مُستنكراً، ولا ينبني عليه أي علم مُطَّرِد.
إذا كان ذلك كذلك
....
فكيف يَستَشْهِد
من يستشهد بأي من هذه المعلومات (1-6) التي كانت منشورة ومتداولة، بأن هناك نظرية لاحقة
سيتأكد صحتها بهذه المعلومات؟! ... كيف يستشهد أحد على أن وقوع جريمة ما على نحو
ما وقعت، دليل على صدق المحقق الجنائي الذي جاء ليحقق فيما مضى زمنه قبل أن يشرع هو في التحقيق؟! – المحقق ينجح أو لا ينجح في تفسير ما حصل، أما أن يُستشهد له بما
حصل، فهذا من أغرب ما يمكن أن نسمع من كلام يلبس لباس العلم!
إن كل ما يمكن التأكد
منه وتقييمه هو ائتلاف النظرية اللاحقة، باعتبارها نظرية تأويلية، للحقائق
المعملية السابقة ولوازمها. أما أن يُقال أن هذه الحقائق التجريبية السابقة دليل
صدق النظرية اللاحقة، فخطأ مفهومي فاضح، ولا يقع فيه إلا الغُفل، ولا يُرَوِّج له إلا
من يستغفلون الناس أو الـمُتيَّمون بعشق النسبية عن جهالة فاضحة. وإن كان أينشتاين
يُنكر أو يُغمض علمه ببعض هذه المعلومات، وخاصة أنه لم يُشر إلى أي مراجع لبحثه
(وهذه وحدها سقطة أخرى تبعث على الشك في تعمد هذا الإغفال)، فهذا لا يبرر أن هذه
الحقائق التجريبية (كانت بالنسبة له لاحقة وليست سابقة لنظريته)، لأن فعله هذا يؤكد
أنه بهذا الزعم يريد أن يجعل من تلك الحقائق التجريبية وكأنها تنبؤآت لنظريته قد تحققت! ... ومن ثمّ يتوهم الناس أن
التجارب أثبتت صحة تنبؤآته! أي: نظريته! .. وهذا فهم فاسد، لا علاقة له بتسلسل
الأحداث، وتجعل من مصدرية علمه الأساسية بالمسألة التي سعى إلى حلها، وكأنه وحي أو
إلهام العبقرية ... وقد تم الترويج العلمي والإعلامي لهذا الفهم على نطاق واسع ..
وشربه وابتلعه وازدرده الناس – علماء وجُهلاء- عن غفلة أو تضليل علمي مخزي ... لأن
المبدأ في التحقيقات العلمية والجنائية أن النوايا لا تُعلم إلا من الوقائع،
والقرائن، وليس العكس.
إذا عُلم هذا، عُلم أن
أي استشهاد من هذا النوع باطل، وأن صاحب الاستشهاد إما جاهل أو متجاهل علينا. فإن
كان جاهل، فليعلم الحق إذاً، وليكف عن غلوائه! وإن كان متجاهلاً علينا، فليحفظ ماء
وجهه إذا انكشف أمره، ومستوى علمه[2].
ميلاد (ما سيُسَمّى بـ "النظرية
النسبية الخاصة" لاحقاً)
والآن، انتهى هذا
الاجتماع السالف ذكره، ومضى شهر، ثم نشر أحد الباحثين الشباب بحثاً هاماً[3]،
وعمره 26 عاماً فقط، ومن غير المعروفين (وكل هذا لا قيمة له، سلباً أو إيجاباً)، وكان
البحث بعنوان "حول الحركة الكهروديناميكية للأجسام المتحركة" بتاريخ 30/6/1905،
وبإسم ألبرت أينشتاين، وفي دورية حوليات الفيزياء الألمانية.
وفحوى هذا البحث، هو حل
المعضلة الفيزيائية التي رأينا أعلى ما الذي آلت إليه في شكل (10)، وكل ما ذكره
بوانكاريه من توصيف الصعوبات التي تحول دون حلها، والتي ينبغي أن تكون بإعادة توصيف
أهم المضلعات (الجانب الأيمن من الشكل) وتعشيقها في صورة متكاملة مع ما تم أنجازه
(الجانب الأيس من الشكل).
وإليكم إعادة الترتيب
التي اتبعها صاحب البحث "ألبرت أينشتاين"، مع إسقاطه ما لا أهمية له في
ذلك، ثم تجاوز أي مطلقات رأى أنها تمنع من الوصول إلى صورة نهائية متكاملة.
خطوات أينشتاين في حل
أحجية الفيزياء - 1905:
قال أينشتاين (بلسان
الحال – لا بلسان المقال) في نهاية الاجتماع السالف الذكر، والذي تقلَّده
بوانكاريه:
1- ليست الوقائع فقط هي
دليلنا. بل إن الاتساق المفاهيمي – بلا أي مسلمات قبلية -هو دليلنا الحقيقي، وبالطبع بتزكية من
الوقائع، ولكن ليس بانفرادها واستقلالها كمصدر معرفي.[4]
2- وحيث أن الوقائع
التي بحوزتنا هي ما أخرجتموه كنتائج في جدول (10)، فليكن هدفنا إذاً هو ائتلاف هذه
النتائج في نسق منطقي واحد، نستطيع من خلاله إعادة تركيب المضلعات الصحيحة
التأويل.
3- الترتيب التاريخي
لهذه النتائج كما هو معلوم كان كالتالي: (الكهرومغناطيسية – ومنها تم اشتقاق تحويل
لورنس – ومنه تم اشتقاق الزمن المتباطئ، والطول المنكمش، والكتلة المتزايدة – ثم
ما لزم عن هذه التبعات من استحالة تجاوز سرعة الضوء لأنها أصبحت سقفاً؛ بالوصول
إليها تنعدم الأطوال (امتداد الأشياء) وتصبح أصفاراً، وتتعاظم الكُتل إلى مالانهاية
لثقله، ويقف الزمن (تتحول الثانية إلى أبد لا نهاية له)!
4- أن علمنا التاريخي
بالأسباب دائما ما يكون معاكس لتراتبها السببي، لأن أحدثها قريب مشهود، وهو
النتائج التجريبية المعملية، وأقدمها بعيد مجهول، وهو مكنون العلل الطبيعية.
5- أن نعيد بناء
العلاقات السببية بعكس التراتب التاريخي. فنأتي بالعلل الأولى، وما يتولد عنها
وينبني عليها من علل ثانية، ثم ما يتمخض عنها من النتائج، والتي كانت في الحقيقة
أول ما فاجأنا في المعامل.
6- أن المرشد العملي
في الارتقاء من العلل الأولى إلى ما هو أعلاها، هو البناء الرياضي المتنامي
المتصاعد مما علمناه لازما لصحة الاتساق المدعوم بالتجريبيات، أي: المعاكس لما جرى
من استنباط اللوازم من النتائج.
وهذا هو بنائي الذي
أعرضه عليكم لنسق منطقي تعليلي متكامل ومحبوك التعشيق لوقائع جدول (10)، مع إهمال
ما لا دليل تجريبي عليه في هذا الجدول:
- نظرت فوجدت أن قلب
المعضلة يكمن في (تحويل لورنس)، والذي تتولد منه (رياضياً – كما سنرى) كل الظواهر
المريبة، من تغيُّر ما كنا نظنه مطلقاً من كتلة وزمن وامتداد الأجسام.
- ومعنى ذلك أننا لو
بنينا تحويل لورنس على مبادئ أولية نسقية بسيطة، يتحقق هدفنا! وعندها – وفقط
عندها- ستنفك عُقد كل الإشكالات بسلاسة واحدة وراء الأخرى!.
- وإذا نظرنا إلى هذا
التحويل، وجدناه يكمن في حفاظه على شيء واحد بين كل معامل الرصد المتحركة جميعاً
بسرعات ثابتة بالنسبة لبعضها، وذلك الشيء هو سرعة الضوء في الفراغ (ض). وهو الشيء الذي
أكدته تجارب القياس التي فشلت في قياس سرعة الأرض المطلقة، وأكدته أيضاً عدم تجاوز
سرعة الضوء لكونها سرعة قصوى. أي أن كل معمل مهما كان، سيتفق على أن سرعة الضوء
التي تقطع مسافةٍ ما، كما يرصدها هو، هي هي السرعة التي ستقطع نفس المسافة الذي
سيقطعها الضوء إذا رصدها أي معمل آخر، مهما كانت السرعة التي يتحرك بها أحد
المعملين بالنسبة للآخر. أي أننا لن نرى سرعتين للضوء:( ض ، ض*) بل سنرى (ض) واحدة
وواحدة فقط لكل الإطارات القصورية. فإذا كان ذلك كذلك، فليكن هذا الشرط واجب التحقق
بينهما؛ أي أننا سنفترض واحدية سرعة الضوء وتفردها لكل
الإطارات القصورية – وسيكون هذا الفرض علة أولى في بنائنا المنطقي لفهم
مجريات الأمور:
- ونُعيد شرح ذلك باختصار – وفي صورة رياضية مبسطة- كالآتي: إذا
رصد معملان O، O’ (بينهما سرعة نسبية ما، أياً كانت صغيرة أو كبيرة) نبضةً ضوئية،
أي: موجة كهرومغناطيسية منتشرة من مصدرها في شكلها الكروي، ولها فسحة في المكان
والزمان، فإن المعملان (O)، (O’) - أو بالعربية (م)، (م*) - سيكون رصدهما
له على صورة كرتين منتشرتين، كما في شكل (13)،
شكل (13) نبضة ضوئية واحدة، وكيف تخرج لحظة انطباق المعملين وتُرى منتشرة بسرعة واحدة (c) في كل من المعملين، رغم أن المعمل ('O) يتباعد عن المعمل (O) بسرعة منتظمة (V)؟!
ومعادلة الكرتين هما:
س2+ص2+ع2
= ض2 ن2 (1)
س*2+ص*2+ع*2
= ض2 ن*2 (2)
حيث أن (ض) هي سرعة
الضوء، وقد تعمدنا أن تكون واحدة لكلا المعملين، بما يتطلبه ثبات سرعة الضوء لأي راصد مهما كانت سرعته. و (س، ص، ع) هي المركبات المكانية لصدر كرة النبضة في المعمل الأول، و(ن) هو الزمن فيه. و (س*، ص*، ع*) هي المركبات المكانية لصدر كرة النبضة في المعمل الثاني، و(ن*) هو الزمن فيه.
- والسبب في أن هاتين
المعادلتين لها نفس الصورة، هو فرضنا الثاني في بنائنا المنطقي الذي نقدمه، ونصرح
بأنه قانون فوق-فيزيائي يجب اعتماده بلا جدال، وخلاصته أنه يجب أن يأخذ القانون الفيزيائي
نفس الصورة في أي معمل، مهما كانت سرعة المعمل بالنسبة لغيره، طالما أنها سرعة متظمة (وهو تعريف المعمل القصوري).
وهذا القانون
الفوق-فيزيائي هو فرضنا الثاني في بنائنا المنطقي، ويضاف إلى فرضنا الأول، والقائل
بواحدية سرعة الضوء بين الراصدين جميعاً.
وإذا كان المعمل (م/O)
يتحرك بالنسبة للمعمل (م*/O') بسرعة (ر/V) في اتجاه س*/x. (الاتجاهات لا تتغير
بين المعملين). وإذا حللنا المعادلتين (1)، و(2) سوياً، كما في التفصيلات المبينة في شكل (14)
شكل (14) اشتقاق معادلات تحويل لورنس من فرضي أينشتاين[9]
فسوف نحصل على (معادلات تحويل لورنس) الآتية:
س* = γ (س+ع ن) (4)
ص* = ص، ع* = ع (5)
ن*= γ (ن-ع س/ض2) (6)
مع ملاحظة أن الرمز (γ) هو القيمة 1/ √(1-ع2/ض2)
وما هذه المعادلات (4، 5، 6) إلا معادلات تحويل لورنس.
ومنها يمكننا بالاشتقاق الحصول على كل المخرجات الأخرى: (انكماش الطول (شكل (15))، واستطالة الزمن (شكل (16))، وقانون جمع السرعات الجديد والذي يقطع بأن سرعة الضوء هي سقف السرعات، ولا يمكن تجاوزها بأي حال! (شكل (17)، وزيادة الكتلة (شكل (18)).
(وما زال أينشتاين يتكلم:) وهكذا نكون قد أعدنا بناء نفس ما بنيتموه من مُضلعات (صحيحة في السرعات العالية) ونسقتموه في الجزء الأيسر من شكل (10) ولكن على بناء منطقي نَسَقِي (أكسيوماتيكي) جديد، وليس على بناء ترتيقي تعشيقي كما فعلتم. غير أن هناك فروقاً جوهرية مفاهيمية جسيمة بزغت إلى العلن بين هذا النسق الذي اُقدمه، وما لديكم من منظومة مفاهيمية سابقة له، تفتقر إلى نسقية شاملة مقبولة، وسيكون لها أكبر الأثر في علاج الجزء الأيمن من مضلعاتكم، المحفوف بعلامات الاستفهام، والذي يُمثل الإشكال الأكبر.
(وما زال أينشتاين يتكلم:) وهكذا نكون قد أعدنا بناء نفس ما بنيتموه من مُضلعات (صحيحة في السرعات العالية) ونسقتموه في الجزء الأيسر من شكل (10) ولكن على بناء منطقي نَسَقِي (أكسيوماتيكي) جديد، وليس على بناء ترتيقي تعشيقي كما فعلتم. غير أن هناك فروقاً جوهرية مفاهيمية جسيمة بزغت إلى العلن بين هذا النسق الذي اُقدمه، وما لديكم من منظومة مفاهيمية سابقة له، تفتقر إلى نسقية شاملة مقبولة، وسيكون لها أكبر الأثر في علاج الجزء الأيمن من مضلعاتكم، المحفوف بعلامات الاستفهام، والذي يُمثل الإشكال الأكبر.
أما هذه الفروق
المفاهيمية الجوهرية فهي:
1- أن الحركة – أي
حركة – لا ينبغي أن تكون بالنسبة لإطار مطلق.
لأنه ليس هناك إطار مطلق يمكن الاستدلال عليه، وإيعاز الحركة إليه؟! .. وبأي معنى
يكون هذا الإيعاز؟! ونحن لا نعرف إلا علاقة الأجسام بعضها ببعض، لذا، فالجسم
المادي هو ما يتم تعريف الحركة بالنسبة إليه. فإن كان الجسم هو نفسه، فهو لا يتحرك
بالنسبة لنفسه، وأي جسم آخر يتحرك ستكون حركته بالنسبة لهذا الجسم الأول حركة كاملة
الوصف بالمعادلات أعلاه. بل حتى هو نفسه بالنسبة إلى نفسه، إلا أن حركته بالنسبة
لنفسه ستكون صفرية، وهذه النسبة الحركية للأجسام جميعاً إلى أي جسم، هي ما نقبله
في تطبيق معادلات تحويل لورنس، ونقول عندها أن هذا الإطار الذي يصف هذه الحركات
جميعاً إطاراً إحداثياً قصورياً صالحاً. وحيث أن هذا الإجراء لا يتعلق بجسم بعينه،
فكل الأجسام صالحة لأن تحمل معها إطارها القصوري؛ .. هذا إذا كانت منتظمة الحركة.
وعندئذ، فقوانين الفيزياء إذا رُصدت من قبل أي من هذه الإطارات، يجب أن تكون هي
هي، بلا أدنى دلالة في القوانين نفسها على تمييز أي إطار قصوري عن آخر. وهذا هو
الفرض الثاني الذي افترضه أعلى، حين طابقت بين معادلتي الموجة الضوئية المنتشرة
كروياً وآنياً في إطارين، وبما لا يمكن معه التفريق بين الإطارين. .. وهذا الحال
يسري على كل الإطارات مهما كانت السرعات النسبية بينها. وحيث أنه لا يمكن لجسم أن
يتحركة بسرعة أعلى من سرعة الضوء، .. فهذا سيكون معناه، أن هذه الحركة وصفية
للعلاقة بين أي جسمين، لأن الإطار القصوري مُقيَّدْ بجسمٍ ما، وليس مطلق العنان
للخيال لأن نتصوره كيفما شئنا. وإذا كان هذا هو الحال، فليس هناك من معنى للإحالة
الحركية لإطار مطلق يسكن فيه (الأثير الموهوم). ومن ثم، فوجود الأثير أو عدم وجوده[5]
لا ينبغي أن يؤثر بشيء إيجابي أو سلبي على تصوراتنا الطبيعية، المقيدة بتلك الإطارات
القصورية المتكافئة. وعند هذا الحد، تسقط إشكالية الأثير وطلاقته من إشكالات الجزء
الأيمن من شكل (10).
2- الفرق الجوهري
الثاني: أن الزمن الجاري قياسه –
والمعتمد على الخصائص الذرية للمادة- أصبح مرهوناً بالحركة، وأصبح متطاولاً أو غير
متطاول تبعاً لوتيرته كما يراه قائسه (في
أي إطار قصوري يمكن منه رصده). وإذا كان هذا الزمن هو ما سميتموه بالزمن المحلي،
فمثله مثل كل إطار قصوري يكون فيه زمن محليٌ أيضا. وكما أطلقنا صلاحية الإطار
المحلي ليكون إطاراً مطلق الصلاحيات مهما تعدد، كذلك نطلق صلاحية الزمن المحلي
ليكون زمن مطلق الصلاحيات مهما تعدد. ومن ثم يصبح لكل (قائس/راصد في إطاره قصوري)
مرجعية معتمدة لقياساته المكانية والزمنية. ويصبح الزمن عندئذ خصيصة داخلية في الحالة
الحركية القصورية لكل متحرك. وبتعدد الحركات القصورية (بعدد المتحركين القصوريين) يتعدد
الزمن ليصبح أزمانا (وبنفس عددهم مهما بلغ)! .. وما من وسيلة يمكننا اعتمادها
عندئذ لتفضيل زمن عن زمن، مثلما أننا لم نستطع تفضيل أو تمييز سرعة عن سرعة لراصد
من الراصدين، ما دام أنها جميعاً قصورية. ونصل من ذلك إلى النتيجة الحتمية التي
يقودنا إليها هذا المنطق الجديد الذي أقدمه لكم بأن الزمن المطلق لم يكن إلا زمناً
وهمياً[6]،
مثله مثل الإطار الأثيري، وأن وجوده لا يفيدنا ما دام أنه ليس في متناول أيدينا،
وأن غيابه لا يضرنا مادام أن الأزمان المحلية تُغنينا. وبهذا تسقط إشكالية العلاقة
بين الزمن المطلق والزمن المحلي، وتنحلّ الإشكالية الثانية في شكل (10) على جانبه الأيمن.
3- الفرق الجوهري
الثالث: أن الإطارات القصورية كانت
متكافئة في وصف قوانين الحركة عندكم (يقصد الحركة الميكانيكية والكهرومغناطيسية)،
ولكنها كانت متمايزة. وكان سر تمايزها أو تفاضلها أنها تُقاس بالنسبة للإطار
المرجعي المطلق الذي يمثله الأثير المطلق. أما وأننا استبعدنا الإحالة إلى الأثير،
فنكون بالضرورة قد نزعنا عن غيره من إطارات قصورية كانت تابعة له هذه التبعية،
وجعلناها مستقلة كل الاستقلال، وأنها جميعاً مثله في قدرتها الوصفية لما يحصل فيها
من معلومات ("فيها" هنا تعني بالنسبة إليها، لأنه ليس هناك منطقة داخل
الإطار ومنطقة خارجه، فكل الكون يمكن أن ينُسب لكل إطار، ومن ثم يصبح داخله، أن
منظوراً إليه من هذا الإطار). وهذا الاستقلال لكل إطار قصوري عن الأثير ينضاف إلى
التكافؤ بينها، فتصبح متكافئة ومستقلة، وأن كل منها يمكن بانفراده وصف الكون بنفس
القوة، سواء في صياغة القوانين، أو في واقعية وحقيقة وصدق ما ترصده من أوضاع
وأزمان تمر على الحوادث. وتفقد هذه الحوادث قيامها بنفسها في نفسها، أي: تفقد
واحدية حقيقتها وطلاقة هذه الحقيقة، حتى وإن وُصفت بكلمة صحيحة proper، مثل كتلة جسم
في الإطار الذي يسكن فيه الجسم، فقيمتها أيضاً في باقي الإطارات صحيحة، والتسمية
ليست إلا تمييزاً فقط. لذا يتعدد الحق في الإطارات بقدر تعدد الإطارات. ويصبح الحق
الواحد هو شكل (صياغة) القوانين الطبيعية. أما مفرداتها instances (أي: الأحداث events المنظورة فيها) فتختلف
قيمتها بين إطار وآخر، مثل طول الشيء، وعمره، وكتلته الكلية (طاقته)، وعزمه الحركي،
وإذا كان مكهرباً، فقَدْرْ مجاله الكهربي، وقدر مجاله المغناطيسي؛ فيصبح جسم ما ذو
طول كذا في إطار، وكذا في إطار ثان، وكذا في إطار ثالث .. إلى ما لا نهاية،
وجميعها حق لا يمكن الطعن فيها، ولا تبرير خطأها! إلا أن هذه الحوادث، تؤول قيمتها إلى قيمة بعينها،
في الإطار القصوري الساكنة هي فيه، بلا أدنى تمايز. بمعنى أن هذه القيم (السكونية)
مطلقة القيمة (بالمواضعة وليس بالواقع) إذا قيست في الإطار القصوري الذي يحمله
الجسم صاحب هذه الصفات المفردة. وعندئذ تُسمى هذه الصفات المفردة بأنها هي "الصفات
الصحيحة/الأصلية" proper values، وذلك تمييزاً
لها عن قيمتها إذا كانت أجسامها تجري، والتي تسمى عندئذ بالصفات غير الأصلية improper
values.
وعلى ذلك نجد أن (الكتلة الأصلية proper mass): هي كتلة الجسم
إذا قيست في الإطار القصوري الذي يسكن فيه الجسم، ومثلها: العمر الأصلي، والطول الأصلي،
... إلخ. ولكن ... علينا أن نلاحظ أن أي من هذه الصفات لن تُقاس في كل الإطارات
القصورية قياساً آنياً. بل لكي يعرف كل إطار قصوري قيمتها الحقيقية بالقياس
المباشر فيجب أن تلحق به وتلازمه إذا كان يسبقها أو تسبقه، حتى تكون ساكنة فيه.
ولأن هذا غير ممكن بداهة في حالة الحركات القصورية (غير المتعجلة)، فلكي يعرف كل
إطار قيمتها الحقيقية، فعليه أن يقيسها وهي متحركة، ثم يستخدم (معادلات تحويل
لورنس) الذي تُخرج له قيمتها لو كانت ساكنة بالنسبة له. وعندها سيكون لكل صفة
مفردة قيمتها الأصلية التي تتفق عليها الإطارات القصورية بعد تسكين الإطار الحامل
لها (أي: التي تقاس بالنسبة إليه). إلا من صفة فيزيائية واحدة، وتستحق الإفراد
لكونها خصيصة جوهرية برأسها.
4- الفرق
الجوهري الرابع: الصفة الطبيعية/الفيزيائية التي تتميز عن غيرها بأن
قيمتها لن تتغير سواء تحركت أو سكنت في أي إطار، فَتُسمَّى بـ (الفترة الزمكانية
الفريدة) space-time invariant interval في الفضاء
الزمكاني، الرباعي الأبعاد، وهو فضاء (كيان مرجعي واحد) ومزيج من المكان والزمان[7]، ويقابلها (الفترة الطاقية العزمية الفريدة) Energy-Momentum
invariant interval، في الفضاء الرباعي الأبعاد والذي أبعاده مزيج من الطاقة والعزم
الخطي. (أنظر ملحق(4))، والسبب أن هذين الفضاءين متكفئآن أو متوازيان.
ثم يختم أينشتاين
كلامه ويقول: هذه هي طريقتي في علاج معضلتكم الفيزيائية التي طال عهدكم بها، وقد
أوجزتها في شكل (19). وكما تلاحظون أنه تصور نسقي جمع كل مسائلكم الفيزيائية
السابقة، بلا تعاند، ولا تضارب، ولا استبعاد لشيء، إلا ما لا يضرنا غيابه عن
موضوعاتنا الفيزيائية.
هذه هي طريقة
أينشتاين، التي حملت بعد عدة سنوات من نشرها اسم "النظرية النسبية الخاصة"
(عبر الفترة 1905-1911)، ونلاحظ أنها نظرية رياضية في الأساس ثم تلبست بعد ذلك
بلباس تأويلي توصيفي، والسبب أن المحرك الأساسي لها لم يكن إلا العلاقات الرياضية،
ثم قام أينشتاين بسكب كلاماً تأويلياً توصيفياً على المعادلات ليجعلها نظرية كاملة
في الهيكل الرياضي والصورة الوصفية. وما فعله أينشتاين في الجانب الوصفي يشبه ما
يفعله الباحثون عن الحفريات، من حيث أنهم
لا يجدون إلا عظاماً غير متكاملة في الغالب، فنجدهم بعدما يضموا ما يجدوا من
العظام إلى بعضه، يستكملون الغائب بتقديره، ثم يقومون بتصور شكل اللحم الذي كان
يغطي هذه العظام، وإذا كانت بقايا الحفرية عظاماً لم يألفوا مثله قط، فإنهم ربما
يأتون بأشكال مختلفه من تصور شكل الحيوان الحقيقي صاحب هذه العظام أو العظمات التي
وجدوها، وتتعدد الاحتمالات الممكنة كلما نقصت العظام عن هيكلها الكامل. حتى إذا
كانت عظمة أو اثنتين أو بضع عظمات، أصبحت الاحتمالات مما يصعب معه أخذ أي قرار
ترجيحي بين كل الممكنات النظرية لشكل الحيوان، وخاصة إذا كان لكائن حي ليس له شجرة
انتساب يمكن معها مشابهته لغيره. وكذلك فعل أينشتاين، أخذ العظمات (المعادلات)
التي اكتشفها جمع العلماء السابقون عليه وخاصة لورنس وبوانكاريه، وسكب عليها من
خياله الوصفي ما رأيناه، مع ملاحظة أن هذا الوصف كان مدعوماً بتكهنات كان أكثر آتٍ
من بوانكاريه، وخاصة الاستعداد لنبذ فكرة الأثير، والتشكيك في الزمن المطلق،
والاتكاء على آليات المزامنة في تثبيت مواقيت بين الراصدين للأحداث.
أما الجانب الرياضي
(الحفري)، فلم يكن من أينشتاين إلا إعادة ترتيبه، مثلما يتم إعادة ترتيب عظام
الحيوان، أو الموزايكو؛ أيها آصل من أي. ولم يحدث أن اكتشف أينشتاين بنفسه أي
معادلة (عظمة) في النسبية الخاصة. بل إن كل ما فعله في هذا الجانب الرياضي أنه قدم
ما أخره الآخرون بحكم تأخر استدلاله، وأقصد ثبات سرعة الضوء[8]،
ثم ركب عليه كل ما هو قائم من معادلات، تماماً مثل لاعب الموزايكو الذي يبدأ بقطعة
دون غيرها، أو الحكواتي الذي يبدأ الحكاية من طرف دون طرف ... حتى إذا وصل أينشتاين
إلى تصوره لشبكة المعادلات في بنيتها الجديدة عنده، راح يصفها وصفه الذي رأيناه،
ويكسو عليها من شبح الظن أو الخيال ما كساه.
والآن، أمامنا عدد من
الأسئلة:
1- كيف كان رد الفعل الأول
للفيزيائيين المنخرطين بهذه الأحجية والذين عانوا من إشكالاتها على مدار عقود، وخاصةً
بوانكاريه ولورنس، ثم الذين يلونهما؟!
2- وماذا كان رد فعل
المجتمع العلمي من نفس الجيل وخاصة عبر سنوات تأسيس مفاهيم النسبية الخاصة
(1905-1911)، ثم ما بعد 1919 بعد أن عمت شهرة أينشتاين الآفاق بسبب قياس انحراف
أشعة الضوء الذي دوت أصداؤها على أنها دمغة الإقرار بنجاح نظريته النسبية العامة، ثم
من الجيل التالي والذي رأينا أحد أمثلته من قبل، ونقصد: (جون بول ديراك) ذلك
الخبير الذي وفّق بين ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة، بما اشتهر باسمه؛
"معادلة ديراك".
3- وعن موقف الذين
أيَّدوا أينشتاين في تفسيره النسبوي، أمثال "ريشنباخ"؛ طالب أينشتاين
النجيب، أو كلب الحراسة الشرس كما وصفه أحد المؤرخين، كيف كان فهمهم لنظرية
أينشتاين، وكيف كانت قناعتهم بها، وهل كانوا ذوو حجة تُضاف إلى حجج أينشتاين، أم
مرددين مهللين؟!
4- وعن موقف الذي
رفضوا النسبية، لماذا رفضوها؟ وكيف كانت حججهم التفنيدية في رفض النظرية؟
5- ثم يأتي نقدنا الشخصي للنظرية، بين إيجابيات
تحققت، وسلبيات وإشكالات أكثر تراكمت وتأصلت، وبُني عليها علوم أخرى دخلت في حيص
بيص، وما خرجت منها حتى يومنا هذا 7/1/2016.
المؤلف
[1] Darrigol, Olivier (2005), "The
Genesis of the theory of relativity", p19. (guiding to:)
Poincaré, Henri (1900b), "La
théorie de Lorentz et le principe de réaction", Archives
néerlandaises des sciences exactes et naturelles 5:
252–278. See also the English translation
[2] James Trefil-The Routledge Guidebook to Einstein's Relativity-Routledge (2015), pp.82-91
[3] Einstein, Albert (1905-06-30). "Zur Elektrodynamik bewegter Körper". Annalen der Physik 17 (10): 891–921.
[4] كان أينشتاين متأثراً بشدة بالفيسوف ديفيد هيوم، وربما أن فلسفته كانت من الأسباب الرئيسية في منهجية أينشتاين، وهذا ما نجد أينشتاين نفسه يعترف به ويقول:
[“As far as I am aware of, the immediate influence of D. Hume upon me was greater. I read this together with Conrad Habicht and Solovine in Bern.”363 Einstein reminisced that in their evening discussions, the reading of Hume’s Treatise had been a major influence on him “—alongside Poincaré and Mach.”364]
( Kinematics- The Lost Origins of Einstein’s Relativity, by: Alberto A. Martinez, p.287)
ويحلل (ألبرتو مارتيني Alberto A. Martinez) - أحد مؤرخي النظرية النسبية - هذا الموقف من أينشتاين ويقول:
[Einstein’s approach to physics was consonant with Hume’s arguments that exact scientific laws cannot be induced from experience, and that the truth of generalizations from experience is often unjustifiably asserted owing to merely habitual expectations. The universality of time appeared as just such an unjustified concept. In hindsight, Einstein commented that “Hume saw clearly that certain concepts, as for example that of causality, cannot be deduced from the material of experience by logical methods.”365 Likewise, Einstein realized that he could not deduce the concept of absolute time from the material of experience. Consequently, he replaced it with a new concept of time based on plausible empirical procedures.]( Kinematics- The Lost Origins of Einstein’s Relativity, p.287)
[5] أقدم بوانكاريه نفسه على التشكك في وجود الأثير، فهذا كتابه "العلم والفرضية" والذي اطلع عليه أينشتاين عن كثب (في الجمعية الثلاثية التي كونها سنة 1902 هو وصاحباه سولوفين M. Solovine و هابيشت C.Habicht وأطلقوا عليها اسم "الأكاديمية الأولمبية" the Academy Olympia) ، فإذ بـ (بوانكاريه) يخصص في كتابه هذا فصلاً كاملاً يناقش فيه التساؤلات المتعددة عن الحركة النسبية والمطلقة. ويولي أهمية كبرى لمبدأ الحركة النسبية (أي استقلال القوانين الفيزيائية عن حالة الراصد الحركية) principle of relative motion وينتقد الفرضية المناقضة له والذي سماها "الفرضية النقيضة" والذي فيها تختلف القوانين إذا صيغت من قبل راصدين قصوريين عما لو صيغت من قبل راصدين ساكنين عن الحركة، بل إنه يستهجنها بشدة. كما أنه يستبشر بأن كل التجارب مهما كانت فلن تكشف إلا عن حركات نسبية بين الأجسام المادية. ويشير بوانكاريه إلى تاريخ الفرضيات القديمة عن تلك الموائع الغامضة التي افترضت للحرارة والكهرباء، وأنها كان مصيرها النسيان والتجاهل، ثم يتساءل: (وهل يوجد أثيرنا المفضل حقا؟) - كما أنه قد أثر عنه سنة 1888 أنه قال: (لا أشك أنه في يوم من الأيام سوف يتم إقصاء فكرة الأثير هذه وتطرح جانباً لعدم جدواها). ومع ذلك، فما زلت أقر أن الأثير ما زال فرضية قابلة للتوظيف. وختم كتابه (العلم والفرضية) بقوله أنه حتى لو اكتشفت بعض التجارب وجود ما يبدو أنه حركة مطلقة، فإن مبدأ الحركة النسبية – الذي استدل عليه لورنس في الكهرومغناطيسية- سيظل بمأمن؛ لأن أي سرعة مطلقة مكتشفة عندئذ سيمكن فهمها على أنها محض سرعة بالنسبة للأثير (أكثر ن كونها سرعة مطلقة).
Kinematics: The Lost Origins of Einstein’s Relativity - by A. A. Martinez - p.246
[6] لم يأت أينشتاين بهذا الكلام من فراغ، فقد اطلع (في الجمعية الثلاثية التي كونها سنة 1902هو وصاحباه سولوفين M. Solovine و هابيشت C.Habicht وأطلقوا عليها اسم "الأكاديمية الأولمبية" the Academy Olympia) ، ومما قرأوه في هذه الجمعية كتاب ماك Mach عن الميكانيكا والذي استنكر فيه فكرة الزمن المطلق، ووصفها بأنها فكرة ميتافيزيقية مُخْتَلَقة وعاطلة idle metaphysical fiction، وقرأوا أيضاً كتاب بيرسون "القواعد النحوية للعلم" Grammar of Science والذي قال فيه أن الزمن: [ليس إلا تتابع نسبي للمستقبلات الحسية ... وأنه ليس هناك من شيء اسمه الزمن المطلق، وأنه لا يجب على المرء أن يُسقط مفهوم الزمن المطلق على واقعية الحس]. وقرأوا أيضاً كتاب: (باروخ سبينوزا) – والذي اعتز به أينشتاين كثيراً فيما بعد، وفيه حاول سبينوزا أن يبرهن – من بين أشياء كثيرة - على أن (المعرفة الإنسانية عن أعمار الأشياء المنفصلة عنا معرفة ضحلة للغاية). أما أهم ما قرأ أينشتاين وصاحباه، فكان كتاب بوانكاريه نفسه "العلم والفرضية" Science and Hypothesis، والذي قال فيه بوانكاريه (وإن كان على سبيل التكهن): [لا يوجد زمن مطلق؛ وإذا قلنا أن فترتين زمنيتين متساويتان، فليس لهذا القول معنى، إلا بالمواضعة. وليس فقط أننا لا نمتلك حساً مباشراً بذلك، بل الأكثر من ذلك أننا نفتقر إلى مزامنة حدثين حصلا في موقعين مختلفين، وهو ما شرحته في مقالتي "قياس الزمن" ... وهذا كله بخلاف ما ثبت أن اطلع عليه أينشتاين من كتابات عدد من الفلاسفة مثل كانط وشوبنهاور ويُضعف الثقة في واقعية الزمن المطلق. ... بل ينكرها تماماً – على الأرجح - كما هو حال كانط، وتبعية شوبنهاور له.]
المصدر: Kinematics: The Lost Origins of Einstein’s Relativity - by A. A. Martinez - pp.250-251, 253
[7] الذي أدخل هذا المفهوم في النسبية هو (هرمان منكووسكي) Hermann Minkowski، عام 1909.
H. Minkowski, “Raum und Zeit”, 80. Versammlung Deutscher Naturforscher (Köln, 1908). Published in Physikalische Zeitschrift 10 104-111 (1909) and Jahresbericht der Deutschen Mathematiker-Vereinigung 18 75-88 (1909).
[8] الذي توصل إليه نظرياً (لورنس)، وعبَّر عنه قائلاً:
[every light ray in a vacuum always propagates (at least with respect to a certain coordinate system K ) with the same definite constant velocity] as quoted in: (Kinematics- The Lost Origins of Einstein’s Relativity, by A. A. Martinez)p.249
وجاء تحليل مؤلف هذا الكتاب ليعقب ويقول:
The constancy of the speed of light was a physical hypothesis and a convenient way of organizing empirical data
وقد أصاب في هذه العبارة أيما إصابة.
[9] Robert B. Leighton, Principles of Modern Physics, McGraw-Hill Inc.,US (1959), pp.7-9.
[10] Ibid, pp.10-11.
[11] Ibid, p.11.
[12] Ibid, p.15.
[10] Ibid, pp.10-11.
[11] Ibid, p.11.
[12] Ibid, p.15.
السلام عليكم
ردحذففين باقى مقالات هذا القسم
الردود السلبية والايجابية ونقدك الشخصى
لم اجدهم فى فهرس الكتاب
تقبل تحياتى
عليكم السلام
حذفلم تنشر لعدة أسباب : منها
عدم التفاعل من قراء مثقفون، جادون، حريصون على الحق في العلم!
خاصة وأن ما لم يُنشر يُعد أشد عمقا وأبعد تحدياُ للعقل العلمي الفيزيائي المعاصر مما تم نشره.
فكانت الخشية من إلقائه في سلة مهملات الإنترنت.
اتفهم اسبابك
ردحذفولكن ارى ان تكمل الكتاب بكامل ابوابه
ثم تسعى لنشره ومناقشته
فسوف ياتى يوم يتم الاستفاده فيه من هذه الافكار المهمة ان شاء الله
فلا يضعف همتك عدم الالتفات
فسياتى الالتفات حتما حينما تكتمل الصورة
انت بدات طريق طويل سيحتاج الى اجيال كي تكتمل الصورة
ولى ملاحظة اخرى لو تكرمت استاذى الفاضل
حضرتك ذكرت الكثير من وجهات نظرك وافكارك فى صيغة ردود على من قالوا بعكس كلامك
فكثير من المقالات حينما ادخل على العنوان
اجدها عباره عن ردود عن اشخاص اخرين
فلو فَصَلْت الفكرة وافردت لها مقاله مستقله عن الرد
لكانت الفكرة اوضح والى فهم القارئ اقرب
مع الاشارة الى المقالة التى فيها الرد