الخميس، 25 ديسمبر 2014

الفصل (و2) – نضال قسوم - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
الفصل (و2) نضال قسُّوم

بقلم: عزالدين كزابر
بسم الله الرحمن الرحيم
سنعتمد كتاب [Islam's Quantum Question: Reconciling Muslim Tradition and Modern Science][1] = [السؤال الكمومي في الإسلام: التوافق بين الإسلام التقليدي والعلم الحديث] - كمصدر رئيسي لمراجعة موقف مؤلفه: الأستاذ الدكتور نضال قسوم[2]، من التفسير والإعجاز العلمي لآيات القرآن الكريم، ودون أن نقتصر عليه إذا رأينا الأمر يقودنا إلى غيره من دراسات أو مقالات نُشرت له، وقد تناوَلَت آراءاً في نفس هذا المنحى.
ومن الجدير بالذكر، أننا بعد أن قرأنا هذا الكتاب الهام جداً في موضوعنا، وبتركيز شديد، ولأكثر من مرّة، وجدنا أن موقفه مما نحن بصدده قد لخصه ببراعة شديدة "دينيس ألكساندر"[3] Denis Alexander في مراجعته على الكتاب، وذلك في قوله[4]: [التزم المؤلف بحزم بالعلم الغربي السائد، وأعطى درساً سريعاً لأولئك الذين يحاولون البحث عن حقائق علمية مخبأة في آيات مختلفة من القرآن. وبدلاً من ذلك، فإن الأستاذ الدكتور قسُّوم يدعو إلى (إطار علمي يكتسي برداء الإيمان بالإله) theistic framework، وبما يمنح أساساً عقلانياً ذاتياً، واتساقاً مع الكون، وهو إطار ينمو فيه العلم ويستمر في ازدهاره، وبصورة متناغمة بطريقٍ ما مع العقائد الإيمانية.]
بواعث وأهداف ورسائل نضال قسوم من الكتاب وعنوانه:
لم يأت الباعث الكامن والبالغ المعنى في نشأة هذا الكتاب صراحةً في صدره أو بداياته، وإنما استخرجناه من باطنه، وفيه قال نضال قسوم:
[عجز العلم الحديث عن إيجاد معنى لكثير من اكتشافاته. - هل يمكن مثلاً أن نناقش مُفردة الانفجار العظيم big bang singularity’ ، وهي الاصطلاح العلمي الذي وُضع ليكون بديلاً عن اصطلاح "الخلق"؛ المشبع بالمعاني الدينية؟!  - هل يمكن مناقشة طبيعة القوانين الفيزيائية في الكون ثم لا نربطها بالحياة والإبداع في الخلق والإنسانية؟! – هل يمكن مناقشة وجود أكوان أخرى ترتبط عليّاً بكوننا، ثم لا نستكشف لذلك معنى؟! – من الواضح إذاً أن هناك العديد من المسائل التي يُقر العلم بأنه لا يجرؤ حتى على الحديث عنها، رغم أنها هامة للإنسان، ويشغف بالمعرفة عنها شغفاً بالغاً.][5].
ثم كشف نضال قسوم اللثام عن الكارثة الماحقة للعلم الحديث، وكيف أن مؤلف الكتاب ابتعث نفسه ليجد مخرجاً لها فقال:
[أصبح الأمر واضحاً وضوحاً متزايداً لكثير من المفكرين والعلماء أن المدخل العلمي الصرف لفهم الكون لم يعد مُرضِياً؛ ومثال ذلك أنه في علم الكونيات الحديثة modern cosmology، يُعتقد أن الكون – المادي بجُملته من حيث التعريف – مكتفٍ بذاته، ولا يتطلب خالقاً له. فالعلم الحديث لم يترك مساحة للماورائيات أو المعنى الكامن فيها، (وسيظل هذا التصور هو القائم) ما لم نسمح بإنشاء (علم يؤمن بالإله) (theistic science’) ونرتقي به، وهذا هو مسعاي الذي أعرضه وأدافع عنه في الفصل الثالث][6].
فافتتح بذلك مؤلف الكتاب مشروعه التصحيحي للعلم الغربي المعاصر (science)، وعلى الأقل في رؤيته الشخصية كمؤمن بالله؛ وبما سماه "العلم الـمُسلِّم بإله"[7] (theistic science’؛ أي "العلم المؤمن بالإله"، وبما لا يُلمح منه أي معالم دينية؛ لا للمؤلف في دفاعاته الدينية، ولا لهذا العلم الذي قال أنه "مؤمن بالإله"، وقال في تمهيده إلى هذا المشروع:
[ما محاولتي (هذه) إلا للدفاع عن رؤية كونية تحقق غرضين: الاتساق التام مع النظريات والاكتشافات العلمية الحديثة، والانسجام مع المبادئ الدينية الأصيلة. ويمكن لهذا المشروع أن تُطبقه كل المذاهب الدينية (يقصد غير الإسلامية)؛ غير أني لا أتناوله هنا إلا من جهة التقاليد الإسلامية ؛ لأنها ديانتي ..(لم نلمح عبر كامل صفحات الكتاب وعباراته، تمسك الكاتب بأي تقليد فكري إسلامي، نصي أو تراثي!)][8].
ولكن، هل الأمر يسير؟! .. لا يبدو ذلك ... ، لأن التحدي كبير، وفيه قال:
[يكمن التحدي في كيف يمكن لنا أن نُركِّب أو نُنشيء علماً لاهوتياً (أصولياً دينياً) يتم فيه المزاوجة بين تصورات عن الإله (إلاهاً مُتشخِّصاً) مع تصورات "لاهوتية طبيعية" natural theology’ تتعرف على الإله باعتباره مصدر النظام المستبطن لما نُشاهده في العالم، والذي يمثل الأصل الذي بُني عليه الكون. ولكي نكون على ثقة (في نجاح مسعانا) فلن نقبل تلك التصورات اللاهوتية التي تصطدم أو تتعارض مع المناهج العقلانية أو النتائج العلمية؛ لأننا لن نساوم على مُقدَّراتنا العقلية.][9].

ثم تجيء تعريفاته الصريحة لرسائل مشروعه في بداية الكتاب، والتي قال فيها:
1- [يتناول هذا كتاب العلاقة (أو العلاقات) بين العلم و القرآن][10].
2- [يهدف هذا الكتاب إلى تقديم - ليس فقط - فلسفة جديدة إبداعية للإسلام والعلم، ولكن أيضاً توليفة حداثية متسقة وفعالة للمبادي الرئيسية والعملية للعلم مع المبادئ الجوهرية للإسلام، وذلك من خلال قراءة معقولة reasonable للإسلام (دون أن تكون حرفية خالصة)][11].
3- [من الأهداف الرئيسية لهذا العمل بيان جواز استحداث تأليف/توليف بين العلم والإسلام، في صورة (علم مُتألّه = يؤمن بالإله)، وفيه يتواصل الإسلام مع أعراف دينية توحيدية أخرى، وخاصة المسيحية][12].
4- [سأثبت في الفصل الرابع صلاحية – ما أدعو إليه من - "علم مُتأله" (theistic science’) باعتباره رؤية للعلم الحديث - الرصين في كل مراميه – غير أنه مُغلَّفٌ في رؤية كونية متدينة][13].

وباقتران مع كلمة quantum (كمومي) في عنوان الكتاب، (وهي التسمية الـمُستغربة والتي سنبرر عدم ملاءمتها بعد قليل)، قال:
5- [يشير عنوان الكتاب "سؤال حول كمومية الإسلام" إلى كيفية التوافق بين التقاليد الدينية، والحداثة العقلية والعلمية، وكيف تتحقق الازدواجية الكمومية (بينهما) دون الوقوع في الانفصام (الفكري)][14].
6- [اختبرت في الفصل الرابع المحاولات التي وُضعت أو اقتُرحت لبناء علم إسلامي مزدوج (كمومي) يجمع بين المبادئ الإسلامية، وطرق العلم الحديث ونتائجه][15].
7- [تحول السؤال الكمومي (يقصد الازدواجي بين العلم والدين) على نطاق واسع إلى حالة فوضوية][16]، وذلك بعد أن استعرض معاني الشفاء في القرآن كما ينزع إليها الإسلام التقليدي.
8- [يمكن حل المسألة الكمومية (يقصد الازدواجية) أو على الأقل التصدي لها بمهارة وحِرَفِيّة، دون فصل أو استبعاد لأي من العرف الديني أو الحداثي][17].
9- [سأبين أن كل ما نحتاج إليه لبناء نموذج كمومي (مزدوج) متناغم، إنما يكون بمعرفة تامة بالعلم وفلسفته وطرقه – دون الوقوع في حبائل المذاهب الوضعية والمادية – مع مدخل إسلامي وسطي بعيد عن المدخل التقليدي/التراثي، ومُجافي لنداءات التحرر المنفلتة. وباختصار نحتاج إلى بنية معرفية تتوخى طريقها بحذر][18].

ورغم وضوح رسالة الكتاب، إلا أن هناك رسالتان موجهتان للغربيين على وجه الخصوص، (جاءتا في نهاية الجزء الأول من الكتاب، ويشمل هذا الجزء خمسة فصول)، قال في رسالته الأولى منهما:
10- [بيان مفهوم (الإله) في الإسلام، وكيف يمكن أن يرتبط هذا المفهوم بالعلم؟! ثم الموقع الفائق والتأثير البالغ الذي يحتله القرآن في حياة وعقول المسلمين. وأتعمد من هذا التفخيم البياني عدد من الأهداف:
(1) تفسير السبب وراء كون الخطاب الإسلامي في العلم والدين (وغيرهما من مسائل اجتماعية وسياسية) مشبعاً دائماً بالإحالة إلى القرآن.
(2) بيان أن التركيز على القرآن (يقصد بعلاقته بالعلم) قد أدّى إلى تشويهات وانحرافات الخطاب تجاه ما سُمّي بالإعجازات العلمية في القرآن.
(3) بيان أنه من شروط مصداقية ومعقولية الأفكار المطروحة في خطاب العلم والإسلام، وأنها سائغة القبول عند العامة والخاصة، فضلاً عن النخبة، أن تكون في حدها الأدنى مقبولة قرآنياً (أو غير معترض عليه)، هذا إن لم تكن متوافقاً تماماً معه.
(4) التأكيد على الحقيقة التي تقول أن القرآن قابل للقراءة والتأويل في واحد على الأقل من عدة قراءات وتأويلات عقلانية، بالإضافة إلى أنه – وبشكل عام – يمكن أن يمدنا برؤية كونية عقلانية][19].

11- أما الرسالة الثانية الموجهة للغربيين خاصة، والقراء عامة، فكانت شديدة الغرابة! يقول فيها:
[الفكرة الهامة الثانية التي خرجنا بها من تحقيقاتنا .. أننا نجد بعض الصعوبة في إيجاد علاقة بين مفهوم "العلم" (بالمعنى الحديث) وبين الخطاب القرآني. وفي الواقع، إن مفهوم العلم في معناه المعاصر لا يمكن العثور عليه بسهولة في القرآن، أو حتى في معظم كلاسيكيات التراث الإسلامي. وما يمكن العثور عليه ظاهراً بوضوح هو مفهوم "المعرفة" knowledge. ويخفى هذا الفرق اللطيف – كثيراً أو قليلاً – على كثير من المفكرين والمعلمين المسلمين؛ وفي الواقع يُستخدم لفظ (علم) اليوم بشكل اعتيادي ليعني (science) رغم أنه من المؤكد جداً أنه وُضع بدايةً ليعني (معرفة) بمعناها الأكثر اتساعاً. وقد أدى هذا الموقف إلى خلافات شديدة بين الإسلاميين التقليديين والإصلاحيين فيما يخص إمكانية أو عدم إمكانية الدفاع عن قضية أن يكون القرآن أساساً يُبنى عليه العلم (science). هذا وقد أعطى (التقليديون/التراثيون) المؤيدون عدة تعريفات تقريرية محتملة؛ منها "العلم المقدس" sacred science، والعلم الإسلامي Islamic science، بل وحتى "الإعجاز العلمي" scientific I‘jaz ....
ونظراً للمبدأ الذي اعتمدته في رفض المواقف الحَدِّية المستقطبة بين التأييد المفرط، والرفض المطلق، أجد أنه من الواضح بنفسه وجوب رفض وجود "معرفة علمية" scientific knowledge في القرآن (أي: تلك المسماة بـ "الإعجاز العلمي" scientific miraculousness) لأسباب عديدة سأستعرضها في الفصل الخامس.][20].
نقول:
هذه هي إذاً مرامي الكتاب، المشحون بالمعلومات، والإحالات، والتحليلات، وعدد من التحيزات التي نرى أنها تُجهض المشروع برُمَّته. ويلاحظ القارئ أن هذا التقديم للكتاب من جهتنا، يكشف – بلسان مؤلفه - عن عدد من المؤآخذات، بعضها يسير قابل للتجاوز، وبعضها عسير غائر الآثر، ولا يمكن التجاوز عنه، وخاصة أن أغلب تلك المؤآخذات ستكون محاور فاصلة في الكم الأكبر من مادة الكتاب لاحقاً، والتي سيعمل الكاتب على تعميقها ودعمها، إلا أنها للأسف لها أثران سلبيان نراهما يحجبان قيمة مشروع الكاتب الإصلاحي الذي انتهض لإنجازه. الأثر الأول، أنه صد عن سبيل، لا أقول: لا حرج فيه، ولا أقول: مندوبٌ إليه، بل أقول: مأمورٌ به، ولو تحراه بأسبابه لوجد أنه الحق وليس إلا الحق، ونقصد به ما في القرآن من فصل المعاني، سواءاً كان ذلك في آيات العقائد والعبادات، أو الآيات الكونيات التي ذهب مؤلف الكتاب إلى تعويم معانيها، فلم تعد قابلة لأن يراها الناظر البصير على ما فيها من دلالة، وذلك من حيث مبدأ الدلالة، وليس من حيث ضعف الـمُسْتدِل أو قوته. أما الأثر السلبي الثاني، فهو أن الدعوة إلى "علم مُتألّه" - أي مؤمناً بالإله - تأليهاً شكلياً، يُجرد الإله من صفاته، لن يزيد عن تزيين عروس نصف دميمة، إذا ما خلت إلى نفسها صادقة، علمت أن زينتها لم ترفع ما تبقى من دمامتها! .. فالبنية الإلحادية في العلم الغربي، جزء من بنيته المفاهيمية، ولن يستطيع فرد - ينتسب إليه - أن ينشر أو يُعلم طلابه رسمياً شيئا من ذلك القناع الديني الذي يميز "العلم الـمُسلِّم بإله" عن "العلم الملحد". وإن فعل، فهو إما مطروح من بحبوحة العلماء، أو موقوف بتهمة الخلط بين العلم والإفتاء، وإن سهى عنه الرقباء، فلن يجدي فعله شيئاً لانفكاك العلة بين المتقنع والقناع، لأن أهل ذلك العلم قد ألحدوه في الصياغة، ونتشروه (من nature = طبيعة بالإنجليزية) في إبداعاته والأسباب، وميَّعوا بالتجديف أو التأويل الفضفاض لمعاني نصوص الوحي والكتاب. وسنرى من تفصيل هذه المؤآخذات لاحقاً مدى عمق جراحها، ونكوص المشروع الراهن عن شفائها. ..
أمّا عمّا جاء في مقدمتنا في السطور السابقة تعريفاً بالكتاب، من مؤآخذات عابرة، فنوردها هنا في وقفات خاطفة، وذلك قبل أن نواجه حيثياتها التفصيلية فيما يلحق من تفصيلات وتحيلات؛ ستطول وتطول، رغماً عن إرادتنا:
1- تُعد تسمية الازدواجية (التي سلَّم نضال قسوم بوجودها؛ بين العلم الرصين، والميتافيزيقا التي تكسوه بالمعنى)، بالكوانتم quantum  تسمية غير موفقة، سواءاً كان ذلك في عنوان الكتاب – [السؤال الكمومي في الإسلام Islam's Quantum Question]- أو في العبارات التي نقلناها له في العبارات ذات الأرقام (5 ... 9) أعلى. وبالرغم من اقتران اسم الكوانتم في الفيزياء الميكروسكوبية بالازدواج بين صفات تبدو متباينة (كالصفة الموجية والصفة الجسيمية، أو كالمسافة والزخم في مبدأ هايزنبرج، أو كالزمن والطاقة في نفس المبدأ)، إلا أن لفظ الكوانتم بانفراد يشير أول ما يُشير إلى الانفصال الكمي للموصوف، لتمييزه عن صفة الاتصالية لو لم يكن كمومياً. وعليه، فإن أول ما يتبارد إلى الذهن من وصف شيء بأنه كمومي quantum، فهو أنه غير متصل في صفاته، بل يؤول إلى وحدات متمايزات، ولا يتواجد إلا في أيها، وينعدم وجوده بينها. وأن هذا حاصل في كل موصوف بالكمومية، سواء اجتمعت فيه صفات مزدوجة أو لم تجتمع! .. ومن ثم، فطبيعة العلاقة الازدواجية بين العلم والدين تقبل بوصفها بالازدواج، دون أن تكون كمومية بالضرورة. وهذه الصفة الأخير لا وجود لها في الحقيقة في موضوع العلم والدين، وذلك إذا راعينا معناها الذي بيَّناه، أي الانفصال الكمي. وهذا ما يجعل عنوان الكتاب مريب، وغير ذي دلالة على مراد الكاتب، (الذي هو مسألة الازدواجية بين ما يبدو أنهما غير مُؤتلفان)، إلا إذا بينه هو بعبارات أخرى، كتلك التي أوردناها له (5..9) أعلى. وإذا قام بهذا البيان فسوف يفهم القارئ مراده باستقلال عن لفظ الكمومية. لذا كان الأولى اجتناب هذا اللفظ، إلا إذا كان لاستحضاره صدى من أصداء الحداثة، وإثارة تجذب القارئ إلى ذلك الرابط الكمومي الذي يرتبط بالقرآن بصورة ما بالعلم الحديث!!

2- أبَى مؤلف الكتاب المساس بصرامة (مقولات/نتائج) العلم الحديث، حين قال: [لن نقبل تلك التصورات اللاهوتية التي تصطدم أو تتعارض مع المناهج العقلانية أو النتائج العلمية؛ لأننا لن نساوم على مُقدَّراتنا العقلية.][21]، وحين قال: [العلم الحديث الرصين في كل مراميه] [22]، وحين علّق "دينيس ألكساندر" في مراجعته على الكتاب، وقأوردناها أعلى، وقال فيها: [التزم المؤلف بحزم بالعلم الغربي السائد] [23].
وقد جعل الكاتب لمقولات العلم الحديث قدسية معرفية، وقيمة متعالية عن المساس المعرفي بها، في وقت أبى على النص الديني إلا التأويل، وبقراءات متزامنة الصدق، حتى وإن افترقت أو تضاربت معانيها! وذلك حين قال: [التأكيد على الحقيقة التي تقول أن القرآن قابل للقراءة والتأويل في واحد على الأقل من عدة قراءات وتأويلات عقلانية] [24]، وسنرى أمثلة وفيرة أشد صراحة من ذلك لاحقاً.
 وقد حرّم الكاتب على التأويل أي وحداوية ضرورية في المعنى، وأنكر عليه أي صرامة في الدلالة. ولا أرى إلّا أنه ينكر على النص القرآني حرفية التفسير، حتى ولو كان بترجيح المعنى بفعل العلم الحديث، في وقت ينكر على النظريات العلمية إلا أن تكون حرفية المعنى، والويل كل الويل لو كان المساس بهذه الحرفية تدخُّل تأويلي من التأويلات القرآنية!!!

3- اعترف الكاتب بالأزمة الراهنة في العلم الحديث المنبت الصلة عن معاني ميتافيزيقية ماورائية، والمنكر صراحةً لمجرد احتمال وجود الإله المبدع الخالق للكون، وذلك حين قال: [في علم الكونيات الحديثة modern cosmology، يُعتقد أن الكون – المادي بجُملته من حيث التعريف – مكتفٍ بذاته، ولا يتطلب خالقاً له. فالعلم الحديث لم يترك مساحة للماورائيات أو المعنى الكامن فيها، (وسيظل هذا التصور هو القائم)] [25].
 ومع ذلك حافظ الكاتب على حرفية مقولات وصياغات العلم الحديث (طريقته ومنهجه)، وقصر الإضافة الدينية في توليفته الجديدة على أنها كسوة خارجية، أقرب ما تكون أنها وصفة روحية تسد فراغاً نفسياً، ولكنها لا تفعل فعلاً معرفياً ذي بال في البنية المعرفية الجديدة المؤلفة مما سماه الكاتب (العلم الـمُسلِّم بإله) (‘theistic science’). ونرى أن هذا التوليف لن يغير شيء على أرض الواقع إلا تسويد كتب وصفحات، وتسجيل محاضرات وندوات، بلا أي فائدة أو ثمرات.

4- أجاز الكاتب وجود رؤى كونية متعددة، وتُحقق جميعها مسعاه في التوليف بين العلم الغربي (الواحد) والدين (المتعدد - وعلى هوى القارئ)، وذلك حين قال: [يمكن لهذا المشروع أن تُطبِّقه كل المذاهب الدينية (يقصد إسلامية أو غير إسلامية)؛ غير أني لا أتناوله هنا إلا من جهة التقاليد الإسلامية؛ لأنها ديانتي.] [26].
ولن تفترق تلك الرؤى فيما بينها إلا في كونها صادرة عن مذاهب دينية مختلفة لأصحاب مشاريع التوليف التي توازي مشروع الكاتب، وذلك لو أن أصحابها تبنوا نفس مشروعه مع بقائهم على مذاهبهم الدينية. .. ولكن هذا أمر شديد الغرابة. إذ كيف تتساوى هذه المشاريع في القبول والمصداقية، في وقت تتباين في رؤآها الميتافيزيقية، والتي يتعين بها افتراقها في رؤآها الكونية؟! .. والسبب في ذلك أن الواقع الوجودي ينبغي أن يكون منتهي تقاربي لهذه الرؤى جميعاً . ولكن افتراق تلك الرؤى سيظل مانع أزلي يعمل على عدم التقائها. وعندها سيستحيل الجمع بين ذلك المنتهى التقاربي مع أزلية الافتراق. .. لذلك لا نرى أن الكاتب قد وُفِّق في إجازته لمشاريع موازية لمشروعه، لكل منها مذهبه الديني المفارق لغيره.

5- يتشابه مع إجازة التعدد المذهبي لمشروع "العلم الـمُسلِّم بإله" إجازة التعدد التأويلي داخل المذهب الديني الواحد (الإسلامي مثلا، والمتمثل في تأويلات متعددة للنص القرآني)، وبلا أي حرج في قبولها جميعاً من حيث المبدأ، وجواز صلاحيتها واجتماعها لإنجاز مشروع العلم المتدين. . !! .. وهذا أمر شديد الغرابة. إذ كيف تتعدد التأويلات تعدداً متنافراً بين أفرادها، وتتساوى جميعاً في القبول المعرفي لهدف علمي واحد بعينه .. يبدو وكأن المشروع أصبح أدبي شاعري من حيث هو ديني، كما قال [مُغلَّفٌ في رؤية كونية متدينة][27]، لا علمي تحقيقي. وإن كان علمي تحقيقي - بحسب رؤية مؤلف الكتاب - فلا ينبغي أن يعود ذلك لأي صرامة لمعاني النص القرآني، لأن تلك الصرامة قد أُجهضت بالمصادرة والتحكُّم، بلا تسويغ ولا برهان. حيث تصبح تلك الرؤية الكونية التأويلية (المتعددة المذاقات بعدد المتأولين) لا أكثر من روحانيات مُليّنة لجفاف المادة العلمية الآتية من الغرب، تسترضي النفس أنها ما زالت في حضرة الإيمان، رغم أن روح الإلحاد تجول في الحقيقة وتصول في جنبات العلم المحتفي به أصحابُه.

6- التنكيل بمبدأ الإعجازات العلمية القرآنية وشحذ العداء لها والتهوين من شأنها، وبلا تحقيق ولا تمييز حق من باطل فيها. وذلك عندما قال: [المبدأ الذي اعتمدته في رفض المواقف الحَدِّية المستقطبة بين التأييد المفرط، والرفض المطلق، أجد أنه من الواضح بنفسه وجوب رفض وجود "معرفة علمية" scientific knowledge في القرآن (أي: تلك المسماة بالإعجازات العلمية scientific miraculousness)] [28]، وقال: [التركيز على القرآن (يقصد بعلاقته بالعلم) قد أدّى إلى تشويهات وانحرافات الخطاب تجاه ما سُمّي بالإعجازات العلمية في القرآن][29]، وكذلك عندما قال دينيس أليكساندر في وصفه لموقف مؤلف الكتاب: [أعطى درساً سريعاً لأولئك الذين يحاولون البحث عن حقائق علمية مخبأة في آيات مختلفة من القرآن.] [30].

7- وآخر هذه المؤآخذات السريعات، أن العلم الغربي، وبما نُحت له من اسم science، والذي لم يبلغ من العمر إلا قرنين أو ثلاث، يصعب العثور على شيء منه في القرآن، رغم أن ذلك العلم يزعم أنه يتكلم بالقول المحقق عن حقائق المشاهدات في الأرض والسماء، والتي لا يتكلم القرآن عن خلق لله تعالى أوفر منها في أغلب آياته، وذلك عندما قال: [في الواقع، إن مفهوم العلم في معناه المعاصر لا يمكن العثور عليه بسهولة في القرآن، .. (و) من المؤكد جداً أنه (أي: لفظ "علم") وُضع بدايةً (يقصد في اللغة العربية ومن ثم القرآن) ليعني "المعرفة" بمعناها الأكثر اتساعاً.][31]. ولا أدري من أين جاء ذلك التأكيد الذي اطمأن إليه المؤلف، خاصة وأنه لم يشر إلى شيء منه على مدار صفحات الكتاب الوفيرة، مع غزارة مادته العلمية!
ولا يشمل هذا التعميم فقط "الإعجاز العلمي في القرآن"، بل أيضاً "التفسير العلمي" الذي هو أقل منه حِدّة معرفية، .. وهذا النفي من الكاتب يشمل حتى الوجود الضمني، أي الـمُدرج تحت مظلة أشمل، والذي يمثل أي إفادة معرفية (مقننة أو حاسمة أو بينة! يمكن التعرف على مفرداتها اصطلاحياً أو علائقياً، كلامياً كان أو كمياً حسابياً .. ) وهذا الوصف الأخير هو ما يميز به أصحاب العلم الغربي علمهم باسم (science) ويظنون أن تمييزه حدوثاً أحدثوه بعد عدم، وخلقاً خلقوه بعد ولوغ الناس قبلهم في الوهم. وأن هذا التعالي منهم ليس فقط على سابق الحضارات، بل على كلام مبدع الموجودات، التي لم يبدعها إلا بعلمه وحكمته وبديع صنعته. أو كأنهم أرادوا أن كلام البارئ جل في علاه، لا يمكن أن يكون علمياً scientific من حيث هو كلام، لأن علمهم العلمي  الـ scientific قد تجاوز مرحلة الكلام، وتربع على عرش الحسابات والتنبؤآت والتقديرات العِظام! .. فمن أين أتوا بنفي ما لم ينتف بالضرورة، فهذا منهم قصور، وبعلو علمهم –في وهمهم- وهمٌ وغرور. والله تعالى في مثل نفيهم يقول "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ"(يونس:39)!
حول معانى آيات القرآن، واعتماد تعددها الآني، والارتكان إلى "التأويل الهرمنيوتي"، ومعاداة "وجوب تفرد المعنى" بذريعة تحريره من "الحَرْفية" literalism  – بزعم من زعم- عن النصوص اللغوية!

تحت عنوان (for a hermeneutical approach to the Qur’an)، يقول نضال قسوم[32]: [إن جوهر فلسفة ابن رشد تكمن في استحالة التعارض بين الفلسفة والدين (والفلسفة عند ابن رشد هي الحكمة، والتي يمكن تعميمها لتشمل كل معرفة تدلنا على الحقيقة وبما يندرج تحتها العلم الحديث). ولماذا؟! لأنهما أختان حميمتان (يقصد ابن رشد: الفلسفة والدين)، وتعبران عن الحقيقة بطرق مختلفة. إلا أنه يحدث مواقف غير قليلة، يبدو فيها وكأن هناك تعارضات بين المقولات الدينية في مسألة ما، والنتائج المستخلصة من المعارف التي نصل إليها بأنفسنا في نفس المسألة؛ فماذا علينا أن نفعل عندها؟! .. صرح ابن رشد أنه في مثل هذه الحالات علينا اللجوء إلى تأويل النص الديني[33]، معتمداً في ذلك على الآية (3: 7) .
ولهذا السبب يصف كامبانيني Campanini  (أحد الباحثين الغربيين المعاصرين و المتخصص في المدرسة الرشدية) ابن رشد بـأنه: [أبو التأويل الهرمنيوتي الفلسفي في الفكر الإسلامي[34]]. يزيد كامبانيني الأمر وضوحاً ويقول بأن فكرة التأويل عند ابن رشد لا ترجع إلى مستوى ميتافيزيقي باطني مستتر وسري، بما يتجاوز المعنى الحرفي للنص الديني، كما هو الحال عند طائفة الشيعة، ولكنها ترجع إلى مستوى لغوي، تكون فيه الفكرة أو حتى الذات المتحدَّث عنها، متمظهرة في الكلمات (يعلق قسوم هنا ويقول: ننوه هنا إلى أن المعنى الباطني يأتي مركزياً في التصور الصوفي للقرآن ربما أكثر من التصور الشيعي). ويستكمل قسّوم ويقول: (لذلك تحمل الآيات القرآنية معاني متعددة، بعضها حرفي، وبعضها ذو طبيعة رمزية. .. - هذه العبارة المخططة تعود لقسُّوم، ولم ينقلها عن من كلام ابن رشد ولا كامبانيني، ولا يُستدل عليها من كلامهما حيثما أشار! ويستكمل:) ويؤكد كامبانيني على الدور الذي يلعبه المأوّل، ويقول: [إن دور المأوّل محورياً، لأنه هو الذي يفكك شفرة المعاني في النص الديني.]
ويُتابع: يؤكد أيضاً مفكران عربيان معاصران على تعدد قراءات ومعاني القرآن؛ هما: محمد طالبي وحسن حنفي. يقول طالبي: [لا توجد قراءة مفتاحية واحدة للقرآن، بل قراءات مفتاحية متعددة. وهي جميعاً؛ موضوعية وذاتية، في آن واحد.][35]. وبالمثل يقول حسن حنفي: [لا يوجد فهم صواب وخطأ، أو حق وباطل، في التفسير، بل توجد فقط اجتهادات مختلفة للاقتراب من النص، تحتلف في دوافعها أو بواعثها .. بمعنى أنه لا يوجد تأويل واحد للنص ... لأن تأويل النص بالأساس تأويل تعددي.][36].
ويتابع قسّوم: نحيل أيضاً إلى مفكر آخر هو نصر حامد أبو زيد، والذي كان يُصر على التأويل الهرمنيوتي. ويصل كامبانيني إلى خُلاصة مفادها أنه [إذا كانت النصوص الدينية نصوص لغوية عادية، فهي من ثم  يمكن أن تُعالج بالتحليل الهرمنيوتي، فتكون النتيجة بطبيعة الحال أنه لا يمكن تأويل القرآن تأويلاً حرفياً، باعتباره نصاً علمياً.][37]. ويُضيف كامبانيني: [إن التلميحات الأحيائية والكونية في القرآن ليست علمية على النحو الصحيح. ومع ذلك فهي قابلة لِأن تُأوّل تأويلاً رمزياً هرمنيوتياً حاذقا][38]. والأكثر من ذلك، [أن النظام اللساني للقرآن يقوم على نص ثابت، في وقت تتعدد توجُّهات الـمُأوّل في الكشف عن جملة من المعاني: فتكون النتيجة أن التأويل الهرمنيوتي الفلسفي قد يستشعر أصولاً علمية في القرآن دون أن تكون له القدرة على الدفاع عن أن النص القرآني نصاً علميا][39].
وهنا يقول نضال قسوم: (ومن جهتي، فإني أؤيد تأييداً تاماً هذا التحليل الفلسفي الديني)
وفي موضع آخر يقول قسّوم: [نظراً للمبدأ الذي اعتمدته في رفض المواقف الحَدِّية المستقطبة بين التأييد المفرط، والرفض المطلق، فإن فكرة أن يحتوي القرآن على "محتوى علمي scientific" في معاني أي من آياته، فكرة مرفوضة لأسباب عديدة .. . وقد وجدت أن البديل لذلك إنما يتحقق بتسليط الضوء على القول بتعدد القراءات التي تتفاوت في معانيها (حتى وإن رهفت فروق المعاني)، وذلك لمعظم آيات القرآن إن لم يكن لها جميعا. ويسمح هذا المنهج للمتأول أن يستنير معاني الآيات استنارات ذكية، مستعيناً بأدوات عديدة، بما تطاله يداه، ويشمل ذلك؛ المعارف العلمية الحديثة. وتأتلف هذه الرؤية مع بعضٍ من أوعى المفكرين في الإسلام؛ من ابن رشد قديماً ووصولاً لمحمد طالبي حديثاً. ... ومما كتبه طالبي: [إن قراءة وتأويل وتدبر القرآن في ضوء المعارف العلمية الراهنة في زمننا هذا .. ليس إلّا تقليد متواصل في الإسلام لا ينبغي أن يتوقف][40]. وعلاوة على ذلك، قال أيضاً: [إن على أهل كل مدخل من مداخل فهم القرآن، أن يأخذوا بعين الاعتبار، حقيقة أن القراءات المستمرة لإشارات المعارف التي يتطلبها هذا المدخل أو ذاك، ينفرج على إثرها من معاني الوحي تتابع متواصل من العطاء، يتلازم مع ما يتكشُّف من أسرار الكون. لأن القرآن يطالبنا بأن ننظر ونقرأ، .. وكيف لنا أن ننظر ونقرأ؟ .. (هل يمكن أن يحدث هذا) بغير علم، من نمط العلم الحديث science؟!][42].][41].
وعن محمد شحرور يقول د.نضال قسوم: [كسر محمد شحرور القواعد التراثية في التأويل، وشرع في طرق مدخل في فهم القرآن، ليس فقط فهماً مُسْتَحْدَثاً جداً في تأصيله، وجديداً في تحرره، بل إنه يُعد إنفراجه في التأويل يمكن أن يقتحمها أي فرد – بحسب دعوة محمد شحرور- يمتلك القدرة الذهنية التي تدعمه في ذلك، وبما يشمل غير المسلمين. كما أنه يرى إدراج العلوم الحديثة والنظريات الفلسفية في قراءتنا للقرآن، باعتبارها إحدى الطرق التي تُسهم في استخراج طاقات الكتاب، ومساعدة المجتمعات ذوات المعارف كيما تدمج معارفها مع الحقائق الإلهية.][43].
ويستخلص د. قسوم مما سبق قاعدة، يقول فيها: [وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تحويل القرآن ليكون موسوعة علمية من أي نوع، فضلاً عن أن تكون موسوعة للعلوم جميعاً، إلا أنه على المرء أن يضع نُصب عينيه أنه إذا وجب علينا أن نأخذ القرآن مأخذ الجد والتوقير، فعلينا أن نتمسك بالمبدأ الرُّشْدي – أي: نسبة إلى ابن رُشد - الذي يقول: (لا مجال للاختلاف) ‘no possible conflict’ بين كلمة الله وعمل الله.][44].
ويختم قسُّوم هذه المسألة بقوله: [ويمكن تطبيق هذه القاعدة عملياً بقطع الطريق على الاعتراض ‘no objection’، أو المعارضة ‘no opposition’ من حيث المبدأ، وذلك بأن تُعتمد هذه القاعدة وسيلة لإقناع العامة من المسلمين بفكرة ما (مثل نظرية التطور الإحيائي)؛ ليس بإثبات أنها موجودة في القرآن، ولكن ببيان أن إحدى القراءات التأويلية الذكية لآياته، تتفق تماماً مع النظرية العلمية محل النظر][45].
نقول:
- حول قوله عن ابن رشد: بـ [استحالة التعارض بين الفلسفة والدين] لأنهما [يعبران عن الحقيقة بطرق مختلفة.] وأنه إذا ظهرت [تعارضات] [علينا اللجوء إلى تأويل النص الديني] [46]. نقول: لا نرى في هذا القول من ابن رشد أي رشد في الحقيقة! .. إذ أنه افترض أن الفلسفة تقول الحقيقة في موضوعاتها، بل إنها أقرب إليها من المقولات الدينية، وإلا لما لجأ ابن رشد عند التعارض إلى الحكم بتأويل مقولات الدين، ولم يلجأ إلى تأويل مقولات الفلسفة! .. فأي المقولات أغرب عن الحق حتى نلجأ إلى تأويلها؟! هل ما كان مرتكناً إلى نص قاطع الثبوت، أم إلى ما لا مُرْتَكَن له، إلا تقليبات العقل القاصر وتمخضاته!! .. لا نعني بذلك عدم حاجة آيات القرآن إلى التأويل في بعض الأحيان، وخاصة في الآيات المتشابهات، والتي لا شك في وجودها بين دفتي المصحف كما جاء في آية (آل عمران:7)، والتي اعتُمدت كمستند لهذا القول لابن رشد، وما هي كذلك!
وإذا لم يكن للفلسفة من مرتكن تعتمده لها مصدراً، فإن العلم الحديث أفضل حالاً بلا شك، لأنه يرتكن إلى واقع قابل للنطق إذا استنطقناه. ولا تختلف منطوقاته لأي سائل إذا تأهل للسمع بأسبابه. وإذا تساوى عند النظار وجود مصدر  للمقولات الدينية؛ أي القرآن، ووجود مصدر للمقولات العلمية؛ أي التجربة العملية التحقيقية، تساوت مقولات الطرفين – التي يفهمها الناظر في كليهما – في حاجتها إلى التأويل عند التعارض، ووجب أن يسعى الناظر الحاذق إلى تأويل الفهم المستخرج من كلا الجانبين لدرء التعارض، لا أن يطمئن إلى فهمه لمقولات مصدر العلم التجريبي، ويتشكك في فهمه لمصدر العلم الديني.
وإذا كان الأمر كذلك في حق العلم الحديث، فكيف كانت الفلسفة هي الأنموذج الذي على العلم الحديث أن يستشهد له بها نضال قسوم – في كلام ابن رشد – حتى ينتصر بشيء من المصداقية في صدق مقولات العلم الحديث. فالأقوى لا يستشهد بالأضعف المهزوم. ولأن الـمُستشهد به كان ضعيفاً أو معدوماً – نقصد "الفلسفة" – جاء الاستشهاد بكلام ابن رشد بلا قيمة لما كان يطمح إليه نضال قسوم؛ لأن حال العلم الحديث أفضل من حال الفلسفة بالفعل، خاصة وأنها لم تجنِ من وراء السنين إلّا مقاعد المتفرجين.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا معنى لأي تأويل هرمنيوتي فلسفي لآيات القرآن حتى يكون ابن رشد لها أبا، كما زعم ذلك كامبانيني حين نقل قسوم قوله أعلى عن ابن رشد أنه: [أبو التأويل الهرمنيوتي الفلسفي في الفكر الإسلامي[47]]. بمعنى أنه إذا كان هناك لجوء إلى تأويل آيات من القرآن، فلا بد أن يكون تأويلاً علمياً صريحاً خالصاً، لا أن يكون فلسفياً، فضلاً عن أن يكون هرمنيوتياً. ولا شك أن يكون [دور المأول محورياً] في التأويل، كما قال كامبانيني، لأن الـمُأول ليس معصوم الفهم. ولكن عصمته أو زلته لن تبقى أزلية الشك، لأن التحقيقات العلمية والتأويلية قادرة على دعمه أو نقضه، عاجلاً كان ذلك أو آجلا.
وإذا كان التأويل الهرمنيوتي - إذا طبقه أحد المتعلمنين على مقولات العلم الحديث– ابتذال مفضوح بلا خلاف – فكيف لا يكون ابتذالاً مأثوم في تطبيقه على نصوص القرآن، خاصة وأنها المقولات الأقرب في مقارنتها مع مقولات الدين (لاتحاد النوع: كلاما)، أشد من قرب التجريب لمقولات العلم الحديث (لاختلاف النوع)، لاحتمال زلل الـمُجربين وقياساتهم وترجمتهم لها كلاما؟!
وبناءاً على هذا الابتذال الهرمنيوتي – سواء لنصوص القرآن أو لمقولات التجارب – لا نرى قيمة لاستشهاد نضال قسوم بكلام [حسن حنفي] أو [نصر حامد أبو زيد] أو [محمد طالبي] أو [محمد شحرور] الذي يجيء تزكية لهذا النوع من التأويل.
ونرى أن الاستشهادات قد خلطت بين مبدأ التأويل الهرمنيوتي – الذي أظهرنا ابتذاله – وتعدد التأويلات الهرمنيوتية. وإذا كان المبدأ فاسد في حق كل من آيات القرآن وتأويل التجارب المعملية الرصينة لو انفرد لها التأويل الهرمنيوتي، فكيف الحال لو تعدد؟! ... إن الفساد عندئذ أشد، خاصة وأن اللجلجة بين هذه التأويلات – التي تصبح عندها غنوصية باطنية – غير آيلة بانفراد لأحدها كما أكد مدعوها، بل وفرحوا بذلك!
وإن وقع وجوب للتأويل – الذي اشترطنا أن يكون علمياً لكل من آيات القرآن، والتجارب المعملية – فلا نرى غرابة أن تتعدد التأويلات بين النظار على سبيل الأطروحات المحتملة، ولكن بشرط أن تأتلف أو تنتفي جميعاً وتخلُص في نهاية المناظرات إلى تأويل واحد فريد وحيد، يكون عليه مدار المعنى والدلالة التي نزل النص الإلهي ليشير إليها. ومرة أخرى فالأمر سيان لآيات القرآن، ومقولات العلم في التجريبيات. ومن جنح إلى استنكار ذلك على آيات القرآن، فليختبر نفسه بتطبيقه على تأويل التجارب المعملية، فإن استخف بها في الآخرة، فليرعوي عنها للأولى.
وإن قال قائل: التجارب علاقات طبيعية وكميات وأرقام، أما النص القرآني فهو كلام، كما نقل نضال قسوم عن كمبانيني قوله: [إذا كانت النصوص الدينية نصوص لغوية عادية، فهي من ثم  يمكن أن تُعالج بالتحليل الهرمنيوتي، فتكون النتيجة بطبيعة الحال أنه لا يمكن تأويل القرآن تأويلاً حرفياً، باعتباره نصاً علمياً.][48]، والمضاهاة بينهما غير سوية! ... قلنا: يرحم الله العقلاء! .. لأن المقولات من أيهما خبر. ولا جناح على صاحب الخبر أن يصيغه كلاماً أو يصيغه حساباً، .. أمَا رأى صاحب الكلام أن أصحاب الرياضيات – كما في كتاب الخوارزمي وحتى القرن الخامس عشر الميلادي- كانوا يصيغون مسائلهم كلاماً خالصا؟! ... وأن علم المواريث بجملته، والذي وضع الخوارزمي كتابه في الجبر والمقابلة لمعالجته، لم يكن إلا التطبيق العملي لآيات القرآن في الميراث ... فهل يمكن أن يستدعي ذلك تأويل آيات المواريث تأويلاً هرمنيوتيا؟!! أللهم رحماك .. وهذا (غوستاف لوبون Gustave Le Bon) يتكلم عن أحداث التاريخ - بما فيها من علاقات اجتماعية وإنسانية - وإعادة تركيبها بما تيسر لها من آثار، ويقول: [لا نرى حادثة نفسية أو اجتماعية معقدة، يتعذر الإفصاح عنها بأرقام أيضا، ويكفي للوصول إلى قياسها بمقياسٍ، أن تُفرّق إلى عناصرها الأساسية، ..][212]، واستنصر لذلك بعلم الإحصاء الرياضي، وقدراته التحليلية، وذلك في دفاعاته عن علمية الدراسات التاريخية.
إن الاحتجاج بكون آيات القرآن كلاماً – حتى ينفتح له باب التأويل الهرمنيوتي الباطني الغنوصي، بل ويتعدد بلا مرجح – ليس إلا مكراً مفضوحا. .. لأنها حجة فاسدة، تنضاف إليها حجة أشد فسادا، وذلك في القول بتعدد المعاني التي تكسر كل قواعد الخطاب بين العقلاء، والذي فيه يقصد المتكلم شيئا (خبرا بعينه حتى ولو تواطأ على أفراد كثيرين) يخبر به السامع. أما أن يقصد المتكلم (أخباراً متفاوتة) بإسناد واحد، فهو قول لا يجوز في فهم كلام الله تعالى، ولو قيل في شأن قاضٍ من قضاة الدنيا، لاتُّهم القائل بتحوير مراد القاضي لشبهة التلاعب بأحكامه وأقضيته، فكيف يقبلونه في حق الله وينزهون كلام عقلائهم عنه؟!!! ... أللهم غفرانك.
وإذا عُلم هذا، عُلم أن قول كامبانيني الآتي يسعى إلى إجهاض معاني كلام الله تعالى التي لم يستطع المحرفون أن يحرفوا نصوصه، لحفظ الله تعالى له، فجاؤا يحرفون معانيه، أو يعدمون فيه القيمة المعرفية، والغريب أنهم يفعلون ذلك باسم (العلم)!!! .. قال: [إن التلميحات الأحيائية والكونية في القرآن ليست علمية على النحو الصحيح. ومع ذلك فهي قابلة لِأن تُأوّل تأويلاً رمزياً هرمنيوتياً حاذقا][49]. والأكثر من ذلك قوله، [أن النظام اللساني للقرآن يقوم على نص ثابت، في وقت تتعدد توجُّهات الـمُأوّل في الكشف عن جملة من المعاني: فتكون النتيجة أن التأويل الهرمنيوتي الفلسفي قد يستشعر أصولاً علمية في القرآن دون أن تكون له القدرة على الدفاع عن أن النص القرآني نصاً علميا][50].
وقد لا نستغرب من كامبانيني أن يمكر هذا المكر، .. لكن أن يستجيب له نضال قسوم، ويُؤمِّن على كلامه ويقول: (من جهتي، فإني أؤيد تأييداً تاماً هذا التحليل الفلسفي الديني)[51]، فهذا والله هو الغريب والعجيب! .. وليتنا رأينا حُجة، أو برهاناً حتى نعذر له قوله، ... لكننا لم نجد شيئا!!!
ثم نجد ما سبق من كلام لا حجة فيه، زيادة على كسره قواعد التواصل اللغوي المفيد، أصبح مرتكزاً معرفيا – رغم أنه خاوٍ من أي وجاهة- يعتمده نضال قسوم ويطوع به المعاني الدينية فيفرغها من فائدتها الدلالية المحكمة في ذاتها، التي قال الله تعالى فيها " كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ "(هود:1)، ومن ذلك قوله:
[فكرة أن يحتوي القرآن على "محتوى علمي scientific" في معاني أي من آياته، فكرة مرفوضة .. وقد وجدت أن البديل لذلك إنما يتحقق بتسليط الضوء على القول بتعدد القراءات التي تتفاوت في معانيها (حتى وإن رهفت فروق المعاني)، وذلك لمعظم آيات القرآن إن لم يكن لها جميعا.]
نقول: هل يبقى للقرآن من قيمة فرقانية بين حق وباطل، وصواب وخطأ؟! .. _ وهي القيمة التي نفاها صراحةً أحد أعضاء فريق تعدد المعنى، وضياع إحكام الآيات – ونقصد حسن حنفي عندما قال: [لا يوجد فهم صواب وخطأ، أو حق وباطل، في التفسير، بل توجد فقط اجتهادات مختلفة للاقتراب من النص، تحتلف في دوافعها أو بواعثها..][52] .. لا .. لا يبقى إلا تسابيح .. وطقوس .. في المحاريب!! ..
كما نلاحظ أن قبول تعدد المعاني بلا نهاية تقاربية لأي منها، والتي هي تضييع للحق، قد لُبّست مع تزكية القرآن في مطالبتنا بالنظر والقراءة، (فيما نُقل لنا من كلام محمد طالبي[53])، والذي هو حق. فمن فرح بالحق الأخير، وقبل كامل العبارة، يكون قد شرب الشر الأول، من حيث لا يملك له دفعاً مع التذييل بالخير!
- وأما عن محمد شحرور، وما رأيناه منه من شطحات علمية لا يمكن الوثوق في منهجية قائلها[54]، فنستغرب أن يتقبل د. قسوم منهجيته في تأويل معاني القرآن، والذي فارق فيه الموضوعية والرصانة والمعقولية، إلا قليلا، وقال في شأن منهجه، مادحاً[55]، وصفاً ربما يستوجب الذم، قال: [كسر محمد شحرور القواعد التراثية في التأويل، وشرع في طرق مدخل في فهم القرآن، ليس فقط فهماً مُسْتَحْدَثاً جداً في تأصيله، وجديد في تحرره، بل إنه يُعد إنفراجه في التأويل يمكن أن يقتحمها أي فرد – بحسب دعوة محمد شحرور- يمتلك القدرة الذهنية التي تدعمه في ذلك، وبما يشمل غير المسلمين.][56]، ثم ذيل بكلام فيه شيء من الخير: [كما أنه يرى إدراج العلوم الحديثة والنظريات الفلسفية في قراءتنا للقرآن، باعتبارها إحدى الطرق التي تُسهم في استخراج طاقات الكتاب]! .. وبين الشر والخير في الكلام يضيع الحق، ويحتار القارئ الواعي: .. أيرفض ما في الكلام من حق، أم يضطر من أجله أن يقبل حشوه الباطل ... وما هذا والله إلا فتنة بالغة!
وأما القاعدة التي استخلصها د. نضال قسوم من كل ما سبق، وخاصة كلام ابن رشد، وسمّاها: (لا مجال للاختلاف) ‘no possible conflict’ فجعلها المطية التي بواسطتها يقبل عوام المسلمين كل كلام يزعم في نفسه الصفة "العلمية" المقدسة عن إعادة التأويل إذا اختلف مع القرآن، وأصبح المعتمد هو أن يعاد تأويل القرآن ليوافقها دائما، لماذا؟! .. لأنها مُنزّهة عن الخطأ .. وهذا هو محتوى عبارته: [يمكن تطبيق هذه القاعدة عملياً .. بأن تُعتمد .. وسيلة لإقناع العامة من المسلمين بفكرة ما .. ليس بإثبات أنها موجودة في القرآن، ولكن ببيان أن إحدى القراءات التأويلية الذكية لآياته، تتفق تماماً مع النظرية العلمية محل النظر] .. وهكذا تصبح معاني القرآن صلصالاً يتشكل في يد الـمُتأول، ليستخرج منه لكل فكرة ممكنة أو جانحة تأويلاً يدعمها !!! ... أما أن تكون معاني آياته محكمة، وأقواله فصلاً ليس بالهزل (أي: علمية) يقاربها المتدبر شيئاً فشيئا حتى يصل إليها .. فهذا ما يستبعده أو يرفضه د. نضال قسُّوم.
- وإذا نظرنا لتلك النظرية التي يرى إمكانية تأويل آيات القرآن لموافقتها، حين قال تفصيلاً: [ويمكن تطبيق هذه القاعدة عملياً ... بأن تُعتمد وسيلة لإقناع العامة من المسلمين بفكرة ما (مثل نظرية التطور الإحيائي)؛ ليس بإثبات أنها موجودة في القرآن، ولكن ببيان أن إحدى القراءات التأويلية الذكية لآياته، تتفق تماماً مع هذه النظرية] [57].
ونتسأل: كيف نستطيع أن نوفق بين قول الله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ"(الحجر:26)، وقوله تعالى "خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ"(الرحمن:14)، من جهة، ونظرية دارون في خلق الإنسان والقائلة بأنه خرج من رحم مخلوق سابق؟! – أين هي تلك القراءة القرآنية التي تتحمل هذه الضرورة الداروينية لبقاء نظريته القائمة على (الانتخاب الطبيعي المرافق لطفرات جينية). كما وأن نضال قسوم قد أقر بأنه ليس هناك من طفرات فجائية ينتج عنها جنس جديد، وذلك بما نقله عن صاحبيه وجاء نصه:
[لا يمكن أن يوجد نوع من المخلوقات يحمل صفات جديدة غير مسبوقة ويظهر فجأة على مسرح الحياة][58]. فكيف ظهر آدم عليه السلام إذاً فجأة! بشخصه وصفاته وزوجه التي خُلقت منه ؟! .. وعند هذا المحك، فإما أن كلام الله تعالى حق، أو أن هذه الداروينية التطورية هي الحق لو كان معها برهان أقوى من براهين صدق القرآن. أما أن يجتمع النقيضان: ظهور آدم الفجائي تبعاً للقرآن، وظهوره على التدرج البطئ من أرحام متتابعة التطور تبعاً للداروينة، فهذا محال، ولا أدري كيف اجتمعت هذه الإمكانية في ذهن د. قسّوم حتى يقول بها ويدافع عنها، حين قال: [توجد نسخة من نظرية التطور يمكن أن تتماشى مع النظرة الدينية، وهي النسخة التي يمكن تبنيها وتطويرها للتوافق مع المفاهيم الإسلامية الغنية.][59]، وينقل عن غيره (مهدي كلشني) مثلها، حين قال: [لا يتنافى الإيمان بآلية التطور في ظهور الأجناس – ومنها بالطبع الجنس الإنساني – مع فكرة الخلق الإلهي.][60]. ثم يخلص نضال قسوم إلى أن نظرية التطور هامة جداً في دعم القراءة التأويلية ويدعو لأن تُلفظ القراءة الحرفية، يقول: [إن نظرية التطور هامة للغاية في المناظرات بين العلم من جهة والدين/الإسلام من الجهة الأخرى. وفي هذه المناظرات (التفاعلية) يظهر الفرق بوضوح بين أولئك التبسيطيين الحرفيين في قراءتهم للكتب المقدسة (في كل مناحي الحياة والفكر) وأولئك الذين يقبلون تطبيق التأويلات الهرمنيونية ومبدأ تعدد قراءة النصوص وطبقاتها المفاهيمية][61].
المعجزات وتفسيرها بالسنن الطبيعية!
قال الدكتور نضال قسوم: [يرتبط بالقراءة المجازية/المتعددة المعاني لآيات القرآن سؤالٌ هام، وذلك هو مسألة المعجزات miracles. .. فهناك عدد كبير من المعجزات الطبيعية في عهد الأنبياء السابقين مثل موسى وعيسى، يمكن أن تُفهم اليوم على أسس طبيعية. فمثلاً: يمكن أن يُعزى شفاء عيسى للأعمى إلى التأثير النفسي placebo effect (الذي يستحثه العقل)، في حين أن شق موسى للبحر نصفين يمكن أن يُفسر ببساطة بتغيرات مناخية فجائية.
ولكن، حتى مع هذا التفسير السائغ، مازال هناك هامش بعيد عن الفهم، يكمن في آلية التدخل الإلهي المعجز، وذلك إذا ما سعى أحدنا تفسير ذلك التأثير النفسي العقلي placebo effect بتدخل إلهي على المستوى الكمومي، في حين أن التأثيرات المناخية التي تؤدي إلى هبوب رياح على البحر الأحمر بما يشق المياه نصفين، تفعل فعلها بتأثير إلهي على المستوى الميكروسكوبي، والذي يتنامى ابتداءاً من مثل ذلك التأثير الـمُسمّى بتأثير الفراشة butterfly effect’ (وهو تأثير لاخطي- من نوع التأثيرات الفوضوية chaos)، ثم يتعاظم إلى أحجام ماكروسكوبية عملاقة.
وقد تروق أو تقنع هذا التفسيرات بعضنا أو لا تروق أو تقنع بعضنا الآخر، ولكني أراها تصورات جيدة لذلك النوع من التأويلات متعددة المستويات في فهم معاني آيات القرآن، والذي سبق أن أيدته من قبل.
ومع ذلك، فهناك معجزات لا يمكن فهمها بمثل تلك التفسيرات الطبيعية، فمثلاً: ذلك التحول السحري للعصى (في قصة موسى)، فتصبح حية تسعى، وقد يحاول أحدنا فهم ذلك بمستوى تأويلي مختلف، كأن يُصر مثلاً على مجازية التأويل؛ وربما أضيف هنا ما يدعم هذا المنحى في التفسير المتعدد الفهم، قائلاً أن القرآن قد ذكر أولاً في قصة موسى عن حبال وعصي السحرة "فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى"، وأن هذا التخييل لم يكن أكثر من حيلة من السحرة، لذا أمر الله موسى أن يفعل نفس الحيلة كي ينتصر على السحرة (ودون إي إعجاز)][62].
وقال الدكتور قسوم: [ونرى مثال آخر هام في مسألة المعجزات، وذلك في قصة إسراء النبي (صلى الله عليه وسلم)، في رحلته الليلية من مكة إلى القدس، ثم صعوده إلى السماء وعودته إلى مكة في ليلة واحدة. وعادةً ما تُفهم هذه القصة بمعناها الحرفي، بل يصل الأمر أحياناً إلى محاولة حساب المسافة بين الأرض والسماء على أساسها. ونرى في تفسير هذه القصة من مفسرين تراثيين كـ (إبن كثير) ما يربط مع هذا الحدث مع أكثر من عشرة قصص، ينقل أحدهما عن بطريارك القدس، والذي ربما يكون قد عثر على دليل على صلاة أحد الأنبياء في ليلته السابقة في محرابه. وأيضاً عثوره على حيوان قد قُيِّد في زاوية من المحراب. هذا في حين أن (محمد أسد Muhammad Asad) وهو مفسر معاصر، يفهم حدث الإسراء فهماً باطنياً صوفياً، وقد خصص له ملحقاً كاملاً في تفسيره للقرآن][63].
وقال أيضاً: [يمكن أن تُأوَّل بعض المعجزات تأويلاً مجازياً بواسطة مفسرين غير تراثيين في أقل تقدير. فمثلاً .. في رحلة النبي الليلية وصعوده إلى السماء، يمكن اعتماد ما أدعو إليه من قراءة متعددة المعاني بما يسمح للناس تبني رؤى وأفهام مختلفة لنفس الآيات][64].
وفي قول أسبق يقول: [لنشرع في تعريف المعجزة تعريفاً أولياً، وذلك على أنها: "ظواهر يبدو عليها التعارض مع قوانين أو سنن الطبيعة (وتتضمن أحياً فعلاً أو تدخلاً إلهيا)، وليس أنها غير ممكن تفسيرها تفسيراً علمياً][65].
نقول: هذا التعريف خاطئ
لأن التعارض مع القوانين شيء، وخرقها بقوانين أكبر منها شيء آخر. فانتقال الإنسان بين بلدين بينهما ألف ميل في ساعة واحدة كان معجزة في الماضي، في زمن سليمان مثلاً، ولكنه ليس معجزة اليوم، وكما أننا علمنا قوانين أشمل من قوانين السير الأرضي، فكذلك سليمان عليه السلام، علّمه الله تعالى التحكم/تسخير - تلفظاً – بما ربما أن يكون مقاليد/قوانين خاصة تُسير الريح، مثلما علمه منطق الطير – أي قانون النطق/المعنى، فيفهم عنها ويأمرهم، كما في حادثة الهدهد، وهو ما لا نستطيعه، أو لم نعرفه بعد، بل ما لن نعرفه، لأن الله تعالى خص به سليمان كما أخبرنا سبحانه عن دعاء سليمان " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي "(ص: 35) واستجابة الله تعالى له، .. فهل يقال على مثل ذلك من معجزات ما يبدو عليه التعارض مع القوانين الطبيعية، كما يُعرِّفها نضال قسوم هنا؟ّ .. بل ينبغي أن يقال: لا قبل لأهل القوانين بهذا المستوى من العلم والقدرة. .. أما نفي استحالة أن يُفسر العلم (اليوم) هذه المعجزات، فهذا تحكم بشمولية قوانين العلم اليوم. وهذا غرور بالعلم، واعتباره قد اكتمل، وأنه ما وراءه من أسرار يمكن أن تصبح نسبتها لنا كما هي نسبة معارفنا اليوم لمن كانوا قبلنا بألف عام مثلا. وفي هذا الغرور العلمي ما أخبرنا الله تعالى عن مثله أيضاً في قوله تعالى "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا .."(يونس: 24).
والتعريف الآتي – الذي ينقله عن ديفيد هيوم - يؤدي إلى إنكار المعجزة، من حيث لا يجب إنكارها. .. يقول: [إن السنن الطبيعية التي ترسخت في معارفنا (مثل هبوط الأجسام نحو الأرض بتأثير الجاذبية) لا يمكن أن تنكسر ويمتنع جسم عن السقوط إذا أطلق حراً. وتعد فكرة خرق قوانين الطبيعة معيار ديفيد هيوم في تعريف المعجزة، والتي دعته إلى إنكار حدوثها باعتبارها مستحيلة. وغني عن البيان أن حجته هذه قد لاقت هجوماً من مفكرين كثيرين[66]، ..، وخاصة أولئك الذين وسموها بأنها دوراً في الفكر][67].
نقول لو صدق كلام هيوم لكان تعلق الطائرات في زمننا هذا بين السماء والأرض يكسر قانون السقوط ناحية الأرض في معارف زمنه،  ومن ثم يجب إنكار طيران مثل هذا الشيء! .. ولكن كيف له أن ينكرها وهو لم يحط علماً بأسباب تعلقها، .. وإذا كان هذا هو معياره في إنكار المعجزات لكان معياراً فاسادا .. وكذلك نحن، كيف ننكر معجزات الأنبياء ونحن لا نحيط علماً بما عساه أن يكون لها من أسباب خلقها الله تعالى. هذا فضلاً عن أن الله سبحانه قد أخبرنا بها خبراً صادقاً لا محالة .. ها هنا سيلجأ – من ينكر المعجزات – إلى تأويلها بما ينفي حدوثها الحرفي، جهالة منه، مثلما يحاول أن ينفي منكر الطائرات تعلقها في السماء في زمن هيوم جهالة منه!!!
نضيف بأن الغرض من معجزات الأنبياء ليس إثبات التعارض مع القوانين، بل بإثبات قدرة الخالق بإظهارها كيفما يشاء، سواء بتعطيل قوانين أو إظهار قوانين لا نعلمها، وأياً  كانت أسباب الله في ذلك، فلا يغير من علة المعجزة التي هي وجوب تصديق أنبياء الله، والفرق كبير. ومن ظن أن علمه بقانون كان يجهله يفرغ المعجزة من معناها، فقد وهم. لأن العبرة هي كون المعجزة آية التصديق، لا كشف علم مجهول إذا عُلم سقط التصديق. لذا كان تعريف هيوم الذي استعرضه نضال قسوم ينم عن عدم صحة التعريف، خاصة وأنه التعريف الذي ينفي صدق المعجزات على النحو الذي جاءنا في القرآن. ومن كان عنده مشكلة في تعريف المعجزة، فلا ينبغي أن تؤدي مشكلته إلى تكذيب الأنبياء، لأن مشكلته شخصية في الفهم، وليس في صدق وقوع ما أساء هو فهمه. وفي هذا المعنى قال ابن تيمية بما يفيد أنه (لا ينبغي أن يخلط المرء بين ما يحير العقول، وما تحيله العقول، فيحكم بحكم الثاني على الأول).
نقول أيضاً أن مسألة المعجزات قد تحولت من كونها آيات، إلى كونها خوارق للقوانين، وهو التعريف الذي يبعث على أن يجافيها العقل المفكر، لا أن يستشعر عجزه أمام علو قدر صانعها. فالآيات – من حيث هي علامات على صدق صادق فيما جاءت دلالة عليه – لا تتعين بمجافاة العقل للمعجزة، بل بتنبيهه إلى أنه قاصر في رفضه للصدق إن رفضه، وأن هناك ما هو أكبر منه تعقلاً بما يوجب عليه تصديقه، وإلا هلك. وتتساوى في ذلك – مع الفارق- التكنولوجيا الحديثة التي تقهر أهل هذا العصر على تصديق صانعيها في حديثهم العلمي، حتى لو جافى ذلك العلم عقول مستقبلي تلك الكنولوجيا، ودون أن يقفوا على دقائق ذلك العلم، حتى ولو كان واجباً عليهم أو في متناول أيديهم لو أرادوا. فهذه النظرية النسبية قد أتتهم بأن الزمن الحقيقي يستطيل، ويصدقوها، أو لا يجرؤون في أقل تقدير على تكذيبها، فما الآية وراء ذلك التصديق المجافي للعقل، إنها آيات/معجزات العلم، ومن هنا أتى تبجيلهم لقدره. ويقال مثل ذلك – في أقل ما يقال- على معجزات/آيات صدق الأنبياء، وصدق ما أوحي إليهم من ربهم. ... وما دام الأمر كذلك، فقول نضال قسوم:
[كيف لنا أن نقرر أن واقعةٍ ما (يقصد مما جاء به الأنبياء) معجزة؟ إنها منطقة رمادية للغاية.][68].
قول غير موفق.
- وإذا كانت المعجزات (فيما جاءت به الأنبياء، أو ما كان استجابات من الله تعالى لدعاء الداعين) هي ما يصفه نضال قسوم بـ [غير مفهوم، وإن ليس بالضرورة أنه يفتقر إلى تفسير][69]؟! .. فقوله هذا ينطوي على فرضية أن تكون تلك المعجزات مما يمكن أن يُفسّر علمياً بما يبرره، ومن ثم ينزع عنه خرقه للعادة عند المصدقين به، ومن ثم، ربما لا يكون ذي دلالة تصديقية – كما توهمه المصدقين بإعجازه- على ما اقترن به من حادث فعلي من الله تعالى لنبي من أنبيائه أو عبدٍ من عباده!
إن هذا الأمر التنفيري من التصديق بالآيات التي جاءت بها الأنبياء خطير للغاية، لأنه تكذيب بحق صريح، أكده القرآن بما لا منكر له إلا ويكون صاحبه بالقرآن كافرا، وربما يكون الأقل منه خطراً أن يتجاهل المرء وقائع بعينها للمؤمنين ترقى لرتبة المعجزات، وكونها تجارب شخصية، وعهدتها على راويها، وهنا يأتي احتمال التشكيك، لا احتمال تصديق إمكانية الوقوع لو أراد الله تعالى وقوعها، أما إن كانت من الأنبياء وشهد لها القرآن، فكيف نقبل كلاماً مثل هذا الذي قاله نضال قسوم هنا:
[ماذا عن التقلص الفجائي وذهاب ورم سرطاني متطور وفي مراحله الأخيرة، هل يتعارض ذلك مع السنن الطبيعية؛ هل هذا معجزة؟ ربما لا تكون معجزة لأن المرء منا ربما يستطيع لاحقاً أن يفسرها تفسيراً طبيعيا لم نصل إلى فهمه بعد، وماذا عن شفاء عيسى لرجل أعمى بتغطية عينيه بالطين، ثم سؤاله إياه أن يغسلها بالماء؛ هل يتعارض هذا مع قوانين الطبيعة؟ هل مثل هذه الواقعة معجزة (كما يعلن عنها دائماً)؟ وكيف لنا أن نعلن أن واقعةً ما معجزة؟ يحق لنا أن نقول: إنها منطقة رمادية للغاية.][70].
من حيث وقوع هذه الأحداث للأنبياء كما أخبر القرآن وعلى النحو الذي أخبر به، فلا يعنينا تسميتها معجزة أو عدم تسميتها، إنما يعنينا أنه ليس بمقدور أحد أن يأتي بمثل ذلك إلا الله، وعلى يد من شاء من أنبيائه، وأن النبي بذلك يكون صادقاً فيما يخبر عن ربه. ويستوي في ذلك خرقها للسنن التي يعلمها الناس، أو أن تتجاوزها بسنن أعلى منها، أو حتى أن يخلق الله تعالى لها أسباباً بعينها، حتى وإن لم تصبح سنناً متواترة. فإذا علمنا ذلك، لم نستغرب أن يقع من ذلك شيء للمؤمنين إذا دعوا الله تعالى مضطرين، وهو سبحانه الذي قال " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"(النمل:62)، وقال تعالى "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"(غافر:60). ومن هذه الاستجابات ما نراه في الأمثلة الحية الآتية:
مصطفى محمود وثلاث معجزات

لورنس براون والمعجزة التي أدخلته الإسلام
ومن أنكر قدرة الله تعالى، وأعلى من شأنها فوق الأسباب المادية، لا يستنكر من وقوع المعجزات، أما من أنكر المعجزات، وسعى كل السعي، بالغث والسمين لتبريرها بأسباب مادية من شاكلة ما يعلم – وهو الإنسان؛ قليل العلم، قاصر الفهم في أغلب أحواله – ومنع، بل أحال أن تنكسر أو تُتَجاوز، وهي المخلوقة لله تعالى، كان للأسباب مقدساً، ولشأنها على إرادة الله ومشيئته معظماً، تعالى الله عن ذلك وتقدست أسمؤه.
- ولكننا رأينا أيضاً من نضال قسوم ما عرضه كمثال معتبر لتصور – حد أدنى – من آلية عقلية، تسمح بظهور معجزات في الكون، وذلك في سياق فهم آليات "فعل الله تعالى" Divine Action في الكون شاملاً قبول الدعوات وصنع المعجزات، قال:
[إن التمثيل الذي أميل إليه – يقصد في مسألة فعل الله تعالى في خلقه – يشاكل مبرمج الحاسوب الذي يضع نظاماً برمجياً – ولنقل لعبة حاسوبية – والتي تنطلق في سبيلها المخطط لها بقيم أولية حاكمة لنظام اللعبة، ولكنها تقبل أن يُدخل اللاعبون قيم حاكمة مختلفة عند نقاط محددة من سيرورتها، أو تسمح لهم باستخدام كروت الجوكر تبعاً لمواقف اللاعبين أو رغباتهم، ومن الممكن منح هذه الكروت لبعض اللاعبين (الذين يولدون بأهليات خاصة) أو أن يربح أحدهم تلك الأهليات عبر مساره في اللعبة (من خلال خصال حميدة). وفي إطار هذه اللعبة/الحياة يمكننا أن نتصور وجود جهة فاعلة (إله)، يمكنه، أو في قدرته، أن يقرر عند كل طلب لأحد اللاعبين (صلاته/دعائه) أن يمنحه طلبه، أو يمنعه منه ويسير البرنامج كما هو مخطط له، وذلك بدلا من أن يبرمج اللعبة برمجة مؤتمتة تامة fully automated. وعلينا عندئذ أن ننظر على كل اللعبة نظرة واحدة شمولية جامعة؛ (القوانين الحاكمة، القيم الأولية، القيود (التي تمنع طلبات بعينها أن تتحقق)، وأيضاً الأجزاء التفاعلية (بالعطاء أو المنع)). وعندئذ لن يكون هناك تعارض بين القوانين المنسابة في عملها، والتدخلات التي تقع كجزء من اللعبة][71].
إذا كان العقل إذاً لا يُحيل مثل هذه الآلية البشرية فيما يصنعونه من محاكاة لحيوات يتصورونها، لو كانوا خالقين، فكيف يمنعونها في فعل الله تعالى، وهو سبحانه الأحكم والأجل؟!
.. وبناءاً عليه؛ .. لا غرابة في معجزة ولو توهمنا مخالفتها لقانون الطبيعة بحدوده التي ألفناها، ولا غرابة في إجابة دعاء الداعين حتى ولو كان شق البحر فينفلق، فيكون كل فرقٍ كالطود العظيم. ومهما يكن، فقدر الله تعالى سارٍ، وحكمته بالغة، ومشيئته محررة، وأمره نافذ.
أما الغرابة فهي ما نجده في مواقف نضال قسوم! .. فهو الذي يقرأ له القارئ، فيراه يؤيد إنكار المعجزات وتفريغها من محتواها، .. ثم نجده يمتلك الدفاع عنها بأنصع الحجج لأهل العلم من زملائه ومن يفترض أنه يحاورهم. .. فهل يا ترى أنه يساير في منهجه هذا، الغربيين الذين يستهدفهم من كتابه هذا بالدرجة الأولى، فيداهنهم بإنكار ما ينكرون، ثم يريهم لاحقاً[72] أن حجج الإنكار واهية أو فاترة أو ساذجة بالمعيار العلمي؟! .. ربما!! وخاصة أنه لا يفعل ذلك إلا قليلا أو نادرا ... غير أن الحق حقٌ ويجب إضاءته، والباطل ظلم وظلام، ويجب هتك ستره. وذلك حتى لا ينخدع قارئ بمواطن الإنكار، فيُفتتن، بل يُهدى إلى مواطن الحُجَّة فينتصر به أو له.
الخلط بين معجزات يقينية، وأخرى مزعومة باطلة:
ومن تبعات الحديث في المعجزات ووقع فيه نضال قسوم، أنه خلط بين ما كان منها حقٌّ يقيني، وما هو باطل، بشهادة القرآن. ومثال ذلك عندما قرن بين معجزات شق البحر بعصى موسى ومعراج نبينا عليه الصلاة والسلام من جهة، وما يقوله النصارى عن صلب المسيح وابتعاثه من الموت بعد ثلاثة أيام من جهة أخرى. وقد أتى على هذه الجملة من الحوادث وكأنها جميعاً مما يُعتمد صدقه بلا تمييز. وإذا كان د. قسوم يكتب بالإنجليزية وأغلب قرائه من النصارى وأصحاب العلم الحديث وفلاسفة الدين، فهل يجيز له ذلك ذكر الباطل (صلب المسيح عليه المسيح) مع الحق من شق البحر وإبراء الأبرص وإحياء الموتى والإسراء والمعراج ؟! .. بالتأكيد لا يجوز، ولا يمكن أن يُجيز له أحدٌ ذلك! ... حتى لو صاغه بأعلى سياق ومعايير قرائه العلمية كما يحلو لهم، إلا أن يقول: (كلُّ حسبما يعتقد من أهل التوحيد) فيبرئ نفسه من بطلان الباطل ويجعل عهدته على قائله، قال: [هذه المعجزات تتراوح ما بين شق البحر بعصى موسى، إلى شفاء عيسى للأبرص والأكمه، وانبعاثه للحياة من الموت بعد ثلاثة أيام بعد صلبه (هكذا بلا تعليق)، إلى رحلة الإسراء من مكة إلى القدس، والمعراج إلى السماء والعودة في ليلة واحدة][73]. (ويقول في الهامش عن شق البحر: ينبغي أن نسترجع ما جاء في سفر الخروج (Exodus 14:21)  تفسيرا لانشقاق البحر "أجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة وجعل البحر يابسة" وسوف نرى لاحقاً أن أحد الاقتراحات لفعل الله في العالم (سواء كانت معجزات أو تدخلات صغيرة) أنه يحدث بعمليات فيزيائية غير خطية ( يدرسها علم الكايوس chaos) مع تغيرات في الحالة المايكروسكوبية تنتج ظواهر ماكروسكوبية (مثل تأثير الفراشة)).
وبعيداً عن محاولة فهم سببية وآلية انشاق البحر بعمليات طبيعية (ظواهر الكايوس، وتأثير الفراشة) وهي محاولات بائسة، نرى رد فاسد الأقوال التي زعمها الزاعمون من موت المسيح مصلوباً، وما يترتب عليه من معجزات مظنونة، ثم خلط ذلك مع اليقين الذي حكاه القرآن، ونحن به مصدقون. ولا ينبغي أن يجعل الكاتب – مهما كان – خاطراً لقرائه، إذا كانوا يؤمنون بفاسد من العقائد، أن يتعاطف معهم، ويذكر عقائدهم الفاسدة وكأنها حق. إلا إذا كان يرى أن آيات القرآن في إثبات ما أثبتت ونفي ما نفت، ليست قاطعة المعنى، اعتماداً على فلسفته التأويلية بتعدد المعاني، وهنا تكون المصيبة أكبر، لأنها ذهاب بمعاني القرآن، والذي لا يبقي منه إلا رسمه، نعوذ بالله من ذلك، ونبرأ منه.
حول "علمية" آيات القرآن
التفسير العلمي- الإعجاز العلمي – أسلمة العلوم
أولا، التفسير العلمي:
- يذكر نضال قسوم إقرار الباحث: (جليس الرحمن) في بحث له[74] [بأن الربط بين معاني آيات القرآن والعلوم الحديثة محفوف بالمخاطر، لأن حقائق القرآن مطلقة الحكمة، في حين أن العلوم الحديثة ليست إلا أفكاراً عابرة][75]، ويعطي (جليس الرحمن) أمثلة لذلك، يردفها نضال قسوم بالمزيد منها من عدد من أصحاب التفسير والإعجاز العلمي المعاصرين، بما في ذلك الفخر الرازي قديماً ودفاعه عن تفسيره الذي كان رائداً في هذا المجال بما يواكب عصره. ثم يذكر قسّوم أصحاب الاعتراض على التفسير العلمي كالشاطبي ورشيد رضا ومحمود شلتوت وسيد قطب، ثم من الباحثين المعاصرين: (ويلانت) Wielandt [76] ثم سامي الموصلي الذي يكرر[77] تقريباً اعتراض جليس الرحمن.
نقول: إلى ماذا يعود كون العلم الحديث أفكاراً عابرة .. هذا إن صدقت العبارة بإطلاقها؟
هل إلى أن موضوعها (علمي بالمعنى الحديث)؟ ... أم لأن المفسر إنسان يجوز عليه دوماً الخطأ، وبما يستوجب المراجعة؟
يظهر بوضوح أن اعتبار أن علة (الأفكار العابرة) قد انحصر في موضوع العلوم الحديثة، بلا نظر أو تحقيق، والصحيح أن العلة تعود إلى بشرية المفسر. .. ولكن هل أنواع التفسير الأخرى يقوم بها غير البشر، أو بشر معصومين، بغير وحي، وجب الأخذ عنهم بلا إعمال لأدوات التحقيق والتصويب؟ ... بالطبع لا (إلا عند من يعصم الصحابة رضوان الله عليهم في كل صغيرة وكبيرة وصلتنا عنهم)! ... إذا كان ذلك كذلك، فكل تفسير وتأويل في الدين هو تفسير بشري يعاني مما يعاني منه التفسير العلمي، وينطبق عليه الاعتراض السابق، والذي وافق عليه نضال قسوم ضمناً، .. والنتيجة أنه – لو صدق هذا الاعتراض - لوجب علينا التوقف عن التفسير مهما تأهل له المتأهلون، وإلا لكانت تفسيراتهم أفكاراً عابرة، وتخدش حقيقة معاني القرآن المطلقة الصدق!!! ولأن هذا يفضي إلى تعطل مبدأ تدبر آيات القرآن الذي أمرنا الله تعالى به، وعندئذ يكون الاعتراض غير وجيه. ويكون الرد الـمُزيل لهذه الشبهة أن اختلاف المفسرين البيني ينقح أعمالهم وما فيها من أفكارٍ عابرة، ويقترب بهم شيئاً فشيئا من محكم معاني القرآن، وعند ذلك تزول الشبهة. وأن هذا صحيح في فهم معاني كلام الله بكل أنواعه (العقائدية والتشريعية والطبيعية)، بل وصحيح أيضاً في العلم الحديث وبنفس الكيفية، من حيث أن الحق في مخلوقات الله واقعة، وأفكارنا عنها عابرة، وتتنقح بالتصحيح. فالعلاقة واحدة بين الإنسان الضيف على الوجود الحق وكلام الله الحق، وعلم هذا الضيف بكل أنواعه ليست إلا أفكاراً عابرة، تقترب وتطابق الحق باتباع نبي، ومكاشفة واقع. وتبتعد حتى تصبح هزلاً بتقليد غافلين ضالين، أو التلبُّس بظنٍّ أو هوى. وبين هذين القطبين من الدرجات ما لا يعلمه إلا الله.
- لا يأبه نضال قسّوم كثيراً بالاعتراضات السابقة، ويعتبرها ليست أهم ما في الموضوع، وكأنه يؤيد التفسير العلمي بين غيره من توجهات النظر في القرآن، وذلك حين قال: [يمكن أن تضيء معارفنا المسبقة (يقصد المستقلة) معاني القرآن، لذلك كان الناظر في القرآن مستبصر بمعانيه أياً كان توجهه الفكري: علمي أو أدبي، عقلي أو روحاني. ] .. إلا أنه صدر هذه العبارة بقول: [يحمل القرآن تعدداً في المعاني، إذ ..][78].
أي أنه لا يقصد تأييد التفسير العلمي للقرآن في الحقيقة كما يتوقع من عبارته الأولى، ناهيك عن الإعجاز العلمي، بل يؤيد مبدأ التفاعل بين المفسرين المجتهدين والقرآن أيا كان تخصصهم، بما يُثري المعاني (المتعددة) فقط، وأن يبقى الحال على تعدد المعاني ووفرتها، دون أن يُرجَّح بينها، ودون أن يَؤول المعنى إلى مُراد لله تعالى صريح؛ دال على حقيقة واحدة فريدة. وهذا هو الخطير في الأمر. لذلك، نحتلف معه في بشدة، لأن ذلك – كما أشرنا من قبل – يفرغ القرآن من رسالته المفاهيمية المميزة، وما يجب أن يتحلّى به المؤمن بالقرآن – إن صدق في استدلاله- من رؤية (إلهية المصدر) تفوق ما سواها وتهيمن عليه، وتتسم بأعلى درجات المصداقية، مثلما أن القرآن نفسه قد هيمن على غيره من رسالات الوحي، والتي غرضها بالدرجة الأولى مفاهيمي معرفي، ترتسم على خطاها حياة الإنسان ونظرته إلى الكون منذ نشأته، وما عساه أن يكون من مآله.
- ويتكرر من نضال قسوم هذا الموقف، فنجده يقول: [.. اعتماداً على تخصص الناظر في القرآن، يمكنه أن يرى معنى من معاني الحقائق العلمية الطبيعية، إلا أنه لا ينبغي له أن يقطع به إعجازاً وسبقاً قاطعا][79]. وقد صدر هذه العبارة أيضاً بقوله: [أؤمن بأن القرآن يقدم مستويات متعددة في القراءة، بما يجعل آياته حاوية للعديد من المعاني ..]. ولكن مثل هذا التفسير الحاوي ربما للمتنافرات من المعاني، ولا يمتلك رؤية قابلة للحسم أو الفصل أو التمييز بين المتنافسات من المعاني، لا يمكن الاعتماد عليه في ترجيح أو استبعاد تصور مفاهيمي أو علمي شائع أو محتمل، من خارج التفسير، كمجال الفيزياء والفلك مثلاً. ولو عمم نضال قسوم رؤيته هذه على القرآن، وأراه لا يستطيع أن يفعل خلاف ذلك، فسوف يسقط عن آيات القرآن حِجِّيتها في اليوم الآخر، والحساب، والجنة والنار، وعالم الغيب بجملته .. إلخ. وباختصار، سوف تُقَوِّض رؤيته القيمة التي من أجلها أُنزل القرآن، والتي بها كان بياناً للناس في حالهم ومآلهم!
- ويبدو لنا أن مسألة التفسير العلمي في القرآن تعتلج في صدر نضال قسوم، وتختلط ببعض التصورات غير الصحيحة، أهمها تعدد القراءات حتى ولو لم تتآلف، (ثم مسألة الترجيح التي لا يذكرها، وربما لا يراها ذي اعتبار، ناهيك عن نفيه استقرار المعاني بما ينفي عنها أي حجية في مسيرة العلم الحديث ذاته، ثم ما وراء ذلك من إعجاز يمكن أن ينُافَح به عن كتاب الله تعالى) .. وقد نتج عن هذا الاعتلاج لوحة مشوشة مثل تلك التي يرسمها رسام قبل أن تتضح معالمها، أو أن تلك اللوحة تعاني من تمزقات في نسيجها يمنع خلوصها إلى ما يتمناه، مهما كان حاذقا. ومن أدلة هذه المعاناة، أقواله الآتية:
قال: [لو أن نظرية الإعجاز كانت قد ابتدأت من الفكرة القيمة والشيقة، والتي فيها نستفيد من العلم الحديث في محاولة تحسين فهمنا لبعض فقرات القرآن، لكان من الممكن أستنقاذها، وتهذيبها، وتوجيهها الوجهة الصحيحة – على الأقل لعموم المسلمين – بإعادة صياغتها بطريقة تخدم هذه الرؤية والقراءة الجديدة للقرآن، وأن يكون هذا فاتحة خطاب جديد في العلاقة بين الإسلام (أصوله وتراثه) والعلم.][80].
وقال: [إن التفسير العلمي للقرآن يمكن أن يمثل قراءة واحدة محتملة للنص، وهي قراءة خبيرة ومستنيرة بالمعارف التي أنجزها العلم الحديث عبر رجاله الواعين. وهي قراءة واحدة من بين عدد من القراءات، وتأويلاً لا يسمح به إلّا مستوى عالٍ من المعرفة العلمية. وهذا التفسير، والمختلف في طبيعته عن (الإعجاز) لن يكون أكثر ولا أقل من مجموعة من التأويلات الفردة والشخصية، وسيكون بعضها أكثر أكثر إقناعاً للناس من بعضها الآخر.][81].
ولكنه يذهب بهذا جميعاً ويقول: [لا يستطيع المرء الإصرار على قراة أو تفسير بعينه لآيات بعينها، ناهيك عن أن يعلن أن هذه الآيات مشتملة على حقائق علمية.][82].
نقول مرة أخرى، وبعبارة ربما مختلفة، أن ما يصفه نضال قسوم من تيه تفسيري لآيات القرآن في موضوعات الطبيعيات، لو أنه أصاب فيه الحقيقة، لأصاب حتماً غير ذلك من موضوعات الفقه الإسلامي التي تتناولها أيضاً آيات القرآن. إذ أن حداثة المسائل الفقهية المعاصرة لا تختلف عن حداثة المسائل الطبيعية التي يتناولها الإعجاز العلمي. فإن أصاب نضال قسوم في اجتهاده، لم يخلص المفسر العلمي إلى تفاسير مستقرة (تشير إلى حقائق واقعية – كما قال أعلى)، وقياساُ عليه، لن يخلص الفقيه المفسر إلى أحكام فقهية في مسائله! .. وهذا إشكال تفسيري لازم عن رؤية نضال قسوم. وإن تجاوز الفقيه المعاصر هذا الإشكال، أو لم يستعص عليه بالحدة التي يعرضها الإشكال، فما الذي يجعله عصياً على المفسر العلمي الذي يصادر نضال قسوم على فشله في مسعاه للخروج بمعنى مستقر مفيد، لأسباب غير واضحة أو غير مُسلّم بها؟! ... والتي أهمها كما ذكرنا (تعدد المعاني/(درجات المعنى)/المجازات /المدارك)، ولنرى كيف يدافع نضال قسُّوم عن هذه الأسباب!
يقول: [إن مبدأ القراءة متعددة المعاني في القرآن ليست جديداً، .. ويرجع إلى الفترة التراثية/الزاهرة في الإسلام، وخاصة لابن رشد الذي يرجع إليه الفضل في بناء الجزء الأكبر من مبدأ التوافق بين الفلسفة والدين، وذلك على أساس أن قراءة القرآن، وتأويل القانون يسمح بمستويين على الأقل: مستوى عام وأساسي؛ مُيسر لعوام الناس، ومستوى آخر أكثر عمقاً وحنكة، لا يقف عليه إلا الصفوة وأهل الحكمة (وقد أوردت في فاتحة هذا الكتاب كيف أن "آية النور الإلهي"  - يقصد آية " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .."(النور:35) - يمكن فهمها بمستويات متعددة في العمق حسب مدارك القراء.][83].
ويقول: [(لكي نفهم كيف) يلائم هذا المدخل – المتعدد القراءات – مجال العلاقة بين القرآن والعلم، يجب أن أوضح أن فكرة القراءة متعددة المستويات لآيات القرآن تستحوذ، ولا تقتصر، على التأويلات المجازية، التي لا غنى عنها في بعض الحالات، ومن الشائع جداً قبول المعنى المجازي لبعض عبارات الوحي وألا تؤخذ حرفيا، فمثلاً يجوز ذلك في حالة الوصف التشخيصي/الأنسني لله (تعالى)، حتى ولو احترز بعض المفسرين المحافظين عن الإقرار بهذا. وسوف نرى في فصول لاحقة من هذا الكتاب أن بعض الآيات التي تتعلق بالظواهر الكونية والطبيعية، بما يشمل خلق الأرض، والسموات، والحياة والإنسان، سوف تتطلب درجة ما من التأويل.][84].
ويقول: [تتجاوز فكرة تعدد المعاني مسألة المجاز، إنها ترتبط بشكل وثيق بمبدأ آخر في منهجية مخاطبة القرآن للناس؛ فالناس يتفاوتون كثيراً في قدراتهم على فهم الأفكار، وخاصة إذا تراوحت ما بين الأفكار الكونية، إلى الروحية، إلى الاجتماعية؛ لذا كان من الحكمة أن تلائم لغة الخطاب العقول المختلفة، في درجات الذكاء، ونمط التعلم، والعصور. وهذا هو السبب الذي من أجله استخدم القرآن عبارات، وتصريحات، وقصص لا تفهم إلا بطرق مختلفة.][85].
والآن، لنقرأ ما تابع به من تصريح كارثي! .. قال:
[ليس بالضرورة أن تكون هذه التأويلات المتنوعة جميعها صحيحة، لأنها ليس الغرض منها أن تكون دقيقة (المعنى) وإنما غرضها هو إقناع القارئ أو السامع]!!!
والتي تنتفي بها أي قيمة معرفية صادقة في الآيات حتى ولو أدت إلى قناعة القارئ!! .. وبماذا يقتنع القارئ إذاً؟!.. إذ ما قيمة أن يقتنع بمعنى غير موضوعي؟ .. هل يقصد د. قسّوم أن غاية الكلام ليست إلا التمثيل والتخييل!!! .. وحتى لو كان الغرض من أحد الآيات التمثيل والتخييل لغيبٍ ما يصعب على أهل الدنيا تصوره، فقد أدت دورها في تبليغ قيمة معرفية بالغة، ووَفَّت بمعنى الحق المراد منه التمثيل أو التشبيه أو المشاكلة أو التخييل .. إلخ.
- وفي محاولته لتوضيح وجهة نظره يستكمل د. قسّوم ويقول: [إن مسألة الصواب والدقة هامة وحساسة، وسوف يعترض بعض الناس على التداعيات المتضمنة في القول بأن العبارات القرآنية قد لا تكون صحيحة تماماً. ولتحرير هذه النقطة، فسوف أشرح أولاً أن (الصواب) و(الدقة) يمكن أن تتحقق تقاربياً – يقصد مع تطاول الزمن – لأن استقصاءنا للفهم، وقدرتنا على تحقيقه تميل فقط (تقترب بدرجة ما) إلى الحقيقة؛ وقد لا نصل إليها أبدا على نحو تام، ومن ثم، سوف نحقق فقط في لحظة زمنية ما، درجة معينة من اليقين في فهمنا الصحيح لآية محددة. ولكن الشيء الهام هو أن استيعابنا للمعنى سيتحسن باستمرار مع الزمن.
ولبيان هذه الأفكار، سأعطي بعض الأمثلة: يقول القرآن عن نوح (عليه السلام) " فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا "(29: 14) قبل أن يأخذهم الطوفان. وفي الأزمان السابقة، كان الناس يفهمون هذا المعنى حرفياً، بأن نوح قد لبث في قومه 950 سنة، مع أن من المفسرين التراثيين – كابن كثير في تفسيره- يكتفي بالقول أنه لبث فيهم زمناً طويلا. وفي تفسير معاصر لمحمد أسد[86]، أشار إلى أن الرقم (950) موجود أيضاً في الكتاب المقدس Bible، وأن القرآن قد استخدم "هذه الإفادة من تراث أهل الكتاب" (بنص عبارته) ليعبر بذلك للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين الأوائل عن أن طول مكث النبي في قومه لا يضمن أبداً قبولهم للرسالة. والأكثر من ذلك، وهو الجدير بالتذكير هنا، أن التعبير "ألف" كان يعني فقط "طويل/طويل جدا" في الأزمان القديمة.][87].
نقول: إذا كان هذا هو معنى كلامه بتقارب المعاني (المتعددة/المتعامقة/المجازية/المداركية ) إلى الحقيقة، كما قال أعلى، وأننا نقترب أكثر من هذه الحقيقة في مثال (عمر نوح)، بقولنا أنه لبث فيهم عمراً طويلاً جداً، وأنه ليس (ألفاً إلا خمسين عاما) على الحقيقة الحسابية، فيؤسفنا أن نقول أن هذا التنظير خطأ. .. ولكي يتبين الخطأ لكل قارئ، يكفينا أن نُشير إلى أن ذكر (إلا خمسين عاماً) ينفي أن تكون (ألف) إلا عدداً محددا. إذ لا معنى أن نقول (زمن طويل إلا خمسين عاما)!!
- ومن أمثلة نضال قسوم التي يزكي بها منهجه المتعدد المعاني، المقارب لحقيقة بعيدة كما يقول، تأويلاته المجازية لمعجزات الأنبياء، والتي سبق أن مررنا عليها بشيء من التفصيل من قبل، مثل شق البحر لموسى، وتحول عصاه إلى حية تسعى، وإبراء عيسى للأكمه (الأعمى) .. إلخ، وأن ميله لم يكن إلى غاية بعينها هي الحق بأي دلالة ترجيحية، وإنما إلى تأويل هذه المعجزات تفسيرات طبيعية (فيزيائية مما نعهد) لا إعجاز فيها، ولا ضرورة تلزم من شاهدها على أنها إلهية المصدر لو صدق تفسيره لها بالأسباب المتواترة، وللتذكير، نعيد قوله الذي قال فيه: [يمكن أن يُعزى شفاء عيسى للأعمى إلى التأثير النفسي placebo effect (الذي يستحثه العقل)، في حين أن شق موسى للبحر نصفين يمكن أن يُفسر ببساطة بتغيرات مناخية فجائية.] [88] . إلى آخر كلامه الذي سبق أن رفضناه أعلى، بما فيه كلامه عن معجزة الإسراء والمعراج.
نقول: هكذا تؤول الآيات – في ضوء تعدد المعاني (المتخبطة) - إلى (لا-معنى) يمكن الاستقرار عليه، ومن لم يرتكن إلى أصول لغوية، وإحاطة معرفية بموضوعات الآيات لا بد أن يصل إلى مائية المعنى، كما رأينا أعلى، بل ويعمم ذلك ويقول:
[تقبل كثير من آيات القرآن المعالجة المجازية (كما هو منصوص عليه في آية (3: 7). وهي الآية التي تعد بمثابة "العبارة  المفتاحية" لأي عبارة مفتاحية أخرى في القرآن). ويمكن أن نستعرض من بين هذه الآيات، تلك التي أثَّرت بشدة في أنصار الإعجاز العلمي؛ مثل تلك التي تتكلم عن الكون (41: 11 .. إلخ)، وتلك التي تتكلم عن تطور الجنين الإنساني (23: 13-14) و (39: 6 .. إلخ). ويمكننا أن نفهم (السموات السبع) على أنها مدارات الكواكب السبعة عند القدماء، أو أنها المجرات العديدة فيما نعلمه اليوم من علم الكون، أو أنها نظرية العوالم المتعددة إذا كان الباحث يميل إليها، أو أنها العوالم الميتافيزيقية التي تقبع وراء كوننا. ويعود أمر هذه القراءات والتأويلات إلى الفرد منا ليأخذ قراره بشأنها، اعتماداً على معارفه وبصيرته؛ وقد تبدو هذه القراءات أكثر صحة من غيرها لذوي العقول الممحصة، ولكن لن يحدث في أي من هذه التأويلات أن يُعلن عنها باعتبارها عبارات علمية إعجازية، وأنها قد سبقت الكشوف التي حققها الإنسان بالكثير من القرون.][89].
هكذا إذاً تؤول آيات القرآن إلى بضعة ألوان، يرسم منها من شاء ما شاء اللوحة التي تحلو له! .. أي تضييع لمعاني القرآن يمكن أن نجد أكثر من هذا؟!!! .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
- وعلى النقيض من هذا الانفتاح المجازي الذي ربما لا يرفض قول أي قائل، في معاني الآيات، نجد لنضال قسوم موقفاً متشدداً – وأحياناً متهكما، وأحياناً أخرى ساخراً مستهزءاً - إذا ما حاول أي من المفسرين الجدد، أن يعرض تفسيراً جديدا – على سبيل التأويل العلمي أو الإعجازي – يواجه به رأياً علمياً معاصراً، مؤيداً أو مفندا.
1- فنجده يقول: [يُخطئ كثير من الكتاب المسلمين (مثل[90]) عندما يُصدّقون أن المعلومات الكونية الراهنة (وجود مادة مظلمة في الكون) تشير إلى أن الكون مغلق][91]. فنقول: إن فرضية وجود مادة مظلمة في الكون لا تستقل – إن صدقت – بالترجيح بين كون مغلق أو مفتوح، ولكنها ليست فرضية معلقة في الهواء، بل أصبحت منذ ظهورها فرعاً على نموذج كوني معياري في علم الكون الحديث standard cosmology، والذي يقوم على نظرية الانفجار العظيم. وهذا النموذج هو الذي يمكن الارتكان إليه – في حالة صدقه – لاستنتاج أن الكون مغلق؛ أي محدود بحدود نهائية. هذا لو أن الناظر في ذلك يقيم تصوره على معطيات العلم للحديث وحدها. فإذا أرفق ذلك بتصوراته الدينية الإسلامية المدعومة، والتي فيها يمثل عرش الله العظيم سقف الكون المعلوم، ومن كل جهة – بما لا سبيل للتشكك فيه – فلا بد وأن يصح تصور الكون باعتباره مغلقاً تحت العرش. .. فإذا ائتلف التصوران، والقائم كل منهما باستقلال عن الآخر، فإن كل منهما يعضد الآخر، حتى ولو كان التصوران بسيطان، ويفتقران إلى تفاصيل تُعدّل من هذا أو ذاك، كثيراً أو قليلا. .. ومن ثم ، فلا وجه لاستنكار نضال قسوم أن يصدق المسلمون أن الكون مغلق (محدود)، حتى ولو كان هناك من علماء الكون الغربيين من يفترض خلاف ذلك.
2- ونجده يقول: [خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، اعتُمد القرآن مصدراً أساسياً ومرجعاً للمعلومات عن الكون وتصوره، ولكن المفكرون المسلمون أدركوا سريعاً أن القرآن شديد الغموض، ومتردد المعاني، إلى درجة تمنع الوصول لتصور واضح للكون على أساسه][92].
نقول: لو أن في القرآن آيات تتكلم عن (شجرة)، كما في قوله تعالى " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(لقمان:27)،
وقوله تعالى " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ "(النور:35)
وقوله تعالى " فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى "(طه:120)
ولم يكن الإنسان قد رأى (شجرة/الشجر) بعد، لظن الناس أن القرآن متضارب في حديثه عن (شجرة/الشجر).
وكذلك الكون (السموات والأرض). لا يقف الناظر على عميق معاني كلام الله تعالى عنه بلا نظر ولا معاينة، ولا مدارسة. .. وإن كانت عبارة د. قسوم السابقة تستند إلى معاناة فكرية لمفكري الإسلام في العصر المذكور ليبرر موقفه بأن يتعظ المعاصرون فلا يقعوا في نفس المعاناة! .. نقول إن اختلاف الظرف الحضاري يمنع القياس الذي ينشده، وذلك لأن الفرق الحضاري بين العصرين هو الذي يجعل ما كان مستعصياً في ذلك العصر، واجباً في هذا العصر، ألا وهو وفرة المعلومات التي يستند إليها المتدبر لمعاني كلام الله تعالى، مثله مثل الناظر في معنى الشجرة بين ظرفين، أولهما أنه كان أعشى البصر فلا يرى لها ملامح بينة يصفها بها، وثانيهما وقد عاد إليه كثير من بصره.
3- قال: [هل - ونحن في بداية الألفية الثالثة، وبعد الثورة العلمية الحديثة - يمكن أن نناقش موضوعات مثل علم الكوزمولوجيا (الكون)، والذي يُدين بمعظم وجوده، إن لم يكن به جميعاً، إلى العلوم الطبيعية، .. هل يمكن أن نناقش علم مثل هذا من منظور ديني، وأن نعرض "كوزمولوجيا إسلامية"؟! .. هل يمكن أن يوجد (كوزمولوجيا إسلامية) أو (كوزمولوجيا يهودية) أو (كوزمولوجيا هندوسية)؟ .. ألم يغلق العلم الحديث الباب أمام هذا التشويش والتعكير؟!][93].
نقول: إذا كان نضال قسوم قد اعترف من قبل بأن العلم في مجتمع ما يلبس عباءة الميتافيزيقا التي يؤمن بها ذلك المجتمع[94]، (أو المنتصر منهم على غيره)، كما أنه وضع فقرة كاملة برأسها بعنوان: (الأسس الميتافيزيقية للعلم([95] وقال فيها من بين ما قال: [إنها أسطور أن يظن أحدنا أن العلم science جامد الكيان، بارد المعنى، وأن المنخرطين فيه يحجبون عنه فلسفتهم ومعتقداتهم ويتركونها على الباب قبل الدخول عليه، وأنهم يمارسونه بموضوعية وبحثاً عن الحقيقة، وأنه ليس هناك من شيء إلا التفسيرات والتأويلات الطبيعية !! .. كل هذا ليس إلا أسطورة][96]).
فما الذي جعله يستنكر ذلك هنا، ويُخلِّص العلوم الغربية من شبهة ميتافيزيقا الغرب؟! ... أوليس الغرب المسيحي، ثم الملحد قد تقلد راية العلم على التتالي في القرون الأخيرة، حتى أنهم في الغرب يسمون العلم science: (العلم الغربي) أو (الفكر الغربي الحديث)، فهل ما يعرف بـ (العلم science) الآن أصبح النموذج الخالص المبرأ من تشويش وتعكير الميتافيزيقات؟! أولم يقم على مسحة مسيحية ثم انتصرت الصبغة الإلحادية واكتسحت الساحة العلمية، وعكّرتها على نحو ما شهد نضال قسوم بنفسه وقال:  [أصبح الأمر واضحاً وضوحاً متزايداً لكثير من المفكرين والعلماء أن المدخل العلمي الصرف لفهم الكون لم يعد مُرضِياً؛ ومثال ذلك أنه في علم الكونيات الحديثة modern cosmology، يُعتقد أن الكون – المادي بجُملته من حيث التعريف – مكتفٍ بذاته، ولا يتطلب خالقاً له. فالعلم الحديث لم يترك مساحة للماورائيات أو المعنى الكامن فيها، (وسيظل هذا التصور هو القائم) ما لم نسمح بإنشاء علمٍ متدين (‘theistic science’) ونرتقي به، وهذا هو مسعاي الذي أعرضه وأدافع عنه في الفصل الثالث] ؟! ..
فما ذنب آيات الله الصادقة في القرآن ليدعو للإعراض عنها إعراضه عن موجة الميتافيزيقا المشوهة والمشوشة سواء بالكتب المحرفة، أو المنكرة لله تعالى، تعالى عما يظنون. ثم كيف أصبح العلم الغربي اليوم خالص النقاء من تلك الميتافيزيقا التي اعترف بها؟! ... ما الذي برأه؟ .. كيف ذهبت عنه ميافيزيقات الغرب؟ ... أما يجب إحقاق حق هذا العلم، من باطله المشوش بالفعل بالغث من الترهات الميتافيزيقية المنكرة للخالق جل وعلا! .. وهل في غير الإسلام القرآني، ولا أقول بالضرورة التراثي التاريخي، سيجد نضال قسوم تفريق للحق (العلمي) من الباطل المتشح بوشاح الموضوعية العلمية، وتصحيحاً للتصورات العرجاء الشوهاء للعلم الحديث؟! .. وإذا كان من حيرة بين (كوزمولوجيا إسلامية وغيرها من يهودية إو هندوسية ) فهل يستوي عنده نور الإسلام العلمي المُوقد من شجرة القرآن، مع تحريفات اليهود وإفكها، وجيتا الهندوس وخبالاتها؟! ... أم أنه ينكر هذا التمييز من حيث المبدأ؟!
وهنا حقيقتان، الأولى" أن العلم الحديث Science ليس موضوعياً بحق ولا محايد حتى يصفه نضال قسوم بمثل ما وصفه به من الاستقلال عن صانعيه، بل هو (علم غربي western science) مثله مثل أي علم تُنشئه قومية من القوميات البشرية من حيث اصطباغه بميافيزيقا الغرب المعاصرة، او ما يسمونه قيم المجتمع الغربي التي يعظمونها. والسبب في تجرده من النسب لمن أنشؤه غياب من ينافسهم بعلم قومي آخر. فكان حذف نسبة العلم إليهم حذف مفهوم، مثل أي حذف في اللغات الإنسانية، يفهم دون أن يُنطق، للعلم به، عملاً بقاعدة الاقتصاد parsimony الكلامي. لذلك، كان من التلبيس على الناس الزعم بأن العلم المعاصر مجرد من النسب، والتهكم على من يُنشيء منافس له، ويتميز بنسبته إلى قوم آخرين.
الحقيقة الثانية، أن تصحيح العلم الحديث (الغربي في ميتافيزيقاه) بالقرآن لا يُعد إعادة نَسَبِه للمسلمين (سابقين أو لاحقين؛ لاحتمال اختلاف تصوراتهم عن الحق الدامغ الذي أنزله الله تعالى في القرآن)، بل هو تصحيح غير منتسب للبشر بجملتهم وتفصيلهم، بل لا علاقة له بأي منهم، إلا من شيء واحد، هو أنه نزل بلغة أحد شعوبهم لا أكثر، دون أن يحمل أي من تضميناتها الثقافية، ماضية كانت أو مستقبلة. وعلى ذلك، يكون تصحيح العلم الغربي الحديث بالقرآن، إحقاق حقه والذهاب بباطله، وذلك إن خلت عملية التصحيح من أخطاء، وهو الأمر الذي يتم على مهل، بالتنقيح العلمي الجدلي المتتابع، بين معاني القرآن المكتشفة، مع منطوق صحيح المكتشفات التي على بعضها قام العلم الغربي الحديث، وباستقلال عن التنظير الغربي الذي تشوش بميتافيزيقاهم وقيمهم التي تفارق قيم الإسلام الخالص.
4- وارتباطاً بالفقرة الأخيرة، في التمييز بين التصحيحات القرآنية على العلم الحديث، والتي كان يجب أن تفترق – تنظيراً - عن ميتافيزيقا المسلمين، نستغرب تأييد نضال قسّوم لكلام من قال: [كانت التصورات الكونية للثفافات التقليدية خاطئة، رغم أنها كانت بمثابة هدى لأهلها  كيما يعيشوا بحس انتماائي في العالم][97].
ويُعقّب د. قسُّوم، قائلاً: [وبالمثل، يمكن أن يكون النقاش حول التصور الكوني عند المسلمين مفيداً، بل مطلوباُ اليوم، في ضوء أزمة الانتماء، التي يعاني منها العالم الشرقي، وخاصة بعد سيادة المنهجيات الغربية في جمع المعلومات وعولمة الثقافة][98].
ولا يرى قسوم أي فرق بين الرؤى الكونية التقليدية للمسلمين – التي وُصفت هنا بالخاطئة  not factually correct – وبين دلالة الآيات القرآنية ذاتها! .. أهي هي أم أنها تفترق. والصحيح أنها تفترق، ولأنه لم يميز بينهما، فسوف ينسحب هذا الحكم الظالم - بالتخطئة - على ما أتى به القرآن من معاني الآيات الكونية. ويقتصر الأمر على محض انتماء المسلمين لقوميتهم وعاداتهم وتصوراتهم، مثلما هو الحال في انتماء الصينيين والهنود واليابانيين لقومياتهم وعاداتهم. وتصبح الدعوة لعلاقة القرآن بالعلم، دعوة انتماء قومي لا أكثر، وما هي كذلك!
ثانياً: الإعجاز العلمي
قال نضال قسوم: [بَدَى في أول الأمر وكأن فكرة تفسير القرآن بتشبعه بالعلم الحديث فكرة جيدة، ولكنها سرعان ما تحولت إلى فكرة عبثية في صورة ما سُمّي بـ (المحتوى العلمي الإعجازي) للقرآن والسنة. وسوف أُبَيِّن كيف أن هذه الفكرة مَعِيبَة منهجياً، وخاطئة في معظم، إن لم يكن كل حالاتها، وكيف لنا أن نُصَوِّبْها][99].
يظهر من هذه الفقرة وكأن د. قسوم يقبل التفسير العلمي لآيات القرآن، ولو تحت شروط منهجية لكل من آيات القرآن والعلم المفسر به الآيات، ولكن الحقيقة أنها يقبلها فقط على سبيل التعدد المعنوي، من بين معاني عديدة لا سبيل إلى اجتماعها جميعاً في آن واحد. وهذا شيء مستغرب، ومثله في العلم مثل من يقبل تفسير ظواهر الطبيعية بنظريات علمية عديدة – لا تأتلف بالضرورة - بلا حرج ولا ترجيح! .. فأي قيمة لتفسير هذا شأنه في الدين أو في العلم؟! .. وأي معنى حقيقي من بين كل هذه المعاني أراده الله تعالى من إنزال آياته؟! .. أم أن الآيات أصبحت بلا هوية ولا رسالة تستهدف تبليغ معاني بعينها، ونستجيب نحن لها؟!
أما عن رأيه في فكرة الإعجاز العلمي في القرآن، عندما قال أن: [هذه الفكرة معيبة منهجياً، وخاطئة في معظم، إن لم يكن كل حالاتها، ..]، فنسأل أولاً عن صلاحية الفكرة: ما الحرج في جواز صلاحيتها من حيث المبدأ، بما هو مفهوم من قول الله تعالى " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "(فصلت:53) .. وخاصة أن الضمير في (أَنَّهُ) في (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) يعود إلى القرآن؟! .. الإجابة الصريحة هي أن الآيات المشار إليها في (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) وارتباطها بـ (الْآفَاقِ) و (أَنْفُسِهِمْ) وأنها دلالة بينة على (أَنَّهُ الْحَقُّ)، من اليسير والبين بنفسه فهمها على أنها آيات الخلق التي ستظهر بنفسها شاهدة على صدق القرآن (أَنَّهُ الْحَقُّ). ولا نرى معارضة لهذه المعنى إلا أن يكون تعنُتَاً لا وجه له يُعتد به.
هذا عن معنى آية فصلت، ودلالتها على صلاحية الفكرة، أما عن تحققها، أو التعجل غير المؤهل لاقتناصها، ربما قبل أن تنضج آيات الآفاق، وانفتاق دلالتها في آيات القرآن، والذي قال عنه د. قسوم (خاطئة في معظم، إن لم يكن كل حالاتها) فهذه مسألة أخرى، وتتعلق بأصحاب الإعجاز العلمي ولا تتعلق بصلاحية الفكرة. والإشكال كله في الخلط بين الفكرة ومن يجرها جراً لتتحقق. ولا خلاف على خطأ الكثير من دعاوى الإعجاز، إلّا أن بعض دعاواهم أيضاً صحيحة. أما الطامة الكبرى فهي أنهم أساءوا عرض بعض هذه الدعاوى وكان محتوى عرضهم خاطئا، رغم أن الدعاوى صحيحة في نفسها، فكان فعلهم فتنة أيما فتنة، أضرت وآذت كل أطراف المسألة: معاني آيات القرآن، ومعاني آيات الآفاق، وإفهام الناس الحق بطرق ملتوية أو ملفقة، رغم أن الطرق الصحيحة غير مستعصية عند أهل العلم المؤهلين إذا حان أوانها، .. فكانت نتيجة فعلهم هذا تشويه الحق، وصد عن سبيل كان في أصله باب من أبواب الحق الذي يضيء للناس فهماً جديد، وحُجَّة جديدة، له كل التوقير والاعتبار. ومن وقع في هذ الفتنة، واستنكر أصل الفكرة وصلاحيتها، بل ثوريتها، فقد أخطأ.
أما عن تصويب الفكرة، وما أبداه د. قسوم من شروعه في ذلك، عندما قال: [وسوف أبين .. كيف لنا أن نصوبها]. فنجده في قوله:
[تقوم نظرية الإعجاز العلمي في القرآن على مبادئ خاطئة، وجدير بنا أن نشير إلى اثنين منهما، (1) أن تأويل المقاطع القرآنية يستند إلى واحدية المعنى وقطعيته، ومن ثم يسمح لنا أن نقاربه مع صياغات ونتائج علمية. (2) أن العلم science بسيط وصريح؛ ويحتوي حقائق قاطعة يمكن تمييزها بيسر عن النظريات.][100].
ثم سعى إلى تصويبها – من وجهة نظره - وقال:
[أؤمن بأن هذين المبدئين الخاطئين يجب أن يحل محلهما ما يصصحهما كالآتي: (3) أن النص القرآني متعدد المعاني وأن قراءته الدلالية ذات مستويات؛ (4) أن العلم science وفلسفته يجب أن يُستوعب جيداً قبل أن يقدم المرء أي تأويلات للنصوص الدينية تبدو وكأنها ذات علاقة بالعلم.][101].
نقول أنه للأسف، العبارة الأولى التي خطأها نضال قسوم، صحيحة. فالقرآن واحدي المعنى المراد من آياته، حتى وإن فُهم المعنى المراد على مستويات من العمق المعرفي، اعتماداً على ثقافة المستفهم، وحتى وإن تعددت الفوائد من الآية الواحدة في معية المعنى الواحد المراد من كل إسناد فيها لمسند ما. وسواء كان الـمُسند إليه خاصاً أو عاما. أما تصحيحه عليها (في (3)) فهو الخطأ بعينه، لأنه بذلك – كما ذكرنا من قبل – يكسر قواعد الخطاب، وخاصة بعدما وصف الله تعالى كلامه العلي بـ " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ "، والقول الفصل لا تتعدد فيه المعانى في الإسناد الواحد.
أما العبارة الثانية، فإن مسألة سهولة استخراج حقائق علمية وتمييزها من النظريات العلمية مسألة نسبية، وزمنية في آن واحد. فما كان مستعصياً في الماضي، تيسرت له أسباب، وما هو مستعصي على العوام، قد يتيسر للمتخصصين، وما هو مستعصي اليوم قد يتيسر غدا. .. والصحيح أن كثيراً من الإعجازيين – غير المتخصصين – يتعاملون بهذه الروح التبسيطية مع معلومات علمية غير مستقرة تماماً، ثم يستندون إليها في تقرير إعجازات سابقة لأوانها، فيقعون في أخطاء من هذه الجهة. لذلك كان تصحيحه عليهم وجيه كل الوجاهة. وكلامه في هذا السياق له كل الاعتبار، كما في عبارته الآتية:
[لي عدد من المآخذ على الإعجاز العلمي والذين ينادون به وهي: 1- إذا دققنا النظر وحللنا الآيات القرآنية التي يقوم عليها هذا التوجه، ندرك سريعاً أن المعرفة العلمية التي تصاحبها سطحية للغاية، ومتواضعة، ومليئة بالأخطاء، ومنها ما قد عفا عليه الزمن. والأكثر من ذلك أننا نجد أن تأويل بعض الآيات القرآنية مشحونة بالتحيز، هذا إذا أغفلنا أنها متكلفة بلا داعي][102].
نقول أنه يكثر بالفعل من المشتغلين بالتفسير والإعجاز العلمي مما ذكر نضال قسوم من ملاحظات، ولكن هذا ليس حُكماً على مبدأ وعموم المنطلق الذي بدأ هؤلاء الباحثين يخوضون فيه. ولأن هذا النشاط الفكري لم تتضح معالمه، ولم تتأصل له المؤلفات المرجعية الرصينة ، والمنهجية المحكمة بعد، فلا بد أن يمر بمرحلة ارتباك مثل أي علم في طور النشأة. وكان الأولى الهجوم على عين الأخطاء العلمية والمنهجية، وتصويبها، والمساهمة في تأصيل الصحيح من هذا النشاط وعدم وضع العراقيل أمامه، إلا إذا كان الاعتراض على صلاحية المنبع والمبدأ وليس على رصانة المنهج!
أما المبدأ الذي يترقى به تنظير ما إلى ترجيحات، ثم يتزكي ويترسخ ويصبح حقائق، ويتأهل بالنظر إلى مقارنة جائزة مع معاني آيات القرآن، فهو مبدأ لا غبار عليه، وليس على كائن أن ينفيه مصادرةً أو تحكم من عند نفسه، وما يستطيع أن يدحضه استدلالا. وعلينا تمييز أخطاء الإعجازيين وكشفها لِئلا يقع في حبالها الغافلون، فتكون فتنة لهم، تبعدهم بدلاً من أن تقربهم من دين الله تعالى الذي ارتضاه سبحانه لنا. وعلينا أن ننصح الإعجازيين بعدم التسرع في دعاويهم الإعجازية إلا بعد المراجعات والتحقيقات الجماعية. إلا أنه علينا ألا نُعوِّل على هذه السقطات منهم في تخطئة مبدأ الإعجاز العلمي، حتى ولو كان من باب (درء المفسدة)، ولو فعلنا ذلك في العلم الحديث مع أخطاء الناس فيه، التي تعج به كتب العلم، وسواء كان ذلك في مراحله الأولى في عصر التنوير، أو حتى فيما تجري فيه الأقلام والمطابع في هذه الأيام، لما قامت له قائمة.
ولا بأس من النقد البنّاء، والتصحيحي، وإن كان من جهد ضائع في أبحاث الإعجاز، فذلك للغياب المروع لأبحاث علمية قرآنية جادة. ولو أن الطريق ممهد لما تعثر طارقوه، كما يصفهم هنا نضال قسوم، حين قال:
[ما نراه اليوم من عدد ما يصدر في الإعجاز العلمي من كتب، وأشرطة، وبرامج تلفزيونية، ولقاءات، يظهر بوضوح حجم الجهد الضائع والموجه إلى خلاف الاتجاه الصحيح في البحث العلمي الرصين.][103].
نقول: صدق نضال قسوم، ويصدق أكثر لو قال: إن الفكر العربي والإسلامي، والبحث العلمي في أراضيهم على إجماله، مشتت الأغراض، مبعثر الجهد والنوايا، ويرتسم الخُطى على غير الهُدى. فباحثونا الأجلاء، في قطار البحث العلمي الغربي يحثون الخطى، وفي دفع حضارة الإنسانية – كما تراها حضارة الغرب البتراء – ينهجون المناهج والأنفاس. أما الأشد إيلاماً، أننا إذا وجدنا منهم من يبحث له في أرضه ودينه جذوراً ومرتكزات، يشرع الغافلون والمتهافتون في ذمه وإقصائه، بدلاً من دعمه ومؤازرته، بل يُشرعون إلى تسفيه أغراضه، بدلاً من شحذه، ورتق هفواته.


*****************
- وقد وجدنا أن نضال قسوم قد أدخل مبدءاً اعتراضياً على مبدأ صحيح، ولا وجه لاعتراضه، وذلك في نقده تحكيم آيات القرآن في العلم – وهو النقد المتوقع من منهجه المتعدد القراءات والتي هي جميعاً عنده قراءات مقيدة بقيم مجازية ولا واقعية ضرورية فيها، كما رأينا من قبل- ونلحظ هذا بوضوح في قوله: [يقبل الدكتور زغلول النجار أن يستخدم الباحثون، الآيات القرآنية – بل يستحثهم على ذلك- في ترقية نموذج من النماذج العلمية (مثل الكون المغلق closed universe) على غيره (الكون المفتوح)، مثلما يفعل هو بنفسه خطءاً. والمسألة الجديرة بالاعتبار هنا أن القرآن يفوق في رتبته على المعرفة العلمية، ويقابل ذلك أن العلم مستقل في مسالكه ونتائجه.][104].
يريد أن يقول، علينا ألا نهبط بالقرآن من قيمته العليا لينخرط في الجدل العلمي الذي قد يصيب ويخطئ، هذا بخلاف أن العلم له منهج ليس منه أن نستفتي القرآن! .. وهو قول يمكن أن نسمعه من غير المؤمنين بالقرآن أنه كلام الله تعالى الحق الذي أنزله لنعمل به، ونتدبره، ونستحكمه فيما صغر وكبر من أمورنا الدنيوية بكل صنوفها. ويكفي قول الله تعالى في ذلك " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"(الشورى:10). وإن فعلنا ما يريدنا نضال قسوم أن نفعل، من الإعراض (العلمي) عن القرآن! نتساءل: أفلا يكون ذلك تعطيلاً للقرآن وإعراضاً عنه وهجراناً له، كما قال تعالى "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا"(الفرقان:30).


*****************
- لما كان مبتغى نضال قسوم غلق باب الإعجاز العلمي في القرآن بالكلية، بل والتفسير العلمي الذي يؤيد معنى بعينه دون سواه، حتى ولو لم يُعَاجَز به، ذهب نضال قسوم إلى تهوين كل دعوى تنتصر إلى الإعجاز العلمي ومن ثم تناقض دعوته. ومن ذلك تهوينه لكلام الطبيب الشهير (كيث مور) Keith Moore، عندما امتدح (مور) وصف القرآن لتطور الجنين وأقر به إعجازاً، وقال: [لم يكن ممكناً تفسير آيات القرآن المتعلقة بتطور الجنين الإنساني في القرن السابع الميلادي، ولا حتى منذ مئة عام سبقت. ويمكننا الآن تفسير هذه الآيات لأن علم الأجنة الحديث يمنحنا الفهم في ذلك. ومما لا شك فيه أن هناك آيات أخرى في القرآن تتعلق بخلق الإنسان سوف تتضح معالمها في المستقبل مع تنامي معارفنا.][105].
فعقّب نضال قسوم على ذلك وقال: [يجب أن نلاحظ أن كيث مور، يعود في كل تحليلاته، فقط إلى ترجمة واحدة بعينها للآيات المقصودة، وهو تفسير عبدالمجيد الذنداني (المناصر القوي للإعجاز العلمي في القرآن)! ويبرر لنا ذلك السبب الذي جعل كيث مور يصدر هذا التصريح المؤثر ويُصدر هذه النتائج الحماسية][106]
ونرى أن هذا التحليل من نضال قسوم تحامُل بالغ، وغير عادل، وذلك لسببين: الأول أنه جعل تفسير أنصار الإعجاز العلمي في حد ذاتها شبهة، ودون القدرة على إثبات ذلك في الحالة السابقة. أما السبب الثاني فهو أنه استند في تحليله إلى تعدد المعاني المقبولة جميعاً للآية الواحدة (بما أشار إليه من تفاسير أخرى لا يجب إغفالها)، وبنى رفضه من ثم على إعجاز يمكن أن يقوم على أحد هذه المعاني! نظراً لتساوي هذه التفاسير جميعاً عنده دون المفاضلة بينها في الدلالة! .. ونتساءل: ألا يفرغ هذه التحليل الأخير منه القيمة المعرفية، بل والفقهية للقرآن بجملته، ولكل آياته؟! .. ألا يمكن لكل منكر للقرآن وإعماله أن يستند إلى نفس مستند نضال قسوم، ويقول أن الآية الفلانية والتي قال بها الفقهاء في الحكم بكذا قد ارتكنوا فيها إلى تفسير واحد بعينه، وأن هناك غيرها من تفاسير مقبولة، ولا يمكن ردها لتعدد معاني آيات القرآن؟! .. هكذا إذاً تكون حجة قسوم حجة لكل راد للقرآن في إعمال آياته، والفهم منها مراد الله تعالى. .. والنتيجة أنه لا إحكام في القرآن ولا قولٌ فصل، ولا بيان، ولا حُجّة، هذا فقط لو كانت هذه الحجة لنضال قسوم صحيحة، وما هي كذلك بالطبع، لما تؤدي إليه من فساد في فهم القرآن بالغ على كل الصُّعد.
وإذا سعينا لقراءة تسويغ نضال قسوم لهذا الموقف المستغرب منه، نجده يقول: [لنقرأ هذه الآيات بعقل متفتح، ومن وجهة نظر محايدة. (قال تعالى) "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"(23: 14). (وقال تعالى) "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ"(39: 6)، إضافة إلى آيات أخرى تشبه هاتين الآيتين. وأرى أن النتيجة المعقولة التي نصل إليها أن هذه الأوصاف عامة وصحيحة فقط في الفهم على مستويات مختلفة من قبل أناس مختلفي المعارف عبر العصور. ونرى أنه من الصعب الوقوف على دليل يزكي دعاوى الزنداني وأنصار الإعجاز؛ أعني ما يقولونه من وجود حقائق لم تكتشف فقط إلا حديثاً][107].
وبدلاً من أن يحلل نضال قسوم التفسيرين؛ التفسير التراثي، والتصحيحي، ليرى افتراق الترجمتين، حيث كانت ترجمة (عَلَقَة) بـ (a clot of congealed blood)[108] – كما جاءت في تفسير عبدالله يوسف علي لمعنى الآية (23: 14) - ترجمة خاطئة، لأنها لم تحمل معنى التعلق بجدار الرحم، وهو أحد المعاني الفاصلة في المسألة، وأن تصحيحها إلى (leech-like structure)[109] – والتي اعتمد عليها كيث مور- كان ضروريا لأنه تصحيح خطأ، ارتكن قسوم إلى ما سماه: [الفهم على مستويات مختلفة من قبل أناس مختلفي المعارف عبر العصور.]! .. وهو كلام مرسل، ويفارق أي تحقيق جاد، يفترق فيها البحث عن صحيح المعاني بين العامة والخاصة من دارسي القرآن، خاصة وأن (عبدالله يوسف علي) قد قارب هذا التصحيح عندما سماها أيضاً (leech-like clot) في ترجمته لمعني (علقة) في الآية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ ..."(22: 5). ولو استند كل دارس للقرآن إلى هذا التوجه القسّومي، لابتُذِلَت المعاني المحكمة، إلى مجازات (عامية - أي للعامة) وَعْظِية خطابية، لا تحسم ولا تفصل، وإن كانت تُشجي النفس وتبعث الهمم، ولا يكون للتدبر في معاني القرآن هدف ولا غاية. ويكفي الناظر في القرآن ما كفى [أناسُ مختلفي الثقافة عبر العصور – كما قال!].


*****************
- استنكر نضال قسوم أن يكون للقرآن سلطة معرفية على معارف البشر – مع الاجتهاد المستوفي في كلا النطاقين – وذلك بتعليقه على مقولة ثانية للشيخ الزنداني جاء فيها:
[على علماء المسلمين أن يستبقوا البحث العلمي اهتداءاً بالقرآن، وذلك حتى تأتي الكشوف العلمية الجديدة لتدعم (مصدقية) النصوص.][110].
بقوله: [نلاحظ أن الزنداني – وبلا أي غرابة لأنه من زعماء الفكر التراثي – يعطي القرآن أسبقية على الكشوف والحقيقة العلمية، كما يمنحه امتلاك حق الفيتو (الاعتراض).]
ولا أُخفى رهبتي من وقع استنكاره هذا، وإعراضه المعرفي عن القرآن، والله تعالى يقول في هيمنة القرآن على أعلى المعارف قيمة: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ"(المائدة:48)، فما بالنا إذاً بالمعارف الطبيعية، إذا أخبر الله تعالى عنها شيئاً، أفلا يكون مهيمناً على معارف البشر، ومطيحاً بعبثياتهم فيها، في كل ما يذكره القرآن من تلك الآيات الطبيعية؟!
- عقّب نضال قسوم على تأصيل عبد المجيد الزنداني للإعجاز العلمي في مقولته:  [الحقيقة الكونية، التي احتواها القرآن في نصوصه، والتي لم يفهمها المسلمون، جاء العلم الحديث ليكتشفها/ يخرجها إلى النور.]
وقال:[(لو أن ذلك صحيحاً) فسوف يكون ذلك نهاية تعدد التأويلات للآية أو الفقرة]
وكأن هذه هي النهاية المأساوية في فهم القرآن!!!
والصحيح أن يقول، أن هذا المبدأ – في حالة تحققه – ينقل مناط الآية القرآنية من التشابه إلى الإحكام. أما أن ينعي قسوم على تعدد معاني الآية (تشابهها) ذهاب هذا التعدد، واستقرار المعنى على وجه وحيد دون سواه، فهذا والله من أغرب ما سمعنا. وذلك لأنه جعل التعدد (التشابه) وكأنه أصل في فهم القرآن. والصحيح أن هذا التعدد – أو بالأحرى – التشابه – مؤقت، وغير مستهدف لذاته، بالإضافة إلى أنه أحد صنفين، في مقابل الصنف المقدم، ألا وهو المحكم. ومعلوم أن المحكم من آيات القرآن وحيد المعنى، أي فاصل في مراد الله تعالى منه، وقاطع في إقامة الحجة على ضرورة العمل بمقتضى العلم بمعناه المحكم. ... فلو أن تعدد المعنى هو الأصل عند نضال قسوم، فأين يذهب بالمحكم من الآيات؟! .. حقاً إنه تنظير كارثي لو أنه صدق في دعواه، خاصة لو صدّق المسلمون هذه الدعوى، وأصبحت عندهم أصلاً، كما هي عند نضال قسوم، وعندها لن يكون للقرآن أكثر من قيمه الطقوسية، وإيمانياته الروحانية، ورسمه المتواتر!!!
*****************
- وعلى نفس المنوال الساخر من مبدأ الإعجاز العلمي، ومن يزعم به زعما، والذي يمكن أن يُفضي إلى أي إفادة علمية لم يعلمها الناس إلا حديثاً، حكى د. نضال قسّوم الحكاية الشخصية الآتية، قال: [قبل عقد من الزمن (أي حوالي سنة 1999)، أخبرني شاب فلكي مصري عن بحث قرأه حديثاً، وقال أن ذلك البحث يُعد الأكثر إثارة عقلية لبحث قرأه في حياته. ورغم أن تخصص هذا الشاب كان مختلفاً تماماً عن تخصصي، إلا أن كلامه قد استثار فضولي بشدة للسؤال عن محتوى ذلك البحث، ولماذا أثاره إلى الحد الذي وصفه لي. ثم أذهلني عندما قال أن هذا البحث كان عن حساب سرعة الضوء بواسطة فيزيائي مصري، و(أن قيمة السرعة خرجت) من لا شيء سوى بضع آيات من القرآن. فتعجبت وسألته: هل تقصد أنه استنتج قيمة سرعة الضوء (c) بالجمع بين عدد من الآيات بما يشبه الجمع الجبري في معادلات جديدة؟ .. إن هذا مستحيل! .. وضحكت.][111].
ولا تبدو الدلالة خافية على أن الحكم بالاستحالة كان انطباعيا، ودونما إجراء أي تحقيق علمي للبحث الـمُشار إليه، ثم مصاحبة هذا الحكم بالضحك، وهو إن دل على شيء، إنما يدل على مدى السخرية من أمر كهذا!!! ..
وفي مراجعة لذلك البحث، توقف د. قسُّوم على المعادلة التي احتكم إليها البحث، والتي كانت ترجمة رياضية لآية (السجدة: 5)، أي لقول الله تعالى "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، وأخذت المعادلة الصورة الآتية:
سرعة الأمر الكوني = 1000 سنة مما نعد من سنين/ يوم واحدة من أيامنا
ثم قال د. قسوم:  [يستطيع أي طالب أن يستدل سريعاً على خطأ هذه المعادلة من الأساس، لأن السرعة لا يمكن أن تكون خارج قسمة فترتين زمنيتين][112].
وهذا الحكم الساخر أيضاً (إشارة إلى الطلاب) يفيد أن ضحالة المعرفة لن تمنع من معرفة الخطأ لفجاجته)، كان حكماً متعجلاً، وليته لم يخرج من صاحبه. .. لأن كاتب هذه السطور قد راجع هذا البحث أيضاً سنة 1995، بعد طلب مباشر وشخصي من الدكتور زغلول النجار نفسه، وكانت نتيجة المراجعة التي أبلغت بها الدكتور النجار أن المعادلة لا بأس بها، وإنما كان البأس كل البأس في توظيف المعادلة في ظاهرة طبيعية لم تكن معنية بهذه المعادلة بالضرورة، ونقصد بذلك "فلك القمر" الذي أدخله صاحب البحث (د. منصور حسب النبي)، باعتباره الحدث الشهري الأشهر عند العرب. ثم ضربه بعدد أشهر السنة، ثم بعدد 1000 سنة، ولما لم تأتِ النتيجة على اتفاق مع سرعة الضوء على نهج علمي منضبط، قام باختراع عامل تصحيح (في صورة زاوية) لا معنى لها، باعتبارها عامل تصحيحي ضروري، ولم يكن ذلك صحيحاً أبداً، بل كان محض تلفيق. أما المعادلة، فكانت صحيحة في نفسها. وبعد أن أبلغت الدكتور زغلول النجار برأيي، وافقني بأن نفس هذا الرأي قد أتاه من عدد ممن استشارهم، وبالرغم من ذلك قام الدكتور زغلول بنشر المسألة في كتاب[113] له، ونشره سنة 2007، وإن كان قد استعاض عن تلفيق الدكتور حسب النبي بطريقة أخرى، وكانت للأسف خاطئة أيضا.
أما المعادلة التي نقلها لنا د. قسوم، و سخر منها، فلا غرابة بها أبداً، ولكن فقط إذا علم الـمُفسّر عادة العرب في التعبير عن المسافات بالأزمان، وهو أمر مشهور يعلمه الباحثون المحدثون - بما فيهم الغربيون- تمام المعرفة، فهذا (غوستاف لوبون) يقول (سنة 1884م): [وتُحسب المسافات بالساعات في جزيرة العرب، كما في الشرق كله، ويرى العربي أن سير الجمل ذي الحمل الخفيف في الساعة الواحدة يَعْدِل فرسخاً، (أي ثلاثة أميال[213])][214]. أما التراث الإسلامي فزاخر بتأكيد هذا المعنى، فنقرأ: أنه [لما استقر عمرو بن العاص رضي الله عنه على ولاية مصر، كتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن صف لي مصر؛ فكتب إليه: "ورد كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يسألني عن مصر: اعلم يا أمير المؤمنين أن مصر قرية غبراء، وشجرة خضراء؛ طولها شهر، وعرضها عشر (يقصد أيام)... إلخ الوصف"][215]. وطول مصر - في ذلك الزمان - هو المسافة من البحر المتوسط حيث يصب النيل، وحتى الشلال الأول على النيل من بلاد النوبة، وتُقدر هذه المسافة بـ 200 فرسخ، أي حوالي 1000 كيلومتر. وهكذا عبرّ عمرو ابن العاص عن هذه المسافة بالزمن عندما قال:(طولها شهر).
وبهذا المعنى يمكن فهم آيات قرآنية أخرى، فهذا قول الله تعالى عن تسخير الريح لسليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال تعالى " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ "(سبأ: 12)، ومعناها أن الريح التي سخرها الله تعالى لسليمان كانت من فرط سرعتها تقطع مسيرة شهر - يقطعها المسافرون بسرعاتهم المعروفة زمنهم بالإبل - فقط في ساعة غدوة أو روحة. هذا وقد فسر الزمخشري الآية في الكشاف، وقال: [جريها بالغداة مسيرة شهر، وجريها بالعشي كذلك.] وفي معنى الغدوة (ومثلها الروحة) قال ابن منظور: [الغُدْوة بالضم: البُكْرَة؛ ما بين صَلاةِ الغَداة وطلُوعِ الشمس.]
فإذا كانت المسافة هي طول مصر 1000كيلومتر، حسب وصف عمرو ابن العاص، رضي الله تعالى عنه، أعلى، عندما قال: "طولها شهر"، وتقطعها تلك الريح في ساعة غدوة أو روحة (= ما بين ساعة وثلث إلى ساعة ونصف بساعاتنا)، فمعنى ذلك أن سرعة الريح (المسخرة لسليمان) تتراوح ما بين ( مسيرة شهر/1.333 ساعة) و (مسيرة شهر/1.5)
أي ما بين ( 1000 كم/ 1.333 ساعة) و ( 1000 كم/ 1.5 ساعة)
أي ما بين (750) كم/ساعة، في أقصاها و (667) كم/ساعة، في أدناها. 
(وهو مدى السرعات الذي تندفع به الطائرات المعاصرة)!!!
وهذه هي نفس المعادلة التي سَخِرَ منها د. نضال قسوم – غير أنه سقط منه لفظ (مسيرة) لعدم تقصِّيه عن المسألة والعادة اللغوية العربية، وتصحيح المعادلة هو:
سرعة الأمر الكوني = (مسيرة ألف سنة)/(يوم واحد)
فإذا عُلمت مسيرة الألف سنة، عُلمت سرعة ذلك الأمر المعني في الآية. وهذا هو فحوى بحث سرعة الضوء القائم على آية (السجدة:5)، ولم يكن هناك من وجه للسخرية أبداً.
ونرى أن المانع الذي حجب د. قسوم عن معالجة المسألة بما تستحقه من بحث، هو الانطباعات المسبقة التي تمنعه حتى من مراجعة التفاسير، وتحليل محتوى الآيات، ومناقشة القيمة العلمية لأفكار التفسيرات المطروحة!
ونسوق هنا بعض الأمثلة من التفاسير التراثية تحمل قيم علمية بالغة في مسألة المعادلة التي سخر منها د. قسّوم:
في قوله تعالى "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ "(السجدة:5).
1- قال الطبري: [عن قَتادة( يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ) من أيامكم (كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدّون من أيامكم من أيام الدنيا. ..
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جُوَيبر، عن الضحاك (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) قال: تعرج الملائكة إلى السماء، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه، وهو مسيرة ألف سنة. ...عن ابن عباس في قوله:( ..فِي يَوْمٍ ) من أيامكم هذه]
1- قال أبو حيان في البحر المحيط: [المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل ، لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد.]، وقال مثله الزمخشري في الكشاف،
2- ونقل ابو حيان: [قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، والضحاك : ينفذ الله قضاءه بجميع ما يشاؤه. { ثم يعرج إليه } : أي يصعد ، خبر ذلك { في يوم } من أيام الدنيا، { مقداره } : أن لو سير فيه السير المعروف من البشر { ألف سنة }]
3- ونقل أبو حيان أيضاً: [قال مجاهد أيضاً : الضمير في مقداره عائد على التدبير ، أي كان مقدار التدبير المنقضي في يوم ألف سنة لو دبره البشر.]
4- وقال الماوردي في النكت والعيون: [{ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ } فيه ثلاثة أقاويل .. الثاني : أن الملك ينزل ويصعد في يوم مسيرة ألف سنة ، قاله ابن عباس . والضحاك.]
5- وقال السمرقندي في بحر العلوم: [{ ثُمَّ يَعْرُجُ * إِلَى السماء } فيكون نزولها ورجوعها – يقصد الملائكة - في يوم واحد مقدار المسير ، على قدر سيرنا { أَلْفَ سَنَةٍ }]
6- وقال ابن كثير في تفسيره: [وفي المسند والسنن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة، ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه.] .. فالتعبير عن السعة (أي: المسافة) بالمسير في الزمن بسرعة يعلمها السامع أمر شائع في العربية.
7- وقال البغوي: [{ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } أي: في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة.] .. ولو تحدد الزمن والمسافة، علمت السرعة. وهذا هو الغرض، أي بيان فرط السرعة، التي تجعل من ذلك الأمر ما يقطع به مسيرة الألف سنة في يوم واحد فقط!
وقال مثل ذلك من المفسرين: مقاتل بن سليمان في تفسيره المجموع، والبيضاوي في أنوار التنزيل، والثعلبي في تفسيره، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن،  ..إلخ.
والواقع أنه لم يُستقر بعد على ماهية (مسيرة الأف سنة)، ولذلك ظلت هذه الآية – واستخراج قيمة سرعة الضوء منها – مسألة معلقة، رغم أن كاتب هذه السطور قد عرض مقترحاً – يراه وجيهاً - لذلك سنة 1996، وما زال المقترح سارياً، إلا أنه سيعرضه في بحث لاحق في إخراج جديد إن شاء الله، وبما يتناسب مع فرق سنوات النشر، وقوة الاحتجاج. (سيكون ذلك في كتاب "فتاوى شرعية في النظرية النسبية" بإذن الله تعالى، وبأكثر من طريقة، وأولى الطرق يجدها القارئ هنا، وربما يتبعها طرق أخرى تبعث على الإندهاش الحقيقي.)


*****************
- حول ضوابط الإعجاز العلمي التي صاغها الدكتور الدكتور عبدالله المصلح[114]، وعددها خمسة ضوابط: جاء أولها كالآتي:  (صحة الدلالة على الحقيقة العلمية في نص من نصوص القرآن الكريم.)
وعقّب نضال قسوم – وحق له أن يُعقِّب متسائلاً:
[هل يعتبر أصحاب الإعجاز العلمي "ظاهرة الجاذبية" حقيقة علمية نهائية، وأن نظرية نيوتن (قانون التجاذب بين الكتل المادية) نظرية مستقرة؟ - ثم ألم تأت نظرية أينشتاين (النسبية العامة) لتصف الجاذبية على أنها تقوس الفضاء وتسبق نظرية نيوتن في قيمتها التنبؤية، ومن ثم تصبح نظرية مستقرة؟ - هل نظرية أينشتاين هي الكلمة النهائية في الموضوع؟ وما هو الحد الذي عنده تصبح فكرة ما حقيقة أو نظرية مستقرة؟][115].
نقول: أن الغرض من هذه التساؤلات – الاستنكارية من جهة نضال قسّوم- أن اليقين العلمي – الـمُسمّى بالحقيقة العلمية – أمرُ يعتريه التصحيح أو الاستبدال. وهذا أمر يعلمه المشتغلون بالبحث العلمي. لهذا، لا يقطعون هم أنفسهم بإطلاق صدق نظرياتهم. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف بمن يأخذون عنهم أن يدعوا أنهم يأخذون حقائق علمية؟! .. هذا هو اعتراض نضال قسوم. ولكن ذلك لا يعني أن البحث العلمي لا يُنتج علماً ذو حقيقة واقعية، بل يعني أن رسوخ هذه الحقائق العلمية يمر عبر مخاض طويل، ومع الزمن يقترب من الحقيقة، ولكنه – أي العلم - لا يزعم أبداً وصولاً نهائياً إلا في أقل المسائل من حيث العدد، وبعد أن تكون قد توثقت وتآلفت عليها الأدلة بما لا محيص من إنكاره، مثل كروية الأرض مثلاً، أو دورانها حول مركز ثقل المجموعة الشمسية، أو .. إلخ  .. ولو أن الأمر كذلك، لاستعصى على أهل الإعجاز العلمي إقرار إلا أقل القليل من مسائل الطبيعية والخلق، للعمل الدعوي على المعاجزة بالتنبؤ بها بالقرآن الكريم قبل معاينة ذلك اكتشافاً واقعيا.
لهذا السبب، لم يؤيد – كاتب هذه السطور - منحى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالاستهداف المباشر، ولكن بالظهور الضروري الغير مستهدف، والمنبثق من العمل في التفسير (الفهم) العلمي المتواصل والمتبادل بين العلم والقرآن.
وبناءاً عليه، وبرغم اعترافنا بصعوبة النطق باليقين العلمي كما هو شائع في أغلب مسائل الإعجاز العلمي، إلا أننا لا نؤيد غرض نضال قسوم في إنكاره بوجود حقائق علمية، أو صعوبة ذلك صعوبة مطلقة، ومن ثمّ تعطيل النظر العلمي في القرآن، تفسيراً اجتهادياً وإعجازاً ضرورياً بالتبعية.
بل إن قدرة الآيات الكونية في القرآن على منافسة النظريات الغربية في توصيف الظواهر الطبيعية والخَلقية، وتوليد تفاسير تفوق التفاسير البشرية، هو في حد ذاته إعجاز لكتاب ظهر بين الناس في القرن السابع الميلادي، ولم يعهد الناس وراءه إلا إنسان لم يُحِط بشيء من الثقافة العلمية (أمي). وهذه هي المقارنة التفضلية كالتي جاء في مثلها في القرآن قوله تعالى "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"(الإسراء:9)، وقوله تعالى "وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا"(الفرقان:33).
وفي مناخ التقلبات الفكرية، ومضاهاة المصادر المعرفية، يظل القرآن أهدى ما على الأرض من كتب، والمهيمن على مصادر المعارف الإنسانية، ومن هذه الوجهة، فهو بحق معجز ودال دلالة لا ريب فيها على أنه كلام الخالق جل وعلا، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.


*****************
- وإذا بحثنا عن علّة كامنة في موقف نضال قسوم، الذي هو نسخة من موقف علماء العلم الحديث، المؤمنين بالله، دون اعتبار منهج إيماني يمكن الرجوع إليه، وذلك في إعراضهم عن الكتب المقدسة، في مسائل المعرفة العلمية الحديثة، وكيف أن هذه المعرفة من المستبعد جداً وجودها في كتاب الدين الإلهي، ولدرجة السخرية، نجده يقول:
[أؤكد على أن الدين هو منهج مُنزّل للحياة وللعلاقة بين الإنسان وخالقه وبين الناس على الأرض، وأن العلم هو منهج للبحث في ظواهر الطبيعة. ولكن هذا التعريف لا يمنع حدوث نزاعات بين المجالين، إذ نجد الكتب المقدسة أحياناً تتطرق إلى مسائل طبيعية، وقد تقدم تفسيرات لها، غير أن مثل تلك المسائل هي من "صلاحيات" العلم، ثانياً وأهم من ذلك أن العلم الحديث قد فرض منهجية "التفسير الطبيعي"methodological naturalism لكل الظواهر، أي رفض لأي دور إلهي أو فوق-طبيعي في الظواهر الكونية، وهو شيء قد لا يقبل به كثير من المتدينيين.][116].
أي أن الدكتور قَسُّوم قد شطر الحصيلة المعرفية الإنسانية إلى شطرين؛ شطرٌ للدين الإلهي المصدر، وشطر للعلم الإنساني الصنعة. وحرّم، أو حجر أو منع ما هو من نصيب العلم – بزعمه - أن ينازعه فيه الدين، وذلك عندما قال:
[1- الكتب المقدسة أحياناً تتطرق إلى مسائل طبيعية، وقد تقدم تفسيرات لها، غير أن مثل تلك المسائل هي من "صلاحيات" العلم.
2- العلم الحديث قد فرض منهجية "التفسير الطبيعي" methodological naturalism لكل الظواهر، أي رفض أي دور إلهي أو فوق-طبيعي في الظواهر الكونية.]
ويشبه هذا التقسيم أن يأتي بعض البشر في زمن لاحق، ويصنعون فناً من الفنون المعرفية، ويضعون له منهجاً، ثم يقولون: "أي من المسائل التي تتعلق بهذا الفن هي من صلاحياته وليست من الدين، حتى لو أتى ذكرها في كتاب الدين (القرآن)"!
فنقول لهم، كما نقول للأول: " تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى " .. " إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ".
فالآيات القرآنية التي تتكلم عن الظواهر الطبيعية لا تختلف عن الآيات التي تتكلم عن الصلاة والصوم (علاقة بين الإنسان وخالقه) أو الآيات التي تتكلم عن توزيع الميراث مثلاً (علاقة بين الإنسان والناس على الأرض)، وذلك من حيث قيمتها المعرفية، وصدق دلالتها على مدلولها، سواء من حيث الاعتقاد في مرادها بعد معرفته، والعمل بما وجب به العمل منه. فالإيمان المعرفي ببعض الآيات ومنعه عن غيرها أو تحريفه – بحجة إدراجه تحت أي مُسمّى (هرمنيوطيقي أو مجازي، وذلك حين قال: [إذا ارتبطت المعرفة والحقائق بهذا العالم الطبيعي، فيجب أن تطيع المعايير العلمية للعلم الحديث، وتتطلب التأويل الهرمنيوتي والمجازي، في مواقف عديدة] [117])- يُوقِع المرء فيما حذّر الله تعالى منه حين قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ "(المائدة:49). .. وخلاصة ذلك أن القسمة بين القرآن وغيره في الصلاحيات لا تجوز، ولا سلطان لأي فعل إنساني يمنع عن كتاب الله تعالى صدق دلالة آياته عن مرادها، ووجوب حملها عليه متى عُلمت بأسباب العلم فيها. ولا مانع من النزاع في أسباب العلم بالدليل والبرهان، أما الحجْر الابتدائي، فهو إفك بواح لا يحل لمسلم أن ينطق به، فضلا عن أن يعتقده!
أما القول بأن (العلم الحديث قد فرض منهجية كذا ... وأنه يرفض أي دور إلهي أو فوق-طبيعي في الظواهر الكونية.) فهي جرأة بالغة، وتهجم يخدش به المتكلم قدسية النصوص القرآنية، وعلو المقام الإلهي على الطبيعي والبشري وكل ما خلق الله تعالى من شيء، ويقال في مثله " فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(المائدة:17) .. وكان أولى بالمتكلم أن يصيغ مراده على النحو الآتي:
العلم الحديث يتناول الظواهر الطبيعية من حيث أسبابها التي سنها الله تعالى، بعيداً عن أي معجزات، مثلما أن القاضي التي أتته امرأة حبلى، وقد اعترفت أنها غير متزوجة، فعليه أن يقضي عليها بحكم الزنا، حتى لو ادعت أن الله تعالى على كل شيء قدير (تقصد القدرة التي يخلق بها جنيناً بلا زوج)!! .. أللهم إلا أن يتكلم جنينها يبرئها، فيكون خرقاً للسنن بكلامه، يدلل به على صدق حمل أمه به بلا جريرة. أما غير ذلك فنحن مأمورون باتباع السنن الطبيعية، مثلما أُمر بها ذي القرنين، وقال سبحانه "وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا"(الكهف:84-85). فالعلم الحديث لم يبدع شيئاً من عند نفسه ولا من عند اهله في ذلك، بل هو إعمال لقدر الله تعالى وكلامه الحكيم، قبل أن يولد آباء العلم الحديث وأحفادهم المغرورون.
ولكن، هل حقاً وقف العلم الحديث على أعتاب الأسباب التي صرح بها - ذراً للرماد في العيون - أم أنه اجتازها بما ينفي – عامداً متعمداً – دور حكمة مقدرة وراءها؟! .. ؟!!!
الحاصل أنه اجتازها مراراً وتكراراً، فنسب للعشوائية حكمة الخلق في حديثه عن خلق الحياة ليتهرب من الإقرار بالخالق الحكيم، وعدّد الأكوان بما لا نهاية لعددها ليتهرب من الإقرار بكونٍ مُقدّرة أقداره، وقد قدرها بالضرورة حكيم عليم. ... فإن كان لأحدٍ أن يقف عن حدوده، فهم أصحاب العلم الحديث، إذا كانت دعواهم منحصرة في الأسباب ولوزمها، وليس الدين، لأنه لا حاد له يحدُّه ما دام أنه دين الله، العزيز الحكيم، يخلق ما يشاء، ويتكلم بما شاء، ويخرج مكنون آياته الـمُنزّلات وقتما يشاء. وإن لم يفعل أصحاب العلم الحديث ذلك، فهم كاذبون مفضوحون لا محالة، مثلما أنفضح أصحاب الديمقراطيات الغربية ودوّى كذبهم، بخنقهم وتآمرهم على ثورات الحرية العربية! .. فأين الديمقراطية التي شنّفوا آذاننا بها، فلمّا لم تأت على هواهم أقبروها بدماءٍ باردة، ومسحة من وجوحٍ كالحة، ... وكذلك الآسباب المادية، لـمّا لم تأت على هواهم، أخرجوا عبثاً سموه بأسماء علمية – تزييناً - مثل (انتخاب طبيعي natural selection ) و (أكوان متزامنة لا نهائية العدد muliverses) ..!!
ثم ماذا عن قول الدكتور قسُّوم: (الكتب المقدسة أحياناً تتطرق إلى مسائل طبيعية)، فنسأل: هل تساوت عنده الكتب المقدسة، حتى أدرج القرآن المحفوظ بحفظ الله له، وهو يعلم، مع المترجَم عن أصل بعيد تارة، ومحرّف تارة، وما لا يعلم له أصل من أديان تارة أخرى، يعلم ونعلم زيفها وخسران أهلها؟! .. كيف سحب حُكم هذه الكتب على القرآن، حتى يحكم عليها جميعاً بحكم واحد، وهو يعلم أنه لا يدانيه غيره، سواء في اللغة التي نزل بها، وبقيت كما هي، ولا في هيمنة القرآن عل ىهذه الكتب، ولا في بيانه وبلاغته ونضارته؟! .. أنى له لا يفرق بين الحق المصفّى، وغيره مما لا يُعلم حقه من باطله؟!
نقول أنه لا أخطاء الإعجازيين تبرر نقض الإعجاز، ولا زيف الأديان يبرر تزييف القرآن، ولا عجز المفسرين عن الوصول إلى المحكم من معاني آيات الوحي يبرر تعديد المعاني، وكل هذا لا يخدش إحكام القرآن مثله مثل إحكام الواقع الطبيعي، أصابه الباحث العلمي في نظرياته أم لم يصبه، اقترب منه أم لم يقترب. وإذا كان للعلم الحديث معاني حقيقية ويتطلب منهجية صارمة، وهو يتلمس طريقه إلىى التعرف عليها، فكذلك لمعاني القرآن إحكام في معانيه، ويجب تهذيب منهجية لذلك أشد صرامة وأرحب تنظيرا للوقوف على هذا الإحكام، بلا تعدد ولا نفى.
ثم ماذا عن تطرق العلم الحديث – ذو المنهجية الطبيعية – في الاجتماعيات والإنسانيات، وبما يفتي به أهله في علم اجتماع الديان، وأسباب مزعومة لنشأتها جميعاً وأنها من بواعث النفس الإنسانية وبما تدرأ به عن نفسه كوارث الأقدار؟! .. هل هذا أيضاً من العلم الحديث الذي لا يُشق له غبار؟! .. أين هي حدود (العلم الحديث) .. أم على أهل القرآن ألا يقتربوا من حِمَى العلم الحديث، وللعلم الحديث أن يقتحم عليهم ديارهم وأرضهم، وينقب في قلوبهم، ويُسخِّف صحائف ربهم، وبماذا؟! .. باسم (العلم الحديث) ومنهجه الرصين الذي يمنع أحد من النيل منه بزعمه، حين قال قائله (العلم الحديث قد فرض منهجية ...)؟!!!
وعلى خلاف تقسيمه للتركة المعرفية بين القرآن والعلم التي رأيناها أعلى، يأتي الدكتور نضال قسُّوم في نهاية نفس البحث، ويقول:
[باختصار، العلم والدين رؤيتان للعالم. وتدعي كل منهما أنها تصف "الواقع الحقيقي" وأنها تفسر وجودنا ووجود العالم؛ ومن ثم فهما تتنافسان على عقول البشر (تسعى كل منهما إلى إقناعه برؤيتها دون الأخرى) ...
إن موقفي من العلاقة الممكنة بين العلم والدين هي أنه يمكننا، بل علينا، أن نجد أرضاً مشتركة للحوار والتعاون بينهما. إلا أن هذا يجب أن يكون تحت شروط: ألا يتم العبث بالآليات الأساسية للعلم (وخاصةً القابلية للتخطئة)، وأن يكون هناك إمكانية لحدوث تبادل مثمر وإثراء من الطرفين على المستوى الميتافيزيقي، بحيث أن يتبنى العلم أطراً فلسفة مختلفة يتراوح مداها ما بين المادة والإيمان.
ورؤيتي أنه يمكن احتواء العلم برداء إيماني شريطة ألا يُدَمِّره، وألا يفقده رصانته، وأن يضيف إلى العلم معنىً، وأخلاقاً، ورؤية عامة للعالم. ويمكنني أن أقتبس هنا من كلام (فريمان) دايسون [118]Freeman Dyson الذي قال فيه: "يمكن للعلم والدين أن يتجنبوا الصدام وأن يكونا فاعلين إيجابيين في نمو الإنسانية، وذلك إذا وافق العلم على أن يتخلى عن أحلامه الإمبريالية، وإذا وافق الدين على أن يكون أقل دوجمائية وتصلب، وأكثر انفتاحاً على مساهمات الحقول المعرفية الأخرى (كالعلم والفن.. إلخ)".][119].
الدين الحق هو القرآن وحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - الذي نطق به، وما عداه فهو أفهام الناس عليهما، والعلم هو سنن الله تعالى في خلقه، وما عداه فهو أفهام الناس عليهما. والشرطين اللذان نطقهماد.قسوم ووضعهما لا ينبغي أن يكونا معنيَّين بعين القرآن وسنن الخلق، بل معنَّيين بأفهام ناس (علماء العلم الحديث) ضد أفهام ناس آخرين (مفسرين تراثيين أو حداثيين أو إعجازيين). ولما كان د. قسوم من معسكر العلوم الحديثة، فمن الممكن أن نجد من المعسكر الآخر من يشترط على العلم الحديث شروطاً مماثلة، كي يحفظ ذخيرته المعرفية الدينية، أي: مستنده الوجودي في عالم المعرفة الدينية. فيقول مثلا فيها: (ألا يتم العبث بالآليات الأساسية للدين) و (أن يتبنى العلم أطراً دينية توحيدية وتفسيرية إحكامية لآيات الوحي). وبغير هذين الشرطين، لا سبيل لحدوث أي تبادل مثمر بين الطرفين! فإن رفض معسكر الحداثيين (العلم الحديث) شروط الدينيين، فليس رفضهم بأفضل تبريرا من رفض الدينيين لشروط د. قسومي.
دوجمائية الدين التي قال بها دايسون تعود لبعض فئات رجال الدين وما شوهوا به أصل الدين، وهذه يقابلها دوجمائية العلم الحديث، لأن الدوجمائية خصيصة إنسانية لمن تحجرت آلة التدبر عنده. فإن كان في الدين دوجمائية، فكذلك في العلم الحديث. وكذلك للإمبريالية، فلا هي تسلطٌ علميٌ فقط، لأنه قد تكون تسلطياً كهنوتياً أيضاً كما كان الحال في عهود الكنيسة في أوربا. وعلى ذلك، فكل من صفتي الإمبريالية والدوجمائية صفات بشرية، لا علاقة لهما بما خلق الله، ولا ما أنزل الله. وإن كانتا تُمارس باسم ما خلق الله وما أنزل الله. وهنا يكون المحك. أي أن الحكم لله تعالى فيما يحكم، بكلامه الذين أنزل وبخلقه الذي خلق. ومن طوعهما لمصلحته، باسم العلم أو الدين، كذباً وافتراءاً، فعليه تبعات النكبات التي تحل من جراء إمبرياليته أو وجمائيته؟ - وليس عليه أقوى من حُجة تحجهن فتكشف زيفه وبهتانه، وكذبه وافتراءه. وهذا هو مسعانا بلا تحيز، لا لأهل الدين ولا لأهل العلم، وإنما لكتاب الله وسنة نبيه، ولما خلق الله من سنن تنطق بلسان الحكم التي بثت فيها.
ثالثاً: أسلمة المعرفة/العلوم
تحت عنوان (الفاروقي وإسلامية المعرفة al-Faruqi and the islamization of knowledge)[120]، كتب يقول:
[إن تطور مفهوم إسلامية المعرفة في ذهن (إسماعيل الفاروقي[121] – الذي يُنسب إليه مشروع أسلمة المعرفة) حدث على النحو التالي: أولاً: لسنوات عديدة اعتنى الفاروقي بالدرجة الأولى بجذور العلل الراهنة في الأمة الإسلامية (وكان يصر على تسميتها بالتسمية العربية الإسلامية "أمة" حتى بالإنجليزية) وكيف لنا أن نواجه هذه العلل. ثم أدرك أن المشكلة تكمن بالدرجة الأولى في النظام التعليمي، والذي نسب علة الخطأ فيه إلى التحول الاستعماري للمجتمعات المسلمة؛ ثم توصل إلى أن طبيعة المعرفة التي غرست في أذهان المسلمين ولأجيال عديدة كانت مَعيبة، حيث أن المعرفة (الغربية) كانت علمانية بالأساس، ومن ثم كانت على النقيض المباشر من الثقافة والمجتمع والحضارة الإسلامية  ....
وبدأ الفاروقي مشروع الأسلمة من ملحظين أو مقدمتين: (1) فشل الإصلاحيين المسلمين المعاصرين في بعث نهضة حضارية حقيقية؛ و (2) فشل نقاد ما بعد الحداثة في الحضارة الغربية في إعادة توجيه العالم الحديث بعيداً عن العديد من الكوارث المدمرة، وخاصة تدمير الدين، وفقدان الحس الإنساني بالمعنى والغاية.
ثم صرح أنصار نظرية الأسلمة بوضوح أن أي محاولة جادة في إعاة بعث الحضارة الإسلامية ووضعها على الطريق للتأثير على الإنسانية المعاصرة بجملتها، يجب أن تبدأ من القرآن.
وكتب طه جابر العلواني (وريث إسماعيل الفاروقي وحامل شعلة المشروع): [إن إسلامية المعرفة محاولة إعادة تعريف العالم المعاصر بالقرآن العظيم (...) باعتباره الكتاب الوحيد القادر على إعادة ميلاد – ليس فقط الأمة، ولكن أيضاً - النوع الإنساني بأكمله. وفقط في القرآن سيجد هذا العالم الفهم النظامي البديل والعالمي والمعرفي – لما يعانيه][122] . ... إلخ
نقول أنه من الطبيعي أن يتعاطف قارئ القرآن المؤمن به، مع مثل هذا المشروع. لأن القرآن نزل لتجلية القلب من عوالق المعرفة الفاسدة في جاهلية الإنسان؛ جماعية كانت أو شخصية، حتى يعود القلب طاهراً أميّاً، ثم تغذيته بالطاهر من المعاني. ونقصد بالجاهلية الجماعية الجاهلية الأولى أو ما وازاها من ثقافات أو عادات مجتمعية ردها القرآن، أو جاهلية فردية شخصية لما تلقاه صاحبها من تعليم تعكرت به تصوراته ومعتقداته. فالأسلمة إذاً حركة تصحيحية نقيض الجاهلية. مثلما كان الكون (بمعناه عند فلاسفة الإسلاميين) نقيض الفساد، وبدارج الألفاظ: البناء الصحيح مقابل البناء الفاسد.
لذا، كان من المتوقع أن يتعاطف المسلمون جميعاً مع حركة تصحيحية كهذه الحركة، بل ويتبنوها وتأتلف عليها القلوب. ولكن المستغرب أن انفلت من المجتمع الثقافي فئات اتخذت من الجاهلية – بأسمائها الجديدة؛ العلمانية، الليبرالية، .. إلخ – حصوناً عدائية، وقذفت المشروع بوابل من النقائص، وقد أتى نضال قسّوم على سرد عينات منها، في سياق غير بعيد عن مؤآزرته لها، وقال:
[من النقد الذي انهمر على مشروع إسلامية المعرفة، ما كان منه بدوافع أيديولوجية؛ من جهة الليبراليين، والعلمانيين، والمعادين للإسلام، فقد رأى هؤلاء جميعاً أن تلك الأسلمة محاولة متخفية لأسلمة المجتمع بتغيير النشأة التعليمية (التأهيلية) للأجيال الجديدة[123]. وقيل[124]، علاوة على ذلك، أن برنامج إسلامية المعرفة سوف يضل طريقه في التصورات الميتافيزيقية، مثل التوحيد، والولاية, وعلاقة الروح بالمادة .. إلخ. و شجب (علي حرب) المشروع بعلة غياب الروح الإبداعية في مسألة الأسلمة، بل قال: [أنها مستعدة لتسليم مقاليد البحث عن معرفة جديدة للغرب (وغيره) ومن ثم ستعمل على وضع العقل العربي في حالة دفاعية][125]. أما (ضياء الدين سردار) فكانت خشيته من أن هذا البرنامج سيسعى إلى صباغة التماثيل الغربية بصبغات إسلامية؛ وفي هذه الحالة سيوضع الإسلام تحت جناح الغرب إذا ما حاولنا أسلمة المجالات المعرفية، والتي خرجت أول ما خرجت من قوالب غربية[126]. كما وأن فكرة تقييم وغربلة العلم بواسطة معيار وغربال إسلامي قد تعرضت إلى السخرية في قول من قال أنها "عمليات تجميل"[127]، ومن قال أنها "إعادة تسطيح الأرض"[128].
كما أشار نقاد آخرون إلى أنه ليس بين علماء الإسلام عبر تاريخه الذهبي من حاول منهم أسلمة المعرفة التي تم استقبالها من الحضارات الأسبق؛ بل على العكس من ذلك، انطلق الجميع إلى تعلمها وهضمها وإجادتها ونقدها، وليس من وجهة نظر كونها تتفق مع الإسلام، بل في اتفاقها مع الحقيقة التي تفرضها مناهج الاكتشافات.][129].
أما اتفاق من اتفق من ليبراليين وعلمانيين على أن مشروع الأسلمة [محاولة متخفية لأسلمة المجتمع بتغيير النشأة التعليمية (التأهيلية) للأجيال الجديدة] فقول فاسد في معناه وصياغته، لأنها ليست دعوة متخفية، بل كانت وما زالت دعوة صريحة جاهرة وواضحة كل الوضوح، ولا نرى من اتهامها بالاستخفاء إلا لشحن العداء ضدها، لأن المتخفي دائماً يُخفي جريمة ما، فكأن التخفي المزعوم دليل جريمة تُدَبّر بليل في حق المجتمع. وهو اتهام ضمني أثيم. وهل تغيير النشأة التعليمية لأبناء المجتمع لتكون أقرب إلى روح القرآن والإسلام الذي ارتضاه لنا ربنا عز وجل إلا ويُستقبل بالروح العطشى، والقلب المتلهف، والجروح المتوقدة بالحركة والنشاط؟! .. ولكنها أيديولوجيا معادية لمراد الله، أي لخير الأمة وعزتها. فأي الفريقين أحق بالدعم والمؤازرة، وأيهما يتربص بالمؤمنين الدوائر، ويُرجف بالأقاويل البتراء؟
وأما [شجْب (علي حرب) المشروع بعلة غياب الروح الإبداعية في مسألة الأسلمة] فأنّى له يقرن بين الأسلمة واللا-إبداع؟! – ومن أين جاء بهذه الاقتران الفاسد. أوليس هذا اتهام ما عليه من دليل، ما مستنده؟ - ما حجته؟! – فمن كان مبدعاً في علمانية أو ليبرالية، وشاء الله أن يبرأ من عدائه للإسلام، فهو مبدع لا شك في الإسلام، أم تُرى أن الإسلام يقتل إبداع المبدعين، أولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ("الناس معادن ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ")، ثم يقول (علي حرب) أيضا: أن الأسلمة [استعداد لتسليم مقاليد البحث عن معرفة جديدة للغرب (وغيره) ومن ثم ستعمل على وضع العقل العربي في حالة دفاعية]، فهو اتهام باطل أيضاً، فالأسلمة تمحيص المعرفة، وتحصُّن بالعروة الوثقى بعلم صحيح لا فساد فيه، فهل هذا تسليم مقاليد المعرفة الجديدة للغرب، أم يظن أن الأسلمة تعني اليد السفلى في العلم؟! .. كيف ذلك؟! .. قد يصح هذا الكلام ممن أبدع في غير أسلمة، ولكننا ما رأينا إلا الذي يحذر منه، بل ما هو أسوأ،؛ إنه تسليم بلا دفاع .. إن أسلمة العلوم تعني النقد/ فهل الناقد مُسلّم زمامه، أم غير الناقد؟ إن غير المتحصن هو من يُسلم للخصم، لا من تحصن، ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً، ثم كيف يجمع بين اتهامين متناقضين في عبارة واحدة، بين التسليم والدفاع. أما التسليم فقد بينا فساده، وأما الدفاع فهو أمر مشروع حتى لمن فسدت عقديته وثقافته، فكيف لمن سلمت وشهد الله تعالى لها، أفلا تكون أجدر بالدفاع؟! .. وما نرى في غير الأسلمة إلا الخنوع للهزيمة الداخلية وحتى بلا أمل للدفاع لغياب أي رسالة، إلا اللحاق بأذيال الغرب، وهل هناك ذلة أشنع من هذه؟! .. وكيف يتهكم علي حرب على من يسعى للدفاع الثقافي، أو ليس هذا منه تسليم! .. أنظر كيف جمعت كلمات قليلة له كل هذا الارتباك في الاتهام؟! .. إنها إذاً روح العداء التي تختلق وتتلقف أي اتهام حتى ولو تعارضت .. حتى إذا خرجت اتهاماتهم من أفواههم عرفناهم، كما قال تعالى في مثلهم ممن عادى الإسلام وأظهر رجاء الخير في غيره، "وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ"(محمد:30).
أما ضياء الدين سردار و خشيته من (أن هذا البرنامج سيسعى إلى صباغة التماثيل الغربية بصبغات إسلامية) فاستطراد مظنون ملئ بالإحباط. فالأسلمة لا تعني وضع عناوين جديدة لمعارف غربية قديمة. بل هي أشبه بما فعله الإسلام نفسه مع معارف العادات الجاهلية، فقد كان هناك قبل الإسلام حج، وبيت، وصلاة، وصيام، وعادات وتقاليد، وتصورات أسطورية عن الخلق والحياة والسماء والأرض، .. إلخ. فأبقى الإسلام الصحيح، وما لاغبار عليه، وذهب بغيره، فهل يقال أن الإسلام صبع تماثيل الجاهلية بصبغة إسلامية؟! .. إلا إذا استصعب القائل أن يستطيع الإسلام الآن أن يقوم بمهمة جسيمة مثل مهمة الأسلمة مع تضخم المعرفة وتعقدها. فإن فعل فإنما يعبر عن رؤيته المقفرة لكيفة القيام بهذه المهمة، لا أن المهمة مستحيلة في أصلها، فالله تعالى يقول "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ"(الأنفال: 59). وإن كانت المشقة المظنونة أو المهمة المستحيلة هي دافع الهزيمة، فالله تعالى يقول في مثل ذلك: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "(آل عمران: 173).
وأما [فكرة تقييم وغربلة العلم بواسطة معيار وغربال إسلامي وتعرضها إلى السخرية في قول من قال أنها "عمليات تجميلومن قال أنها "إعادة تسطيح الأرض"]، فنذكرهم أنه لم يحدث أن جمّل الإسلام معارف الجاهلية الأولى بالأمس، حتى يجمل اليوم جاهلية المعرفة المعاصرة، بل محا قبيحها، وسن الخير القويم، سواء عرفه الجاهليون أم يكونوا يعرفوه. أما الذي يُجمَّل له القبيح فهو من قال الله تعالى فيهم " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"(فاطر:8).
وأما الذين قالوا بأن الأسلمة "إعادة تسطيح الأرض"، فقول لا ينم إلا عن جهل بالقرآن، والتاريخ، فالذين اشتهر عنهم استخدام هذا الوصف الازدرائي كانوا الأوربيين ، ولم يدر في لغة العرب مثل هذه السذاجة ولا الازدراء. ثم أن الأسلمة لا تعني إحياء ثقافة عربية أو قومية قديمة، إنما تعني تفعيل كلام الخالق، وأن يرفع المؤمن به رأسه، أي يعمله إعمالاً، ويفعله تفعيلاً، أما من ينكص عن ذلك، فلا ندري على أي دين يموت، وإن كان مؤمناً فبأي عمل صالح يلقى الله تعالى وهو عن كلام الله مُعرض، وفي هذا وذلك جاء في الحديث الصحيح، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفة ٌ طيبة ٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة ً منها أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)(متفق عليه).
أما عن السخرية والتهكم، في النيل من الحق وأهله، فكانت ديدن سفهاء القدماء كما هي ديدن أمثالهم من المعاصرين، وفي أمثالهم في هذا الفعل اللا حضاري – وخاصة فيمن يدعي منهم الحضارة - يقول الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)"(المطففين)
أما عن قول من قال: [أنه ليس بين علماء الإسلام عبر تاريخه الذهبي من حاول منهم أسلمة المعرفة التي تم استقبالها من الحضارات الأسبق ..] فجدير بنا هنا أن نورد مما اقتبسه نضال قسوم من أبي الأعلى المودودي، ما يفند ذلك الزعم الأخير الذي أورده هو أيضاً – في موافقة صامتة - وجاءت عبارة المودودي - التي وافق عليها أيضاً د. قسوم[130]، بل ووظفها على أنها تدعم رؤيته - بالنص الآتي (من مصدرها المترجم إلى العربية)[131]: [في الماضي قام المسلمون بأسلمة سائر الفروع العلمية التي استوعبوها، بمعنى أنهم أخضعوها للعقل الإسلامي].
وحول إمكانية أسلمة العلوم الطبيعية، عرض نضال قسوم ذروة سنام الجدل في المسألة، وهو رأي طه جابر العلواني الذي دافع فيه عن شمول الأسلمة للعلوم الطبيعية وأوعز ذلك لسببين هما:
[(1) التمييز بين العلوم الاجتماعية والطبيعية، تمييزاً اعتباطيا تدفعه المصلحة (التصنيفية).
(2) أظهرت الفيزياء في القرن العشرين أن الراصد لظاهرة ما له موقع مؤثر (...) على جريان الأحداث. وهو الأمر الذي يدفعنا – في وجهة نظره - إلى إعادة النظر في كامل مفهوم الموضوعية في العلوم الطبيعية. ويستدل من ذلك على أنه "لدينا القناعة الكافية لافتراض أن العالم المسلم الذي يعالج موضوعاته من وجهة نظر إسلامية سوف ينتج حلولاً ذات صبغة إسلامية"[133].[[132].
وفي محاولة لتبخيس هذا الرأي للعلواني (وأقل ما فيه أنه رأي يجب أن يُحترم، لا أن يُستهزأ بموقف صاحبه)، جاءت الإجابة التهكمية في صورة سؤال، بدى وكأنه يورط العلواني بما لا يستطيع معه إجابة: وذلك في قوله:
[ولكننا نجد أنفسنا مضطرين لسؤال العلواني عن تلك المعادلات التي عسانا أن نحصل عليها من هذه الصبغة الإسلامية" (؟)]
وجاء السائل بإجابة، أقل ما فيها أنها انتقاص من الرجل، ... وما هو مستحق لذلك، وهذا هو نصها:
[ومن الواضح كل الوضوح أن فهمه (يقصد طه العلواني) لفيزياء القرن العشرين فهمٌ ناقص (أو متأخر).][134].
ويعبر د. قسّوم عن سبب رفض برنامج الأسلمة فيقول: [بملاحظة المعارضة الهائلة التي تلقاها هذا البرنامج منذ لحظة انبعاثه الأولى، والانتباه إلى عدم قدرته على إنتاج إيجابي كما بشَّرت به تطلعاته، سعى مناصروا أسلمة المعرفة إلى تبرير فشلهم، والاستقرار على برنامج عمل أكثر تواضعاً وأبسط في قابليته للإنجاز. وكانت حجتهم [135]كالعادة؛ معاتبة العالم، والتحجج بالمناخ العام المعادي للإسلام.][136].
ومن أشد الانتقادات العملية التي أوردها نضال قسوم لمشروع أسلمة المعرفة، فكانت لضياء الدين سردار، خاصة وأنه تحاور مباشرة مع إسماعيل الفاروقي. وكان رأي سردار باختصار هو أن مشروع أسلمة المعرفة [مهمة هائلة، ولكنها غير مستحيلة][138]،[137]. وكان هذا الحكم من سردار خلاصة لمناظرته مع الفاروقي التي جاء الحوار الآتي في نهاياتها (كما يحكيها نضال قسوم):
وبدايةً ينقل قسوم رؤية سردار ويقول: [علينا إن ندرك أن العلوم المختلفة تأتي من بيئات حضارية معينة، وتطورات تاريخية. وما على المسلمين أن يسعوا إليه، ليس بأسلمة الأنظمة العلمية القائمة، ومن ثم  ينتجوا – بظنهم - علم اجتماع إسلامي وعلم فلك إسلامي، وإنما بإدراك أن علم الأنسنة anthropology (على سبيل المثال) هو بجملته إنتاج غربي استهدف منه الأوربيون في نشأته فهم الآخرين (الحضارات البدائية مثلا).
على المسلمين أن يعيدوا البناء الفكري للعلوم والمعرفة تأسيساً على رؤيتهم الفلسفية والميتافيزيقية، وأن ينتجوا معرفة باصطلاحات وتصنيفات تتفق في جذورها مع رؤيتهم الخاصة للعالم، وأن تكون في نفس الوقت مفيدة لتقدم الإنسانية.
إن العلم الإسلامي لا يعني أسلمة العلم كما هو على حاله اليوم، وبالتأكيد أنه ليس إنتاج علم خاص بالمسلمين، وإنما هو إعادة البناء الفكري للعلم والمعرفة بالطريقة التي علمها لهم الإسلام – في رؤيته الكلية للإنسانية ، ولمصلحة الإنسانية جمعاء.][139].
وفي الحقيقة، إن رأي (رياض الدين سردار) صحيح تماماً، ولكن ما يدعو إليه سردار هو عين ما تسعى إليه فكرة أسلمة المعرفة/العلوم. بمعنى أن عنوان "أسلمة المعرفة/العلوم" قد يعني في ظاهر اللفظ تحويل العلوم الغربية إلى إسلامية بعملية تحويل يمر عليها العلم الغربي، ويخرج منها علماً إسلامياً. ومن يظن هذا الظن، يظن سوءا بالمشروع من حيث لم يكن هذا هو المقصود أبداً. إن ما فعله سردار هو في الحقيقة تفصيل بعض الـمُجْمل. هذا بخلاف أن مشروع أسلمة المعرفة/العلوم ليس ملكاً لشخص بادر بالمناداة إليه، حتى ولو صححه بعده آخرون. لأن المشروعات تنبعث من دواعي، ويحدث أن يتجرأ واحد من الناس أو أكثر على الدعوة إليه بفعل هذه الدواعي، وقد لا يكون هذا الشخص ربما من النبوة بمكانن ليقدر على وضع مخطط ناجح لعمل المشروع، حتى وإن أدرك بعض معالمه. وهذا ما سنلاحظه بعد قليل من حوار رياض الدين سردار وإسماعيل الفاروقي، صاحب الشرارة الأولى في مشروع أسلمة المعرفة/ العلوم.
ينتقل د. نضال قسوم إلى خاتمة هامة جداً في الحوار بين سردار والفاروقي، والذي مس بحق جوهر الإشكال في مشروع أسلمة العلوم، وفيه نجد الآتي:
[قال الفاروقي: هل تريد منا أن نعيد اختراع الدولاب (العجلة)؟
أجاب سردار: فقط أشرت إلى أن الـمَرْكبات المختلفة تحتاج دواليب مختلفة، لأنك لن تستطيع الحط بطائرة على عجلات دراجة ... والحضارات مثلها مثل المركبات. إنها تتطلب عجلات مناسبة – أي أنظمة خاصة بها – لكي تتحرك بها إلى الأمام ...][140].
هذه هي خلاصة رأي سردار – وهو أحكم ما قيل في مسألة أسلمة المعرفة - أنها [مهمة هائلة، ولكنها غير مستحيلة][141].
لذلك، كان رأي سردار هو المعتبر في المسألة، ليس في تهوينها، أو إثبات فشلها، كما حاول نضال قسوم أن يصور لنا المشهد، بل في تقويمها، وبيان عمق المسئولية وجسامة المهمة.
أما الذي استغربنا له فكان موقف الدكتور اسماعيل الفاروقي يرحمه الله حين استثقل المهمة! .. والمهمة بحق ثقيلة، ولكنها كما قال سردار أيضاً غير مستحيلة.
أما الذي يدعو أيضاً إلى الاستغراب، فهو أن سردار نفسه لم يتحمس لهذا وسعى إلى صناعة مشروع آخر،  وهو ما حمل عنوان[142] "المدرسة الإجمالية Ijmali school" (ومعه "منور أنيس" Munawar Anees وآخرين)، كما أن نضال قسوم، الذي نقل لنا الحوار، رفض مشروع أسلمة العلوم، كما رفض أيضاً مشروع "المدرسة الإجمالية"، وسعى إلى مشروعه "العلم الـمُسلِّم بإله theistic science" المتعدد المعاني بلا ترجيح، وتغليف العلوم بغشاء معنوي قِيمي. وقد حدانا الحوار بين سردار والفاروقي لنراه يثمر عن تآلف، ولكنه أثمر عن افتراق وترهيب من الإقدام على مشروع الأٍسلمة، حتى بعد تعميق سردار لحجم المهمة، ولكنه التعميق الذي أرهب الفرسان عن خوض غماره. ولو حدث أن توافقوا عليه، لهان خطب المشقة التي أرهبتهم، ولكانت خطوة أولى على الطريق الصحيح.
برنامج نضال قسوم في علاقة الدين بالعلم
سبقت الإشارة إلى ما قاله د. قسوم في هذا الصدد، أي قوله أن: [العلم الحديث لم يترك مساحة للماورائيات أو المعنى الكامن فيها، (وسيظل هذا التصور هو القائم) ما لم نسمح بإنشاء علمٍ متدين (theistic science’) ونرتقي به، وهذا هو مسعاي الذي أعرضه وأدافع عنه ..] [143].
والآن نتابع مقولاته في ذلك، وتزكيته لها، يقول: [إن محاولة تطوير نسخة من العلم بمسحة متدينة لن تدمر أصوله التي قام عليها، وما حققه من ارتقاءات معرفية وإنجازات، وخاصة إذا رافق محاولتنا هذه، فهماً تاماً لملامحها المتعددة، مثل التمييز بين الجوانب الميتافيزيقية والجوانب المنهجية. وهذا هو ما سعيت إلى بيانه والدفاع عنه][144].
ويقول: [ربما تكون أكثر المحاولات معقولية ووسطية في أعادة تقييم العلاقة بين العلم والإسلام هي محاولة كلشاني Golshani ، والتي دافع فيها عن علم مؤمن science theistic ، أي أنه علمٌ يقر إقراراً تاماً بوجود الله (ويتمسك بأهداف له تتفق مع القرآن والكتب السماوية)، ولكنه يبقى صارماً كأشد ما تكون الصرامة العلمية. وهذا المقترح، يتميز بتوحيد جهود المسلمين وجهود الفلاسفة المتدينين من الثقافات الأخرى، حتى ولو تكتمل لهذا المقترح (حتى الآن) تفاصيل وخطة عمل واضحة تتحقق واقعياً][145].
نقول: وهل هناك تأثير للتوافق مع غير المسلمين في هذا الشأن؟! ...... نعم، هناك أرضية واحدة من الإيمان بابتداع الخلق ونسبته إلى الخالق الواحد جل وعلا، وخطوط عريضة للإيمان، ولكن العلم الذي يقر به الإسلام هو ما قام على النصوص المرجعية، وهذه النصوص لا يؤمن بها أهل الكتاب، مثلما أنه لا يصدق المسلمون بحرفية كتب أهل الكتاب تصديقاً يجعلها مرجعية إلا إذا وافقت ما عليه القرآن أو السنة النبوية الصحيحة. .. لذا كانت الشُّقَّة بعيدة بين علم يؤمن بالله على محجة القرآن، وعلم يؤمن بالمشترك من عموميات الأديان السماوية التوحيدية. وجلي عن البيان أن مرجعية نضال قسوم ليست إلى النصوص، بل إلى مشترك إيماني عام. وهذا العموم يفرغ التميز القرآني عما سبقه من كتب الوحي، التي لم تعد تقرأ بنصوصها الأصلية، إما اكتمالاً وإما متناً وإما معنىً.
ثم أن الحفاظ على علم [يتمسك بأهداف له تتفق مع القرآن والكتب السماوية] و[صارماً كأشد ما تكون الصرامة العلمية] ليس بالأمر اليسير. بل هو جمع بين متناقضات في كثير من نظريات العلم المعاصر، وكثير من آيات القرآن، هذا بخلاف تباين الرؤية الكونية والعلل الغائية ... إلخ فإن قال د. قسوم أن العلم فيزيقا/طبيعة، وأهداف الكتب السماوية ميتافيزيقا/(ما وراء الطبيعة)، وأن العبور من أحدهما للآخر يمكن تطويعه، قلنا أن هذا التصور غير صحيح بالضرورة؛ فالقرآن صريح في الحديث عن الطبيعة كما هو صريح في الحديث عن غيب العوالم الأخرى، وأزمان أخرى لاحقة من مآل الكون، وإعادة خلقه. وما أخبر القرآن عنه من مسائل الشهادة هي من صميم عمل العلم الحديث، فكيف لا نجمع بين خبرين من القرآن والعلم في مسألة الشمس مثلاً ومستقرها الذي تذهب إليه وتعود منه مرارا وتكرارا؟! .. وقس على ذلك عشرات المسائل، من خلق الأرض والسموات، وعددهن المقرر سبعاً في القرآن ... إلخ
إن الجمع بين العلم والدين تحت مظلة "العلم الـمُسلِّم بإله" الذي يقدمه لنا د. نضال قسوم، ليس إلا الحفاظ على شخصيتين متنافرتين في عقل إنساني واحد؛ لا يستطيع صاحب هذا العقل مفارقة العلم أو التنكر لشيء منه، لأن كيانه الفكري قد نما في مهده وشب في أحضانه، ولا مفارقة الدين أو التنكر لشيء منه، لأن قلبه معلق بالله لا يجد في غير جنابه نفس مطمئنة أو عقل قانع. فالجمع بين هاتين الشخصيتين عسير، بل مستحيل، إلا إذا تنازلت إحدى الشخصيتين للأخرى حيثما يختلفان. وقد أصر د. قسوم على ألا يتنازل العلم، لأن العلم صارم كل الصرامة، فلم يكن أمامه إلا القرآن أن يتنازل. وكيف يتنازل، وهو كلام العلي الجبار؟ .. رأى د. قسّوم أن ذلك يمكن بتأويل كلام الله سبحانه على معاني عديدة من بينها واحدة تتفق مع ما جاء به العلم .. وهذا هو "العلم الـمُسلِّم بإله" – كما سماه د. قسوم! .. والحقيقة أن الاسم الأنسب هو "الدين المتعلمنscientified religion " عند الضرورة، فيوافق الدين العلم حيثما وأينما يذهب إذا اصطدما، وحسبما يرى المتأول!! .. وإذا اقتنع د. قسوم، فلن يجد من يقتنع معه بهذا الكلام إلا من يعاني نفس المعاناة العلمية/الدينية، التي يعانيها. .. والحقيقة أن دين الله تعالى أعز من العلم الذي هو رؤى بشرية بلا مرجعية إلا ما خلق الله تعالى، أما الدين فيزيد على ذلك بأصل النصوص، فإن أخرّنا النصوص حيثما يجب أن تتقدم فقد أسقطنا الدين حتى ولو زعمنا اتباعه. .. ولو أن نضال قسوم قد وزع التنازلات بين تأويل العلم وتأويل الدين، فيخضع التأويل الأضعف للأقوى من أي الطرفين ، لكان أقرب إلى الحق، لأن إصابات العلم ليست دائمة مضمونة، ومتشابهاته التي تستدعي التأويل ليست أفضل حالاً من آيات القرآن في ذلك! .. وكما أراد ابن رشد في القديم – ويستشهد د. قسوم به، ولا أدري كيف - أن يحصل من الدين على تنازلات (تأويلات) لصالح الفلسفة، ومن طرف واحد، كما يريد د. قسوم أن يفعل اليوم، فلما تأبّى عليه الدين بلسان حكمائه، وآلت الفلسفة التي استنصر لها ابن رشد إلى خبر كان، ما أغنت عنه تنازلاته، وما نال في حظوة الدين جليل المقامات، إلا عند أنصار العقل المقدسون له العتبات.
علم متدين يرفض التصميم الذكي Intelligent Design (ID)  (أو: الحكمة في المخلوقات)!
كنا نظن أن الإيمان بالله تعالى والأديان السماوية إنما منبعه معاينة آيات الخلق الصادقة في الدلالة على خالقها. ونستغرب! كيف يؤمن (علم ما) بالله تعالى، ولا يُقر أصحابه بدلالة حكمة الصنعة على أن يكون لها مدبر حكيم؟! .. وأي دليل يجعل هذا العلم مؤمناً بالله تعالى إن ذهب هذا الدليل، أو بمعنى أكثر صراحة – أي مرتكز يتخذه أصحاب هذا "العلم الـمُسلِّم بإله لهم، إن جحدوا دليل تَدَيُّن علمهم؟! ... نقول ذلك لأننا رأينا نضال قسوم ينتقد دعاوى أصحاب ما يُسمى اصطلاحا (التصميم الذكي)، أي باصطلاحنا العربي: (الحكمة في مخلوقات الله تعالى). ومما دلنا على ذلك قوله: [لا أؤيد هذا المنحى الجديد في مسألة تصميم (الكون) جملة وتفصيلا، وبالتأكيد، فيما تذهب إليه مدرسة التصميم الذكي][146].
وذلك بعد أن قال: [إن نظرية التصميم الذكي (والتي لا تزيد عن كونها فرضية، وليست علمية كما ينبغي، ..) تزعم أنها تكشف عن تدخل مباشر للخالق في حالات بعينها، من حيث استحداث معناه ووجوده (أي بلا سبب طبيعي ضروري). ..].
وبرر ذلك بقوله: [في تنظيرنا للكون، علينا أن نلتزم بالروح العلمية].
يقصد أن نظرية التصميم الذكي لا تلتزم بالروح العلمية، وهذه الروح هي أن لكل سبب مادي، مسبب مادي، وهكذا .. إلى ما لا نهاية .. بلا تدخل ولا تصميم ولا فعل .. إلا للأسباب المادية المترابطة عِلِّيَاً.
أما حيثيات رفضه ومهاجمته ومحاولته هتك أستار هذه النظرية، التي تُوعز الحكمة إلى حكيم ذي مشيئة وعلم وقدرة، فيُرجعها إلى ما تابع به كلامه .. قال: [سنواجه نظرية التصميم الذكي ..، ليس لأنها نظرية هامة، .. ولكن لأن بعض المسلمين المؤمنين بالخلق المباشر قد تأثروا بها، مما أثار عدد من الأسئلة الهامة عن طبيعية العلم الحديث ومنهجه].
وكأن د. نضال قسوم قد اقتنع، أو يحاول أن يقنع القراء بأن (دليل الحكمة في الخلق: The Argument from Design) داحضة أو ضعيفة على أقل تقدير، يقول: [إن حجة (صانع الساعة الحكيم التي وضعها بالي Paley’s Watchmaker) والتي أصبحت تعرف بـ العبارة: (الاستدلال بأحسن تفسير) ما زالت ملاذاً يعود إليه اللاهوتيون في استدلالاتهم. ويشرح (ميشيل روس) Michael Ruse هذا المبدأ (inference to the best explanation’ (IBE)) ببساطة بالرجوع إلى شخصية شرلوك هولمز (المخبر الشهير في القصص البوليسية) عندما قال في أحد تلك القصص لخصمه: (كم مرة أقول لك أنك إذا استبعدت المستحيل، فإن ما يتبقى يجب أن يكون هو الحقيقة، مهما كان ضعيفاً)][147].
فنعلق على هذا المثال الأخير، ونقول: أن شرلوك هولمز كان أوعى كثيراً من أصحاب البحث العلمي الغربي المعاصر؟! .. لأنهم لا يتورعون – وفي إطار منهجهم العلمي الرصين – عن المستحيل أحياناً على أنه الأَوْلى بالاعتبار، حتى ولو عارض البديهيات. ألم يقبلوا امتطاط الزمن الحقيقي؟! وثبات سرعة الضوء في أي إطار إحداثي قصوري حتى ولو كان وهمياً، لأنهم لا يميزون بين الواقعي والوهمي؟ ... وهل الانتخاب الطبيعي شيء غير مستحيل، وهل قدرته – مع أي طفرات خلقية يمكن تصورها - على ظهور الأجناس ليس إلا ضرباً من المستحيل؟! .. بل هو عين المستحيلات وأشدها استحالة !!!
والغريب أن نضال قسوم يستعين بالداروينية في إبطال حجة التصميم ويستطرد ويقول: [يجب التنويه إلى أن حجة بالي Paley’s argument (أي: حجة صانع الساعة الحكيم) قد ميزها النقاد بأنها تمثيل analogy وليست دليل برهان. لذلك، تظل صلاحيتها وقوتها شخصية (وليست موضوعية) وتعتمد على جاذبية المثل وتطبيقه العملي (على صنعةٍ ما؟ أو على حيوان؟). والأهم من ذلك، أنه يجب التأكيد على أن هذه الحجة قد تلقت أشد الضربات القاصمة بالنظرية الداروينية في التطور، وخاصة من نسختها القائمة على الصدفة العمياء، كما أنها قد تعرضت للتفنيد بحجج ديفيد هيوم (قبل دارون) على أسس تطورية وفلسفية، حيث أشار بالأساس إلى أن بناءاً ما، مهما كان جميلاً أو رائعاً لا يستدعي بالضرورة صانعاً عليما حكيما. ففي حالتنا هنا، فقد يكون – ذلك البناء – محاولات عديدة سابقة أقل روعة، ومنها تعلم الصانع وحسّن صنعته.][148].
- ومن أغرب ما يمكن أن يسمع إنسان أن الاحتجاج بالشر في العالم (من جهة كل من هيوم ودارون) أصبح حجة تدعم رفض التصميم (أي: رفض أن الحكمة في الخلق دلالة على وجود الإله)؟! .. يقول د. قسوم:
[ (قال هيوم:  ... قد يكون – لذلك البناء – محاولات عديدة سابقة أقل روعة، ومنها تعلم الصانع وحسّن صنعته). واستحضر هيوم إشكالية الألم والشر في العالم (باعتباره جانب من العالم كان من المفترض أن يكون نالته الحكمة أيضاً)، وتساءل بوضوح: أي خير (يقصد قياساً على خيرية التصميم) ذلك الذي يمكن أن يخرج منه أشكال متنوعة من الآلم والقتل؟! ...
ثم جاء تشارلز دارون ليظهر أن هناك تفسيراً طبيعياً لما في خلق الكائنات من تعقيدات، ويقصد من خلال نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي ... وكان لنظريته هذه، تأثير سلبي واضح على حجة التصميم ... كما أن دارون لم يقبل من جهة أخرى أن هناك تصميم في كل شيء حولنا، وبالتاكيد أنه لم يستطع التوفيق بين البؤس المنتشر في كل مكان في العالم، وأي فكرة لتصور تصميم ذكي (يقصد: حكمة في الخلق)، وحاول أن يجد حلاً وسطاً يقول فيه أن ما نراه في العالم يمكن تفسيره كنتيجة [قوانين (طبيعية) مصممة، لها من التفاصيل، الخيّرة والشريرة، ما هو متروك للعمل لما يمكن أن نسميه "الصدفة"][150]. [[149].
نقول: من الممكن أن يعرضوا مسألة الشر هنا كإشكالية، ولكنها ليست دليلاً أبداَ على رفض حكمة الخلق وإبداعه ... بل هي محض إشكالية عند من لم يفهم العلة ... ولو استفهموا عنها لفهموها ... ولكن صدهم ظنهم إحاطة علمهم، والحق أنهم لا يعلمون قصورهم وضحالة جعبتهم من العلم! .. ذلك لأن الشر جزء من حكمة الخلق. ألم يروا أن الطالب الخائب يرى في الذهاب الضروري للمدرسة شر؟! .. ألم يروا أن الجندي المهزوم يرى في الحرب شر؟! ألم يروا أن المريض الهلوع يرى في الألم شر؟ ..إلخ. ولو لم تكن هناك "مدرسة" ولا "حرب" و لا "ألم يكشف عن علة واجبة العلاج"، لانتشر الجهل، وضاعت الحرمات، وتفشت العلل. فإن سألوا: ولماذا كان هناك في الأصل جهل، وضياع للحرمات، وتفشي للعلل؟! .. لماذا خلق الله هذا الشر وهو قادر على خلق الخير فقط؟! .. نقول لهم لأن هذا الخلق لم يكن لمتعة المخلوقات وكفى، بل لغرض وخطة عمل قدرها الخالق الحكيم العليم، .. بل وأخبرنا عنها وأنتم عن خبره معرضون .. إن هؤلاء المتفلسفة لم يعلموا/(أو أعرضوا عن) أن الله أخبرهم أنه سيبتليهم بالشر كما يبتليهم بالخير ليرى كيف يعملون؟! ... إن مشكلتهم عدم الفهم!!! .. ولكن د. نضال قسوم يعلم بقراءته للقرآن، فلماذا لم يصوبهم إذاً؟ .. أللهم إلا إذا كان هو أيضاً لا يعلم .. وهنا تكون المصيبة أعظم!!! .. والغريب أنه يستشهد بهذا الإشكال الذي يعلم انفضاضه .. على غياب الحكمة في الخلق من حكيم مبدع! .. كيف يستشهد معهم بهذا ومعه كتاب الله يقرؤه؟! .. لا ندري ما الذي ورطه هذه الورطة الكبرى!
الاحتجاج بسوء النوايا (إدخال الدين في العلم) – في إبطال مسار بحثي ظاهر للعيان! (الذكاء الطبيعي):
يقول د. قسوم: [إذا استعرضت باختصار نظرية - أو بالأحرى: فرضية – "التصميم الذكي" (ومعناها في الثقافة العربية التراثية: الحكمة في الخلق) وحققت في المدى الذي اخترقته في عقول المسلمين. أقول: يزعم أصحاب التصميم الذكي - التي هي حركة ثقافية وسياسية ملفوفة في زي علمي - أنه يوجد في الطبيعة عدد من الحالات التي تكشف عن ملامح التصميم الإلهي، وإن كان محدوداً. ويحاولون أن يتجنبوا الصدام مع الفصل القائم في النظام الأمريكي بين الدين والدولة، لذلك يستخدمون دائماً لفظ "التصميم" بدلاً عن لفظ "الإلهي"، لأن هدفهم أن يتم تدريس هذه النظرية في المدارس. والهدف الأول لهذه الحركة هو معارضة نظرية دارون، وفي النهاية، تدمير الأسس التي قامت عليها مادية العلم الحديث، والتي تقوم على تطبيع الظواهر كما رأينا (يقصد أن كل علل الكون في النشأة والخلق علل طبيعية).][151].
ويتابع ويقول: [إن أول لشيء يجب ان نكشفه عن (حركة) التصميم الذكي، هو أن زعماءها قد ضللوا عامة الناس، وذلك بأن رفعوا من قيمة فكرتهم إلى مستوى النظرية. وفي الحقيقة أن (فكرة) التصميم الذكي ليس عليها أي دليل يدعمه العلم. فهي لا تتنبأ بأي شيء على الإطلاق، كما أنها لا تفسر أي ظاهرة تفسيراً علمياً البتة؛ ومن ثم، أعلن الكثير أنها (فكرة) ليس علمية، لأنها تنتهك معيار التخطئة الذي وضعه بوبر (الذي يُحكم به على علمية أي مقترح). ولغرض هذه المناقشة سوف نفترض أنها فرضية، رغم أنها أحياناً تبدو غامضة.]
نلاحظ هنا اتهام د. قسّوم الخصم بتضليل الناس بالتصميم الذكي (الحكمة في الخلق). والحجة في هذا الاتهام ليست بأقوى من حجة الخصم لو اتُّهم الداروينيين أيضاً بتضليل الناس بفكرة خروج الأجناس من بعضها بلا حكمة حكيم. كما وأن التشكيك في مستوى التصميم الذكي/(الحكمة في الخلق) أهو نظرية أو أقل منها وأنه ليس إلا محض فكرة، ليس بأقوى من تشكيك الخصم بالداروينية؛ أهي نظرية أم أقل من ذلك!
أما التنكر لدليل التصميم الذكي الذي هو استحالة عشوائية الخلق، المتمثل بالدرجة الأولى بنسب احتمال حاسمة تقصم ظهر الداروينية، فهو انكار معلوم لا ينكره ناكر إلا وينكشف جحوده عن قبول الأدلة. ودليل الاحتمال نفسه الذي ينصر التصميم الذكي هو هو الذي ينفي العشوائية والصدفة، أي ينفي الداروينية، وهذا ما سيعترف به نضال قسوم نفسه عن مناقشته السريعة لحُجَّة (ديمبسكي Dembski) بعد قليل، فكيف يقلب الداروينيون الميزان، وفقط بمحض صياغات كلامية، إذا تفحصناها صدمتنا فجاجة مخالفتها للواقع.
أما التنبؤ، فما تنبأت الداروينية بشيء ثبت لها خالصاً مخلّصاً غير التخمين العام، وبما لا يتنبأ به خصمها، حتى تتهم (دليل التصميم/ الحكمة في الخلق) بعدم التنبؤ؟! لأن موضوع النظريتين، أو التوجهين: تفسيري بالأساس، وليس تنبؤي. وهما منطقتا عمل متمايزيتين، ولا يلزم بالضرورة تبعية التنبؤ للتفسير. فالاتهام بعدم التنبؤ في غير محله! وإن كان من تنبؤ فهو لوازم صدق النظرية، من قيم احتمالية، إذا شارفت خمسين بالمئة لهج دارون وأصحابه بالنصر، وإن تلاشى الاحتمال، خنسوا. .. ولم يحدث أن نصرهم الاحتمال في خروج جنس من جنس، الذي هو فحوى نظريتهم، على نحوٍ قاطع حاسم لهم، ولا حتى قريب منه؟ ... وما كان غيره من فرز الأجناس، كلٌّ باستقلال، فهم طارئون على العلم به، والمشهور على مر التاريخ، ولا خلاف حوله.
وإذا كان من غموض، فليس هناك أغمض من خلوص الأجناس من بعضها – حسبما تزعم الداروينية – على هذا النحو البديع، الذي لو صدقت الداروينية لاختلطت الصفات بنسب متفاوتة ولما اشتق جنس من جنس وخلص منه على نحو تام كما نرى. .. هكذا تُتّهم (الحكمة في الخلق) وينتصر الداروينيون -فقط بالكلام- لعشوائية فكرتهم، ولا أقول نظريتهم. وفقط، استبعاداً للإله. لأنهم لو كانوا صادقين أنهم عامدون فقط إلى طبيعانية الظواهر جميعاً، لما أرفقوا مع ذلك عدم الحاجة لإله، ولكنهم قرنوا بين الطبيعانية وإنكار الإله. رغم أن المسألتين منفكتين، فكيف اجتازوا حاجز الانفكاك، واستدلوا كذباً على عدمية الخالق الحكيم؟! ... سبحانه عما يقولون، وإنهم لكاذبون.
وكيف يطمئنون لطبيعانية وسببية بلا طابع ولا مقنن للأسباب. فمهما عللوا وسببوا، فلا مناص من الخلوص إلى مصدر للعلل والأسباب! .. ومن أسقط أن لها مسبب كان للأسباب نفسها منكر.
وفي معرض التهوين من هذه الحركة/النظرية/الحقيقة، أمكن د. قسوم التسخيف من محاولة (مايكل بيهي Michael Behe – المؤيد للتصميم الذكي) في كتابه (حافة التطور The Edge of Evolution)[152]، فتابع وقال:
[تنص الحجة المسماة بـ (التعقيد الفجائي irreducibly complex’ IBC) - والتي ذكرها مايكل بيهي Michael Behe، في كتابه Darwin’s Black Box  سنة 1996 – أن الأجزاء الحيوية-الكيميائية لبعض الكائنات تتميز بالتعقيد الفجائي، بمعنى أنها لا يمكن أن تؤدي وظيفتها (أي دورها في الكائن الحي) إلا إذا رٌكبت مع أجزاء أخرى تتصف أيضاً بالتعقيد الفجائي. بمعنى أن هذه الأجزاء لا تفعل شيئاً مطلقاً من تلقاء نفسها (يقصد قبل أن تتراكب)؛ والأكثر أهمية، أننا لا نستطيع أن نبين أنها تطورت طبقاً لما تنص عليه نظرية دارون (من انتخاب انتقائي بعد طفرات). ويستدل بيهي ومن يتبعه من ذلك على أن هناك مصمم ذكي يجب أن يكون المسئول على بناء هذه الأجزاء – مباشرة – وأنه من ركبها. وأظن أنه من الواضح أن هذا المنهج في التفكير يشبه لحد كبير الفهم القديم المسمى بـ (إله الثغرات god of gaps’) والذي بدلاً من أن يبحث أحدنا عن تفسير للغامض من الظواهر، يقوم ببساطة بملء الثغرة الغامضة بقوله الإله (أو المصمم) يسد هذه الثغرة مباشرة (يقصد بلا أسباب). (وجدير بالتنويه) أن اللاهوتيين أنفسهم قد أسقطوا هذا الفهم/المدخل منذ زمن طويل].
نقول: في هذه الحُجّة "أي: التعقيد الفجائي" الذي قدمها (مايكل بيهي)، يقوم رد نضال قسوم عليها بالتفنيد على أن (مايكل بيهي) لم يقدم حلاً طبيعياً، أي أسباباً مادية صِرفة تستقل بتبرير ظهور التعقيد مما هو أبسط. وأنها محاولة تنتهي بالقول بأن هناك ثغرة لا يمكن عبورها سببياً، فلنملأها بالإله (أو ما يسمونه الحل بإله الثغرات)، ووصف هذه الحجة بأنها ليست علمية، ويقصد من ذلك أن هذه الحجّة لطالما استُخدمت عند حواف المعرفة الإنسانية. بمعنى أن الإنسان إذا عجز عن الفهم والتبرير، يُسرع إلى القول بأن هذا من فعل الله (الإرادي)، مثلما أن الإنسان يفعل فعلاً إرادياً لا يمكن أن يُفعل طبيعياً بغير فعله، مثل رفع حجر من الأرض ووضعه على منضدة مثلاً. ويقصد نضال قسوم من ذلك أننا في العلم نبحث عن فهم العلل، وأن ما قدمه مايكل بيهي يقطع طريق فهم العلل في العمليات الحيوية والخَلقية، ومن ثم تُعد أطروحة (مايكل بيهي) مناقضة للمسار العلمي. ولا بد أن نلاحظ هنا أن هذا الرفض لعلمية "التعقيد الفجائي" لا يعني أن العمليات الحيوية والخلقية تستقل وتفقد نسبتها إلى الله تعالى، ذلك لأن الأسباب نفسها ما زالت بحاجة إلى تعيين من سبّبها، فالمادة لا يمكن أن تتواجد بأسباب نظامية محبوكة من عدم. وعلى ذلك ننوه إلى أن احتجاج نضال قسوم هنا لا يعني رفضه لخلق الله لما هو مخلوق، وإنما رفضه لصلاحية حجة "التعقيد الفجائي" على الفعل الإرادي لله تعالى الغير مسبب بأسباب طبيعية، وأن هذا الفعل يسد بالفعل ثغرة لن يحدث أن تكون مملوءة بأسباب طبيعية يمكن اكتشافها لاحقاً، وهو الأمر الذي إن وقع، ستنقلب الجحة على صاحبها المنكر للعلل الطبيعية في هذا الموضع، ولن تكون بالضرورة دليل على استقلال العلل عن من أبدعها وسببها. ومدار هذه المسألة هو: إلى أي مدى في عمق العمليات الحيوية والخَلقية تتصل الأسباب، وهل تنفصل كما في ظهور الأجناس، كما نفهم من القرآن في خلق آدم على سبيل المثال، أم أن الاتصال السببي (الطبيعي) حتمي، ويكون آدم الفرد المميز ظاهرة متصل من أوادم تعاقب فيها التطور على مهل، كما يقول المنكرون لصريح آيات القرآن في مسألة خلق آدم.
وفي حُجّة ثانية، لـ (دمبسكي  Dembski- مناصر قوى للتصميم الذكي) لم يستطع د. قسّوم أن يدحضها، وقد اُسقط في يديه، وأقر أن في الأمر قيمة ما، ربما تتضح بمزيد من البحث، فقال:
[في مسار آخر، طور ديمبسكي Dembski مدخل احتمالي[153] يحاول من خلاله إثبات أن المحتوى المعلوماتي  في نوكليوتيدات الدي إن إيه DNA nucleotides يمكن تفسيره أفضل ما يكون بفرضية التصميم الذكي، وليس من مدخل الصدفة العمياء (الداروينية). وفي رأيي أن هذا المدخل لديمبسكي أكثر علمية كثيراً (من مدخل بيهي)، أما عيبه فهو أنه يبحث عن خلل في نظرية ما، ولا يقدم حلاً للمشكلة التي يجدها، غير أنه، أقل ما يقال في شأنه، أنه مدخل علمي. والسؤال هو: هل سيستطيع ديمبسكي أن يثبت فرضيته في عدد من الحالات؟! (هناك شك كبير في ذلك)، ولئن فعل، فسيكون قد وجه ضربة شديدة إلى بعض الأجزاء الأساسية في نظرية دارون، وإن لم تكن بالضرورة ضربة قاتلة][154].
نقول: تقوم حجة ديمبسكي في الحقيقة على أن الصدفة نقيض الحكمة أو الإبداع الـمُقدَّر (ما يسمونه: التصميم الذكي)، فإن سقطت الصدفة، لم يكن من بديل إلا أن الإبداع هو الاختيار الوحيد بلا جدال. وهذا ما فعله ديمبسكي في اختبار احتمالات العمليات الحيوية الفاعلة لأداء أفضل إذا تعرضت للطفرات مما سبق لها من حال، فكانت النتيجة أنه لم يجد – طبقاً لرياضيات الاحتمالات – مجالاً لظهور الإبداع من الصدفة. ولا نرى وجاهة في وصف د. قسوم بأن في عمل ديمبسكي عيب وهو [أنه يبحث عن خلل في نظرية ما. ولا يقدم حلاً للمشكلة التي يجدها.]  كما قال، وكان أولى به أن يقول أن ديمبسكي اختبر فحوى نظرية الصدفة التي تقوم عليها الداروينية في ظهور طفرات خلَّاقة تؤدي إلى أعضاء/كائنات أكثر توافقاً مع البيئة، ولأنه لم يعثر على صدق دعوى الداروينية بنظرية الاحتمالات، بل على كذبها، فإن ذلك يقطع بسقوط النظرية جملة وتفصيلاً في مسألة الانتقاء الطبيعي المرافق لطفرات. ولا يتبقى من النظرية إلا ما كان معلوماً قبلها بآلاف السنين، من فرز الكائنات الموجودة فعلاً بناءاً على أهليتها للبيئة التي تعيش فيها، أو تهجين سلالات لتحسين النسل كما في الخيل. وبناءاً على ذلك، فما فعله ديمبسكي يُعد ضربة قاتلة للداروينية، وليس في بعض أجزائها، لأن الداروينية لا تقوم إلا على الانتخاب الطبيعي والطفرات، فإن ظهر أن ذلك غير صحيح، فلا داروينية، حتى وإن كان هناك تتابع/تطور لما يخلقه الله تعالى كما قال سبحانه " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ "(العنكبوت:20)
خلاصة مشروع "العلم الـمُسلِّم بإلَه" (theistic science) الذي سعى إليه د. نضال قسوم:
قال: [بالرغم من أني لم أستطع حتى الآن أن أصيغ "علماً كونياً متديناً ومتسقاُ self-consistent theistic cosmology" على التمام، إلا أني أؤمن بأن (ائتلافاً/تأليفاً) ما مازال ممكناً، ربما يشبه ذلك التأليف الذي أنشأه بعض فلاسفة المسلمين في القرون الوسطى (وخاصة ابن رشد). ولتحقيق هذا الائتلاف أو الاتساق، للمبادئ الدينية مع المنهجية العلمية الحديثة ونتائجها، أرى أن برنامج العمل الذي يحقق ذلك يجب أن يكون مزدوجاً، على النحو الآتي: (1) يجب وضع بنية جديدة للإلهيات الدينية تتفق مع العلم الحديث، حتى ولو لم تلتزم تماماً بالمبادئ الإيمانية المقدسة ونصوصها الحرفية. (2) يجب إنتاج علماً للكون أقل حدة مادية، علماً يسمح للمعنى والروح أن يتوجدا في الكون والوجود.
وفي رأيي أن عظمة وقوى الخلق تكمن في روعته وكماله. فالله هو التجريد الكامل للوجود والواقع؛ إنه المبدأ المستبطن الذي عليه بُني كل شيء واستقر. وهذا المبدأ هو الذي يحفظ الكون، مثل روح تتخلل كل الوجود، مثل المجال الضروري، ولكنه الذي لا يمكن معاينته.
أما البديل لهذه الرؤية، فهو المفهوم الصوفي الجديد، والذي فيه يتحد الله والكون في كلٍّ واحد (أو على الأقل على نحو متشابك أو متداخل) وأن الخلق عملية مستمرة، لأن الله لا يتوقف عن الكشف عن ذاته (لذاته) ولكن دون الظهور العياني المباشر.
وأختم بما أراه الآن واضحاً:
إن علماً كونياً إسلامياً لا يمكن له أن يحد نفسه بحدود تفسير (علمي زائف) للنصوص المقدسة، ولكن عليه أن يترك مجالاً رحباً للإبداع، وحرية العقل، وللآفاق الواسعة للثقافة الإسلامية. تلك الثقافة التي كانت قادرة منذ ألف سنة، وينبغي أن تظل قادرة، على تشرُّب معارف الإنسانية والعلم والتقدم، لتنتج مؤلفها الجاد والشيق.
يمكننا – في تقديري - بناء علماً كونياَ إسلامياً متديناً، وعلى اتفاق تام مع العلم الحديث، شريطة أن يكون منفتح عقلياً وإبداعياً، وأن يكون بعيداً عن التحجر، سواء في الاتجاه الديني أو العلمي.][155].
هنا عديد من الملاحظات على الاقتباس الأخير:
يسعى د. قسوم إلى تأليف بين العلم والدين على شاكلة تأليف ابن رشد، ونسأل: وهل نجح ابن رشد في مثل هذا التأليف المأمول؟! .. لا لم ينجح. ومثال ذلك أنه دافع في كتابه الشهير "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" عن أزلية العالم وأن هذه الأزلية لا تتعارض مع خلق الله تعالى لكل شيء (من عدم)، ونسأله: أين ذهبت هذه الأزلية بعدما آل بالماديين/الدهريين أنفسهم إسقاط هذه الأزلية، فيما يسمونه في هذا العصر بالانفجار العظيم، وأين كانت حجة الفلاسفة في صدق دعوى الأزلية التي سعى ابن رشد لتأويل آيات القرآن لتتفق مع باطلهم؟! .. إن مشروع ابن رشد لم ينجح لأن حجج الفلاسفة التي كان يعتمدها كانت حقاً قليلا مختلطٌ بباطل كثير، وكلام لا أصل له إلا ظن والتخمين، فأين هذا من حق القرآن الدامغ، وفصله القاصم؟!
وعن برنامج عمل د. قسوم المزدوج الذي يدعو إليه، وكيف أن البند الأول فيه: وضع بنية جديدة للدين مع عدم ضرورة الالتزام بالنصوص! .. أوليس هذا ما ذمه الله تعالى في كتابه عندما مدح الصادقين وبرأهم من تبديل الدين: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ .. وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"(الأحزاب:23)
وعن تصور د. نضال قسوم للخالق جل وعلا، المشحون بالمخالفات، فسوف ننقاشه بعد قليل، أما حجته بأن بديل تصوره ذلك تصور أسوأ، ويشير إلى "وحدة الوجود" عند بعض المتصوفة، فليست حُجَّة أبداً لقبول تصوره. فالاختيار بين سيء وأسوأ غير منحصر، لأن هناك الأحسن.
وعن محاولة تسخيف أي مشروعية لعلم كوني إسلامي عندما وسمه بصفة التمسح الزائف بالعلم إذا اعتمد تفسير النصوص كأصل لا يمكن إلَّا البناء عليه، فلا يُعد منه إلا تقزيم خطابي للخصم. ولا يُعتد بالخطابة والاتهامات في الخصومات العلمية. وفي الاتهام الضمني في قوله (على هذا العلم الزائف أن يترك مجالاً رحباً للإبداع وحرية العقل والآفاق الواسعة) فليس إلا استطراداً في الاتهامات الخطابية بالضحالة والجمود والتحجر وانغلاق الآفاق. وهذا كله ليس له في قاموس المعاني إلا تصنيف السب وكيل التهم بالجملة.
نموذج اعتراضي على مشروع "العلم الـمُسلِّم بإلَه" ممن يستكثر عليه ضحالة تدينه! – ورد نضال قسوم عليه:
رأينا أن مشروع "العلم الـمُسلِّم بإلَه" لم يكن أكثر من تأييد ميتافيزيقي من نضال قسوم لتأويل العلم الحديث. ومع ضحالة المحتوى الديني في المشروع، ناهيك عن المحتوى القرآني، الذي هو كلام رب العالمين عند المؤمنين به، إلا أن هذه الضحالة كانت زائدة عن الحد – عند من يضيق صدرهم بأي إشارة إلى الله تعالى الجليل المتعال، إذا رافقت الكلام عن مقدسهم: "العلم الملحد"- وإلى الدرجة التي وضعت نضال قسوم نفسه في مرمى الاتهام ممن هم أشد منه ابتعاداً عن الدين. وهنا نطّلع على معارضة (سلمان حميد Salman Hameed)[156] لمشروع "العلم الـمُسلِّم بإلَه"، من خلال رد نضال قسوم على المعارضة تبريراً لمشروعه. قال نضال قسوم:
[الخلاف الرئيسي بيني وبين (سلمان حميد)[157]، هو في كوني تبنيت ما سُمي بالـ "العلم الـمُسلِّم بإلَه" "theistic science". - أولاً: كان من الواضح من العديد من المقاطع التي أوردتها في كتابي أني لم أخترع هذا المفهوم. فالحاصل أني تبنَّيته من كلشاني Golshani ومن الباحثين الغربيين (وبرت رسل Robert Russell ،  وهولمز رولستون Holmes Rolston ، و جون هوت John Haught ، وآخرين) وعلاوة على ذلك، أن استطلاعات الرأي الحديثة جداً قد استعملت هذا الاصطلاح لتصف رأي نسبة كبيرة من عامة الناس. وثانياً: أني تحملت عبء التوضيح التام خلال نصوص كتابي بأن "العلم الـمُسلِّم بإلَه" هو ببساطة تأويل للعلم الحديث تأويلاً يضمن الصرامة في كل مناحيه، ولكنه يكتسي برؤية متدينة. كما وأن الباحث الإندونيسي (زين العابدين باجير Zainal Abidin Bagir) ليس فقط أنه فهم فلسفتي بوضوح تام، ولكنه قام بتلخيصها ببراعة في سطرين اثنين، وقال: "فحوى هذا المقترح يتركز في خطوتين: أولهما، قبول منهجية نظريات العلم الحديث بصورة عامة، وثانياً، أنه يسمح لمن شاء، أن يضيف تأويلاً متديناً لهذه النظريات." ويوافق سلمان حميد في الحقيقة على ذلك "إذا كان الهدف من العلم الـمُسلِّم بإلَه هو تأويل مكتشفات العلم الحديث في إطار ديني (مثلما أن نفس هذه المكتشفات يمكن أن تؤول في منظور الإطار الذي يكفر بالدين)". لذلك، فإن الأمر لا يبدو أكثر من فهم طبيعة هذا العلم الـمُسلِّم بإلَه، والذي آمل بهذا التوضيح أن يكون الرد شافيا. .. لذلك، ينبغي أن أكون حراً لأن أتبنى الإطار التأويلي الذي أراه أكثر ملاءمة لتصوراتي الكونية.] [158].
وخلاصة رأي نضال قسوم في ذلك (كما يُفهم من كلامه السابق) أن المادة العلمية والتنظيرية – بما في ذلك نظرية التطور الدارويني – لا ترفض التأويل الإلهي للكون، ولا ينبغي أن يُحجر هذا الفهم على من يراه صوابا ممن تبناه، مثلما أن المنكرين للتأويل الإلهي لم يكن موقفهم الرافض إلا تأويلاً (في أحسن أحواله)، ومن ثم يكون الطرفان سواء من حيث حقهم التأويلي في غياب المانع الضروري. غير أن تأييد قسوم للاعتراف بالوجود الإلهي في العلم يأتي في الجانب الميتافيزيقي العمومي religious vision of the world broadly، ودون أي واقعية معرفية factual – حسبما يرى نضال قسوم نفسه- يمكن أن تُستقى من المصادر الدينية (لتعدد المعاني فيها بلا تحكيم)، ولا من العلم الحديث، لأن موضوعه الفيزيقا، وليس الميتافيزيقا. أما الدافع لهذا التأويل فلم يكن إلا مخرجاً من المخاطر المحدقة بالعلم (أولاً: المعنى الماروائي المفقود في العلم الحديث[159]، وثانياً: الدواعي الأخلاقية والبيئية والاجتماعية .. إلخ[160]). وهذا يضع نضال قسوم في خندق واحد مع (كلشني Golshani، ألكساندر Alexander ، ألفن بلانتنجا Alvin Plantinga، زين العابدين باجير Zainal Abidin Bagir)[161]. والغريب أنه يُأوِّل كلام أبو الأعلى المودودي على أنه يجاري هذا المعنى![163]،[162]، وهو تأويل غير صحيح بالضرورة حسبما نرى، لافتراق الميتافيزيقا الوهمية الانطباعية، عن المرجعية الفقية للنصوص الدينية. ولهذا، كانت واحدية المعنى عندنا، وانتفاء تعدده في النصوص المحكمة آناً أو مآلاً (المتشابهة الآن والمحكمة غدا)، موقع خلاف نتمسك بها مع د. نضال قسوم.
وهذه المرجعية الأخيرة هي ما يجب أن تكون عليه التصورات المعرفية، فتكون معرفة بالحُجَّة، فإن صمدت للمعارضة، فهي علماً إسلامياً محمودا، أما الأولى (الميتافيزيقا الانطباعية)، فهي ليست إلا سليقة معرفية، صدقت أم بطلت، ارتقت بموافقتها معاني النصوص المنزلة، أو جنحت عنها. وأغلب حالاتها أنها جانحة، مشوشة، عامية، ميتافيزيقية، لونتها الثقافات المحلية، والمذاهب المتناحرة. وهذه لا يُزاد عنها إلا بموافقتها للعلم، الذي هو النوع الثاني (ذو المرجعية الفقهية)، المحتكم إلى النصوص الدينية، والقوى الحجاجية، التي تفحم الخصم، وتقطع عليه السبيل إلا بالإقرار بالحق وحجته أو الإنكار المتهافت والجحود.
المسألة الإلهية
قرأنا كلاماً مستغرباً أعلى عن تصور نضال قسوم  للخالق جل وعلا، عندما قال: [الله هو التجريد الكامل للوجود والواقع؛ إنه المبدأ المستبطن الذي عليه بُني كل شيء واستقر. وهذا المبدأ هو الذي يحفظ الكون، مثل روح تتخلل كل الوجود، مثل المجال الضروري، ولكنه الذي لا يمكن معاينته.][164]. ولا أشك أن هذا الوصف لله جل وعلى، غير مقبول. وأي قارئ للقرآن، ممعن في معانيه عن الله سبحانه، إلا ويرفضه، لأن الله تعالى عالٍ مستوٍ على عرشه، ورغم أنه معنا، فمعيته سبحانه علمه الذي ينكشف معه واقعنا انكشافا، وقربه باطلاعه علينا سميعاً بصيرا. وهذه الصفات لا يمكن أن تؤول إلى معنى مجرد ومبدأ مستبطن كما قيل أعلى.
نقول: إن هذا الوصف الذي جاء به نضال قسوم لا علاقة له بالقرآن من قريب أو بعيد، إنه وصف تنظيري لعالم في الطبيعيات والكونيات على النمط الغربي، لما يظن أنه أنسب النظريات عن علة الوجود، بلا إحالة، ولا ارتكان إلى توراة ولا إنجيل ولا قرآن. فإن تصادف أنه مسلم، وأن علة الوجود في الإسلام تعود لخالق الكون وهو الله تعالى، فلا غرابة أن يؤول تنظيره – في نظره - عن علة الوجود إلى الله. ويشبه تنظير نضال قسوم عن الله تعالى تنظير إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى – في مراحله الأولى فقط - عندما كان يتحسس طريقه إليه، ناظراً في السماء يقلب عينيه وقلبه، أين يجد ربه! أما بعد نزول الوحي، وقطع الطريق على التهويمات المتشحة برداء العلم، فلا مرجع لذلك إلا إلى الله تعالى وحده، أي إلى ما أخبر الله تعالى به عن نفسه، وما هذا إلى وحيه الذي أوحاه في كتاب نقرؤه.
ولكي نستبصر بمرجعيات نضال قسوم عن الله تعالى، نقرأ له وهو:
1- يتكلم عن أبي حامد الغزالي ويقول[165]:
 [بعد رحلة عقلية وروحية طويلة، وصل أبو حامد الغزالي إلى أن الأسئلة التي تتعلق بالله والعديد من المسائل الدينية، ببساطة لا يمكن حلها/علاجها بواسطة العقل. وفي الحقيقة أنه حتى لم يستطع إقناع نفسه أن إيمانه بالله ليس نتيجة لخداع نفسي. وقد فشلت البراهين الدينية التقليدية في إقناعه إقناعاً لا شك معه. لأنه أدرك أنها جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن صحة الكتاب الموحى به، وحقيقة الوحي، وأمثال هذه العقائد. وفيما يخص علم الكلام والحوارات الفلسفية، والحجج والحجج المضادة، فقد وجدها جميعاً ليست أكثر من محض تخمينات.
وتفسر كارين أرمسترونج  Karen Armstrong ذلك وتقول: (طبقاً لأبي حامد الغزالي، فإنه من المستحيل إثبات وجود الله فيما وراء الشك العقلي، وأن الحقيقة التي نسميها "الله" تقع خارج نطاق الحس والعقل الذي نحوزه. لذلك فإن العلم والميتافيزيقا لا يمكن لهما أن يثبتا أو أن ينفيا وجود الله)[166]،
وانتهى الأمر بأبي حامد بأن استدل على أن الإيمان بالله يمكن فقط أن يأتي عن طريق تجربة دينية حقيقية، وبالرغم من أنه رفض الطرق الباطنية المفرطة، إلا أنه وجد أن التطهر (النفسي) والتأمل (الصوفي) هو الطريق الصحيح الذي يوصل إلى الله. وباستشعاره الوصول والقرب من الله، تنكشف المعرفة الحقيقة بالله (وتنفتح المغاليق دونها).][167].
نقول:
أحال نضال قسوم في عبارته السابقة معاناة أبي حامد الغزالي إلى: [الأسئلة التي تتعلق بالله و... (و) أنه حتى لم يستطع إقناع نفسه أن إيمانه بالله ليس نتيجة لخداع نفسي. وقد فشلت البراهين الدينية التقليدية في إقناعه إقناعاً لا شك معه. لأنه أدرك أنها جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن صحة الكتاب الموحى به، وحقيقة الوحي .. (وأنّ) الإيمان بالله يمكن فقط أن يأتي عن طريق تجربة دينية حقيقية.. ] ..
نقول: كل هذا الكلام لا أصل له. بل هو ادعاء محض على أبي حامد... ويبدو أن مصدر هذه الافتراءات كان من نقل عنها نضال قسوم، كما أشار، وهي (كارين أرمسترونج) وربما غيرها، ويظهر من كلامها – الذي أقتبسه لها- سوء الفهم أو النية فيما تقوله. وهو الأمر الذي دعانا إلى تخصيص دراسة حول أقوالها تلك، وإظهار زيفها، والرد عليها, يجدها القارئ هنا: (كارين أرمسترونج وأخطائها في حق أبي حامد الغزالي)، إن شاء الله.
ويحق لنا أن نسأل د. نضال قسوم، لماذا لم يرجع إلى الكتاب الأصل "المنقذ من الضلال" والمتاح في كل مكان، والمكتوب بالعربية العقلية الرصينة المعهودة لأبي حامد، وهو يتكلم فيه عن نفسه بأمانة وإخلاص لا يختلف عليهما اثنان، واكتفى د. قسوم بترديد ما زعمته كارين - افتراءاً على "حُجّة الإسلام" الغزالي، والذي أقرت بأنه [شخصية محورية ورمزية في تاريخ فلسفة الدين][168] وشخصية كهذه لها مكانتها في الإسلام لا تتكرر كثيراً، والافتراء عليها بافتقارها إلى دليل أو أدلة عقلية على وجود الله، والزعم بإقرار لساني منه بذلك، إساءة له وللدين الذي يتكلم الغزالي – وهو حجة فيه – باسمه، ولكل من احتفى به وبحججه الناصعة على أعداء الدين والمتذندقة فيه، وأهم من كل ذلك في وجود الله تعالى عز وجل. ورغم أنها أحالت كلامها إلى مجمل كتاب "المنقذ من الضلال"، إلا أنها لم تحرر إلا ما لا غبار عليه من تشكيكاتها، ولا يفضح دسها عليه! ولهذا تركت هذا الدس بلا تحرير في الإحالة. ولو رجع نضال قسوم إلى الكتاب الأصل، لأدرك سريعاً جملة الأخطاء/الافتراءات التي احتوتها عبارتها. وكان عليه أن يرد كلامها، لا أن يقتبس منه شيئا! ويصطف معها في ادعاءاتها، التي تجرح، لا أقول كل مسلم يعتز بهذا الرجل، بل تجرح كل عاقل منصف، فيبكي على مصداقية أصحاب المنهج العلمي الحديث!
وإذا استعرضنا جملة الأقوال الـمُشكلة التي قالها د. نضال، فنجده يقول: [بعد رحلة عقلية وروحية طويلة، وصل أبو حامد الغزالي إلى أن الأسئلة التي تتعلق بالله والعديد من المسائل الدينية، ببساطة لا يمكن حلها/علاجها بواسطة العقل.] .. وهذه العبارة خاطئة كل الخطأ. ولبيان ذلك نقول:
فيما يخص مسألة العقل واستشكال الغزالي حوله، فلم يكن لها علاقة بآحاد المسائل، سواء التي تتعلق بالله - عزَّ وجل - وجوداً أو صفاتاً، أو ما دون ذلك من العقائد على التعيين، وإنما كانت في سعي أبي حامد بناء منظومة معرفية يرتكن إليها في الوقوف على الفطرة الأصلية السليمة، والسابقة على تقليد الوالدين والمعلمين، كما قال: [سمعت الحديث المروي عن رسول الله r حيث قال: "كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ فأبواهُ يُهودانهِ، وينُصرانهِ، ويُمجِّسَانِهِ " فتحرك باطني إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفي تمييز الحق منها عن الباطل اختلافات فقلت في نفسي: أولاً إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؟][169]. ثم في استخدام هذه المنظومة المعرفية في تقييمه للمدارس المعرفية الأربعة التي كانت شائعة في عصره؛ أي مدارس المتكلمين والفلاسفة والباطنية والصوفية، وهو ما فعله بالتفصيل على مدار الكتاب. وفي هذا السعي ارتكن أولاً إلى الحواس، فوجدها غير مأمونة، فانتقل إلى الضرورات العقلية، فشكك نفسه فيها حتى تشككت، وقال: [قالت الحواس: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقاً بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكماً آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالة!! فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً وأيدت إشكالها بالمنام، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أموراً، وتتخيل أحوالاً، وتعتقد لها ثباتاً، واستقراراً، ولا تشكل في تلك الحالة فيها، وثم تستيقظ فتعلم: أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل. فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك، بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك التي أنت فيها، لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك، كنسبة يقظتك إلى منامك، وتكون يقظتك نوماً بالإضافة إليها! فإذا وردت تلك الحالة، تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها.][170].
وتأزمت المشكلة (المعرفية) (العارضة) ثم انفكت بعد قريب من شهرين (فقط) ولم تستمر وراء ذلك، فضلاً عن أن تطير وتحلق على مدار رحلة عقلية طويلة على مدار عمره كما قيل، وكما يحكيها أبو حامد بقلمه، استكمل وقال: [فلما خطر لي هذه الخواطر، وانقدحت في النفس حاولت لذلك علاجاً فلم يتيسر، إذ لم يكن دفعه إلا بالدليل، ولم يمكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية. فإذا لم تكن مسلمة لم يمكن تركيب الدليل. فأعضل الداء، ودام قريباً من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال. حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقاً بها على أمن ويقين][171].
أي أن إشكال العقل قد ذهب، ولم يعد له أثر، كما يحلو للمشككة أن يكرروا ويعيدوا ويبنوا عليه أوهامهم! فإذا سألنا عن حصيلة أدلة الغزالي على اليقين الديني بعد رحلته العقلية والروحية الطويلة، نقرأ له وهو يرفع من قيمة جملة الاستدلالات (العقلية) فوق آحاد المعجزات – ناهيك عن غيرها- ويقول: [ترد عليك أسئلة المعجزات، فإذا كان مستند إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة، فينجزم إيمانك بكلام مرتب في وجه الإشكالات والشبهة عليها، فليكن مثل هذه الخوارق إحدى الدلائل والقرائن في جملة نظرك، حتى يحصل لك علم ضروري لا يمكنك ذكر مستنده على التعيين، كالذي يخبرك جماعة بخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين مستفاد من قول واحد معين، بل من حيث لا يدري ولا يخرج من جملة ذلك ولا بتعيين الآحاد. فهذا هو الإيمان القوي العلمي.][172] .. أي أن الإيمان القوي العلمي هو جملة من الأدلة والقرائن، ولا ترقى المعجزات إلى أكثر من كونها بعضاً من هذه الأدلة، دون الانفراد. وأن اليقين العلمي هو في جملة أدلة وقرائن، وكما قال أيضاً – بعد أن أصَّل الضرورات العقلية ومحص بها المدارس الفلسفية والكلامية والباطنية وأشرف على المدرسة الصوفية، قال: [قد حصل معي - من العلوم التي مارستها والمسالك التي سلكتها، في التفتيش عن صنفي العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقيني بالله تعالى، وبالنبوة، وباليوم الآخر. فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان كانت قد رسخت في نفسي، لا بدليل معين مجرد، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تدخل تحت الحصر تفاصيلها][173].
فأين هي تلك المزاعم بأنه قد [وصل إلى أن الأسئلة التي تتعلق بالله والعديد من المسائل الدينية، ببساطة لا يمكن حلها/علاجها بواسطة العقل.]؟! ..
أما قول نضال قسوم عن الغزالي: [أنه حتى لم يستطع إقناع نفسه أن إيمانه بالله ليس نتيجة لخداع نفسي. وقد فشلت البراهين الدينية التقليدية في إقناعه إقناعاً لا شك معه. لأنه أدرك أنها جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن صحة الكتاب الموحى به، وحقيقة الوحي .. (وأنّ) الإيمان بالله يمكن فقط أن يأتي عن طريق تجربة دينية حقيقية..]
فهو قول ملئ بالألغام:! ونُخلِّص فيما يلي هذه الألغام من عبارته وهي تنطبق بالضرورة ((وعلى الأقل لمن هو في مستوى الغزالي العقلي ومن دونه)! ... رغم أننا لم نعثر على من هو فوق مستوى الغزالي في القدرات العقلية!!):
1- أن الاجتهاد العقلي في إقناع النفس بالإيمان بالله تعالى ربما يعود إلى خداع نفسي.
2- أن البراهين الدينية التقليدية تفشل في الإقناع (بصحة الدين) إقناعاً تاما!
3- أن البراهين الدينية التقليدية جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن صحة الكتاب الموحى به.
4- أن البراهين الدينية التقليدية جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن حقيقة الوحي.
5- أن الإيمان بالله (جل في علاه) إيمان بَعْدي وليس قبلي من تجربة دينية حقيقية. فمَن آمن قبلها، فهو مخدوع!
وخلاصة العبرة التي تصل إلى قارئ عبارة نضال قسوم – المتضمنة هذه الألغام – تؤدي به إلى التشكك في عقلانية الإسلام، وفي سلامة عقائده، وفي وجود شيء إسمه الوحي، وفي صحة نسب القرآن إلى ذلك الوحي بفرض وجوده، وفي قدرة المنظومة الإسلامية في أفضل مدارسها عقلانية على إقناع أحد! (وكل هذا لمن كان في قدرات الغزالي العقلية أو دونه)!!!
ونتساءل: هل هناك طوام أكبر من هذا الذي نقرأ ؟! .. وتصدر ممن يقول أنه يسعى إلى بناء مدرسة فكرية يسميها "العلم الـمُسلِّم بإلَه" theistic science، وبماذا يتدين إذاً، وبأي مرجعية، وبأي استدلال إذا كان أحد عمالقة الإسلام لم يستطع – حسب قوله – إقناع نفسه عقلياً، أي استدلالياً، بوجود الوحي وبأن القرآن وحي، وو.. إلخ .. .. .. .. ها .. إنه الإيمان الروحي .. الإيمان الصوفي .. الإيمان القلبي الذي لا عقل معه أو فيه ... إنه إيمان بلا استدلال .. لأن الاستدلال قد ضعف وخنس أمام تمحيصات العقل – متمثلاً في الغزالي، ومن دونه، والحق يقال أن كل الناس – فيما اطلعت – دونه، فمن يبقى من الناس إذاً ليقنعه القرآن ويقيم الحجة عليه؟! .. لا أحد. .. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. ولا حرج!!! .. هذا هو ما تؤدي إليه عبارة نضال قسُّوم.
ورُب قائل يقول: لعل محتوى عبارة الدكتور نضال قسوم صحيحة، وتستند إلى أقوال الغزالي نفسه، فماذا كان عليه أن يفعل؟
نُجيب بأنها ليست كذلك، وبقولنا ذلك وإثباته، نُضيف إلى ما سبق أن كل هذه الألغام قد دُست على الغزالي باعتباره المسؤول عنها، وليس من يُخرجها من طيات كلامه إلى النور، .. عفواً إلى الظلمات، سواء كان نضال قسوم أو كارين أرمسترونج. ..
ولنحقق في مصادر عبارة د. قسوم، وسنعتبر أن مصدرها وحيد هو كتاب "المنقذ من الضلال"، وذلك بإحالة مباشرة لم يذكرها، أو غير مباشرة عبر كارين أرمسترونج التي أدرج كلامها وأحال إليها، وباعتبار أن إحالته إليها كانت الوحيدة، وأنها هي التي أحالت بنفسها إلى كتاب "المنقذ من الضلال"، (ثم باعتبار المشهور عن الغزالي في الآفاق في انحصار أزمته العقلية سرداً وتفصيلاً في كتاب "المنقذ من الضلال").
قال د. قسوم: [لم يستطع (أبو حامد الغزالي) إقناع نفسه أن إيمانه بالله ليس نتيجة لخداع نفسي] وبالرجوع إلى كامل كلمات وعبارات كتاب الغزاليـ والاستعانة بكتاب "الحقيقة في نظر الغزالي" لسليمان دُنيا، وفي محاولة مُضنية للوقوف على أي مصداقية لكلام د. قسوم، لم نجد إلا أن الغزالي ذكر الخداع النفسي أو ما جاء بمعناه في مسألتين: الاستقصاء عن مصداقية الحواس، والاستقصاء عن مصداقية الضرورات العقلية الأولية. وقد كذَّب الأولى بيسر بأمثلة عديدة، ونال بعض الشيء تشكيكاً خطابياً وبلا أي استدلال من الثانية. وأنه بعد قريب من شهرين اندرست تلك التشكيكات في الضرورات العقلية [وعادت مأمونة موثوقاً بها] .. هذا عن مبدأ التشكك في منافذ المعرفة إلى الوعي الإنساني، أما في موضوع التشكك، فلم يكن أبداً موضوع مخصص (كالإيمان بالله – كما صرح نضال قسوم بلا إحالة) ولا حتى إلى وجود الشمس في السماء كل يوم وأن بصره يكذب عليه، ولا أن اسمه أبو حامد وأنه موهوم، ولا أنه يتنفس وأنه موجود .. ولا ولا .. إنه تشكك في معنى الوجود والوعي به، ولا قيمة لعيون التفاصيل، أهو قابل للتحقق من صدق وعيه أم أنه في حلم ربما يخرج منه في أي لحظة، وينسدل الستار عن وهم موهوم .. هذا هو موضوع الإشكال .. كيف نقله نضال قسوم إلى كونه تشكك في وجود الله .. ولو شاء غيره أن ينقله لما كان عليه بأس من أن يقول أن الغزالي قد تشكك في وجود الشمس. وكما أن الأخير لا يؤخذ بكلامه هذا، فكذلك الأول. وتصبح العبارة [لم يستطع (أبو حامد الغزالي) إقناع نفسه أن إيمانه بالله ليس نتيجة لخداع نفسي] عارية عن الصحة، سواء في نسبتها إلى الغزالي، أو في معناها لو نسبت لغيره من أي كائن مفكر.
وأما قول نضال قسوم: [أدرك (الغزالي) أن البراهين الدينية التقليدية جميعاً تقوم على افتراضات مسبقة عن صحة الكتاب الموحى به، وحقيقة الوحي] ومن ثم [فشلت في إقناعه إقناعاً لا شك معه].. فأقرب ما وجدنا من كلام الغزالي إلى ذلك – ويكون قد أساء قارءُه فهمه أو لوى عنقه يطوعه كيف يشاء – فهو انتقاص الغزالي من التقليد، باعتبار أن الـمُقلد لا يستقصي عن صحة ما يتعلمه، قال الغزالي: [كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديني، من أول أمري، وريعان عمري، غريزة وفطرة من الله وضعها في جبلتي لا باختياري وحيلتي، وحتى انحلت عني رابطة التقليد، وانكسرت علي العقائد الموروثة على قرب عهد سن الصبا، إذ رأيت: صبيان النصارى لا يكون لهم نشوء إلا على التنصُر، وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهود، وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلا على الإسلام. وسمعت الحديث المروي عن رسول الله r حيث قال: "كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ فأبواهُ يُهودانهِ، وينُصرانهِ، ويُمجِّسَانِهِ " فتحرك باطني إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفي تمييز الحق منها عن الباطل اختلافات فقلت في نفسي: أولاً إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؟ فظهر لي: أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يفارقه إمكان الغلط والوهم. ..][174].
ونلاحظ هنا أن صياغة نضال قسوم جاء تقول [فشلت البراهين الدينية التقليدية في إقناعه إقناعاً لا شك معه] ولا يقال لمن يؤمن اجتهاداً لا تقليد فيه، أن البراهين التقليدية فشلت في إقناعه! لأن التقليد لا براهين فيه، وإلا لم يكن تقليدا. .. فإن سعى – باعتباره مجتهداً- إلى التحقق من البراهين التقليدية، فلن تفشل في إقناعه، وهو ما قاله الغزالي في موضع آخر عن صدق النبوة، وما جاء به النبي، حيث قال: [من نظر في أقوال الرسول r، وما ورد من الأخبار في اهتمامه بإرشاد الخلق، وتلطفه في جر الناس بأنواع الرفق واللين واللطف، إلى تحسين الأخلاق وإصلاح ذات البين، وبالجملة إلى ما يصلح به دينهم ودنياهم حصل له علم ضروري، بأن شفقته r على أمته أعظم من شفقة الوالد على ولده. وإذا نظر إلى عجائب ما ظهر عليه من الأفعال، وإلى عجائب الغيب الذي أخبر عنه القرآن على لسانه، وفي الأخبار، وإلى ما ذكره في آخر الزمان، فظهر ذلك كما ذكره، علم علماً ضرورياً أنه بلغ الطور الذي وراء العقل، وانفتحت له العين التي ينكشف منها الغيب الذي لا يدركه إلا الخواص، والأمور التي لا يدركها العقل. فهذا هو منهاج تحصيل العلم الضروري بتصديق النبي r. فجرب وتأمل القرآن وطالع الأخبار، تعرف ذلك بالعيان.][175] .. فأين الفشل في البراهين التقليدية إذا كان ما حكاه الغزالي ورضى به برهاناً، ليس إلا شيء من هذه البراهين؟! .. ثم أين [الافتراضات المسبقة عن صحة الكتاب الموحى به]، في غير تقليد، (وليسع من يشكك، وقتما يشاء أن يستخرج منه خطأ يقيني)؟! .. وأين [الافتراضات المسبقة عن حقيقة الوحي] (وليسع من يشكك في ما جاء الأنبياء به من معجزات وآيات وكلام لا يقدر عليه البشر، أنه لا ضرورة في تسميته وحيا)؟! .. إذا عُلم هذا، عُلم أن عبارة نضال قسوم عارية عن الصحة.
أما قول د. قسوم [أن الإيمان بالله يمكن فقط أن يأتي عن طريق تجربة دينية حقيقية] فقول مُشكل فعلاً، وينفي الإيمان بالله عمن آمن قبل خوض تجربة دينية حقيقية، لأنه حصره ونفاه عما سواه بقوله (فقط)، وكأنّ كل من يؤمن لأي سبب يعرف به وجه الحق في القرآن وصدق النبي r لا يكون مؤمناً بالله ابتداءا، .. وعليه أن يخوض تجربة حقيقية (روحانية مثلاً).. فيتسرب الإيمان بالله إلى قلبه شيئاً فشيئا وفقط بعدها يمكن أن يزعم أنه مؤمن بالله. .. وهذا الكلام لا أصل له في كلام الغزالي (باعتباره المعيار العقلاني للإيمان)، وقد نقبنا في كلامه عما يمكن أن يكون مصدر هذا الفهم الزائف، فلم نجد إلا قوله: [ودمت على ذلك (أي: قطع علائقه بزخرف الدنيا والرحيل عن بغداد في رحلة صوفية عمادها العزلة والخلوة) مقدار عشر سنين، وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به. إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن ..][176]، وإذا أضفنا إليه كلام كارين أرمسترونج – التي ينقل عنها نضال قسوم- والذي قالت فيه: [وأخيراً عاد الغزالي للتدريس في بغداد، ولكن لم يفقد مطلقاً قناعته بأنه من المستحيل أن يستدل على وجود الله بالمنطق والبرهان العقلي.][211]،(رغم أنها أخطأت هنا خطأين: الأول أنه لم يعد للتدريس إلى بغداد، بل إلى نيسابور، وكان ذلك سنة 499هـ بعد أن ترك بغداد سنة 488هـ)، والثاني أن قناعته بالاستدلال على وجود الله تعالى لم تكن هي محل نظر، كما أوضحنا أعلى في ردنا على نضال قسوم، والذي يبدو أنه نقل عنها ذلك أيضاً، ناهيك عن أن تظل ملازمة له إحدى عشرة سنة). ومن هذين الإفادتين: قول الغزالي وكلام كارين أرمسترونج الزائف من عدة أوجه، يبدو أن نضال قسوم قد استدل على أن تلك التجربة الروحية ذات العشر سنوات، التي عمها التشكك بالدليل العقلي (زيفاً من كلام كارين) ومعرفة (طريق الله على النهج الصوفي .. بدليل استدلال نضال بقوله [وباستشعاره الوصول والقرب من الله، تنكشف المعرفة الحقيقة بالله (وتنفتح المغاليق دونها)]) هي الضرورة اللازمة – كتجربة روحية- ليصل الإنسان إلى (إيمان بالله)، وأن هذا هو الطريق دون غيره – طبقاً لتجربة الغزالي. وهذا الاستدلال غير صحيح، لأن الضرورات العقلية عادت موثوقة مأمونة سريعاً للغزالي (بعد شهرين فقط من بدايتها) وذلك قبل أن يرحل من بغداد سنة 488هـ بزمن غير قليل. وثانياً أن طريق الله (تعالى) الذي مدحه الغزالي وخص به الصوفية لا ينبغي مطابقته بالإيمان بالله (تعالى)، والذي هو محل النظر في المسألة، والذي خلافه الكفر بالله، وإنما طريق الله (تعالى) يعني المنهج التعبدي الذي يسلكه المؤمن بالله، والذي خلافه يعني طريق تعبدي مختلف ولو جزئياً. .. والنتيجة أن كلام نضال قسوم [أن الإيمان بالله يمكن فقط أن يأتي عن طريق تجربة دينية حقيقية] لا يمكن استنباطه من تجربة الغزالي، ولا الاستشهاد به على تعلق الإيمان بالله تعالى وقصره على تجربة دينية خاصة. ولا يمنع أن تزيد التجارب الدينية المشروعة المؤمن إيماناً، لكنها ليست شرطاً ضرورياً في حدوث الإيمان بعد عدمه، وخاصة إذا كان معناها الاعتكاف والاعتزال ودوام الخلوة.
كما نجد في نفس سياق حكاية الغزالي، عبارات أخرى لنضال قسوم تستوجب الرد، ومنها ما ذكرناه أعلى، وقال فيه: [فيما يخص علم الكلام والحوارات الفلسفية، والحجج والحجج المضادة، فقد وجدها جميعاً ليست أكثر من محض تخمينات.] ويصح هذا التصريح على أقاويل المتفلسفة في الإلهيات، كما قال الغزالي [كلام الأوائل (من الفلاسفة) في الرياضيات برهاني وفي الإلهيات تخميني][177]، ولكنه لا يصح على علم الكلام، وبشهادة الغزالي نفسه حين قال: [علم الكلام .. صادفته علماً وافياً بمقصوده، غير واف بمقصودي، وإنما مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها عن تشويش أهل البدعة. .. وكان أكثر خوضهم (أهل علم الكلام) في استخراج تناقضات الخصوم، ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم، وهذا قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئاً أصلاً (وهذه شهادة أخرى له على أنه هنا يُسلّم بالضروريات (العقلية)، وبما يؤكد أنه قد تجاوز أزمة الشك العارضة، وأصبح عاكفا فقط على تقييم الطرق الأربعة، وموقعها من الحق والباطل، ثم مناسبتها لمقصوده)، فلم يكن (علم) الكلام في حقي كافياً، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافياً. .. الغرض الآن: حكاية حالي، لا الإنكار على من استشفى به، فإن أدوية الشفاء تختلف باختلاف الداء. ][178]. وهذا ينفي تهمة أن علم الكلام ليس أكثر من محض تخمينات (على لسان الغزالي)، كما قال د. نضال قسوم.
.......
2- قال د. قسوم: [إن أهم مساهمة لـ (توما الأكويني) للمسيحية وللغرب، هو إصراره على ان الله يجب أن يُعتبر كياناً يتجاوز كل شيء، سواءً كان  ذلك كلامنا، وأفكارنا، ومروراً حتى الكون ووجودنا. وقد أخذ البعض على توما الأكويني أنه جعل الله فكرة فلسفية، بعيدة كل البعد عنا وعن حياتنا. وقد يكون هناك بعض الحقيقة لهذه الرؤية، ولكني أعتقد أنه من الأفضل أن يُخطئ الإنسان في مفهومه في ما ورائية الله للوجود عن أن يُخطئ في جانب الحضور الإلهي (محايثته للوجود) وأنسنته. أي: تقديم فكرة التجريد للإله على فكرة التجسيد؛ لأنها الفكرة (أي التي تقول بالتجريد) التي ستقاوم الاكتساح المعرفي الذي أتى مع التنوير والثورة العلمية الحديثة.][179].
نقول: إن مدح نضال قسوم لـ (توما الأكويني) مع إقراره بأنه قام بعمل تجريد فلسفي لمفهوم (الإله)، وجعله – كما يقول منتقدوه – محض فكرة فلسفية، يُعد مدحاً غير مبرر! .. وليس لأنه فضّل هذا الاختيار على بديل أشد سوءاً؛ أقصد فكرة تشخيص الإله وأنسنته، وهي أيضاً غير مبررة، ولكن لأن كليهما لا يستند إلى مصدر معرفي صادق. ولأن الله تعالى غيب في ذاته العلية، ولا يُعلم سبحانه إلا بوحي منه، فكان الوحي ضرورة في معرفة الله، لا التخمينات، ولا الترجيحات. ونلاحظ أن ما فكرة تجريد الإله وجعله كياناً يتجاوز كل شيء، لا تقف على مستوى الذات العلية، وهو الأمر الذي ربما لا يختلف عليه أهل السنة من المسلمين على الأقل، ولكنها فكرة مليئة بتداعيات الفصل والعزل التفاعلي بين الله سبحانه وخلقه، كما أشار د. قسوم [سواءً كان ذلك كلامنا، وأفكارنا، ومروراً حتى الكون ووجودنا]. أي أنها تمتد لتعمم التجاوز والماورائية في كل شيء! .. حتى تصل إلى وجود يتساوى والعدم! .. نقول: وأي فائدة تبقى في إله معزول عن خلقه، أو خلق معزول عن خالقه؟! .. وإن كان هذا تنزيه للإله عن الأنسنة والتشخيص بالفعل وهو جانب محمود، إلا أنه تنزيه منفي، وليس تنزيه موجود. لأنه التنزيه الذي يجرد الإله - سبحانه وتعالى عما يقوله الجاهلون – من سلطته على الكون، التي تطال كل صغيرٍ وكبيرٍ فيه. أي أنه تنزيد وتجريد يستبطن النفي دون التصريح به، لعدم إثارة حفيظة أهل الإيمان، أو لإقناع النفس – مخادعةً – بأن تجريد/تنزيه الإله يُبقي المرء على إيمانه بالله، وأنه ليس كافراً أو ملحداً.
أما العلَّة التي حدت بنضال قسوم وأقرّ بها – على مدح هذا التوجه لتوما الأكويني – فهي أن فكرة التجريد هي [التي ستقاوم الاكتساح المعرفي الذي أتى مع التنوير والثورة العلمية الحديثة]. وهنا  يستيبن الدافع التجريدي للإله، وهو عدم تعدِّي الدين – ممثلاً في نصوصه – حدوده، وهو الأمر الذي إن فعله وتعداها فسوف يقتحم الحرم العلمي. ولكن الإله نفسه قد أُخرج تحت مظلة التجريد، فكيف تدخل النصوص! .. لا يجوز .. لذلك يمتدح نضال قسوم فكرة التجاوز والتجريد، لا للتنزيه في الحقيقة، ولكن للإقصاء. والذي بضمان حدوثه، سيظل الحرم العلمي في فُسحة من التنظير بلا شرطٍ ولا قيد من النصوصيين الحرفيين. ..
أما البديل المرجوح عند نضال قسوم والمتمثل في الحضور الإلهي، أو محايثته أو أنسنته للكون، فسوف يؤدي إلى النقيض، ويصبح العلم الطبيعاني في أزمة كبيرة، تتخطّى شراكة الوحي معه في إدارة الكون، وتعليل ظهوره، وتقرير مصيره، وتصل ربما إلى هيمنة الوحي – ممثلاً في نصوصه الحرفية – على إنجازات العلم، وتوجيه المنتسبين إليه بالتصويب، وربما الإقصاء. وهو الأمر الذي لا يحتملونه .. ولكن الله تعالى يقول لهم "مَا أَشْهَدْتُهُمْ – بمعنى (أخذت إقراراتهم على)، وليس أريتهم - خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ، وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"(الكهف:51).
ووالله، لكأن نضال قيوم يُخيِّرنا بين تجريد/تجاوز يؤدي إلى إنكار الإله (كفراً بصفاته ومعيته لنا سبحانه)، أو تجسيداً يؤدي إلى وثنية دينية (شرك). ثم يُفضل الأول على الآخر. وفي كلٍّ بُعد وإقصاء، وارتماء في أحضان إلحاد علمي يرتدي ثياب [التنوير والثورة العلمية الحديثة].
لذلك، كان - التجريد/التنزيه/التجاوز - الذي يدعيه أصحاب العلوم الحديثة لله تعالى، ويرتكنون فيه إلى توما الأكويني، وكأنه نبيِّ، ليس إلا محض توطئة لأغراض الاستبعاد وضمان الحرية والهيمنة الطبيعانية بلا تدخل من الإله ونصوص الكتب المقدسة على حرمهم العلمي.
3- أورد د. قسّوم الرؤى الغربية التي صاحبت التنوير الأوربي عن وجود الله تعالى، ولم يعلق!! وكأنه يوافق عليها كما هي! وكان فيما أورده قوله:
[نجد في الإصلاح البروتوستانتي - الذي كان ثورة لا جدال فيها - أنه قد أتى بمفهوم جديد للإله، وفيه نقل الأولوية من العقل إلى القلب؛ من الاقتناع إلى الإيمان. ولم يعد الإله في هذا المفهوم كياناً يمكن البرهنة على وجوده، ولم تعد طرقه يمكن أن تُعقل بالأساليب العقلية. وقد تم تقديم رؤية أوجستين Augustine، التي جعل فيها الإله كياناً لا يمكن معرفته، كياناً يمكن فقط إدراكه إدراكاً نفسياً، مع التزام المؤمن باختيار لا تَعَقُّل ضروري فيه.
وكان بليز باسكال Blaise Pascal (1623–62)  أول فيلسوف/عالم يستدل على أن الإنسان لا يمكن أن يقنع نفسه بوجود الله، فضلاً عن أن يقنع غيره. والمثير في الأمر، أن ذلك يتم فقط عن طريق تجربة/أزمة روحية، وليس عن طريق أي أسلوب عقلاني. وفي الأخير يكون الإيمان اختياراً شخصياً محضاً][180].
نقول: نلاحظ توافق المفاهيم الاستبعادية للإله من حرم العقل - وائتلافها فيما تم افتئاته على أبي حامد الغزالي، في مسألة التجربة/الأزمة الروحية – وفندناه أعلى وبرَّأنا أبا حامد– إلى توما الأكويني في جعله الإله متجاوز متجرد، إلى أوجستين في جعله الإله لا يمكن معرفته، إلى بليز باسكال في نفي وصول الإنسان إلى قناعة عقلانية بالإله!!!! .. ألا يلاحظ القارئ تعاضد طيات مظلمة بعضها فوق بعض، لا تؤدي إلّا إلى الإلحاد بالله العظيم؛ الودود الحليم، السميع البصير، العليم الخبير، الجبار المنتقم، ذو الجلال والإكرام، ولكل أجلٍ كتاب.. .. وأن المتكلم بهذا الكلام من المؤمنين بالقرآن، القارئين لكتابه، العالمين بلغته، أو هكذا نُحسن الظن ولا نملك إلا أن نُحسن الظن. ولكن، كيف تتداعى هذه المعاني في عقول طُلاب د. قسّوم ومسؤولياته التعليمية والتربوية في واحدة من الجامعات على أرض الجزيرة العربية، أي فتنة تُصيبهم، وأي جُرعات علمية يتجرعونها تبعدهم عن الله القريب، وتُقصي دينه عن الحضور، أللهم إلا آداء صلوات شكلية، وقلوب مملوءة بمعان إلحادية، يسمونها علمية؟! .. فتنة تتقطع لها الأكباد، إلا عند من سكرت منهم العقول بزخرف الكشوف وريادة أولي العلم والأبحاث!
4- حول سبب الخلق، يقول نضال قسوم أن الكتب السماوية أعطتنا فقط أسباباً (روحانية/تعبدية)، قال: [قدمت لنا الكتب المقدسة فقط إجابات روحية موجهة ("وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56)"][181].
نقول: لطالما استخدم هذه الآية الكريمة كثيرٌ ممن يودون الـمُباعدة بين القرآن والعلم الحديث، كراهة من عند أنفسهم، سواءاً كانوا من التراثيين، أو من العلميين، ومن هو أشد منهم جفاوة لوجود علاقة حقيقة قوية بين القرآن والعلم، ومعتمدهم في ذلك أن الآية تعني بلا مواربة: [لم يخلق الله تعالى الإنس والجن إلا لمحض العبادة]! .. ولكن هذه القراءة للآية الكريمة سطحية للغاية. ولننظر في قراءة مختلفة قليلاً، (تستحضر ما هو معلوم من علة خلق الإنسان، وما قد يوازيها من علة خلق الجن)، وذلك من آيات أخرى مثل قوله تعالى " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي .. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ"(البقرة: 31-33)،  وقوله تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ"(الأحزاب:72)، فإذا ضممنا أو استحضرنا هذه الآيات في خلفية قراءتنا للآية التي نحن بصددها، أي (الذاريات: 56) فسوف نجد أن معنى الآية يختلف حيث سنقرأها – بمعية هذه الآيات– على المعنى الآتي: [ذلك الإنسان الذي عَلَّمناه ما لم نُعلِّم غيره ممن خلقنا، وحمّلناه أمانة لم تطق السموات والأرض والجبال أن تحملها، لا يحسبن أنه كسب بذلك ميزة تمنعه أو تُعليه عن عبادتنا كما تعبدنا الخلائق، بل إنه كغيره ممن خلقنا، ما خلقناه إلا لعبادتنا مهما تميز وتفرد، لأننا نحن الذين ميزناه وأفردناه. وكذلك الجن ].
وهذه القراءة أرجح من القراءة السطحية التي تتناسى غيرها من آيات تتعلق بعلل خلق الإنسان. وإذا ترجحت قراءتنا الجديدة هذه، وهي أرجح لأنها أوعى لكلام الله وحيثيات الآيات، فلن تصلح مطية لقول نضال قسُّوم [قدمت لنا الكتب المقدسة فقط إجابات روحية موجهة]، بل سيصبح وصفه هذا لما تقدمه لنا الكتب المقدسة من إجابات، بعيداً كل البعد عن الإصابة.
5- اعتمد د. قسّوم سلبيات علوم الغربيين في مسألة (الإله)، ورعاها في تكوين حد أدنى لتصور  الإله بين المؤمنين به! .. من أي دين كانوا.. يقول:
[من تأثيرات الفلسفة والعلوم الحديثة على فهمنا للإله:
- جعل الإصلاح البروتستانتي الإيمان يقوم على الاعتقاد القلبي بالدرجة الأولى، وأخّر العقل.
- جعل التنوير الأوربي الإله فرضية غير ضرورية، وفي حالة بقائها، تم عزله عن العالم، ومن هنا نشأت فكرة الإله المفارق deism (عدم الاكتراث بإعمال الكتب المقدسة (أي: إعمال العقل وإهمال النقل))
- أظهرت النظرية الداروينية أن ملامح المخلوقات يمكن أن تُفسر بشكل رائع تبعاً للقوانين الطبيعية، أي بلا حاجة إلى مبدع يبدعها.
- يبدو من علم الكون (الكوسمولوجيا) الجديد أنه اضطر إلى إدخال لحظة زمنية فارقة لخلق (ظهور) الكون، ومن ثم الحاجة إلى خالق.
- ذهبت الفيزياء الحديثة (في علم ميكانيكا الكم) بالحتمية المعهودة في الفيزياء الكلاسيكية، وفتحت الباب لمستويات أخرى من الحقائق الواقعية، و(ربما) يحدث من خلالها الفعل الإلهي.
والآن، وبعد أن عرفنا استحالة فهم الإله، ووصفه كما ينبغي، وبعد أن عرفنا تعدد المسارات التي يمكن أن تأخذنا إليه، وبعد أن علمنا القيود المفاهيمية التي تضعها الفلسفة والعلم حول فكرة الإله، هل ما زال بإمكاننا محاولة الخروج بشكل ما من أشكال التوفيق، أو على الأقل الأرضية المشتركة التي يمكن لمعظم المؤمنين بالله إن لم يكن كلهم (بما فيهم المسلمين) أن يتبنوها ؟!][182].
نقول:
قوله:[وبعد أن عرفنا استحالة فهم الإله، ووصفه كما ينبغي] إقرار بقبوله الفلسفة الغربية – التخمينية، والمتخرصة- في حديثها عن الإله، وكأن الله تعالى لم يُنزل علينا كتابه الذي أعلمنا فيه سبحانه بأسمائه وصفاته، وعلى النحو الذي لا ينبغي خلافه.
وقوله: [وبعد أن عرفنا تعدد المسارات التي يمكن أن تأخذنا إليه] يقصد به التخمينات الغربية التي اندست في أردية العلم، وإن لم يُسمّها كذلك، وكأنها نظريات معتبرة أو حقائق مقررة، وما هي إلا ظُلمات مهلكة، لأنه "لا إله إلا الله" الذي أنزل القرآن، ولا مسار إلا ما سلكه نبي الإسلام، وهدانا إليه، وما يخصنا هنا هو ما أكد عليه - وأمثاله - حين قال: [لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: "إن في خلق السماوات والأرض.."الآية (آل عمران: 190)][183]. فالعلم المكنون في المخلوقات مما يُدرج – بهذا الحديث – في ذخيرة الإسلام المعرفية. أمّا تُرّهات المتفلسفة حول الخلق، وعبثيات العابثين، وتقليدات المقلدين، في غير هدى من الله تعالى ، فلا عبرة بها، ومن سلكها أضلته عن الطريق، كما قال تعالى "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(الأنعام:153).
وقوله: [وبعد أن علمنا القيود المفاهيمية التي تضعها الفلسفة والعلم حول فكرة الإله]، فمن الواضح أنه يقصد ما عدده أعلى تحت عنوان (تأثيرات الفلسفة والعلوم الحديثة على فهمنا للإله) من تجريد الاعتقاد من العقل (البروتستانتية)، وعزل الإله عن العالم (التنوير)، والاستغناء عنه – سبحانه – في إبداع المخلوقات (الداروينية)، وقصر الفعل الإلهي على دهليز اللاحتمية الكمومية الفيزيائية، .. فهذه جميعاً ليست قيوداً مفاهيمية، بل عبثيات وتخرصات، ومنها ما يرقى إلى الكفريات. وإذا كان نسبتها إلى الفلسفة والعلم يزكيها، فالصحيح أن نسبة الفلسفة والعلم إليها يُدنيهما بها. فتصورنا لله عز وجل لا مصدر له إلا القرآن، وفائدة العلم بما خلق الله هو رفع سقف تصورنا، ومد أفقنا وراء الآفاق الضيقة التي حدّتها القيود المعرفية للثقافات الماضية. أما أن يُعرض بعضنا عن معاني القرآن في تصور الإله – وما هو دون ذلك في الأهمية - باسم العلم الحديث – فليس إلا إعراض عنه يُصيب فاعله قول الله تعالى "وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا، مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا"(طه:99-100).
وأما تساؤله الأخير: [هل ما زال بإمكاننا محاولة الخروج بشكل ما من أشكال التوفيق، أو على الأقل الأرضية المشتركة التي يمكن لمعظم المؤمنين بالله إن لم يكن كلهم (بما فيهم المسلمين) أن يتبنوها ؟!] فالإجابة عنها بالنفي القاطع، لماذا؟ .. لأنه تلك الأرضية المشتركة – علمياً – تعني التنازل عن إفادة بعض من المعرفية القرآنية والنبوية الصحيحة، ومن يفعل ذلك يدخل في مَن ذمهم الله تعالى في قوله سبحانه "كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ"(النساء:90-91) – ويقال مثل ذلك في كل من يُفَعّل بعض القرآن ويُعطّل بعضه. وإذا كانت علاقة الدكتور نضال قسوم العلمية بالغربيين تميل به نحو ترضيتهم على حساب ديننا، فالله تعالى يقول لنبيه r وللمؤمنين في إرضاء من اتبع هواه في غير هدى من الله، فجنح وشطح، وأظهر خيراً وبطن كفراً: "فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ"(التوبة:96). وقد رأينا مثال مِن هذا الرضا والتوافق في موافقته على كلام (كارين أرمسترونج) وترديده، رغم فساده الواضح للعيان، وافتراءاتها الذي لا يختلف عليه اثنان. ولا نتأمل خيراً في أي أرضية معرفية مشتركة إذا ظلت المنهجية التي يدعو إليها مخيبة للآمال على هذا نحو.
إشكالات مفاهيمية عند الدكتور نضال قسوم
1- في معنى العقل قال نضال قسوم:
[أعترض تلك الرؤية التي يطرحها دائماً علماء الإسلام المحافظين، والتي يقولون فيها أن المعنى الأصلي لـ (العقل) هو (القيد). فالإنسان يمكنه أن يتعلم – من حيث المبدأ - أي شيء. ويمكننا من ذلك أن نستدل على أن الطبيعة/الكون قابل للفهم والاستيعاب. وزيادة على ذلك أن المعرفة رحبة وبعيدة المدى، وتشمل مجالات عديدة (لا حصر لها).][184].
نقول إنه اعتراض عجيب، بل مردود، لأن معنى العقل في اللغة العربية معنى راق للغاية!، حتى أن تعريف الغربيين للعقل لا يدانيه، فضلاً عن أن يتجاوزه. ونرى أن نضال قسوم لم يفطن إلى مقصوده في كلمة (قيد).. إذ أن هذا المعنى (يعقل: أي يقيد ما هو من طبعه الانفلات،.. كما تُعقل الإبل فتُقيد، فلا تفلت وتسرح بعيدا) وعليه، يُصوّر العقل باعتباره رابط المعاني وحاكم على جنوحها. فما ينضبط في نسق صريح، واتساق مفهوم، ومرتبط بما يلزم عنه ومنه، درءاً لشروده، فهو معقول، وما شذ عن ذلك فهو غير معقول، أي: خارج عن النسق، شارد، هائم، منفلت. .. وليس في معنى القيد الذي يُفهم من كلمة constraint - التي اعترض عليها د. قسوم - ما يوحي بأي نوع من الحجر المعرفي، ولا أدري من أين جاء بهذا المعنى؟! -إنما القيد للمعنى لألا يشطح ويصبح لغواً، وليس لموضوع المعنى، فيكون هناك موضوعات مقبولة، وموضوعات ممنوعة، على نحوٍ تحكُّمي، أو ديني! أو ما شابه!
2- في مسألة التمييز بين العلم واللا-علم (demarcation)، قال فيها قسوم:
[إن أهم تطور تاريخي حدث ونشأ عنه المنظومة العلمية الحديثة، وتجلى بها، كان في اعتماده وتقديمه (المنهجية الطبيعانية) على ما سواها، كقاعدة تأسيسية للعلم. وذلك بمعنى أن التفسيرات الطبيعية فقط هي المعتمدة في الحيثيات العلمية، ومن ثم، يتم تفريغ ما عدا ذلك من تفسيرات ما ورائية (تدخل إلهي) أو حجج سلطوية (قال أرسطو - أو غيره..) من الخطاب العلمي. وقد بدى ذلك وكأنه تمييز واضح ويسير. ولكن الرياح لم تأت دائماً بما تشتهي السفن، فمثلاً، كثيراً ما يُقدَّم أصحاب الخبرة العلمية المشهود لهم (ولنقل: شيوخ الصنعة) ويُعطُون المصداقية في آرائهم وتصريحاتهم، وذلك اعتماداً على مكانتهم التي حصّلوها. وحدث بالفعل أن نشأت مدرسة "العقلانية النقدية critical rationalism" وأقرت بأنه ليس من الممكن التمسك الصارم بالقاعدة أعلاه، وبدلاً من ذلك، دعت إلى اعتماد معيار التخطئة لتنقية التصريحات العلمية جميعاً، وذلك من أي مصدر صيغت أو صدرت عنه][185].
ولو ذهب يطبق قسوم هذا المبدأ، لأخرج القرآن من دائرة العلم. ولكن، هل يفتح معيار التخطئة الباب؟! – ربما، ولكن، أي قيمة تبقى لهذه القاعدة مع الإقرار بعدم إمكان غلقه أمام شيوخ العلم الغربي في التصريح بما شاءوا، .. لا يبدو أن القاعدة معتمدة إذاً إلا للإقصاء حسب الهوى والأيديولوجيا التي تواكب القيم الغربية المعاصرة، الإلحادية بالدرجة الأولى، ولا علاقة لمصداقية المصدر المعرفي وتقديمه، بل لقرابة جهة التصريح من المدرسة الغربية.
3- يقر نضال قسوم بوجود مرجعيات ميتافيزيقية للعلم الحديث، (بغض النظر عن فحواها، حقاً كانت أو باطلا)، ويقول:
[أصبحنا ندرك أنه بناءاً على الخلفيات الميتافيزيقية للباحث، يتشكل حِسُّه العلمي وتصوره للعلم، وأن هذا الحس والتصور يختلف بشدة بين باحث وآخر. .. وما من شك في أن هذه الفكرة الأساسية التي تقوم على مبادئ ميتافيزيقية (خفية في الغالب) وتمثل أرضية مرجعية للعلم الحديث، والتي ينتج عنها تأويلات جداً مختلفة ونقاشات غنية تغذي التداعيات المحتملة للعلم الحديث، .. هذه الفكرة تقع في قلب المعركة المتأججة اليوم في الغرب.][186].
ثم يقر أنه سعى (مع آخرين متدينيين، أغلبهم غير مسلمين) يطلبون موطء قدم للمؤمنين بالإله – يعلنون فيه عن إيمانهم، وسط تيارات الفكر العلمي العلماني والإلحادي والفوضوي واللاأدري، فإذا بطلبهم يُرفض، ويُوبخ ويُنتقص، وكأن أصحابه زنادقة في محراب العلم الصحيح، الإلحادي السِّمة، وبصفاقة غير معهودة ممن يرد على طلبهم، فنقرأ له ماذا طلب وبماذا أجيب طلبه، يقول:
[وفي هذا السياق، وفي شهر فبراير 2006، قمت أنا وعدد من العلماء والمفكرين رفيعو المستوى، ومن بيننا عدد من الحاصلين على جائزة نوبل و جوائز أخرى، بتوقيع خطاباً موجهاً إلى الجريدة الأولى في فرنسا (لوموند) نلتمس فيه التسامح تجاه بعضنا من العلماء الذي تأخذهم الجرأة ويُدرجون في أعمالهم تضمينات أخلاقية أو ميتافيزيقية أو روحية أو حتى دينية، والتي قد تظهر في أعمالهم العلمية، وفيها ما فيها من اكتشافات علمية أو تطويرات بحثية. وجاءنا الرد من المعسكر الفرنسي المادي عنيفاً، يتهمنا بمحاولة إجراء غزو روحي في العلم وشن حملة صليبية ضد المادية][187].
وقد نتفهم محاولة إيجاد موطء قدم مع غيرنا من المؤمنين بالله تعالى، لوجود ما سماه نضال قسوم من قبل: قاسم إيماني مشترك، ندافع فيه معا عن إيماننا بالله، ويعبد كل منا ربه حسب دينه، أما أن نستجدي المجاهرين بالكفر، ليسمحوا لنا أو لا يسمحوا بأن ننشر أبحاثنا معهم، فإنها والله لكبيرة. .. ثم ماذا؟! .. يسخرون منا ويرفضوننا، .. ومعنا كتاب الله تعالى الحق، وما الذي معهم، لا شيء إلا ما تعلق صراحة بخلق الله مع إنكار خالقه العلي الجليل.
ثم ماذا؟ .. ألا تكون المشاركة منا معهم إقراراً بحقهم في الكفر بالله، وأنه لا غبار عليه لمن اختاره من دون الله، وباسم العلم. أوليس هذا ما يرددونه من أن اثبات وجود الله إثباتاً علمياً غير ممكن، بل ورأيناهم قبل صفحات يضعون هذا الإفك على لسان – حجة الإسلام - أبو حامد الغزالي. وللأسف وافقهم د. نضال قسوم على هذا الافتراء على الشيخ، بل وردده معهم، دون مراجعة كلام الشيخ الحُجَّة. ألا يعد الإقرار بحيادية الإيمان والكفر وكونهما سواء أمام العلم خذلان لحجة الله في كتابه على الناس؟! .. بلى والله إنها كذلك. .. ولا نستغرب أن يرد علينا متعالم ويقول أن القرآن ليس كتاب حجة علمية، وإنما كتاب اعتقاد قلبي. فيكون منه رد للحق بالباطل. بدلاً من تبرير ما دعاه إلى التورط في الباطل، اضطرارا، وإلا فاتتنا موجة العلم الحديث!!!
ثم ما الذي ما تستنصر به هذه الحكومة الإلحادية في العلم؟! - أوليس هو الاتفاق العلمي، باعتباره معيار قبول ما هو علمي ورد ما دون ذلك!!! ... ورغم انخراط د. نضال قسوم في المعركة، ومعرفته بالجاني، .. ما زال يمتدح الرائج من العلم الحديث بمعاييره الاتفاقية. وباستقلال عن معايير موضوعية نزيهة عالمياً، أو معايير توحيدية للإله مع التبرؤ من الكفر به، ولا حتى اعتماد القرآن مصدراً للعلم .. وهو ما يُعد خوضاً مع الخائضين، على ما يبدو!!! .. وهو إثم لا يُنكر، يذكرنا بفئة من الذين شهدوا على أنفسهم وقالوا "وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ"(المدثر: 45)، إنها والله فتنة شديدة، أن يُقَر الباطل حقاً، ويُنكر على الحق فيُعد باطلا. وباسم ماذا؟ باسم العلم الذي أنزله الله ليعلم به، فإذا بالناس يُنكرونه به، تعالى الله عن ذلك وتقدَّست أسماؤه، لا إله غيره وهو السميع العليم.
4- أشار نضال قسوم إلى عدم ورود لفظ (الكون) في القرآن كما نفهمه اليوم، وقال: [ملاحظة هامة أود تدوينها عن الكون في القرآن ، وهي حقيقة أن اللفظ المخصص (الكون) والذي تحيل إليه اللغة العربية عند الحديث عن الوجود/(العالم المخلوق)، هذا اللفظ لم يرد أبداً في القرآن][188]. واستكمل وقال: [إن مفهوم "الكون" قد اشتق في الحقيقة من القرآن من هذه العبارة الهامة (يقصد الآية) والتي تكررت كثيرا: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "(36-82)، حيث أن اللفظ " كُنْ " يرتبط بشدة بلفظ و مفهوم "الكون"، والذي هو مرادف لـ "الوجود")].
نقول: الراجح أن السياق التاريخي في ظهور لفظ "الكون"، بمعنى "العالم المخلوق بجملته"، أو "السموات والأرض"، كان مختلفاً عما ذكره د. قسوم؛ فبين هذا (الاشتقاق الأول) من الجذر (ك-و-ن) و(الوضع الراهن)، كان هناك الأعمال الفلكية التي تكررت في مؤلفات الطبيعيات لدى الإسلاميين بعنوان "الكون والفساد"، وذلك في ترجمتهم لكتاب أرسطو بنفس العنوان، وكانوا يعنون بالكون ما فوق فلك القمر، ويقصدون ذلك الخلق الكائن – أي الذي تكون - ولا فساد فيه، على خلاف ما تحت فلك القمر مما فيه الفساد، وفي لسان العرب، قال ابن منظور: "قال ابن الأثير: الكون مصدر "كان" التامة؛ يقال: كان يكون كونا أي وجد واستقر"، وقال أبو البقاء في (كتاب "الكليات"): "(لفظ) الكون يستعمله كثير من الْمُتَكَلِّمين فِي معنى الإبداع"، وهو ما يؤكد مقارنته مع الفساد في أغلب موارد ذكره، ومثاله ما قاله أرسطو – في اللسان العربي -: [الظواهر المحسوسة شاهدة على صدق ما نقول: متى تطلع الشمس يحصل كون، ومتى تغرب يحصل فساد][189]. ويؤول إليهما – أي إلى الكون والفساد- كل شيء مرئي للإنسان (إبداع ما فوق فلك القمر، وهذا هو "الكون" لما توهموه من خلوصه وكماله، و"فساد" ما تحت فلك القمر، لما يعتري الأرض والمناخ من تحولات من حال إلى حال أغلبها الفساد، لهذا كانت الأرض بحاجة دائماً إلى الإصلاح). وفي العصر الحديث (القرنين الأخيرين)، آل لفظ "الكون" في المؤلفات العربية لما فوق فلك القمر وما تحته على السواء، وخاصة بعدما تبين من تنظيرات نيوتن في الميكانيكا السماوية – من خلال كتابه " الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية Principia " الذي نُشر سنة 1687- أنه لا فرق، وذلك بعد توحيده لقوانين الحركة لكل الأجرام بما فيها الأرض. ... واستقر الأمر على ذلك حتى وقتنا هذا. إلا أن المعنى الذي أصبح مقصوداً للفظ "الكون" يتجاوز كل شيء ليعني الوجود المنظور بالأبصار من سماء ونجوم تظلل الأرض دوماً، وإلى ما لا يعلمه إلا الله، أي أن لفظ "الكون" أصبح اسماً بعد أن كان صفةً.
6- العبارة الآتية لنضال قسوم بها خطءآن، الأول: أنها تكافئ بين القرآن وغيره - من كتب الأديان، حتى ولو كانت مجهولة المصدر - في الإفادة المعرفية، والثاني: أنها تتدنى بالقيمة المعرفية لما تخبر به آيات القرآن على أنها ذات مغزى ديني ميتافيزيقي، للتفريق بينه وبين ما هو أرقى معرفياً، أي (العلمي scientific)، وفي هذا التفريق ظلم بيِّن، وحيود تصنيفي، غير موجود إلا في أذهان بعض الناس، الذين لا ينزلون القرآن منزلته العَلِيّة، وكيف لا ينزل هذه المنزلة وهو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟! يقول:
[القرآن، مثله مثل الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) والكتب الدينية والإلهية الأخرى، يدفع بأسئلة عن الكون ويتصدر لها: ما الذي جاء بهذا الخلق جميعه الذي نراه حولنا، وما مآله؟ وغالباً ما تكون الإجابات على ذلك دينية أو ميتافيزيقة الطابع][190].
7- يمنع نضال قسوم الصدق المعرفي عن أي كتاب سماوي يمكن أن يمنحنا تصوراً عن الكون، فيقول تحت عنوان (الكون والفلسفة والإلهيات): [لن نسمح بعد اليوم لأي خطاب أن يُلْقَى على عواهنه – يشمل ذلك فيما يشمل كلام أصحاب الأديان - يتكلم عن الكون، أو الخلق، أو بنية الكون وموقعنا الفيزيائي منه، وبالتأكيد، ولا حتى عن العمليات الفيزيائية التي تحكم صيرورة الكون وتاريخه ومنذ أن خرج إلى الوجود (بما فيه البشر)][191].
8- في التفاعل بين الـمُعطى الديني، والـمُعطى العلمي، يسمح د. قسوم – مثلما هو حال المجتمع العلمي الغربي – باتجاه واحد فقط للتأثير، من العلم الحديث وإلى التصور الديني، ويمنع الاتجاه المعاكس، إلا ربما بالاستئناس دون أي التزام. يقول: [يمكن للإلهيات أن تتفاعل مع علم الكون (الكوسمولوجي) وتستفيد منه، بتركيب نظام علمي متسق وقابل للتصديق][192]. وفيه يخدش قابلية التصور الديني للتصديق!.. وبالتأكيد الاتساق!. حيث يأتي كلامه السابق مرافقاً لكلام ينقله عن (جول بريماك Joel Primack) و (نانسي أبرامز Nancy Abrams) قالا فيه: [إن التصورات التراثية والثقافية وحتى الدينية  يمكن أن تكون مفيدة جداً في عرض الكوزمولوجي اليوم، وبدون أن يتضمن ذلك أي تسوية في النتائج أو المنهجية العلمية التي نصل منها إلى المعرفة.][193].
9- حول تبرير الماديية من الغربيين – وهم أغلبهم - لمبدأ الأنسنة، أي موافقة ظروف الحياة على نحو باهر لظهور الإنسان، وتهربهم من دلالة ذلك على وجود مبدع صانع لهذا الضبط والإحكام، قال د. قسوم: [غني عن البيان أن العديد من العلماء والفلاسفة يشجبون ما يعتبرونه إعادة إقحام فكرة مبدع للكون عن طريق المبدأ الـمُسمّى بمبدأ الأنسة – وخاصة النسخة الفجة منه – ويُصرون على أن العلم قد تخلّص من هذا التفكير الغائي؛ والذي إذا ما منح الإنسان أي أهمية خاصة في الكون، فإن ذلك منه يُعد فكرة متحيزة، وبمثابة هرطقة علمية][194].
ويبدو من هذه الفقرة أن المؤلف لا يجد إشكالاً من موقف هؤلاء الذين يصفهم، بل ويبدو أنه يتفهم اتهامهم للمتكلمين بالتصميم والغائية بتهمة الهرطقة العلمية!! .. وخاصة أنهم سيبررون وجود الإنسان بأنه حتماً كان لا بد أن يظهر في واحد من كل احتمالات الأكوان الممكنة والتي يصل عددها إلى ديشيليونات من الأكوان. قال:
[ربما لا يكون الإنسان أمثل الخلق الذي نشأ بالتطور، وربما أنه حتى كوننا ليس الكون الوحيد في الوجود، .. ومن ثم، جاء أصحاب الفلسفة الطبيعية المادية بفكرة تعدد العوالم، وقالوا: ربما يوجد في الكون ديشيليونات من الأكوان، منفصلة عن بعضها ومنعزلة بما يستحيل عليها أن تتواصل، فضلاً عن أن تلتقي؛ وأن هذه العوالم تختلف عن بعضها في ثوابت بنيتها الفيزيائية، وأن كوننا تصادف أنه الكون الوحيد الجيد بين كل هذه الأكوان. وتسير الحجة على هذا المنوال، وعندها لا يصبح الأمر غريباً أن نجد أنفسنا في كون حي، لأن أحد الأكوان لا بد أن يكون هو الكون الفائز، وهذا هو كوننا.][195].
نلاحظ أن زعمهم بتعدد العوالم ليس استطراداً طبيعيا يقبله العقل، بل هو ليس إلا خيالاً ألَّفوه ليدرؤا به تميز هذا العالم ، وأن كل العوالم الممكنة موجودة هناك، وجعلوها منعزلة تبريراً لعدم البرهنة عليها (مع تجاهل تام لقابلية هذا التصور لمبدأ التخطئة، المنعدم من حيث التعريف). ومن ثم، لم يكن غريباً عندهم أن يوجد عالمنا بين كل هذه العوالم!! .. والأهم من ذلك، أنه أصبح عالم لا يحتاج إلى خالق، وهذا هو بيت القصيد عندهم!
وإذا سألناهم: كم عدد هذه العوالم التي يلزم تواجدها لجعل عالماً واحداً ممكناً بينها بلا غرابة؟! .. فسنجد إجابتهم تقول: إنها 10 مرفوعة للأس 500. أي واحد وعن يمنه 500 صفر. واعترف د. قسوم بهذا وتعجب قال: [أي أنه لكي لنفسر كوناً واحداً رائعاً اضطررنا لافتراض وجود 50010 من الأكوان الخفية!][196].
كما ذكر منتهى الحد الذي جاء به بعض النقاد لها، قال: [وصف بعض النقاد العوالم المتعددة على أنها الملاذ اليائس الأخير للماديين، والذين اخترعوه فقط ليتجنبوا به مواجهة الدليل فوق العادي، الذي يبدو أنه يشير إلى شيء، فإن لم يكن إلى مبدع للكون، فربما يشير إلى موقع بعينه من الحياة والوعي وربما الإنسانية.][197].
حتى النقاد، يخشون من التصريح بلا مواربة بالمبدع الحتمي للكون على نحوٍ صريح، وأن تقدير وجوده ضرورة حتمية على ما نرى، وذلك حين قالوا: [فإن لم يكن إلى مبدع للكون، فربما يشير إلى ..] وذلك حتى لا يُتهموا بتهمة الدعوة إلى خالق الكون! .. التي أصبحت في عرف العلم الغربي الحديث تهمة! وعلى الباحثين أن يُظهروا براءتهم منها، مثلها مثل تهمة عدم الإقرار بمحرقة اليهود، حتى ولو لم يشهدها أو يقرأ عنها المتهم. وكأنّ محرقة اليهود أصبحت من البيان ما يكافي عدم وجود خالق للكون. فيعاقب من لا يقر بها، مثلما يعاقب من يقر بالله رباً. .. هذا هو عبث الغربيين .. وبعض المسلمين يدندنون حولهم، وباسم ماذا؟! .. باسم العلم!!!
وبعد ذكر مزيد من شطح الغربيين في محاولة تأييد وتوصيف وتبرير العوالم المتعددة، قال نضال قسوم: [في هذه الأجواء وجد العلماء والفلاسفة واللاهوتيين أنفسهم مشتبكين في نقاشات شيقة، مع تواصل من الابحاث العلمية والكتب شبه الفلسفية والحجج اللاهوتية، وبمعدل شهري يكاد لا ينقطع][198].
نقول للدكتور قسوم: وأين القرآن وآياته في هذه الأجواء، وأين المسلمين وزودهم عن معاني ما أنزل ربهم، وشهادتهم على الناس، فيخبروهم بما أنزل الله تعالى، ويقيموا عليهم الحجج، ويبلغوا رسالة ربهم إليهم؟! – فإذا كان المسلمون لا يرون لآيات القرآن معاني يؤول إليها، فكيف يحصنون أنفسهم من الخوض في هذا اللغو، دع عنك أن يقيموا بها حجة؟!
 10- حول نظرية التطور: تكمن أهم مسألة في نالظرية في قضية آدم عليه السلام، وقد أدرك ذلك بوضوح نضال قسوم، وقال: [فيما يخص نظرية التطور، فإن المسألة المحورية عند المسلمين، هي مسألة (آدم)، وفي هذه الآونة على أقل تقدير، ويرى علماء الدين المعاصرين أنه من المستحيل تصور أجناس قبل آدمية، أو حتى تعدد الأوادم، وسلاسل من الأجناس التي انتهت بالاختفاء/الانقراض (مثل نياندرتال وإنسان جافا) وإلى الحد الذي يرفضون معه نظرية التطور جملة وتفصيلاً][199].
ومع ذلك، ليس هناك من أي علاج لهذه المسألة الشائكة من جهة نضال قسوم، بل رأيناه غير مرة يدافع عن النظرية الداروينية بكل ما أوتي من حنكة علمية، ولكن بلا مواجهة لأس المشكلة، فضلاً عن فضّها، علماً بأنها مشكلة لا يمكن حلها بالرائج من نظريات التطور الدارويني أو اللا-دارويني. وطالما بقيت وستبقى بلا حل مع الإصرار على صلاحية انتخاب دارون الطبيعي، ونشأة الأجناس بسببها، ومن ثم، فنظرية التطور التي تقول بأن آدم قد خرج من رحم كائن سابق ستظل عقبة دائمة مانعة لقبولها في الإطار الإسلامي القرآني. ونسأل نضال قسوم: لماذا تدافع عن خروج آدم من رحم كائن آخر، في ولادة حيوانية، وكيف يتسق ذلك مع "الصَّلْصَال الفَخَّار" الذي ذكره الله تعالى في كتابه؟!
وإذا تعثر د. قسوم في الإجابة عن هذا السؤال المحوري، في خلق آدم عليه السلام، والذي نعتمد فيه على ما قاله ربنا عز وجل "خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ"(الرحمن:14) ، بل نقول: تنغلق عنه الإجابة، فليراجع نفسه في قوله الآتي الذي يحتوي على خطئين منهجيين في بناء الحجج. يقول:
[الذين يدّعون أن القرآن يتعارض مع مجريات أحداث التطور يقعون في قراءة تبسيطية وحرفية لهذا الكتاب المقدس. وهذا يشبه ادعاء أن القرآن ينفي نظرية كوبرنيكوس عندما يقول عبارات من قبيل "تطلع الشمس" و "تغرب الشمس". إننا نعلم اليوم أننا علينا أن نقرأ القرآن قراءة أكثر ذكاءاً. وبالمثل، علينا أن نتعلم كيف نفهم معنى الخلق بلغة أقل حرفية. وقد يُفاجأ الناس إذا علموا أن كثيراً من علماء المسلمين المشهورين في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، علماء أمثال الفارابي، والجاحظ، وإخوان الصفا، وابن خلدون، كلهم لاحظوا تراتب أو حتى تطور الكائنات في الطبيعة. ومن حقنا أن نتعجب: إلى أي مدى تدهورت بنا الأحوال!][200].
أما الخطأ الأول: فتسويته الضمنية بين قول الله تعالى " خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ " على أن آدم لم يخرج من رحم حيواني. وقول الله تعالى " وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ .. " على أن الشمس بجرمها هي التي تصعد طالعة، أو قوله تعالى " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ .." على أن الشمس بجرمها هي التي تهبط غاربة. .. نقول: شتان بين الاستدلالين. فدلالة الصلصال كالفخار على عدم خروج آدم من رحم حيوان آخر لا التباس فيه، بينما دلالة "طَلَعَتْ"  و "تَغْرُبُ" على حركة جرم الشمس فملتبسة على غير الخبير بالعربية، أما البصير باللغة فيعلم أن الطلوع والغروب منسوبان إلى الرائي ("وَتَرَى " في الأولى، و " وَجَدَهَا " في الثانية). فكيف يسوي نضال قسوم بين مستويين في الدلالة الأول له حكم "النص"، والثاني ملتبس في نظر الغافل، مردود عند التحقيق؟!
أما الخطأ الثاني: فاستشهاده بأن [الفارابي، والجاحظ، وإخوان الصفا، وابن خلدون، كلهم لاحظوا تراتب أو حتى تطور الكائنات في الطبيعة] على أن ذلك تأييد لنظرية التطور التي عليها الخلاف. وهذا باطل، وتحريره أنه تجاوز محل النزاع، ومحل النزاع هو (خروج الأجناس بالانتخاب الطبيعي المرتبط بظهور طفرات، أو باختصار "التطور الدارويني")، وليس محض (تطور ظهور المخلوقات على الأرض). والحاصل أنه استشهد بموافقتهم على (تطور ظهور المخلوقات على الأرض) – والتي ليست محل النزاع - على صحة (محل النزاع)؛ الذي هو (الانتخاب الطبيعي القائم على طفرات تحكمها الصدفة – لا الحِكمة - بما نشأ عنه آدم من أرحام كائنات أسبق، وكذلك الحال لغيره من أجناس).
وهذا الخطأ الثاني استُخدم أيضاً في العبارة الآتية التي قال فيها: [إن الزعم بأن التطور "ليس إلا نظرية" لا يكشف إلا جهل مثير للشفقة، بكل من "التطور" و"طبيعة النظريات العلمية"][201]. والصحيح أن هذه العبارة تؤول إلى المسألتين اللتين يخلطهما الداروينيون دائما، مسألة (تطور ظهور المخلوقات على الأرض) وهذه بحق قوية، وسوف نعطيها قوة الملاحظة شبه المؤكدة، ولتكن 90% على سلم احتمال الصدق. والمسألة الثانية التي هي محل النزاع الحقيقي وهي ((خروج الأجناس بالانتخاب الطبيعي القائم على طفرات تحكمها الصدفة)، وهذه لا ترتقي حتى إلى نظرية، بل هو محض تخمين لـ (دارون)، وبحكم تعارضه الشنيع – فيما يخص آدم- مع آيات القرآن، فسوف نعطيه 10%، رغم أنه لا يستحق إلا صفر% وذلك لبيان التلبيس الحاصل بين المسألتين. والآن: كم يساوي اجتماع المسألتين؟ - طبقاً لقوانين الاحتمالات تساوي حاصل ضرب قيمتيهما أي 90% * 10% = 9%. أي أن نظرية التطور الدارويني (الجامعة للمسألتين) أقل احتمالاً من أسوأ الاحتمالات، لذلك هي لا ترقى بجملتها إلى مستوى النظرية. أما الذي يدافع باسمه د. قسوم فهو المسألة الأعلى احتمالاً؛ أي: (تطور ظهور المخلوقات على الأرض) ويعمم قيمتها على جملة النظرية، وهذه مغالطة منطقية، ومن ثم يشفق على من يقيمها باسم نظرية، وهذا تلبيس بالغ لا يمكن تمريره.
وإذا تبين هذا الحيود المنهجي، الذي يؤدي للالتباس أو التلبيس، علمنا أن هناك مشكلة في علمية كلام الداروينيين، والزاعمين برفضهم معاني القرآن تحت حجة باطلة هي تعدد المعاني!
11- حول نظرية التطور: الدور المشوش لنظرية التطور الدارويني وموقعها من هيكلية البحث العلمي:
قال د. قسوم: [من يحتج بحذف نظرية التطور من المناهج الدراسية لإعطاء فرصة آخر النتائج البحثية لتقنية الدي إن إيه، يشبه حذف نظرية كوبرنيكوس من المناهج الدراسية لإعطاء فرصة لمناقشة تطورات البحث حول تكنولوجيا الأقمار الصناعية. إنها حجة متناقضة، وغير أمينة في أفضل أحوالها][202].
نقول: أولاً: دوران الأرض حول مركز كتلة المجموعة الشمسية أمر ثابت لا إشكال فيه ولا اعتراض عليه من جهة القرآن. ومن يقل ذلك فهو متجاوز ما يعلم إلى ما لا يعلم. أما خروج الأجناس من بعضها بعضاً بالترقي المدفوع بالانتقاء الطبيعي والطفرات (التطور الدارويني) فهو أمر غير ثابت، وفيه من الإشكالات الجسام ما فيه، وعليه من اعتراضات القرآن في مسألة آدم خصيصاً - وما ينسحب على غيره من أجناس الكائنات الحية- ما فيه.
ثانياً: سقوط (التطور الدارويني) لا يعني سقوط (التطور التاريخي للكائنات الحية وارتباطه بالتطور البيئي) – لأنهما مسألتنا وَحَّدَهما الداروينيون كما رأينا في الخطأ الثاني قبل قليل (رقم 10)- تبعاً لخِطّة مَوضُوعة نرى صيرورتها في سجل الحفريات. بمعنى أن سقوط التطور الدارويني لا يمنع مواصلة الدراسات الاستكشافية عن الارتباط بين فسيولوجيا الكائنات وبيئاتها المتغيرة دوماً، وهذا الارتباط لا يلزم عنه أن تتجه السببية من تغير البيئة إلى تغير الكائنات، بل إلى تلازم زمني من التغير يشهد به الواقع. وتُعد أي محاولة لفرض تأويل هذا التلازم كعلاقة سببية ضرورية، ليس إلا تحكماً ومصادرة، يتنافى والفكر العلمي الرصين. فمن المعلوم أن التلازم لا يفضي بالضرورة إلى السببية، فكيف يُعد كذلك بالضرورة؟! – أما دوران الأرض حول مركز كتلة المجموعة الشمسية فليست على علاقة تلازم مع دوران الأقمار الصناعية حول الأرض، بل كلا الظاهرتين يؤولان إلى قانون واحد (الاتزان الميكانيكي)، وكلاهما ليسا إلا تطبيقان two instances من تطبيقات القانون. ومرد التطبيقان يعود إلى القانون، وليس من أحدهما لى الآخر. وإن قارنا ذلك مع التطور الخلقي للكائنات، فعلينا أن نقول أن مرد (ظهور الأجناس وتغيرها الخلقي) و (التطور البيئي) يعودان إلى أصل واحد أيضاً، وليس أن أحدهما ناتج سببياً عن الآخر. ولا يظهر لنا أن هذا الأصل مادي، لأن مسألة الحياة ومتطلباتها البيئية أشد تعقيداً من ميكانيكية الأجرام. فالتكافؤ في العلاقة للتمثيل من الجوامد إلى الأحياء لا تجوز. أما (تقنية الدي إن إيه) وعلاقتها بـ (ظهور الأجناس) فتشبه (لغات الكوبيوتر) و (ظهور التطبيقات الحاسوبية). ولا ريب أن فهمنا لظهور الأجناس سوف يتأثر بشدة بفهمنا لـ  (تقنية الدي إن إيه). مثلما أن فهمنا لتطور التطبيقات الحاسوبية يعتمد على فهمنا لتطور لغات الكومبيتر (البرمجيات). لذا يُعد القول بإمهال الفصل في قضية ظهور الأجناس اعتماداً على ما تؤدي إليه أبحاث تقنية الدي إن إيه مبرر جداً، مع تجنيب القول بحدوثها نتيجة التغير البيئي (التطور البيئي) – التطور الدارويني - لعدم لزومه الضروري كما قلنا – يعد قولاً علمياً لا جناح عليه. ويُعد تمثيله بتعطيل قانون الاتزان الميكانيكي (نظرية كوبرنيكوس) حتى تتطور تقنية الأقمار الناعية، تمثيلاً غير موضوعياً، بل ومستغرب أشد الاستغراب لانتفاء المشابهة بين العلاقات.
12- وما زال الخطأ الثاني (في رقم 10) أعلى) تتداعى أغلاطه في جنبات القهر العلمي الذي يمارسه الداروينيون بلا ضرورة علمية يمكن أن يرتكنوا إليها كما رأينا أعلى، ويأتي القول الآتي في هذا السياق، يقول د. قسوم: [إن جوهر نظرية التطور تقوم على الآتي، أولا: ليس أمامنا أي خيار سوى الإقرار بالحقائق المثبتة بقوة. و(نظرية) "التطور" حقيقة طبيعية قد تأسست بالفعل بطرق عديدة ومختلفة. ولا تُعتبر نظرية دارون القول الأخير في الموضوع، مثلما أن نظرية نيوتن في الجاذبية (لم تكن القول الأخير في التجاذب المادي) وقد تبعتها نظرية أينشتاين (لتصحيحها)، ولكنها ظلت متماسكة وقوية، إلا في بعض المظاهر الطفيفة. والآن، يمكن أن تنشأ المشكلة من جهتين: (1) القراءة المادية لنظرية التطور، والتي تستبعد أي خطة إلهية أو غرض خلف العمليات الجارية. (2) القراءة الحرفية لبعض الآيات، وخاصة تلك المتعلقة بخلق الإنسان. وإذا خفَّت حدة القراءة والفهم لكل من النص القرآني والنظرية العلمية ينمحي الكثير، إن لم يكن كل التعارض الظاهر][203].
أما قوله [ليس أمامنا أي خيار سوى الإقرار بالحقائق المثبتة بقوة] فيصح أن ينطبق على (تراتب المخلوقات مع الزمن والبيئة)، والذي لا خلاف على كونه حقائق مشهودة سواء بين الإسلاميين القدامى والمحدثين، أو بين المؤمنين وغير المؤمنين، إنما لا يصح أن يُطلق على (خروج الأجناس من بعضها بالطفرات) لأنها ليست حقائق، بل تخمين لا دليل عليه. والخلط بين هذين النوعين هما ما سميناه بالخطأ الثاني.
وفي قوله[ولا تُعتبر نظرية دارون القول الأخير في الموضوع، مثلما أن نظرية نيوتن في الجاذبية (لم تكن القول الأخير في التجاذب المادي) وقد تبعتها نظرية أينشتاين (لتصحيحها)، ولكنها ظلت متماسكة وقوية، إلا في بعض المظاهر الطفيفة.] تشبيه نظرية دارون والسعي بالانتقال بها إلى نظرية أقوم تحل محلها، بنظرية نيوتن في الجاذبية وتقدُّم نظرية أينشتاين "النسبية العامة" عليها. وهو تشبيه غير صحيح لعدة أسباب: أهمها أن جاذبية نيوتن لم تكن محض كلام فضفاض لا يرتقي أبداً إلى مشارف البرهنة كالداروينية، بل قطعت بها الأدلة الرصدية بموافقتها المعادلات الرياضية التي نطقت بها النظرية، إلّا فروق طفيفة جاء أينشتاين ليبررها بنسبيته. أما الداروينية فلم تأت بقَطْعٍ ولا حتى ترجيح، بأن جنساً خرج من بطن جنسٍ آخر، وأهم ما يعنينا في الأمر هو "الإنسان"، لأنه المنصوص على مرور خلقه على حالة "الصلصال كالفخار". فإن احتج علينا الداروينيون بتراتب الخلق مرة أخرى، لتشويش محل النزاع كعادتهم، فنقول لهم: لم يكن هذا محل خلاف في القديم ولا الحديث، إنما الخلاف بيننا وبينكم في ظهور الأجناس ("التجنيس speciation") فلا تشطّوا بعيداً! .. أما قوله عن جاذبية نيوتن (ولكنها ظلت متماسكة وقوية) فصحيح، ولكنه ليس صحيحاً أبداً على التجنيس الذي أتت به الداروينية، فلا هو كان متماسكاً أو قوياً، ناهيك عن أن يظل كذلك، بل هو مهترئ وهزلي منذ طرحه الأول، وليس بغريب أن تضحك منه الأجيال القادمة، وتستغرب وتسأل: أين كان عقل الداروينيين وهم يدّعون أن طفرات تنبثق بالجميل شبه المعدوم والقبيح الوافر الغامر، فينتخب الميت الجميل، ويذهب القبيح الوافر ولا يبقى منه أثر؟!
وإذا كان لنا أن نقارن بين الداروينية والجاذبية، فالأقرب أن نقول، أن مثل الداروينية وما بعدها من نظرية سببية – طبيعانية naturalistc- محققة في الواقع الأحيائي، لا نعلم إن كنا سنصل إليها أو لا، تقوم على سُنّة مخلوقة لله تعالى يكون من ثمراتها الإبداع بما قدره الله تعالى فيها من غريزة تتفتق عنها الحياة بإبداعاتها. فنقول أن مثل الداروينية إلى هذه النظرية الغائبة مثل نظرية أرسطو في الجاذبية إلى نظرية نيوتن. حيث كان أرسطو يذهب في علة سقوط الأجسام ناحية الأرض إلى: (أن كل المواد الأرضية تميل إلى السقوط جهة مكانها الطبيعي، وهذا المكان الطبيعي لها هو مركز العالم – الذي هو عنده مركز كرة الأرض، وكذلك الحال في العناصر الكونية الثلاثة: الماء والهواء والنار؛ تؤول إلى أماكنها الطبيعية؛ كرة الماء على سطح الأرض، وكرة الهواء فوقها وكرة النار عند فلك القمر)[204] ولم يكن لأرسطو أدنى فكرة عمّا نسميه في القرون الثلاثة الأخيرة "الكتلة"، والتي تقيس قدر ما في الأشياء من مادة، وأنه ليس هناك من مكان طبيعي وو إلى آخر تصحيحات نيوتن على طبيعيات أرسطو. فحال نظرية دارون إلى النظرية الغائبة في أفضل وضع لها كحال نظرية أرسطو إلى نظرية نيوتن في الجاذبية. ومثلما كان يدافع الطبيعيون عن نظرية أرسطو في العصور الوسطى، ويعتبرونها ذروة سنام العلم، ولا يدرون ما سينكشف مع الأيام من ضحالة معرفية واستدلالية بها مقارنة بجاذبية نيوتن، فكذلك الداروينيون، يدافعون عن الانتخاب الطبيعي الذي تلعب المادة فيه دور الحكم على نفسها، المطهرة نفسها من قبحها، وكأن هناك مكان طبيعي تؤول الحياة إليه بترقي الأنواع، مثلما كان يقول أرسطو من وجود مكان طبيعي تؤول إليه المادة الجامدة بأنوعها. ونلاحظ غياب أي علة طبيعية قاهرة ترغم الحياة على التجمل، حتى أن كلمة الاختيار/الانتخاب تستلزم في القائم بها مَلَكَة الاختيار، فكيف بالمادة أن تحوز هذه الملكة؟! .. إنها فكرة غامضة لا دور لها إلا في فرز لاحق بالضرورة لموجودات مخلوقة ومتفاوتة عن قصد، أما عن فعل اختياري، وافتعال طفرات إبداعية من بين عدد غير محصور من الطفرات، فكان يتطلب أن نجد في الأرض ركُام من المخلوقات ذات الطفرات الفاسدة، مثلما أقر الكافرون بوجود الله ضرورة وجود دشيليونات من العوالم لا حياة فيها، بجانب عالمنا حتى يفوا بدواعي الاحتمالات. ومع غياب حفريات لكائنات من هذا النوع الفاسد الطفرات في أرضنا، يقطع أولي الألباب بتهافت فكرة (الانتخاب الطبيعي القائم على الطفرات).
وإذا كان هناك نظرية طبيعانية يمكن أن تترشح بقوة وتكون آلة لله تعالى ("وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ"(المدثر:31)) في خلقه للحياة وسننه المرئية والمجهولة فيها، فلا بد وأن تحظى هذه الآلة بصفة الوعي اللازم والضروري necessary consciousness والذي بدونه لا يمكن تبرير أي اختيار بين متنافسين، يمكن على أساسه فوز الأبدع، وهزيمة الأقبح. بمعنى أن صفة الاختيار موقوفة contingent  على الوعي consciousness بالبديع وتمييزه عن غيره.
فإذا كان الوعي consciousness الفج والسافر في الكيان الإنساني معضلة في الفهم، ونشأ له علم جديد، ما زال في مهده، فكيف يكون الاختيار الطبيعي natural selection أوضح منه، وفي محض كم  من الذرات الكيميائية، وهو عليه قائم، وبدونه ضرب في عماية؟!
13- التحكم والمصادرة على ما هو علمي وما ليس بعلمي – بما يكشف عن التخبط في تعريف مناط "العلمية" ومن ثم توظيف هذا التخبط أيديولوجيا في إنكار الإله الواحد – جلّ في علاه - باسم العلم الحديث. يقول د. قسوم: [ما هي التداعيات التي يمكن أن تُستنبط من انضباط ثوابت الكون وخصائصه، بذلك التقدير اللطيف، وعلى النحو الذي تظهر معه الحياة ثم الوعي والذكاء الإنساني (fine-tuning)؟ - النتيجة الأكثر محورية وجدلية في المسألة هي ما يؤدي إليه هذا الإحكام من استنباط وجود مبدع حكيم. ولكن هذه النتيجة ليست استدلالاً علمياً كما هو واضح، لأنها تنقل التفسير من الطبيعي natural إلى ما وراء الطبيعي supernatural][205].
ثم عقّب د. قسوم بكلام آخرين – كان أقربهم إلى الحق بول ديفز - وقال: [تمثل هذه النتيجة أحد الأسباب التي من أجلها يرفض كثير من العلماء هذا الاستدلال بشكل قاطع، حتى مع إصرار الكثير على أن المبدع الذي أحكم هذا الإحكام ليس بالضرورة أن يكون هو هو الإله المتشخص في الأديان التوحيدية. ومع ذلك، يؤكد بول ديفيز Davies أن هذا التفسير ما زال تفسيراً عقلانيا[206]. ونجد جونزاليس Gonzalez  وريتشاردز Richards  يؤكدان من جهتهما على أن الإبداع المستدل عليه مطمور أو مُشفّر في القوانين والشروط الابتدائية[207]. ويضيف ديفيز ويقول: "إن التصميم الذكي (الذي نستدل عليه) لا يتعارض مع العلم"[208]. ويشير إلى أن هذ الإله – "المسؤول عن هذا الكون، والمفترض أنه يمسك مقاليده، دون أن يتدخل بالضرورة في كل تفاصيله بشكل مباشر في كل لحظة - يكاد أن يطابق من يقر بالإيمان به علماء اللاهوت وبعض علماء العلم الحديث"[209]. ويحيل ديفز إلى[210]: أندريه لند Andrei Linde، و هاينز باجيلز Heinz Pagels (وهما من غير مؤمنين بالله) وما وضعاه من تخمين من أنه ربما يكون هناك إله مسؤول فقط عن تشكيل هذا العالم المحفز لظهور الحياة، وأنه قد فعل ذلك لإرسال رسالة إلى سكانه اللاحقين].
تكمن المغالطة في العبارة التي قيل فيها: [يؤدي هذا الإحكام إلى استنباط وجود مبدع حكيم. ولكن هذه النتيجة ليست استدلالاً علمياً ..، لأنها تنقل التفسير من الطبيعي إلى ما وراء الطبيعي] إلى سوء تحرير معنى "العلمية" في القول بأنها هي ما يتم به تفسير الطبيعي في إطار الطبيعي، أي من داخل النسق المادي، وإلا فالتفسير غير "علمي". .. ونلاحظ أن الاستنباط بوجود مبدع حكيم لم يكن منه مفر، ومع ذلك فقد استُبعد لأنه لا يمكن الوقوف على كيفية طبيعية يفعل بها فعله وتقطع بنسبها إليه، فلما اقترحوا آليه مهترأة لا تستقل بانفرادها، نفوا وجوده الذي كان ضرورياً بالاستدلال واكتفوا بالآلية!  .. بمعنى آخر أن الإله بالضرورة ليس من جنس الطبيعيات، وربما آلته، والعلمي ضرورة من جنس الطبيعيات بالتعريف الذي صادروا به (أي تصنّعوه). ولن تكون نتيجة الجمع بين هذين الطرفين - طبقاً لتعريفهم - إلا أن يكون الحديث في موضوع الإله وفعله غير "علمي". وذلك مثلما نقول أن عالم الأصوات ليس من طبيعة عالم الأضواء لا محالة، فإذا كان العلمي هو ما يتم تفسيره بعالم الأضواء فقط، فعالم الأصوات إذاً ليس "علمياً"! ... أي أنه تحكم اصطلاحي! ينفي الحق بمحض التصنيف اللفظي، وبناء الحق الوجودي عليه. .. وتكمن بؤرة المغالطة في القول بأن عالم الأضواء هو فقط العلمي، ويقابلها القول بأن الطبيعي هو فقط العلمي. ويفند هذه المغالطة أن عالم الأضواء قد يستلزم صدق عالم الأصوات، ومثله أن عالم الطبيعة قد استلزم عالم ما وراء الطبيعة، بحكم الاستدلال بالضبط المرهف لثوابت الكون لإنتاج الإبداع الكوني ورهافة آليات الحياة. فالمغالطة مفضوحة، .. حتى أنها تسحب من أصحابها صفة "العلمية" التي بها أنتجوا كلاماً متهافتا. أي أنهم ليسوا علميين بما يكفي. فإن أقروا فهم طالبوا علم يٌفهّمون، وإن أنكروا فهم مخادعون ماكرون يكذبون باسم العلم، وهو منهم بريء.
فإن اضطروا إلى افتراض مبدع للكون، وحتى مع فرض لا علمية الحديث عنه، فالقول بـ [إصرار الكثير (من هؤلاء العلماء) على أن المبدع الذي أحكم هذا الإحكام ليس بالضرورة أن يكون هو هو الإله المتشخص في الأديان التوحيدية]، فقولهم هذا لا يلزمنا، لأننا تعرفنا على تلازم ضروري بين خالق هذا الكون الذي يتكلمون عن وجوده الضروري عن إبداعه، وأنه هو هو منزل القرآن الذي نقرؤه، وكانت آلتنا في هذا التعرف هو نصوص آيات القرآن ذاته، وأنها دالة قطعاً على أن هذا الإله هو هو هذا الإله. وأي محاولة لإسقاط دلالة الآيات عن مدلولها – كالتي أتى بها د. نضال قسَوم في تعدد المعاني الغير ملزم لأيها - تأتي في نفي هذا التعرف. وبتمحيص كلامه، تأكد أنه تحكُّم منه بلا برهان ولا استدلال، لا في آليات الخطاب، ولا في منطق الألسنيات. فكانت النتيجة أن إله الكون وإله القرآن إله واحد. وسنظل على هذا الموقف حتى يرسل لنا الإله الذي خلق الكون – إذا لم يكن هو منزل القرآن - رسالة تكشف عن وجوده.
وحول [(تأكيد) جونزاليس وريتشاردز من جهتهما على أن الإبداع المستدل عليه مطمور أو مُشفّر في القوانين والشروط الابتدائية]، فيعود بسر الإبداع الكوني – في مسألة نشأة الحياة على الأقل- من لحظة نشأة الخلية الحية الأولى إلى لحظة نشأة ثوابت الكون الذي خُتم به الكون في شرارته انبعاثه الأول. هذا بالطبع إذا تجاوزنا عن مخالفة الداروينيين لما أقره القرآن من خلق آدم عليه السلام. أي أن عثرتهم التي ظنوا أنهم اجتازوها بنشأة الحياة، قد عادت فخرجت لهم في قوانين الكون وثوابته الأولى، وكيف ظهرت من عدم فيما يسمونه ما قبل الإنفجار العظيم. أي أن ورطتهم تزداد تأزماً، كلما حاولوا التخلص منها فجأتهم من حيث لا يدرون. وسيظل الأمر منهم هكذا كما قال تعالى "وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ"(الحج: 55).
أما عن انطمار أو تشفير الإبداع الكوني في (القوانين والشروط الابتدائية) فهذا الذي حاولوا التفلت منه بزعمهم في تعدد الأكوان ووصلوا – كما رأينا من قبل – إلى عدد 50010 منها، وأننا تصادف وجودنا في الكون الوحيد الحي من بين هذه الأكوان الميتة الخاوية من أي إبداع، ولاحظنا مدى السخف الذي حاولوا به التهرب من نملة تأففوا منها، فاستبدلوها بنمرٍ، ليكون لهم فيه أمنا.
وعلى القارئ أن يلاحظ التشابه بين تعدد الأكوان المزعوم ليضيع الحق الكوني بينها، وتعدد المعاني الذي جاء به نضال قسوم لِآيِ القرآن فتضيع معانيه الـمُحكمة أيضاً بينها. .. بل وليس غريباً أن هذان التعددان لا يختلفان عن ائتلاف قريش على قتل محمد عليه الصلاة والسلام بسيوف متعددة من القبائل، فيضيع دمه بينها. وما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه البارحة بما قبل البارحة. وكما حفظ الله محمداً، عليه أزكى الصلاة وأتم السلام من ربه، والملائكة والمؤمنين، وكما حفظ الله الكون ولم يجعل مقاليده في يد غيره كما في قوله تعالى عنه "لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"(الزمر:63)، وقوله سبحانه "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ"(فاطر:41)، فسيحفظ سبحانه المعاني المحكمات لآيات كتابه العلي، الذي قال تعالى في شأنه "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ"(الزخرف:3-4).
 المؤلف 


[1]  Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question Reconciling Muslim Tradition and Modern Science, Published in 2011 I.B.Tauris and Co Ltd, London.
[2] نضال عبدالرزاق قسوم، جزائري، دكتوراة في الفيزياء الفلكية، يعمل أستاذ دكتور بالجامعة الأمريكية بالشارقة، الإمارات، له مؤلفات وأبحاث ومقالات عديدة، ويُعد كتاب  "Islam's Quantum Question" أهم ما كتبه في موضوع العلاقة بين الدين والعلم.
[3]  Denis Alexander, Director, The Faraday Institute for Science and Religion, St. Edmund’s College, University of Cambridge.
[4]  [(The author is) Firmly committed to mainstream science, (He) gives short shrift to those who attempt to find scientific truths hidden in different verses of the Qu’ran. Instead Prof. Guessoum sees the theistic framework as providing the basis for the intrinsic rationality and coherence of the universe, a framework within which the scientific enterprise] (Islam's Quantum Question, p.ii.)
[5] Ibid, p.217
[6] Ibid, p.217
[7] هكذا ترجمنا theistic science " بـ "العلم المُسلِّم بإلَه" اقتداءاً بـ (وليام مونتجومري وات W. Montgomry Watt) عندما ترجم فلسفة الإلهيين" بـ theistic philosophy. وذلك في ترجمته لكتاب "المنقذ من الضلال" لأبي حامد الغزالي، تحقيق جورج صليبا وكامل عياد، ط7، 1967، ص72. - غير أننا عدلنا عن تسميته (علم متأله) وجنحنا إلى (علم مُسلِم بإله) حتى لا يُفهم أنه العلم الذي ألّه نفسه عند أصحاب هذه التسمية والذين منهم نضال قسوم، لأنهم لا يعنون ذلك، رغم أن العلم الحديث عند أهله قد ألَّه نفسه بالفعل، كما أننا قلنا (المسلم بإله) بتنكير اللإله وليس (المسلم بالإله) لأن إلههم مختلف عن إله التوراة والإنجيل والقرآن، لذلك فهو (إله) يتصورونه، وليس (الإله) المعروف في الأديان التوحيدة الذي نعرفه من نصوص الوحي، خاصة وأنهم أسقطوا دلالات النصوص - والجدير بالملاحظة أن انتقاد الغزالي للفلاسفة المتألهين (باصطلاح مونتجومري وات) - وقد خص منهم بالذكر زعماءهم: ابن سينا والفارابي - يشبه لحدٍّ كبير انتقادنا للـ "العلماء المُسلّمون بإله"، وأنهم يعانون جميعاً من أعراض مشتركة، أهمها: (فقط) التسليم باله، وبدون أي تبعات لهذا التسليم، وبتصور لا يُقره لهم أصل الدين التوحيدي في أي من نسخه الثلاث، ودون الالتزام العملي بـ أحكام الدين ومعاني نصوصه، وفي "العلم المُسلِّم بإله" لا يلتزمون بدين بعينه من الأديان التوحيدية، ويطمسون الفروق بينها، حتى أنك لا تعلم إلى أي دين ينتمي أحدهم حقيقةً، ثم التساهل في أحكام الدين وتمييعها، إلى الدرجة التي يَسِمُون أي إحكام أو وضوح فيه بتهمة "الحَرْفية"، يريدون أن يتحللوا مما يستشكلوه مع "الفلسفة قديما" و"العلم الحديث" حديثاً! .. حتى أن قدوة نضال قسوم في ذلك هو ابن رشد، وهو ما يؤكد اقتفاءه مذهبه بين الفلسفة/العلم من جهة وظاهر الدين من الجهة الأخرى، ومن ثم تجيء محاولة نضال قسوم إحياء مذهب "المتفلسفة المتألهين"، ولكن هذه المرة تحت مظلة العلم الحديث، وباسم "العلم المسلم بإله". غير أن نضال قسوم سيحاول - كما سنرى - أن يكون أقل حدة في في تطويع الدين للعلم الحديث، مثلما كان ابن رشد أقل حدة في ذلك من ابن سينا والفارابي، غير أن الفرق في الحدة غير مؤثر كثيراً، لأنه ينتهي إلى ضبابية التصور التأليهي - في سحب المجازية - ولا يتبقى منه إلا الرضى النفسي من "العالم المتأله" بأنه ما زال يحمل بين جنبيه "الإيمان بالله"، حتى ولو كان بلا أي معالم دينية مميزة! – ومع كل ذلك، فتوصيف نضال قسوم لدور الإله في الكون وخاصة في علاقة الوحي بالعلم، يقترب أكثر من مذهب الـ Deism (الذي يُترجم خطءاً بالمذهب الربوبي) منه من مذهب الـ Theism. لأن مذهب الـ Deism يجعل الإله مفارق، ويجعل الكون طبيعاني ويجري بأسباب لا يتدخل فيها الإله بعد أن خلقه (ولكن الرب يتدخل، ومن هنا كان خطأ تسميته بالربوبي). لذلك نُرجِّح أن نضال قسوم أخطأ في تسمية مشروعه بالـ Theistic Science، وكان أولى به أن يُسميه بالـ Deistic Science، ليكون أكثر اتساقاً مع صفات الإله الذي يدعو إليه مراراً متكراراً في كتابه، والتي سيكتشف القارئ أنها صفات لن يقره عليها علماء المسلمين، من أي طائفة في الدين، فضلاً عن أن تكون "أهل السنة والجماعة"؛ التي كان يُتوقع له أنه ينتسب إليها ثقافة وبيئة.
[8] Ibid, p.216
[9] Ibid, p.217
[10] Ibid, p.20
[11] Ibid, p.14
[12] Ibid, p.13
[13] Ibid, p.14
[14]  Ibid, P. xxvi
[15] Ibid, p.175
[16] Ibid, p.7
[17] Ibid, p.14
[18] Ibid, p.14
[19]  Ibid, p.173
[20] Ibid, p.173
[21] Ibid, p.217
[22] Ibid, p.14
[23] Ibid, p.ii
[24]  Ibid, p.173
[25] Ibid, p.217
[26] Ibid, p.216
[27] Ibid, p.14
[28] Ibid, p.173
[29]Ibid, p.173
[30] Ibid, p.ii
[31] Ibid, p.173
[32] Ibid, 62-63.
[33] Nidhal Guessoum is referring here to: (Ibn Rushd, Fasl al-Maqal fi ma bayn al-Shari‘a wa al-hikma min al-Ittisal (‘The Definitive Discourse on the Harmony between Religion and Philosophy’), available at: http://www.muslimphilosophy.com/ir/fasl.htm)
[34] Massimo Campanini, ‘Qur’an and science: a hermeneutical approach’, Journal of Qur’anic
Studies, 7/1 (2005),, p. 57.
[35] Mohamed Talbi and Maurice Bucaille, R´eflexions sur le Coran (Paris: Seghers, 1989, p. 13
[36] Hasan Hanafi, ‘Method of  interpretation of the Qur’an’, in Islam in the Modern. World (Cairo: Anglo-Egyptian Bookshop, 1995, vol. 1, p. 417), quoted by Campanini: Qur’an and science, p. 60.
[37] Campanini: Qur’an and science, p. 59.
[38] Campanini: Qur’an and science, p. 59.
[39] Campanini: Qur’an and science, p. 60.
[40] Mohamed Talbi and Maurice Bucaille, R´eflexions sur le Coran (Paris: Seghers, 1989(, p. 66.
[41] Talbi and Bucaille: R´eflexions sur le Coran, p. 71.
[42] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.64, p. 174.
[43] Ibid. P.64, p. 174.
[44] Ibid, p. 64-65, p.174.
[45] Ibid, p. 65, p.174-175.
[46] Ibid, 62-63.
[47] Massimo Campanini, ‘Qur’an and science: a hermeneutical approach’, Journal of Qur’anic
Studies, 7/1 (2005),, p. 57.
[48] Campanini: Qur’an and science, p. 59.
[49] Campanini: Qur’an and science, p. 59, quoted from (Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.63.)
[50] Campanini: Qur’an and science, p. 60.
[51] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.63.
[52] Hasan Hanafi, ‘Method of  interpretation of the Qur’an’, in Islam in the Modern. World (Cairo: Anglo-Egyptian Bookshop, 1995, vol. 1, p. 417), quoted by Campanini: Qur’an and science, p. 60.
[53] Ibid. P.64, p. 174.
[55] Ibid. P.51-52. P.64.
[56] Ibid. P.64, p. 174.
[57]  Ibid, p. 65, p.174-175.
[58] Charlesworth & Charlesworth: Evolution – A Very Short Introduction, p. 75. Quoted in (Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question), p.291.
[59] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.324.
[60] Golshani, Mehdi, ‘Does science offer evidence of a transcendent reality and purpose?’, Science & Islam 1/1 ( June 2003), pp. 45–58.
[61] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.324.
[62] Ibid. P.169.
[63] Ibid. P.170.
[64] Ibid. P.331.
[65] Ibid. P.329.
[66] For example, Nichols, Terence L., ‘Miracles in science and theology’, Zygon 37/3 (Sept. 2002)pp. 703–15; Ward, Keith, ‘Believing in miracles’, Zygon 37/3 (Sept. 2002), pp. 741–50. Quoted from (Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.329)
[67] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.329.
[68] Ibid. p.329.
[69] Ibid. p.330.
[70] Ibid. P.329
[71] Ibid. P.338.
[72] الفقرة السابق لنضال قسوم كانت حجته التي يرد بها على حُجَّة (بيكوك ) بعد أن شرحها (ص 338) وكان مصدرها:
Peacocke, Arthur, Paths from Science towards God (Oxford, UK: OneWorld, 2001, p. 106)
[73] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.331.
[74] Rehman, Jalees, ‘Searching for scientific facts in the Qur’an: Islamization of knowledge or a new form of scientism?’, Islam & Science (Dec. 2003).
[75] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.150.
[76] Wielandt, Rotraud, ‘Exegesis the Qur’an: early modern and contemporary’, in J. D. McAuliffe (ed.) The Encyclopaedia of the Qur’an (Leiden-Boston: Brill, vol. 2, 2002, pp. 124–41).
[77] al-Musili, Sami Ahmed, al-I‘jaz al-‘Ilmiy fi l-Qur’an: ta’sil fikriy wa tarikh wa manhaj (Scientific Miraculousness of the Qur’an: Conceptual Grounding, History, and Methodology) (Beirut, Lebnon:
Dar al-Nafa’is, 2001).
[78] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.152.
[79] Ibid, p. 160.
[80] Ibid, p. 167.
[81] Ibid, p. 171.
[82] Ibid, p. 171.
[83] Ibid, p. 167.
[84] Ibid, p. 168.
[85] Ibid, p. 168.
[86] The Message of the Quran - Muhammad Asad's monumental translation and commentary, Dar al-Andalus Limited, 1980, (29: 14).
[87] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.168-169.
[88] Ibid, p. 169.
[89] Ibid, p. 171.
[90] al-Mumin, A. Abdelamir, al-Kawn, naDhratun turathiyyah wa mu‘asirah (The Universe, a Traditional and Modern Look’) (Beirut: Dar al-Hujja al-Bayda, 2006, p. 126)
[91] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.183.
[92] Ibid, p. 216.
[93] Ibid, p. 216.
[94] Ibid, p. 99, 175, 191,
[95] Ibid, p. 90-92.
[96] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.91
[97] Primack, Joel & Abrams, Nancy Ellen, The View from the Center of the Universe (London: Fourth Estate, 2006, p. 16).
[98] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.216.
[99] Ibid, p.14.
[100] Ibid, p.166.
[101] Ibid, p.167.
[102] Islam et science moderne : les questions qui fâchent
http://oumma.com/Islam-et-science-moderne-les
[103] Islam et science moderne : les questions qui fâchent.
[104] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.157-158.
[105] Moore, Keith ‘A scientist’s interpretation of references to embryology in the Qur’an’, The Journal of the Islamic Medical Association18 ( Jan–Jun 1986), pp. 1516; available at http://www.islam101.com/science/embryo.html
[106] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.155.
[107] Ibid, p.155.
[108] http://al-quran.info/#23:14
[109] http://al-quran.info/#22:5
[110] Ibid, p.159.
[111] Ibid, p.141-142.
[112] Ibid, p.144.
[113] زغلول النجار، "السماء في القرآن الكريم"، دار المعرفة، لبنان ط4، 2007.
[114]  أمين عام هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
[115] Ibid, p.159.
[116] Nidhal Guessoum, Cult. Stud. of Sci. Educ. (2010) 5:55–69: Science, religion, and the quest for knowledge and truth: an Islamic perspective, p. 56.
[117] Ibid, p. 61.
[118] http://en.wikipedia.org/wiki/Freeman_Dyson
[119] Ibid, p. 68.
[120] Ibid, p. 116.
[121] http://ar.wikipedia.org/wiki/ إسماعيل_راجي_الفاروقي
http://en.wikipedia.org/wiki/Ismail_al-Faruqi
[122] al-‘Alwani, Taha Jabir, ‘Islamization of knowledge: premises, challenges, and perspectives’, IslamOnline, 2004, available at http://mindamadani.my/risalah-usrah/item/50-islamization-of-knowledge-premises,-challenges-and-perspectives.html
[123] See, for example, Nasr Hamid Abu Zayd, ‘The Islamization of sciences and arts leads to a salafi discourse’, The Left magazine 1 (March 1990), pp. 82–3. See also Azizal-Azmeh, Aslamat al-Ma‘rifah wa Jumuh al-La‘aqlaniyya as-Siyasiyyah (‘The Islamization of knowledge and the hordes of political irrationalism’) in al-‘Usuliyyat al-Islamiyyah
fi ‘Asrina ar-Rahin (Islamic Fundamentalisms in Our Time) (Cairo: Qadaya Fikriyya, 1993); Ali Harb, ‘Islamiyyat al-Ma‘rifa wa Talghim al-Mashru‘ al-Hadariy’ (‘The Islamization of knowledge and the mine-laying of the civilizational project’), al-Hayat newspaper 13997 (12 July 2001), p. 10.
[124] al-Azmeh: ‘The Islamization of knowledge and the hordes of political irrationalism’.
[125] Harb: ‘The Islamization of knowledge and the mine-laying of the civilizational project’.
[126] Sardar, Ziauddin, ‘Islamization of knowledge or westernization of Islam?’, Inquiry 7 (1984), pp. 39–45.
[127] Sardar, Ziauddin, ‘Islamization of knowledge: a state-of-the-art report’, in Z. Sardar (ed) An Early Crescent: The Future of Knowledge and the Environment in Islam (London: Mansell,1989).
[128] Tibi, Bassam, ‘Culture and knowledge: the politics of Islamization of knowledge as a post-modern project’, in ‘The fundamental claim to de-westernization’, Theory, Culture and Society 12 (1995), pp. 1–24 (Thousand Oaks: Sage).
[129] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.121.
[130] Ibid, p.98.
[131] مهدي كلشني، من العلم العلماني إلى العلم الديني، مركز دراسات فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، دار الهادي، ص 154.
[132] al-‘Alwani: ‘Islamization of attitudes and practices in science and technology’.
[133] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.124-125.
[134] Ibid, p. 125.
[135] اقتبس نضال قسوم عبارة للعلواني وأرجعها إلى (al-‘Alwani: ‘Islamization of knowledge’)، والعبارة هي:
[‘the Qur’an is somewhat implicated [in the conspiracy against Islam] as it is associated with extremism, fanaticism and terrorism, while its adherents are subject to aggression, bullying and world-wide campaign of demonization. Furthermore [. . . ] the exclusion of certain passages of the Qur’an from education, media, preaching and public guidance so as to divest it of its potency and efficacy and to render the Muslim reading of the Qur’an partial. As a result, none of the following, the systematic approach, the rubrics of construction or the methodological rules of the Qur’an could be
explored. . . ’]( Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p. 121-122.)
وللأسف لم أستطع الوقوف على العبارة في مصدرها المشار إليه، والذي رجحت أنه مختصر لمرجع سبق للدكتور قسوم الإشارة إليه وهو:
(al-‘Alwani, Taha Jabir, ‘Islamization of knowledge: premises, challenges, and perspectives’, IslamOnline, 2004, available at http://mindamadani.my/risalah-usrah/item/50-islamization-of-knowledge-premises,-challenges-and-perspectives.html)
[136] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p. 123.
[137] Sardar, Ziauddin, ‘Islamization of knowledge or westernization of Islam?’, Inquiry 7 (1984), pp. 39–45.
[138] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p. 124.
[139]Ibid, p. 123.
[140] Sardar, Ziauddin, Desperately Seeking Paradise: Journeys of a Skeptical Muslim (London: Granta
books, 2004, pp. 200–1.
[141] Sardar, Ziauddin, ‘Islamization of knowledge or westernization of Islam?’, Inquiry 7 (1984), pp. 39–45.
[142] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.125.
[143] Ibid, p.217.
[144] Ibid, 175.
[145] Ibid, 176.
[146] Ibid, 221.
[147] Ibid, 225.
[148] Ibid, 225-226.
[149] As cited by Ruse: ‘The argument from design: a brief history’, p. 23.
[150] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, P. 226.
[151] Ibid, P. 238.
[152] Michael Behe, The Edge of Evolution: The Search for the Limits of Darwinism (2007)
[153] William Dembski, The Design Inference: Eliminating Chance Through Small Probabilities (1998).
[154] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, P. 239.
[155] Ibid. 217-218.
[156] Salman Hameed, 2012. “Walking the Tightrope of the Science and Religion Boundary.” Zygon: Journal of Religion and Science 47: - 2 (June 2012)], pp.337–342.
[157] http://helios.hampshire.edu/~sahCS/
[158] Nidhal Guessoum, “Issue and Agendas of Islam and Science”, Zygon: Journal of Religion and Science, vol. 47- 2 (June 2012)], P. 378
[159] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.217.
[160] Ibid, p.99.
[161] Ibid, p.98.
[162] Ibid, p.98-p.92.
[163] مهدي كلشني، من العلم العلماني إلى العلم الديني، مركز دراسات فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، دار الهادي، ص 153-154.
[164] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.218.
[165] Ibid, p.25.
[166] Armstrong, Karen, A History of God: the 4,000-Year Quest of Judaism, Christianity, and Islam
(New York: Ballantine Books, 1993, p. 190).
[167] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.25.
[168] قالت: يعتبر المفكر الإسلامي أبو حامد الغزالي (1058-1111) شخصية محورية رمزية في تاريخ فلسفة الدين.
[The Muslim thinker Abu Hamid al-Ghazzali (1058-1111), (is) a crucial and emblematic figure in the history of religious philosophy.](Karen  Armstrong, A History of God, p.186)
[169] أبو حامد الغزالي، "المنقذ من الضلال"، تحقيق: جميل صليبا- كامل عياد، ، الطبعة السابعة، دار الأندلس، بيروت، 1967، ص 63.
[170] "المنقذ من الضلال"، السابق، ص 66-67.
[171] السابق، ص 67.
[172] السابق، ص 114.
[173] السابق، ص 102.
[174] السابق، ص 102.
[175] السابق، ص 129.
[176] السابق، ص 106.
[177] السابق، ص 80.
[178] السابق، ص 71-73.
[179] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.28.
[180] Ibid, p.38.
[181] Ibid, p.44.
[182] Ibid, p.46.
[183] صحيح ابن حبان.
[184] Ibid, p.54.
[185] Ibid, p. 82-83.
[186] Ibid, p. 94.
[187] Ibid, p. 94.
[188] Ibid, p. 189.
[189] أرسطوطاليس، "الكون والفساد"، ترجمة أحمد لطفي السيد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص242.
[190] Ibid, p. 189.
[191] Ibid, p. 208.
[192] Ibid, p. 208.
[193] Joel Primack, Nancy Ellen Abrams; The View from the Center of the Universe, 2006, p.209.
[194] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question,, p.258.
[195] Ibid, p.257-258.
[196] Ibid, p.259.
[197] Ibid, p.260.
[198] Ibid, p.261.
[199] Ibid, p.303.
[200] Ibid, p.320.
[201] Ibid, p.340.
[202] Ibid, p.320.
[203] Ibid, p.352.
[204] أرسطوطاليس، "الكون والفساد"، ترجمة أحمد لطفي السيد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص200.
[205] Nidhal Guessoum - Islam's Quantum Question, p.262.
[206] Davies: The Goldilocks Enigma, p. 225, Quoted in: Ibid, p.262.
[207] Gonzalez & Richards: The Privileged Planet, p. 306, Quoted in: Ibid, p.262.
[208] Davies: The Goldilocks Enigma, p. 226.
[209] Davies: The Goldilocks Enigma, p. 226.
[210] Davies: The Goldilocks Enigma, p. 229.
[211] Karen Armstrong, A History of God, p.190.
[212] غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مطابع عيسى الحلبي وشركاه، ص32-33. 
[213] قاموس المصطلحات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية، محمد عمارة، دار الشروق، 1993، مادة "فرسخ"، ص 426.
[214] غوستاف لوبون، حضارة العرب، ص46. 
[215] "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، يوسف بن تغري بردي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر، ج1/ ص32.


هناك 33 تعليقًا:

  1. دكتور السلام عليكم دكتور حقيقة اول مرة اجد شخص يهذا الذكاء وسعة الاطلاع في موضوع القران والعلم دكتور ان سمحت لي ماهو اختصاصك العلمي؟ ولمذا لانراك في برامج فضائية او نرى لك كتب مطبوعة ؟ اتمنى ان تقوم بنشر كتاب لك تضع فية افكارك حتى لوكان كتاب الكتروني على شكل pdf اتمنى ان تتواصل مع الدكتور نضال حيث لة حساب على الفيس وتطرح لة هذة الافكار اتمنى ان يحصل تعاون فيما بينكم معد عدد من العلماء لتجديد هذا العلم ودرء الشبهات والاكاذيب في هذا الباب التي طرحها السذج
    كما اتمنى ان تقوم بطباعة هذا الكتاب ولو على شكل pdf بالتعاون مع احد الجهات برا ء ة القرأن حيث ابحث عن رابط لهذا الكتاب ولم اجد تحياتي لك

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ عمر كامل
      إطراؤك أخجلني.

      أما عن تخصصي التعليمي، فلا قيمة من معرفته، لأني لا يعكس إلا القليل مما تسأل عنه. والواقع أن المسألة التي أدرسها هي المحدد للتخصص الظاهر. بمعنى أني أدرس المسألة كالمتخصص فيها، حتى ولو كانت في علمٍ لم أطلع عليه من قبل. وإن منعني مانع من الإحاطة بها، تجاوزت عنها، وسكتت عن المسألة، ولم أتعرض للرأي فيها.

      أما محرك المسائل، فهو آيات القرآن. وحيث أن القرآن متجاوز للتخصصات، فكذلك فهم آياته تتطلب تجاوز التخصصات.
      وفيما يتعلق بالتعاون مع آخرين، فهذا الأمر ليس اختياريا، بل يفرض نفسه فرضا إذا ائتلفت القلوب والتقت الرؤى.

      وبخصوص النشر، فقد نشرت كتاباً واحداً بعنوان (أصول فقه العلوم الجتماعية والإنسانية – 2008)، ووجدت أن متابعة نشره الورقي قد استنفذت أضعاف زمن كتابته، فعكفت عن ذلك بالكتابة على هذه المدونة مباشرةً، لعدم خسارة الوقت، واتساع رقعة القراءة بعيداً عن حقوق النشر التي تحدها كثيراً.

      ولو أن هناك داراً للنشر أرادت نشر وتوزيع أي مادة على هذه المدونة – ورقياً أو إلكترونيا - وبدون أي عائد - فلن أمانع، لأن وقتي لا يسع الحرص على ذلك ولا متابعته. وعلى أي الأحوال، فما أكتبه متاح هنا، لمن يهتم به.

      وأخيراً شكراً لمداخلتك.

      حذف
    2. السلام عليكم شكرا لكم

      دكتور ماهو تعقيبكم على هذة المقاطع ل قسوم ؟ https://www.youtube.com/watch?v=E2IkwVuwlrE
      https://www.youtube.com/watch?v=qvQBtg0_mX8
      https://www.youtube.com/watch?v=7eOXL83re4w
      https://www.youtube.com/watch?v=yzUX7cUvin4
      https://www.youtube.com/watch?v=MYl6A9FeexQ

      حذف
    3. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      أشكرك أخي العزيز على أرفاق هذه المقاطع،
      وقد تبين لي - بعد أن استعرضت أغلب مادتها - أني رددت على كثير مما أثاره د. نضال قسوم فيها. غير أني لم أحظ بالاطلاع على كتابه الجديد (Islam, Big Bang et Darwin) الذي أُشِير إليه، وأتمنى أن أستطيع ذلك قريباً، وأنوي تضميته إن شاء الله في الرد على (نظرية دارون في الانتخاب الطبيعي) - ولا أقول "تطور أو تتابع الكائنات الحية" لأن الأمرين مختلفين ويخلط الداروينيون بينهما (تلبيساً من ملحديهم وغفلة من مؤمنيهم) - أو ربما أن أكتب جزءاً ثانياً للرد على د. نضال قسوم، يستوعب محتوى ذلك الكتاب الجديد، مما يستوجب الرد عليه.

      حذف
  2. شكرا على هذا التحليل الشامل

    لكن هل هناك شرح كامل لتطور خلق الجنين والشبهات المثارة علية لغويا وعلمايا ؟ خصوصا ان العالم اللذي اسلم اتضح انة لم يسلم واختفى ورفض الضهور للاعلام فهل صحيح ترجمات القرأن المختلفة تتعارض لغويا كم ذكر قسوم في موضوع خلق الجنين



    ردحذف
    الردود
    1. سأتناول مسائل التطور في دراسة لاحقة مفصلة إن شاء الله تعالى.
      أما ترجمات معاني القرآن، فليست إلا اجتهادات تفسيرية كُتبت من أصول عربية في الغالب ولا تعكس اختلافاتها إلا اختلافات المفسرين في فهم الآيات. ومثلما أن النظريات الطبيعية تمتلئ بالاختلافات التي هي رؤى العلم المعاصرء، دون أن يمس ذلك صرامة العلم الطبيعي الذي يتبعه سلوك الأشياء فكذلك القرآن تتابين رؤى علماء التفسير وتختلف دون أن يمس ذلك صرامة المعاني القرآني في ذاتها. وكما أن العلم الطبيعي يتنامى بحل خلافات نظرياته، فكذلك الفهم القرآني يتنامى بحل خلافات (وترجمات) المفسرين والمترجمين. ولا تمثل اجتهاداتي في هذه المدونة إلا خطوة على هذا الطريق. أرجو من الله تعالى أن أوفَّق فيها.

      حذف
  3. ملاحضة اخرى خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ

    لمذا لانعتبر ان الانسان ليس ادم في هذة الاية بل هو الذكر والانثى على نقيض ماذكرة المفسرين لهذة الاية وهذة تحل احد المشاكل في فهم هذة النضرية

    ردحذف
    الردود
    1. لا يمكن ذلك، لأن الأمر ليس اختياري من جهتنا. فالبنية اللغوية المفهومية في القرآن تتكلم عن كائن بعينه اسمه آدم، وله اسم علم مميز له دون سواه، وله زوجة خُلقت من جسده، ومرت عليه أحداث بعينها. وتنتسب البشرية كله إليه (بني آدم). بمعنى أنه مجموع الآيات التي تتكلم عن آدم لا يمكن اعتبارها تمثيل رمزي، ومن يفعل ذلك لن يمنعه بعدئذ مانع عندئذ من تحويل كل موضوعات القرآن إلى قصص رمزية، وأقوال وعظية، فتصبح الجنة رمز والنار رمز، والحساب رمز والبعث رمز، والساعة رمز، والملائكة رمز والجن والشياطين رموز، بل حتى الله تعالى يصبح رمز!. وهذا المنهج تدميري يفرغ الدين من محتواه، ويصل إلى حد الكفر بصدق المحتوى، وفي خضم هذا الطريق الذي يسلكه من يتزعم هذا المنهج نجده يضرب بالمعاني اللغوية وأساليب الخطاب العربي عرض الحائط، ليحقق أهدافه التأويلية، ويصبح سعيه تبديلاً صريحاً لكلام الله تعالى (بالمعنى) أي تحريفه. ... وماذا؟! .. كل هذا من أجل رؤية علمية معاصرة لمسألة ظهور الحياة، وهذه الرؤية قابلة للتعديل مثلها مثل كل الرؤى العلمية. أولم تتعدل رؤية نيوتن في الطبيعيات وكانت أشد رسوخاً كما هو معلوم من الداروينية. لذلك فهذه المحاولة غير سوية المنهج،

      ثم أن هذا المنهج التأويلي يأتي من غير عالمين باللغة، ويخطئوون أخطاءاً مروعة (أنظر تعليقهم على مسألة سرعة الضوء أعلى وتفنيدنا لكلامهم) فكيف يُسقطون اللوازم اللغوية والدلالية وهم بهذا الضعف اللغوي؟! ... وإذا رأينا منهم قوة في الجهتين: التخصص الطبيعي واللغة القرآنية يمكننا عندئذ أن نعتبر كلامهم، أما قبل ذلك، ومع ما يظهر في كلامهم من ضعف في الجهتين، فأنّى لنا نُحرّف معاني ديننا من أجل آراء لهم متهافتة، لم نرى لهم فيها حجة إلا اتباع المنهج الغربي بكل ما يأتي به من غث وسمين. .. بمعنى أننا نعبد الله تعالى بحجة خلقه وكتابه علينا، وهم يعبدون المنهج الغربي، لوثوقية يتوهمونها، وهي غير تامة التحقيق. وهذا هو محك الخلاف بيني وبينهم.

      هذا والله تعالى أعلم،

      حذف
  4. السلام عليكم تحليل اخر مبسط لمحتوى الكتاب هل تتفقون مع هذا التحليل http://justpaste.it/mg1e

    ردحذف
    الردود
    1. قرأته بعنايىة فوجدت أنه (عرض موجز) وليس (تحليل)
      وأقصد أن كاتبه يعرض محتوى الكتاب كما أراده مؤلفه، ويجاريه في معالجاته مجاراة تامة، ولكنه لم يحلل أو يقارن أو يوازن أو يُباين بين هذه الرؤية وغيرها.
      ومن ثم فهو عرض يناسبه أن يرفق بالكتاب على صفحته النهاية، ويكون غرضه تشجيع القراء على قراءته والترويج له.
      وهذا لا يمنع أن يكون الكتاب في ذاته جيداً، ولكنه جيد (فقط) في جمع شتات المادة المحتواة، وتعريف القراء بجانب فسيح من مجريات الأحداث في العلاقة بين العلم الغربي المعاصر وحوارييه من جهة والقرآن من جهة ثانية، ولكنه ليس جيداً لأن يتخذ القراء منهج مؤلفه على أنه المنهج الأصوب، وأسباب ذلك ما أظهرته من تحليلاتي في دراستي أعلى من إشكالات لا يمكن التسليم بها وتمريرها.

      حذف
  5. الاخ صاحب المدونة بعد التعليق يبدو من قرائتي لبعض المواضيع في مدونتك يبدو انك رجل عقلاني ومتعلم لكن لي رد على ما كتبت في ردك على ماذكرة الدكتور قسوم على الاعجازيين في قصة اعجاز الخلق في القرأن التي لا اصل لها وأني ادعوك ان تتطلع على ما اوردتة من مواقع تثبت كلامي

    http://pastebin.com/phXUtvt9


    وادعوك ان تبحث في الامر وحتى أن تسأل اي شخص متخصص في هذا الامر لكي لايلتبس عليك الامر كما التبس على الاعجازيين


    بأنتضار جواب مقنع على ما ذكرتة هذة المواقع واتمنى ان يكون الرد علمي لاكما يفعل الاعجازيين

    اتمنى ان يضهر تعليقي ولايخفى من قبلكم كما تفعل بعض المواقع الاعجازية

    ردحذف
  6. سأتناول التطور (الدارويني) في دراسة موسعة لاحقة إن شاء الله ربما تكون كتاباً شاملاً، فانتظر ذلك ..

    وأما ردي أعلى فموجزه أني أظهرت جلياً أن محاولات التأويل الذكي الذي قال به د. نضال قسوم لتطويع المعاني القرآنية لهضهم الداروينية لا تنجح مع عدد من الآيات، وأتيت بمثال (مرحلة الصلصال الفخار) الذي نصت عليه آيات القرآن، وأنها مرحلة لا يمكن أن تُأول لصالح خروج آدم من رحم حيوان أسبق منه، وهو ما تستدعيه الداروينية وإلا سقط بناؤها القائم على ما يُسمّى بالانتخاب الطبيعي. وإذا أمكنك أنت أن تدافع عن إمكانية تأويل (الصلصال الفخار) تأويلاً ذكياً بشكل واضح وصريح، دون أن تُحيلني على جدالات الداروينية العديدة وحوارات تشتيتية فأكون شاكراً لو أوجزته هنا وأنا في انتظار ردك.

    ردحذف
    الردود
    1. الأخ السائل
      أرسلت إليّ تعليق سأرد هنا على الجزء الأول منه (وسوف أرد لاحقاً على الجزء الثاني):
      تقول: [الاخ المحترم صاحب المدونة شكرا على اتاحة الفرصة. اولا انا لم اعلق في الرابط اعلاه عن فكرة التطور بل أتيت برد علمي على ادعاء الاعجاز في خلق الجنين والرد موجود في موقعين يمكنكم الوصول اليها من خلال الرابط http://pastebin.com/phXUtvt9

      حول النقطة التي رددت بها على استنكار الدكتور قسوم للاعجاز المزعوم في خلق الجنين حيث لم تجبني على هذة النقطة في ردك اعلاه]
      ............
      أقول:
      إذا كان سؤالك عن (خلق الجنين) فقط، فقد قصدت أني سأدرجه في كتاب يدرس مسألة التطور (وما يتفرع عنها من مسائل الحياة ومنها خلق الجنين الإنساني)
      وأما إذا كان الاستنكار الذي تشير إليه من نضال قسوم يتعلق بما قلت أنت أنه [(إعجاز مزعوم) في خلق الجنين]، فلأني لم أجد له استنكار حقيقي في خلق الجنين، بل استنكار منهجي (أقصد رفضه قبول تأويل دون تأويل)، وقد رددت عليه، وجاء كلامه بشأنه على النحو الآتي:

      قال نضال قسوم [يجب أن نلاحظ أن كيث مور، يعود في كل تحليلاته، فقط إلى ترجمة واحدة بعينها للآيات المقصودة، وهو تفسير عبدالمجيد الذنداني (المناصر القوي للإعجاز العلمي في القرآن)! ويبرر لنا ذلك السبب الذي جعل كيث مور يصدر هذا التصريح المؤثر ويُصدر هذه النتائج الحماسية [إحالة رقم 106]

      وجاء ردي عليه كالآتي:
      [هذا التحليل من نضال قسوم تحامُل بالغ، .. (لأنه) استند في تحليله إلى الظن بتعدد المعاني المقبولة جميعاً - دائماً أبدا - للآية الواحدة (بما أشار إليه من تفاسير أخرى لا يجب إغفالها)، وبنى رفضه من ثم على إعجاز يمكن أن يقوم على أحد هذه المعاني! نظراً لتساوي هذه التفاسير جميعاً عنده دون المفاضلة بينها في الدلالة! .. ونتساءل: ألا يفرغ هذه التحليل الأخير منه القيمة المعرفية، بل والفقهية للقرآن بجملته، ولكل آياته؟! .. ألا يمكن لكل منكر للقرآن وإعماله أن يستند إلى نفس مستند نضال قسوم، ويقول أن الآية الفلانية والتي قال بها الفقهاء في الحكم بكذا قد ارتكنوا فيها إلى تفسير واحد بعينه، وأن هناك غيرها من تفاسير مقبولة، ولا يمكن ردها لتعدد معاني آيات القرآن؟! .. هكذا إذاً تكون حجة قسوم حجة لكل راد للقرآن في إعمال آياته، والفهم منها مراد الله تعالى. .. والنتيجة أنه لا إحكام في القرآن ولا قولٌ فصل، ولا بيان، ولا حُجّة، هذا فقط لو كانت هذه الحجة لنضال قسوم صحيحة، وما هي كذلك بالطبع، لما تؤدي إليه من فساد في فهم القرآن بالغ على كل الصُّعد.]

      أتابع وأقول أنه لقائل (من المنكرين لكل القرآن ممن تعجبه هذه النتيجة) أن يقول: إذاً تكون الحجة صحيحة لكل القرآن، ولتفسد كل معانيه إذا كانت هذه النتيجة علمية. .. فأرد عليه وأقول أن حجة قسوم نفسها بتعدد المعاني (التأويلات/النظريات) لا يخلو منها أي علم، .. فيزياء أو كيمياء أو فلك أو لغة أو فلسفة .. إلخ. ولو كانت صحيحة في حالة القرآن كما يتوق إليه منكروه، لكانت صحيحة لهذه العلوم. ومن ثم، فسوف تفسد كل العلوم لمحض تعدد التأويلات الممكنة. ولكن الأمر غير ذلك، ولا يمكن أن تكون هذه الحجة صحيحة في حالة العلوم لأن هذه التأويلات قابلة للمفاضلة بينها، وما يرقى من هذه التأويلات في حالة تلك العلوم يتم تقديمه، وتُستبعد التأويلات الأخرى. ... فإذا كان هذا هو المنهج الصحيح في هذه العلوم، ويقدمه المنكرون للقرآن أنفسهم (هذا ما أفترضه من العقلاء منهم) فلماذا يحرمون القرآن وحده من هذا المنهج التفاضلي بين التأويلات، فيرفضون تقديم تأويل على غيره بحجة أن التأويلات متساوية القيمة، وما هي كذلك. ولو أنهم كانوا عادلين لما قالوا ذلك، ولسعوا مع القرآن يفاضلون بين التأويلات ويرون أيها أكثر اتساقاً مع النتائج المعملية (اعتماداً على دعوى القرآن بأن الذي أنزله هو الذي خلق الأشياء وهي الدعوى التي يجب أن يأخذوها على محمل الجد إلى آخر مداها كما يفعلون مع الظواهر الكونية) ولكنهم لا يريدون ذلك ابتداءاً !! ولا يعالجوه كما عالجوا علومهم، ولو عالجوا علومهم كما يعالجون القرآن لفسدت جميعاً، ولما بقى لهم منها شيء. أي أن الفعل المحرك لهم هو التحيز،

      ولهذا كانت حجة د. نضال قسوم في رفض كلام كيث مور بتبرير أنه استند إلى تأويل واحد حجة فاسدة ومدحوضة، ويتبعها في الدحض والفساد حُجة من يحتج بها على نفي أي إعجاز علمي في القرآن.

      حذف
  7. الاخ المحترم صاحب المدونة شكرا على اتاحة الفرصة اولا انا لم اعلق في الرابط اعلاة عن فكرة التطور بل أتيت برد علمي على ادعاء الاعجاز في خلق الجنين والرد موجود في موقعين يمكنكم الوصول اليها من خلال الرابط http://pastebin.com/phXUtvt9


    حول النقطة التي رددت بها على استنكار الدكتور قسوم للاعجاز المزعوم في خلق الجنين حيث لم تجبني على هذة النقطة في ردك اعلاة
    ............


    اما مايخص رأي الشخصي في الانتخاب الطبيعي اعتقد لايوجد تأويل لهذة المسألة وحاول الكثير من المسلمين اللذين شعروا بالحرج من (الانتخاب الطبيعي) وكتبوا تصورات لكن اعتقد ان كل ماكتب بشأن التوفيق بين المسألتين غير علمي وغير صحيح وما هو الا محاولة الهروب من الواقع المر التي فرضتة النضرية على اصحاب الديانات واللذين لم يجدوا وسيلة للدفاع الا نشر الاكاذيب عن النضرية بشكل عام وانا شخصيا مع العلم حيث ان الدراسات واضحة ولايمكن استثناء الانسان من عملية التطور وهذا لايعني الا أن الكتب الدينية ماهي الا كتب بشرية ومحاولة الالتفاف وانكار هذة الحقيقة لن ينفع

    اما مخالفة العلم والاستناد على النص الديني رغم مخالفتة للتطور 100% هذا منافي للعقل وأن قبلت بـتأويل هذة الايات كما يقول بعض من احرج من نضرية التطور ومخالفتها لقصة ادم وحواء سأكون غير امين للنص الديني اللذي وردت بة هذة القصة التي تبين انها خرافة
    ولايمكن بأي شكل من الاشكال ادعاء غير ذلك وادعاء انها مؤامرة حيث اصبحت النضرية مسلمة عند 99 من العلماء حتى المسلمين منهم قبلوها ولم ينجحوا بأيجاد تأويل للنص القرأني والكثير منهم ترك الدين بسبب هذة المشكلة

    اما محاولة السخرية من النضرية بهذة الطريقة وتكذيب الاف العلماء العباقرة اللذين يقضون اليل والنهار بالمختبرات ليس كما يفعل بعض اصحاب المدونات الاسلامية ويوافقهم في ذلك ادعياء التصميم الذكي ستجد مدى جهل هؤلاء مقابل علماء التطور ولايوجد احد من المسلمين يستطيع تقديم تصور مقنع او الوقوف اامام عالم تطوري واحد ليس لديهم سوى الكتابات الهزيلة (كلام جرائد) اما بحث علمي لايوجد مقابل هذة النضرية ووجود بحث مثل هذا يتطلب مختبرات وامكانيات ضخمة وهو غير واقعي حيث لاداعي للبحث عن ثغرات في النضرية لاثبات نص ديني هناك احتمال ولو بسيط انة غير صحيح وبشري فلما المكابرة لا ادري متى في عالمنا العربي نبتعد عن المسلمات الدينية المزعومة والابتداء بالعلم المتجدد الملموس الواضح كوضوح الشمس

    الانتخاب الطبيعي حقيقة لامناص منها المشكلة لدينا اننا نسلم بالقرأن 100% ولو وضعنا احتمال 1% ان يكون هذا الكتاب بشري لتعاملنا بعقلية علمية بدون العواطف كما يفعل العلماء الغربيين
    اما الاستمرار بالانكار ومحاولة التوفيق بين النصوص بطريقة لايقبلها العقل فهذا عبث لا بد ان ينتهي

    وانا متأكد انت شخصيا لو لم تكن مسلم لسلمت بماجائت بة النضرية ولسخرت من قصة (الصلصال وادم) لكن العاطفة غلبتك على حساب العلم

    والدكتور نضال عرف هذة المشكلة وتواضع امام العلم لعلمة ان قصة ادم خرافة وهذا واضح الكثير من البرامج التي ضهر فيها وتبين لي ان الرجل بعيد عن الدين ربما بسب هذة النضرية او غيرها لكن اعتقد ان هذة من الامور التي سامهت بتكذيب الدكتور لقصة ادم رغم انة قدم تبريرات يعلم هو انها غير مقنعة واعتقد انة هو لايعتقد بما قدمة من تبريرات لكن هو يحاول عن طريق هذة التبريرات اقناع عامة المسلمين الرافضين لهذة النضرية من دون فهم انها لاتتعارض مع القرأن لعلمة انا نضرية صحيحة ولايمكن للمسلمين التقدم العلمي دون الايمان بهذة النضرية والابتعاد عن النصوص الدينية الدكتور قسوم عرف المشكلة وواجهها بشجاعة عرف ان القرأن مخالف للعلم ..في هذة النضرية
    وهذا واضح في كتابات الدكتور وفي البرامج التي ضهر بها ويمكن لأي شخص الانتباة لهذة المسألة

    فلمذ انت ايضا لاتؤمن بهذة النضرية لا ادري كيف شخص يعرف العلم ومناهجة وبعد ذلك يشكك في الانتخاب الطبيعي ويستثني الانسان من ذلك

    ردحذف
    الردود
    1. رددت أعلى على الجزء الأول من تعليقك الذي ينتهي بخط منقط.

      وحول قولك: [ رأيي الشخصي في الانتخاب الطبيعي اعتقد لايوجد تأويل لهذة المسألة]

      أقول: واضح أنك تقصد من ذلك أن (الانتخاب الطبيعي) صريح وفريد المعنى. وأن ما يقصده منه الداروينيون أنه حق مطلق، وخلاصته أن الكائنات الحية التي نراها على أعلى درجات الاتقان ليست إلا نتاج تتابع من تفاعلات العناصر والمركبات الكيميائية التي ازدادت تعقيداً على نحو مُتصاعد حتى وصل الأمر إلى الإنسان وبالمدى من الإتقان الذي لا نستطيع حتى الإحاطة بعبقرية تفاعله المعلوماتي مع الكون عبر مجساته التي نسميها أدوات الحس.

      أليس هذا هو الانتخاب الطبيعي الذي تؤمن به؟!
      ولكن ما هو (الانتخاب الطبيعي) من حيث اللفظ والمعنى والاستخدام العلمي؟
      (الإنتخاب الطبيعي) لجمع من (العناصر والمركبات الكيميائية مهما زاد تعقيدها) هو (تفاعل تالي) يجنح إلى (أي: ينتخب) أحد فروع التفاعلات الممكنة أمامه، مثل ماء يسيل على سطح، فيميل إلى المواقع الأكثر انخفاضاً من غيرها، أليس كذلك؟!

      ولكن .. لو كان الكلام راجع إلى حالة فردية (برتقالة واحدة مثلا تجري على سطح معوج) لهبطت بكليتها في المكان الفريد الأكثر انخفاضاً وانتخبته بلا فرصة لغيره. ولكن الظواهر الطبيعية عديدة الأفراد، والاحتمالات أمامها عديدة التفرعات كثيرة المتغيرات. ولا يستقيم الحكم على سلوكيات عديدة الأفراد إلى بعلم الإحصاء الرياضي Statistics الذي لا ينتج إلا الاحتمالات. وأن الميل/الانتخاب ناحية الموقع الأكثر انخفاضاً لن يذهب إليه كل الأفراد، بل أغلب الأفراد التي تتزاحم فتتشتت بدرجة غير صفرية بالتأكيد (وإلا لم تكن ظاهرة إحصائية) والنتيجة أن نسبة من يصل إلى الموقع الأكثر انخفاضاً إلى غيره من مواقع محيطة يوصف بالدالة الطبيعية (دالة الجرس). ومعنى ذلك أن عدد غير قليل من الأفراد (وغير صفري بالتأكيد وغير فردي بكل تأكيد) لا يصلون إلى الموقع المنتخب، وهذه الأعداد تظل على قيد الحياة حتى مع اختلافها عن الغالبية التي ذهبت للموقع المنتخب.

      ومعنى ذلك أن كل جنس من الأجناس الحية يجب ... نعم يجب ألا يكون فريداً في صفاته، .. بل يجب أن تتوزع كل صفة من صفاته البدنية على شكل الدالة الطبيعية (دالة الجرس). ولا يقتصر الأمر على الطول واللون وهذه الصفات الشكلية، بل وتصميم كل عضو من أعضائه، فتجد الأنف المفتوحة من أسفل (وإن كانت الغالبة)، إلا أنه يجب أن تجد الأنف المائلة مع كل الزوايا، ويجب أن نجد الأذن لها أشكال مختلفة في درجات انحناءاتها وتعرجاتها وانفتاحها على كل الزوايا، ويجب أن نجد ذوي العينان – وإن كانت الغالبية – إلا أنك يجب أن تجد عدد غير قليل من ذوي العيون الثلاثة والأربعة والواحدة، وقس على ذلك كل الصفات العضوية والوظيفية، ويجب أن تعيش كل هذه الاحتمالات على دوال رياضية طبيعية تتفاوت في مدى انتشارها بين صفة وأخرى بحسب المتغيرات التي تعرض لها العضو في نشأته عبر تاريخ التطور كما تقول به الداروينية.
      ولكننا لا نجد هذا التوزع في كل الأعضاء بحسب الإحصاء الرياضي، ولا يُحتج بالتشوهات الخلقية التي هي حالات فردية لا ترتقي إلى قيم الدالة الطبيعية الإحصائية المنتشرة حول القمة.

      ومعنى أننا لا نجد هذه التوزيعات الإحصائية، أن ما يُسمى بـ (الانتخاب الطبيعي) لا يصلح كنظرية لتفسير ظهور أجناس الكائنات الحية، لأنه يجب أن ينتج عنه توزيعات منتشرة لكل جنس وفي كل صفاته الفسيولوجية، وهذا غير حاصل. وإن قال قائل أنها جميعاً ماتت قبل أن تتزاوج وتُنجب مثيلاً لها وتستمر في الحياة، فمثله مثل من يقول أن جميع الطلاب الذين لم يحصلوا على 100% في اختبارات آخر العام ماتوا ولم يمر إلى العام التالي إلا الحاصلون على 100%. فإن قيل ولم يموتون؟! .. قلنا: ولم يموت من كانت أنفه مفتوحة إلى الأعلى، أو إلى أحد الجوانب، فإن قيل أنه لن يجد من يتزوجه، قلنا أنه سيجد من هي في مثل حالته – بحكم الكثرة الإحصائية – مثلما نجد أن العمى بالولادة وزواج العميان قائما بينهم ولن ينتهي، ولم ينقطع رغم أن العمى انتخاب منبوذ. ويقال نفس الشيء على كل انتخاب منبوذ. لأن أصحابه عديدون احصائيا. ومن كان هذا شأنه، كان تفسير انعدامه بالانتخاب الطبيعي تفسير فاسد. وحيث أن الاجناس الـمُشاهدة خالصة في تصميماتها، ولا تتوزع اختلافاتها إحصائياً في كل أعضائها الفسيولوجية على الدالة الطبيعية، فتفسير ظهورها في الكون بالانتخاب الطبيعي تفسير فاسد.

      هذا هو أول سبب يمنعني من قبول الانتخاب الطبيعي، ومن ورائه النظرية الداروينية في تفسير ظهور الأجناس الحية، وبكل أنواعها.

      وسوف أوافيك بباقي أسبابي لرفض (الانتخاب الطبيعي) بعد أن أسمع ردك العلمي على ما قرأت حتى الآن. ولا تقل لي أن العلماء يقولون عنها كذا وكذا، لأني أفترض أنك تعلم، وأنك تستطيع أن تدافع عن معتقدك العلمي في قبول تلك النظرية بنفسك، فأرني أدلتك ولا تحيلني إلى غيرك.

      في انتظار تعليقك، كي أتابع الرد.

      حذف
  8. شكرا لك بالحقيقة انا ملم بالنضرية بشكل عام اما النقاش في تفاصيل النضرية لا اعتقد اني مؤهل لذلك لكن بشكل عام اعتقد ان النضرية والانتخاب الطبيعي رغم وجود بعض الامور الغير واضحة الى الان والتطور مازال مستمر والابحاث جارية مقبول علميا وعقليا اكثر من قصة الخلق المباشر من صلصال كما تذكرها الروايات والنص الديني التي لايمكن التحقق من صحتها على عكس النضرية التي يمكن فحصها باستمرار

    اما قولك عن عدم وجود توزعيات احصائية تدعم الانتخاب الطبيعي كما قلت الابحاث مستمرة وخصوصا في موضوع الانسان حيث مازال هناك فجوات

    لكن مع هذا تبقى هذة النضرية هي الوحيدة المطروحة الان والقابلة للفحص ومن عندة بديل فليعرضة الساحة مفتوحة لكن المشكلة لايوجد من طرح فكرة علمية مقبولة تدحض الانتخاب الطبيعي سوى ادعياء التصميم الذكي اللذين تبين مدى جهلم العلمي وتدليسهم رغم كون البعض منهم علماء في هذا المجال
    ومنعت نضريتهم ولايصلح حتى ان يطلق عليها نضرية من التدريس في الجامعات الامريكية
    وجميع الجاماعت بنسبة 99 في اوربا وامريكا تدرس التطور والانتخاب الطبيعي ومن ضمنهم البشر على انة حقيقة لا مناص منها

    ولو كان لديك تفسير علمي اقوى لهذة العملية فستكون بذلك حققت شيئ لم ينتبة لة الاف العلماء المتخصصين في العالم وحققت انجاز سيكتب في التاريخ واتمنى ذلك

    عموما ان كان في نيتك وضع كتاب توضح وجة نضرك في هذة النضرية بشكل علمي فأتمنى قبل الشروع بذلك توجية هذة الاسئلة لاحد اساتذة الاحياء التطورية ومناقشة افكارك معة قبل ان تشرع في بداية الكتاب لعل لديهم اجابات عن هذة الاسئلة حتى يكون كتاب علمي ليس كما نقرأ في بعض الكتب العربية ممن ردوا على التطور واصبحوا مثار سخرية في الغرب حيث تبين جهلهم بالنضرية ويمكنك زيارة احدى الجمعات ان كنت تسكن في الغرب ومناقشتهم بشكل مباشر او ارسال الاسئلة على البريد الالكتروني ان كنت في الدول العربية والعلماء في هذا المجال كثر وممكن الاستعانة بأحد العلماء ألقائلين بالتصميم الذكي
    لأنهم ايضا لديهم اشكالات في قبول الانتخاب الطبيعي رغم ضعف حجتهم
    لذا نصيحتي لك ان كنت غير متخصص بالاحياء التطورية كما قلت عليك طرح استشكالاتك عن الانتخاب الطبيعي على استاذ او اكثر من ذوي الاختصاص الرفيع وربما يكون لديهم اجابات مقنعة عن ماطرحت وبالتالي تزول هذة الاستشكالات

    اما كلامي وكلام غيري فليس بذي قيمة علمية وخصوصا في موضوع دقيق مثل الانتخاب الطبيعي

    مع الشكر الجزيل لك وتمنياتي ان توفق في كتابة الكتاب رغم صعوبة الموضوع ان لم يكن تخصصك

    وامنيتي ان ارى الكتاب يعرض ويناقش في الجامعات الغربية ك نضرية تواجة الانتخاب الطبيعي اما جامعتنا العربية فلا فائدة منها

    ردحذف
    الردود
    1. أُقدِّر لك إقرارك بعدم الخوض فيما استصعبته، وما ظننت أنه من تفاصيل النظرية!
      غير أن هذا ليس من تفاصيل النظرية. بل إنها ثقافة علمية عامة يعلمها كل متخرج من كلية علمية (هندسة، علوم، ..) وخلاصتها أن أي كمية طبيعية (متصلة continuous أو منفصلة discrete) إذا اعترضتها عوارض إحصائية لتجرفها عن قيمتها الأولى فإنها تتوزع حول تلك القيمة بدالة الجرس، ولا تؤول إلى قيمة واحدة باقية وقيم عديدة منعدمة (كما تتمنى الداروينية في تطبيقها الفاسد على نشأة الحياة وتتابعها). ومثال ذلك طول الإنسان وحجمه، ولهذا تصنع شركات الملابس والأحذية وغيرها مقاسات صناعاتها على توزيع دالة الجرس حتى لا تخسر إذا سوّت بين كل المقاسات. وينطبق هذا على كل كمية طبيعية (كثيرة عدد الأفراد)، بما فيها الجينات، إلا إذا تم تقييدها بسنة حاكمة ليست من طبيعة التشتت الطبيعي (الانتخاب الطبيعي) ولهذا كان الانتخاب الطبيعي تأويل فاسد، ولا أقول كما قلت أنت (أنه لا يتأيد بغياب – مؤقت- لتلك القيم التوزيعية المتوقعة إحصائياً حتى يجليها البحث العلمي)، بل أقول إن غيابها – في عالم الإنسان المشاهد على الأقل – من عدم وجود ذوي العيون الثلاثة والأربعة والواحد على توزيع إحصائي، .. إلخ، لدليل على عدم خضوع البنية الإنسانية – ومثيلها من بنى الحياة الحيوانية والنباتية- إلى قانون انتخاب طبيعي.

      - وإني لأستغرب من قولك: [(أن نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي) مقبولة علميا وعقليا اكثر من قصة الخلق المباشر]، رغم أننا لم نخض بعد أي مقارنة، ورغم أن أول فحص لها معك وصل إلى أنها محض افتراض مردود، ولم ولن تستطع رده، فكيف يكون مقبولاً علمياً وعقلياً؟!. ..ثم! .. ثم إني أراك تسوي بين العبارتين (نظرية تطور الكائنات الحية) و(نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي) .. ويفعل مثلك كل من يدافع عن الأخيرة! .. رغم أن الأدلة التي يسوقونها لا تدلل إلا على الأولى. بل إن المسلمين قبل قرون طويلة، ومنهم ابن خلدون، نادوا بنظرية لتطور الكائنات الحية من جراء الملاحظات العديدة، ولا جناح في ذلك، ولا تعارض مع نصوص القرآن. فمن الحكمة أن يتطور الوجود لأن الأعقد ينبني على الأبسط. أما الخدعة التي يتبعها الداروينيون – عجماً وعربا- أنهم يتذرعون بأدلة (نظرية تطور الكائنات الحية) العامة، على أنها تأييد لـ (نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي). ولا يخلو الأمر من أحد أمرين، إما أنهم ماكرون يستغلون جهل الناس، أو أنهم أتباع مُغرَّر بهم، يتبعون كل ماكر مخادع، بما يلبس به الأمور على الناس.

      - وكنت أود التنبيه على أن الاتِّبَاع غير البصير بالمشهور والمزخرف من دعاوى الناس قد يُؤدي بصاحبه إلى مآلات فاسدة، لذا فلتقبل مني نصيحة أخ – في اللغة على الأقل- بألا تعتقد وتدافع إلا عما تستطيع أن تتبع أدلته بنفسك، وألا ترتكن إلا خادع الأقوال. وإن لم تستطع التقرير، ففوض أمرك إلى (ما كان سراً في وجودك) ولو كنت مخلصاً حقاً ... فستجد قلبك يميل مع الحق الذي تطمئن إليه النفس.

      وللحديث بقية لو شئت.

      حذف
  9. الاخ المحترم نحن نطلب الحقيقية اين ماوجدناها نسير خلفها واراء الانسان تتغير كل يوم اطلع على امور لا اعرفها ولم تكن هذة النضرية وحدها سبب لتشكيكي في حقيقة الدين امور اخرى ليس المجال يتسع لذكرها لكن لايعني اني لا اطلع واحاول ايجاد حلول لهذة الامور طلبا في الحق

    رغم طلبك مني عدم احالتك لروابط خارجية لكن لم يعد لدي ما اضيفة سوى ان هناك علماء مسلمون اقتنعوا بالنضرية وفسروها بأيات القرأن رغم عدم اقتناعي بتفسيراتهم لكن هل انت تميل الى هذة التفسيرات الواردة هنا pastebin.com/ZmkWwQHW ام لك تفسيرات اخرى

    ردحذف
    الردود
    1. إذا كنت تقصد بالتشكيك بالدين (القرآن) ما يؤدي بك إلى الحكم البات بالخطأ - فهذا يجب أن يكون مقروناً بيقين.
      فأسألك: وهل هناك يقين عند (الداروينيين) يقطع بأن (الانتخاب الطبيعي) هو الفاعل باستقلال على وجود الحياة؟!
      يجيبك كل (دارويني) بأنه لا يقين وإنما محض ظن وترجيح قد يتبدل!
      فكيف تنفي به (القرآن)؟ ...
      وهذا هو معنى الآية: [بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ] بمعنى: كيف يكذبون وهم ذووا علم محدود غير مستوفي بأدلة نفي!

      وإذا كان لديك أسباب أخرى للتشكيك.. فلكل حادث حديث.

      وأما الروابط التي أرفقتها عن التطورين من المسلمين، ففيها وفيها، وأؤجل حكمي عليها إلى الكتاب الذي أشرت إليه .. وذلك حتى أطمئن إلى صياغة آمنة لعباراتي وأن تكون مفهومة في سياقاتها .. لذا آمل منك الانتظار إلى حين إخراجي ذلك الكتاب، إن كان ذلك في قدري - (أقصد :إن شاء الله .. حتى لا تستهجنها).

      حذف
  10. في ختام نقاشي معك لايسعني الا ان اشكرك على لطفك ورغم اقتناعي ان التطور امر اقرب للصواب الى الان وانة لايمكن تأويل الايات لمقاربة التطور هذا لايعني الجحود والتنكر للحقيقة اذا تبينت لي وفي الحقيقة ماتطرحة في مدونتك من ردود علمية تستحق الشكر والثناء حتى ان اختلفت الاراء تجاة بعض الامور خصوصا بعد اطلاعي على المواقع الاسلامية وما فيها من كلام لايمت للعلم بصلة وكثرة ادعياء العلم على عكس ماوجدتة في هذة المدونة من جهد علمي رصين ويدل على سعة اطلااع واخلاص في هذا العمل لأن عمل كهذا يتطلب وقت وجهد احترامي لكم واحترامي لمنهجكم العلمي

    اما بخصوص التطوريين المسلمين بصراحة لم اعرفهم الا في الايام الاخيرة لأني لم اكن مهتم بكلامهم لأني اعرف منذ البداية ان التطور معارض للقرأن
    لكن لفتني ماكتبت عن (الصلصال الفخار) ووجدت التطوريين المسلمين يتحاشون ذكر هذة الاية ويذكرون الايات الاخرى ويفسروها على هواهم ويقولون نحن مسلمون لا ادري مهذا الخبل اللذي نعيشة في العالم العربي لا ادري كيف يجوز لشخص يؤمن بأن التطور حقيقة ويعرف ان مامذكور في القرأن مخالف لهذا ويبقى مسلم ويخادع نفسة بتفسيرات وتأويلات اكاد اجزم انهم هم اصلا غير مؤمنين بها لكن كي يسوقوا الفكرة للعامة وان يشيعوا فكرة ان الاسلام لايخالف الانتخاب الطبيعي البشري

    في الحقيقة من خلال متباعتي للعلماء الغربيين المؤمنين اجدهم لايسوقون لهذة الفكرة ك علماء العرب هناك عالم رياضايات مسيحي اطلعت على مناضرة لة مع عالم احياء قالم عالم الرياضيات انا مؤمن بالتطور لكن في نفس الوقت لاأومن بتطور البشر وان في مرحلة تطور البشر الله بنفسة تدخل في هذة المرحلة

    على عكس علماء المسلمين اللذي يقرون النضرية كلها 100% وبعد هذا نحن مسلمون !!

    وهذة حلقات لدكتور(Hematologist ) مؤيد للتطور ارفقت ايميل الدكتور اذا كان لديك اي استسفسار عن التطور ربما لدية الاجابة

    http://pastebin.com/5hQv6eyq


    رغم اني افضل ان تتواصل مع مختص بالاحياء التطورية لتخخصي في هذة المسألة كي يختصروا عليك مرحلة البحث عن كثير من الاسئلة

    ولن اتفاجأ في يوم من الايام اذا ماوصلت الى شيئ مقنع لتفسير هذا الامر من خلال كتابك لا يخفأ على قارى لهذة المدونة ان يلاحظ انة اما عقل ليس بهين

    شكرا لك من القلب

    ردحذف
    الردود
    1. ولك مني الشكر أيضاً على وفائك في تثمين ما قرأت لي، رغم اختلافنا.

      أما حالة (الصلصال الفخار) فإنها - وإن كانت تقطع بنفي خروج آدم من رحم مخلوق قبله كما يخرج نسله الذي قال الله فيه "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ" - إلا أنها لا تنفي - بل تُرشح - أن يكون آدم قد خرج من شرنقة لها هيئة الصلصال الفخار. ولتلاحظ أن الفخار عادة ما يكون أجوف، وهو ما يشبه لحد كبير تشرنق الحشرات وتحولها الكلي من مخلوق إلى مخلوق. وأدعوك أن تطالع البحث عن الألفاظ (Chrysalis، Pupa، earthenware، ceramics، pottery، stoneware، clay) وخاصة الصور >>> وإن حدث وملت أنا لفكرة تطورية ما، فالغالب أن تكون ناحية تشرنق آدم على مثل هذه الهيئة، التي تراها في الصور، وبما يتفق مع الوصف القرآني الذي أؤمن به، والذي أرجع عدم تمام فهمه إلى الآن إلى نفسي. وهذه الفكرة (سرٌ) لم أصرح به لأحد من قبل، وقد دفعني إلى التصريح به كلامك عن التعارض التام بين (مبدأ) التطور والقرآن في عبارة (الصلصال الفخار)، وتمثل هذه الفكرة فصلاً من فصول الكتاب الذي ذكرته لك. .. ولكني لم أمتلك إلى هذه اللحظة إلا التخمين والظن، دون الاستدلال القوي الحجة، .. عسى أن يكشف الله تعالى من المعلومات ما أقطع به في صحة هذه الفكرة، أو عدمها، والوقوف على الحق في خلق آدم عليه السلام.

      وأشكرك على الرابط الذي أرفقته، وأتمنى لك ولنفسي التوفيق إلى الحق الصريح، والذي أؤمن أنه غير بعيد عن المخلصين المجدين في البحث عن الحق، عسى أن نكون منهم (لأن الله تعالى يقول عنهم في القرآن "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" - أي طريقتنا في الخلق - أما الفريق الآخر الذي يرى الحق فيُنكره ثم يعاجزه، فقد توعد الله تعالى أصحابه وقال "وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ .... " .... فأسأل الله الا نكون منه، آمين.

      حذف
  11. أرسل إلي أحد القراء هذه الرسالة البريدية:

    السلام عليكم هام جدا وصلني عن طريق الفيس بوك هذة الروابط الهامة التي اتمنى ان تتطلع عليها دكتور عز الدين واتمنى ان تبين رأيك حول ما جاء في هذين الرابطين

    https://www.youtube.com/watch?v=-ng3Rs5nXmY

    https://www.youtube.com/watch?v=MYl6A9FeexQ

    ------------------------------------------------------------------------------------------------------------

    فأجبته بالآتي:

    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    طالعت الرابطين، وسمعت أصغرهما كاملاً، وكان الأطول عندي من قبل.
    وأظن أني رددت على نضال قسوم بالتفصيل على هذا الرابط
    http://kazaaber.blogspot.com/2014/12/2.html
    آمل مطالعته وإن لم يكن وافياً أبلغني .. ربما أضيف إليه ما يستكمله.

    والخلاصة أن نضال قسوم يجعل العصمة كاملة للعلم الحديث، ولا يضع احتمالاً ولو ضئيلا لاحتمال خطئه، ثم يجعل القرآن تبعاً له... وأن علينا أن (نتلاعب) بالتأويل كي يوافق القرآن العلم الحديث مهما كانت وجهته .. بحجة أن الناس ستترك الدين لو لم نفعل ذلك (كما قال في نهاية الرابط الأول) ... وهذا كلام مرفوض .... لأن هذا المنهج سيُفقد القرآن صرامته وإحكامه وكونه (قول فصل ليس بالهزل). ... والغريب أن نضال قسوم ليس عالما بالأحياء التطورية .. ومعلوماته عنها هو ما يعرفه عنها عوام المثقفين ... فلماذا يدافع عنها بهذه القوة ... رغم أنها مليئة بالمعضلات التي لم يتطرق هو إلى واحدة منها ... ولا أقول أن كل مقولات نظرية التطور خطأ .. ولكنها ليست كلها صحيحة، وما هو صحيح منها .. من تتابع الخلق .. يؤخذ ذريعة على ما هو خطأ فيها ... وأقصد زعمها بأن آدم خرج من رحم (مخلوق) قبله ... وهذا الفهم الأخير يتعارض تماماً مع قول الله تعالى (من صلصال كالفخار) ... ويتجاهل نضال - أو لا يعلم - هذا الصدام ... ولا يخطر بباله حتى أن يُراجع التطوريون تصورهم ... الذي هو مبني على عدم علم بما قال الخالق الذي خلق ... لأنهم لا يؤمنون بأن هناك خالق ويبنون نظريتهم على هذا التصور .. وعلينا - بحسب نضال قسوم - أن نُسلم لهم أي كلام يقولونه ... لماذا؟ لأنهم أهل العلم الحديث ... (العلم المقدس) !!!!

    أي أن نضال قسوم يقدس العلم أكثر من تقديسه للقرآن !! ... ثم يجر القرآن ورءه جراً ... ولن نتركه يفعل ذلك ..

    ردحذف
  12. السلام عليكم هل هناك خلاف بين العلماء أن كان الكون مغلق ام مفتوح ؟
    ام كلهم يعتقدون بأن الكون مفتوح ؟
    وهل الايات القرأنية تدلل بشكل قاطع على انة مغلق ام يمكن تفسيرها على الوجهين ؟

    ردحذف
    الردود
    1. عليكم السلام ورحمة الله
      شكل الكون غير محسوم بين علماء الكوزمولوجي، والرأي الغالب بينهم أنه مفتوح، و قد قَدَّروا أنه مستوٍ (Flat) إلى حدٍّ كبير بناءاً على أرصاد أشعة خلفية المايكرويف.
      أما عن الانغلاق المحكي عنه في الكوزمولوجي فالظاهر لي أن معناه مختلف عما تقصده أنت من انغلاق الكون بالمعنى القرآني. فانغلاق الكون بالمعنى الكوزمولوجي هو انحناء تام للأشعة الضوئية عبر الكون يبقي الأشعة دائما داخله. أما انغلاق الكون بالمعنى القرآني – إذا أصبت في قراءة أفكارك – فهو انحصار الكون تحت العرش. وحيث أن التعريفين مختلفان، فلا يمكن الخروج بتصادم بين انغلاق الكون بالمعنى القرآني وانفتاح الكون بالمعنى الكوزمولوجي. فإذا أخذنا في اعتبارنا أن الشعاع الضوئي المنبعث من أي نجم يمكن أن يصل إلى حافة الكون نتيجة انفتاحه بالمعنى الكوزمولوجي، فلن نجد في الحقيقة أي تصادم بين هذا المعنى، وأنه خارج من جوف السماء إلى خارجها – في اتجاه العرش - بالمعنى القرآني. ... وعلى ذلك فالكون منفتح بالمعنى الكوزمولوجي (في أغلب أقوالهم) مثلما أنه منفتح بالمعنى القرآني.

      هذا والله تعالى أعلم.

      حذف
  13. تطويع الدين ليتوافق مع العلم لن ينفع الدين في شيء، إذا كان الدين يحتاج لتأويلات فهو غير مفهوم وإذا كانت التأويلات لا تتنبأ بشيء قبل إكتشافه فهي ليست إلا ترقيعا لأخطاء الدين،كل ما يسمى بإعجاز علمي في الدين لا يمت للمنهجية العلمية بصلة ويندرج تحت قائمة العلوم الزائفة،
    الفرق بين العلم و الدين هو أن العلم لا يحتاج من يدافع عنه ليكون صحيحا بينما القصص الدينية يجب أن تزرع في الأطفال منذ الصغر وإلا فلن يصدقها أحد. الدين يسير نحو الزوال سواء تم ترقيعه أم لا. كل ما يقوم به قسوم هو محاولة تأجيل أمر محتوم.

    ردحذف
    الردود
    1. هذا التعليق مليء بأخطاء وهمية سلم بها صاحبها ابتداءا، وعليها أقام استدلالات خاطئة.
      1- كافأ بين دين الإسلام وأي دين آخر، سماوي صحيح أو محرف أو افتراه الناس. وهذا لا يفعله إلا جاهل.

      2- قوله: (تطويع الدين)..... ولو أنه يؤمن بقول الله تعالى " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ"، .. وقوله تعالى " وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا" ... لما قال هذا.

      3- قوله: (ليتوافق مع العلم)، فنقول له: القرآن لا يتوافق مع كل ما جاء في العلم الحديث، بل مع ما صدق منه فقط. ويخالف ما كذب منه. ... ولا يُعلم هذا من هذا إلا بالمواجهة وتدبر كلا الطرفين .. أما من يهرب من المواجهة فهو عاجز في أحدهما أو كلاهما. ... وعليه بالصمت حتى لا يحرج نفسه.

      4- قوله: (لن ينفع الدين بشيء)، ... نقول له: الحق يؤيد الحق وينفعه، ما دام أنهما يتناولان موضوعات مشتركة، .. ومن لا يعلم ... ينفي بلا علم كما قال تعالى " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ"... ولا لوم على جاهل.

      5- قوله: (إذا كان الدين يحتاج لتأويلات فهو غير مفهوم) .. واضح أن قائل هذا الكلام لا نصيب له في العلم .. فالعلم الحديث أغلبه تأويلات، والنظريات جميعها – ليست إلا تأويلات – منها ما صدق وأغلبها تتقلب بين الأدلة المؤيدة والمعارضة .. ولو كان كلامه صحيحاً لكان العلم الحديث أيضاً غير مفهوم .. وهذا كلام عابث .. سواء قاله عن العلم أو عن القرآن.
      6- قوله: (أخطاء الدين) .. نقول: هذا في أوهامه هو، أو أمنياته، وكا إنسان يتمنى ما في قلبه.
      7- قوله: (إذا كانت التأويلات لا تتنبأ بشيء قبل إكتشافه فهي ليست إلا ترقيعا لأخطاء الدين) .. أقول له: القرآن والسنة مليئآن بالتنبؤآت .. ومن أعرض عنها فكيف يعلمها؟! ... وأعطيه مثالاً واحداً (ووراءه مئات من التنبؤآت).... (الجبال أوتادا) وكيف أنها تنبأت بجذور الجبال التي لم يكن يعلمها أحد . إقرأ هذه المقالة لعلك تعلم :
      http://kazaaber.blogspot.com/2016/05/blog-post.html

      تابع ...

      حذف
    2. 8- قوله: (كل ما يسمى بإعجاز علمي في الدين لا يمت للمنهجية العلمية بصلة ويندرج تحت قائمة العلوم الزائفة). ... نقول له: المنهج العلمي الغربي إلحادي البنية .. والعرب السائرون فيه مُضطرون لمجاراته ... منقادون لأئمته .. لا يستطيعون ولا يجرؤون على الحديث عن آية في القرآن في أبحاثهم وإلا طردهم آلهتهم الغربيون من نعيمهم .. ويُسمون هذا المنهج الإقصائي بالمنهج العلمي ... ولو درسوا آيات القرآن لوجدوها أوقع وأثبت من ظنون كثيرة مبثوثة في أبحاث وكتب تندرج تحت هذا المنهج الإقصائي .. وهذا لأن منهجهم ليس علمياً كما ينبغي، ولو كان علميا بحق لعالج – المسلمون الباحثون – فيه آيات القرآن – التي يعلمون أنها كلام الخالق العليم الحكيم - بأفضل من تخمينات الباحثين ... ولكنهم أضعف من ذلك ... ليس لأنه ليس على المستوى ، بل لخوفهم على مصلحة عاجلة يخشون فواتها. فكيف يحكم صاحب التعليق بمنهج إقصائي ضد من أقصاه .. هذا حكم مجروح. .. والحكم لا يكون إلا من جهة محايدة.

      9- قوله: (الفرق بين العلم و الدين هو أن العلم لا يحتاج من يدافع عنه) .. نقول له: واضح أنك لست أستاذ جامعي، ولا علاقة لك بسلك البحث العلمي .. لأن مناقشة رسالة الدكتوراة تسمى بالإنجليزية (دفاع Defense) .. فكيف يكون العلم لا يحتاج إلى من يدافع عنهفي الوقت الذي تُسمَّى بوابة الدخول فيه (دفاع الباحث عن رسالته في الدكتوراة) ... ألم أقل أن صاحب التعليق جاهل!!

      10 قوله: (القصص الدينية يجب أن تزرع في الأطفال منذ الصغر وإلا فلن يصدقها أحد) .. أقول له: هذا كلام زائف .. والدليل هو آلاف العقلاء الذين يُسلمون كل يوم وخاصة في الغرب.
      11- قوله: (الدين يسير نحو الزوال سواء تم ترقيعه أم لا) ... أقول له: يبدو أن صاحب التعليق لا يقرأ إحصاءات انتشار الأديان، ودخول الناس في الإسلام خصوصا، .. وكان أولى بصاحب التعليق أن يصمت حتى لا يفضح نفسه إلى هذه الدرجة.

      12- قوله: (كل ما يقوم به قسوم هو محاولة تأجيل أمر محتوم) .. أقول له/ الدكتور قسوم أعقل من ذلك .. وهو رجل مؤمن صادق في وجود مواجهة استشعرها وعايشها ... ولكنه لم يحسن معالجتها. أما قائل هذا الكلام .. فلم يستشعرها .. لأنها لا يعايش المناخ العلمي .. كما تبين من كلامه أعلى مرارا ... فكيف يحكم على ما يجهل.

      وأخيراً نقول: .. نعوذ بالله من الجهالة.

      حذف
    3. السلام عليكم أستاذ. انا من القرّاء الاوفياء لمدونتكم و حقا تستحقون الشكر و التقدير عَلى اجتهاداتهم و تدبراتكم في كتاب الله العظيم. انا أوافقكم الرأي في نظرتكم حول مفهومي التفسير و الإعجاز العلمي. و في الكثير من افكاركم.
      فيما يخص موضوع التطور و الذي صحيح كما قلتم فهو اشمل من الانتخاب الطبيعي لكن هذا لا يعني ان الأخير ليس فيه اَي دليل. فهناك مستحاثات لكائنات انتقالية تم العثور عليها مما يدل على وجودكائنات انتقالية من كائنات لأخرى. كما انكم تقولون "نظرية دارويين القائمة على الطفرات" و عبارة "الداروينيون" مع ان دارويين لم يكن يعلم بالجينات فما أدراه بالطفرات؟ فهذه أتت بعد دارويين كما و ان النظرية ارتقت بعده هو.
      كما انني لا ارى انها بالضرورة محض صدفة و عشوائية بل حتى للطفرات مسببات كالأشعة...
      انا صراحة اؤمن بالقران الكريم بما فيه من ادلة على صدقه و لا ارى فيه تناقضا مع العلم الواثق منه، سوى ان نشأة آدم فيها أشكال، حيث ان عبارة الصلصال الفخار فكما قلتم قد ترشح انه خرج من شرنقة لها تلك الهيئة لكنني لا ارى انها توافق خروج آدم من رحم مخلوق منه. ذلك و انا اعلم إنكم لم تكملوا دراستكم حول النظرية غير انني أودّ المناقشة في هذا الموضوع وانا اثق فيكم لانكم لا تدلسون كما يفعله البعض.
      اما فيما يخص الدكتور نضال قسوم فهو يامرنا الٌا نقرأ الآيات قراءة حرفية وهذا ليس في صالح الدين كما أنني أراه يؤول الآيات حسب هواه لتوافق العلم مع انه يعيب على الاعجازيين ذلك.
      في الأخير اطلب منكم الرد على تعليقي فلقد مرت أشهر ولَم نر الجديد، على الأقل استفسار، دمتم في رعاية الله.

      حذف
  14. السلام عليكم استاذنا و عودة موفقة. انا جد مسرورة بعودتكم و الله. بعد طول انتظار لكني لم افقد الامل في عودتكم.
    اما بعد، لقد سئمنا فعلا ممن يزعم وجود اخطاء في القرآن الكريم ظانين انفسهم "موضوعيين" و اننا نتبع الدين تتبعا اعمى بالرغم من ان طعوناتهم لا تمت للموضوعية بصلة ويغشى عليها حقد مسبق للدين و سخرية . و مع تمكني من الرد على البعض منها ارجو منكم ان تردوا على ما استطعتم. كما و انني انتظر منكم مواصلة كتاب "فتاوى شرعية في النظرية النسبية" و معرفة ان اتممتم دراستكم لنظرية الانتخاب الطبيعي.
    دمتم في رعاية الله.

    ردحذف
  15. السلام عليكم اخي الكريم، لقد دخلت لهذا البحث لعلي اجد تفسيرا لآية "ان الله يمسك السموات والارض ان تزولا..." ولم اجد مبتغاي ، فهل بإمكانك ان تعرض علي ردا على العديد من المفسرين الذين يقولون ان الارض لا تدور ولا تتحرك بتفسير هذه الاية؟ ، ومنطقيا معنى ان تزولا هو ان تتحركا عن اماكنهما ، ومعلوم ان السموات لا تتحرك بل ثابتة لذلك يلزم ان يكون القصد من الاية ايضا ان الله يمسك الارض من ان تتحرك من مكانها، فكيف نوفق بين الاية وبين حركة الارض؟

    ردحذف
    الردود
    1. عليكم السلام ورحمة الله

      أين توجد الشمس والقمر والنجوم ؟ ..
      أوليست في السماء الأولى على الأقل؟ بلى.
      ألا تتحرك؟! .. بلى
      لو كان زوال السموات هو محض حركة ما فيها، لكان كل شيء فيها يزول، وهي من ثم كذلك، ولكن الله يحول بينها وبين زوالها.
      فزوال الشيء إذن ليس محض حركته. بل محض انتفاء نظاميته.
      أي أن المقصود من قوله تعالى "ان الله يمسك السموات والارض ان تزولا..."
      هو أن الله تعالى يمسك الكون عن أن يتفكك ويزول النظام الذي خلق الله الأرض والسموات (بكل ما تحويه) عليها.
      فالقمر أيضا لا يزول، رغم دورانه حول الأرض. أي لا ينفك عنها أو يتفكك أو يتلاشى.
      والشمس لا تزول عن دورانها حول المجرة (أما زوال الشمس وقت الظهر، فالمقصود منه زوال ظلها، لا زوالها هي .. هذا لمن لا يفهم)
      والأرض لا تزول عن مدارها حول الشمس وحول نفسها، وإلا لانتفى نظام بقائها من ليل ونهار، وصيف وشتاء، وحرارة صالحة للحياة.
      ومن لا يعلم كل هذا .. فليس له في العلم من حظ، وليس له في فهم الأيات الكونية في القرآن من نصيب.
      وعليه أن يصمت خيراً له، فلا ينفضح بجهله.

      حذف