الفصل (أ4) - محمود شلتوت
من كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
تحت عنوان "تفسير القرآن على مقتضى النظريات العلمية"، في مقدمة تفسيره للقرآن، يقول الشيخ شلتوت[2]،[1]: "إن طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وتلقنوا أو تلقفوا شيئاً من النظريات العلمية والفلسفية والصحية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون القرآن على مقتضاها. نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ"(الأنعام: 38) فتأولوها على نحوٍ زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً، ففسروها على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ماوقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويَدْعُون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله، فإذا مرت بهم آية فيها ذكرٌ للمطر، أو وصف للسحاب، أو حديث عن الرعد والبرق، تهللوا واستبشروا وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب، وكيف ينشأ وكيف تسوقه الرياح. وإذا رأوا القرآن يذكر الجبال أو يتحدث عن النبات والحيوان وما خلق الله من شيء، قالوا: هذا حديث القرآن عن علوم الطبيعة وأسرار الطبيعة، وإذا رأوه يتحدث عن الشمس والقمر والكواكب والنجوم، قالوا: هذا حديث يثبت لعلماء الهيئة والفلكيين أن القرآن كتاب علم دقيق!"
نلمح في سياق هذه الفقرة من كلام فضيلة الشيخ شلتوت عدداً من الملاحظات:
- أن المحكي عنهم طائفة من المثقفين، وأنهم أخذوا بطرف من العلم، وأنهم تلقنوا وتلقفوا شيئاً من النظريات. ورغم أن هذه التوصيفات تنطبق عليهم حقيقةً، إلا أنها تعكس تعريضاً بهم، ومن ثم بما سيُنقل عنهم من مزاعم. وكأن الثقة في كلام مثل هؤلاء غائبة، وأنهم عابرو سبيل على طريق العلم. ورغم أن جُلَّهم كذلك، إلا أن سياق الكلام ينبني على أن هؤلاء ليسوا بعلماء، وأن كلامهم خبط عشواء، ورأي من الآراء، لا يستند إلاّ إلى ثقافة مستحدثة، أفسدت علاقتهم بالقرآن، وأفضت إلى غير مراده، ولا أغراضه. فكانت النتيجة صورة سلبية عن الآراء، مثلما هي عن أصحابها. فكانت الصورة المنقولة سلبية!.. ليس فقط عن المحكي عنهم!.. بل الأهم من ذلك "المحكي عنه"، أي: مبدأ التفسير العلمي لآيات القرآن، وما يؤدي إليه من إعجاز علمي.
- استنكار الشيخ لأي فائدة لهذه المنحى الجديد، الذي اتخذه هؤلاء المثقفين، ونلمح ذلك في قوله "ظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام"، وقوله " زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً "!
- استنكار الشيخ لأمثلة عابرة من التوافقات، بين ما رآه هؤلاء المثقفين من ظواهر الخلق، بعد مزيد فهمٍ وتحقيق من آثار العلوم الحديثة، وما أنزله الله تعالى في كتابه من آيات لا تخطئها العين والفهم والنظر!
ونتساءل: ما الحرج في مقابلة الآيات المكتوبة مع الآيات المنظورة؟! – هل أن ألفة الآيات المنظورة قد أبهتت صورتها، وجعلت الحديث في شأن معانيها العميقة فضلاً من الكلام؟! أم أن ما كشفته الأيام عن عميق الإبداع في الخلق شيء، وما قاله المبدع سبحانه عن خلقه شيئاً آخر؟! أم أن الاستخفاف بهذه الطائفة من المثقفين يحمل معه استخفاف بأي شيء يأتون به زيادة على ما في كتب الأولين؟! – نعم إن النفس البشرية لتتأثر ببيئة الحق إذا كانت مرذولة، أو ببيئة الباطل إذا كانت ممدوحة، فلا تعد ترى الحق حقاً، ولا ترى الباطل باطلاً، وذلك في مثل قول الله تعالى "قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ"(الشعراء:111). ولكن العلماء أمثال الشيخ شلتوت لا ينبغي أن يقفوا عند هذه التشويهات العابرة، والعثرات الفاترة، بل يجب أن يروا بثاقب بصائرهم الحق جلياً ساطعاً، والباطل مخزياً فاضحا.
ثم لماذا يرى الشيخ أن هذا المنحى الجديد لا يخدم القرآن، إذا اتفقت وتآلفت بينهما المسائل؟! – أليس الحق يؤازر الحق وتنضاف قواهما، فيشد بعضُها بعضا! أم أن هذا المنحى الجديد لا حق فيه لأنه نظريات؟! – ثم أنها ليست نظريات فقط كما فهم الشيخ- أم أننا لا نعرف إن كان حقاً يؤازر الحق وينصره، أو باطل يعادي الحق ويهجره؟! وفي كلٍّ فتنه تفتن المؤمنين! وإن كنا لا نعرف، فلماذا لا نعرف، وقد أمرنا الله تعالى أن نعرف؟! – لماذا ترك الأزهر السفينة تسير بغير دفة ولا شراع، ولا بحّار بالسبيل بصير؟! لماذا لم يَقُد الأزهر مسيرة العلم ويحقق رسالة الله تعالى التي حمل أمانتها، ألم يأمرنا الله بذلك في قوله سبحانه "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ..."(العنكبوت: 20)، وقوله جل وعلا "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"(يونس:101)، وقوله سبحانه "لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(البقرة: 219-220)، أوليس الأمر – بـ إفعل - في "أصول الفقه" يفيد الوجوب؟! أم أنه للندب أو الاستحباب؟! أم أننا نختار بين هذا أو ذاك بهامس من نشاطنا وكسلنا، أو ظننا ووهمنا، أو حُبِّنا وكُرْهنا، أو علمنا وجهلنا؟!
– فماذا كانت نتيجة هذا التراخي؟ - مدارس مدنية، وعلوم غربية، وألسنة معوَجّة، وفتن مُسوَدَّة. فإذا فسح المثقفون لأنفسهم في الطريق سبيل، وعادوا إلى كتاب الله تعالى الجليل يقرؤونه بعيون جديدة، وقلوب نابضة، أُغلق دونهم بالضبة والمفتاح، وسخر منهم الساخرون، وقالوا شرذمة قليلون منبوذون؟! وأن الدين لا يُنصر بناعقين من طوائف المثقفين!
يتابع الشيخ شلتوت ويقول: "ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين في القرآن قوله تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ"(الدخان، 10-11) بما ظهر في هذا العصر من الغازات السامة، والغازات الخانقة التي أنتجها العصر البشري فيما أنتج من وسائل التخريب والتدمير، يفسرون الآية بهذا ويغفلون عن قوله تعالى: "رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ"(الدخان، 12-14). رُوي[3] أن رجلا جاء إلى ابن مسعود وقال له: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه، يفسر قوله تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ"(الدخان:10) بأن الناس يوم القيامة يأتيهم دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام، فقال ابن مسعود: من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إنما كان هذا لأن قريشاً استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتى أكلوا العظم، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد"
نرى في هذه الفقرة ثلاث تأويلات لـ "الدخان المبين": الأول، ما يتعجب منه الشيخ شلتوت من تفسيرات المحدثين، والثاني ما رُوي عن الرجل المذكور وأن هذا الدخان يأتي الناس يوم القيامة ويأخذ بأنفاسهم كهيئة الزكام، والثالث ما يقدمه ابن مسعود من أنه يوم أصاب قريش القحط والجهد، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. أما الثاني فقد رده ابن مسعود بقوله: " من لم يعلم فليقل: الله أعلم"، وما ذكره الطحاوي في مشكل الآثار[4] وزيادة في الرواية أن ابن مسعود قال أيضاً "لو كان (أي ذلك الدخان) يوم القيامة لم يكشف عنهم".
أما تفسير ابن مسعود فإنه مشكل بحق، فالوصف القرآني عن الدخان بأنه "دُخَانٍ مُبِينٍ"، وتفسير ابن مسعود يقول فيه "ينظر (أي الرجل منهم) إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد"، وهذا الوصف لا يتفق وكون الدخان مبين، ويصف المرئي بأنه كالدخان، ولكـنه ليس دخان، ثم يعلل الرؤية بأنها من الجهد، وكأن الضعف البدني الذي أصاب الرائي أوهمه برؤية تشبه الدخان من شدة الهزال. فأين هذا الوصف من قول الله تعالى "دُخَانٍ مُبِينٍ"؟!
أما التأويل الأول للمحدَثين ففيه مزية وهي تعليل العذاب المرافق للدخان بأقوى من تعليل التأويلين الآخرين (كهيئة الزكام، والجَهْد)، وبما يتناسب مع كونه عذاباً، وهو شيء لم يكن يعلم به أحد من قبل، وظهر مع العلم الحديث بوجود دخان (غازات) سامة، أو تحمل الأذى للأحياء. ورغم ذلك فتفسير الغازات السامة أبتر، ولا يكفي وحده دون قرينة أن ذلك سيحدث على الصورة التي وصفها الله تعالى، وخاصة أن مصدر الدخان السماء، وأنه مقرون بعقاب بدلالة قوله تعالى "إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ"(الدخان:15).
لذلك كانت التأويلات الثلاث مثيرة للإشكال، وليس هناك من قطع بصحة تفسير ابن مسعود إلا إذا كان الدليل هو كونه "قول صحابي"، وهذا دليل من خارج متن الرواية، والاجتهاد فيه منفصل عن تحليل محتواها، هذا بخلاف ما يسببه من إشكال مع كون الوصف القرآني للدخان "نص" أي أنه بَيِّنْ لا اجتهاد فيه، فلا ينبغي أن يُؤَوَّل بشيء يشبه الدخان.
كما وأن كتب التفاسير تؤكد عدم اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على رأي واحد، وإن كان العزوف عن رواية ابن مسعود أقرب، فقد قال ابن كثير بعد أن روى رواية ابن مسعود: [وقال آخرون: لم يمض الدخان بعد، بل هو من أمارات الساعة، كما (جاء في) حديث أبي سَرِيحة حذيفة بن أسيد الغفاري، رضي الله عنه، قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، و...]، وذكر الطبري في تفسيره حديثا [عن أبي سعيد، قال: يهيج الدخان بالناس. فأما المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزكمة. وأما الكافر فيهيجه حتى يخرج من كلّ مسمع منه، قال: وكان بعض أهل العلم يقول: فما مَثل الأرض يومئذ إلا كمَثل بيت أوقد فيه ليس فيه خصاصة (خلل، أي متنفس للحرارة)]
وهذا يعيدنا إلى التفسير الثاني الذي استبعده ابن مسعود أعلى، والذي فيه كهيئة الزكام، وتعود إليه القوة بعدما يتعدل فيه لفظ القيامة إلى قبل يوم القيامة أو إلى أمارات الساعة. وإذا أرفقنا معه افتراق المؤمن عن الكافر في قدر المعاناة مع الدخان، يتقوى هذا الحديث ويترجح على حديث ابن مسعود.
وعن ابن كثير في تفسيره (بعد ذكر أحاديث أخرى) نجده ينتقد رواية ابن مسعود: (ويقول أن في تلك الأحاديث) دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن (يقصد أن ظاهر القرآن كافي بنفسه في ذلك). قال الله تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ" أي: بيِّن واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر به ابن مسعود، رضي الله عنه: إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد. وهكذا قوله: "يَغْشَى النَّاسَ" أي: يتغشاهم ويَعُمذُهم ، ولو كان أمرا خياليًّا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: "يَغْشَى النَّاسَ".
وخلاصة القول في ذلك أن الراجح في مسألة الدخان أن رواية الرجل التي فيها (كهيئة الزكام) أرجح من رواية ابن مسعود، وأن اتساع معرفتنا بأن هناك من الغازات ما هو سام، يوسع دلالة الدخان، وأنه يمكن الجمع بين هذه الرواية الراجحة، وأن الدخان من الغازات السامة، وربما أن المؤمن يكتسب مناعةٍ ما، لسبب لا يعلمه إلا الله تعالى ،فيخف عنه عذاب ذلك الدخان حتى يكون كهيئة الزكام.
ومعنى ذلك أن ميزان التفسير ينقلب لما ليس في صالح رأي الشيخ شلتوت يرحمه الله تعالى.
يقول الشيخ شلتوت: "وأغرب من هذا وأعجب أن يفسر بعض هؤلاء المفسرين الحديثين شأناً غيبياً من شئون الله الخالصة، لم ينزل بتفصيله وحي، ولم يُطلع الله على حقيقته أحداً من خلقه، ببعض الظواهر الحاضرة التي اكتشفها العلم واهتدى إليها بنو الإنسان، يفسر "الكتاب المبين" و "الإمام المبين" الذي تُحصى فيه الحسنات والسيئات ويعرض على أصحابها يوم القيامة، بالتسجيل الهوائي للأصوات، ويقول: أظهر العلم ذلك بالمخترعات البشرية، واستخدمه الإنسان فيما يختص بالأصوات. ولا يبعد أن يستخدمه فيما يختص بحفظ الحركات والسكنات والخواطر النفسية، والله القادر خلق الكون على هذه السنن لغاية أسمى من ذلك، هي محاسبة الناس يوم القيامة، وعرض أعمالهم عليهم، كشريط مسجل يضم جميع حركات الناس وسكناتهم وخواطرهم وأقوالهم، وما قدموا من عمل. يقولون هذا ويفسرون به قوله تعالى: "عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى"(طه: 52)، وقوله تعالى: "وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا"(الإسراء: 13)، ويهجمون على الغيب بما لم يأذن به الله، ويجدون من العلماء من يؤيدهم ويشجعهم ويزكيهم ويتمنى أن يُكثر الله من أمثالهم!"
نُخلِّص أولاً هذه العبارة بفحواها العلمي. وذلك أن هناك من المفسرين العلميين الجدد من قارنوا بين سجلات الناس الجديدة، أي وسائل حفظ البيانات، وسجلاتهم القديمة أي الرقوم والكتب. ورأوا أن الجديد في ذلك أوعى وأحفظ لتعدد وسائطه من كلام وأصوات. ثم بعد ذلك صور ساكنة، وصور حية. ولما كان سجل حفظ أعمال الإنسان لم يكن يُفهم في الماضي إلا في ضوء ثقافة الماضي من كلام مكتوب، كان التصور القديم لا يتعدى ذلك. ولكن الترقي في الوسائط فتح الباب لتصور سجلات مكتوبة وفوق المكتوبة. وأن "قياس الأَوْلَى" يجعل من المستساغ جداً أن تكون سجلات أعمال الإنسان عند الله تعالى أَوْلى مما وصل إليه الإنسان، مع ضحالة علم الإنسان البالغة بجانب علم الله. فما العيب في ذلك، ولمَ التعجب والقياس قياس فقهي. وقد مثَّل الفقهاء تمثيلات عديدة من مثل ذلك، فقال ابن تيمية يرحمه الله[5]: "كانت طريقة الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه الاستدلال على الرب تعالى بذكر آياته. وإن استعملوا في ذلك "القياس" استعملوا "قياس الأَوْلَى"؛ لم يستعملوا "قياس شمول" تستوي أفراده ولا "قياس تمثيل" محض. فإن الرب تعالى لا مثيل له ولا يجتمع هو وغيره تحت كلي تستوي أفراده؛ بل ما ثبت لغيره من كمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الأولى، وما تنزه غيره عنه من النقائص فتنزهه عنه بطريق الأَوْلَى".
ولا يمتنع أن يكون قول الله تعالى "هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"(الجاثية: 29) يجيء على الحقيقة في نطق الكتاب، وليس على المجاز، وأن يكون الاستنساخ ليس فقط لحروف كتابة وإنما لكامل معلومات الأحداث المستنسخة. كما أنه لا يمتنع أن يكون الاطلاع في قول الله تعالى "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ، قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ، فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ"(الصافات:50-55)، لا يبعد أن يكون إطلاع عن بُعد يشبه – بل يرقى عن – ما صنع الإنسان من رؤية البعيد وسماعه. ولا يمنع العقل ذلك، ولا يقفل النقل باب هذا الفهم. فدلالة الآيات تتسع وتتعمق بمثل هذه الأمثلة الجديدة، والله تعالى أقدر وأجل فيما خلق، ولا يعوزه شيء، وكل شيء إليه في عِوَز.
يقول الشيخ شلتوت: "إن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سالفين فكروا مثل هذا التفكير ولكن على حسب ما كانت توحي به إليهم أحوال زمانهم، فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية أو سياسية."
هنا يتهم الشيخ – غفر الله له – الناس والمفسرين الجدد، الناظرين في كتاب الله تعالى بما أوتوا من معارف جديدة، يتهمهم بما اتُّهم به قوم سالفين. وأحسبه والله أعلم يقصد المتفلسفة، وقد كفرهم الغزالي وابن تيمية في مسائل ابتدروها وزلوا فيها. وهذا ظلم للمحدثين، وإن أخطأوا في بعض ما قالوا، فإما لأنهم وجدوا ثغور المسلمين العلمية منكشفة، ولم يقدروا على سدها إلا بما علموا، ولا يمتنع أن يستدرك عليهم من بعدهم آخرون، يحُجُّون عن الحق حق محاجته. والله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ويتابع الشيخ شلتوت ويقول: "ولسنا نستبعد – إذا راجت عند الناس في يوم ما نظرية دارون مثلاً – أن يأتي إلينا مفسر من هؤلاء المفسرين الحديثين فيقول: إن نظرية دارون قد قال بها القرآن منذ مئات السنين!"
نقول للشيخ: قد صدق حدسُك، وإن لم يطابق شكَّك! فهذا بشير التركي، في كتابه "ادم عليه الصلاة و السلام"[6]، ومن بعده عبد الصبور شاهين في كتابه "أبي آدم"[7]، وثالث من بعدهما جاء بعنوان "آذان الآنعام – دراسة قرآنية علمية لنظرية دارون في الخلق والتطور"[8]، بل إن تأييد فكرة التطور على الإنسان قد أيدها محمد إقبال في ثلاثينيات القرن العشرين في كتابه "تجديد الفكر الديني في الإسلام"، وإن كان ذلك في سياق كلامه عن خلود الإنسان، وبعيداً عن فكرة التفسير العلمي الذي نحن بصدده. فنجد محمد إقبال يتكلم عن الإنسان ويقول[9]: "إن كائناً اقتضى تطورة ملايين السنين، ليس من المحتمل إطلاقاً أن يُلقى به كما لو كان من سقط المتاع. وليس إلا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار، إذ يمكن أن ينتسب إلى معنى الكون"، ثم أتى بقول الله تعالى "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"(الشمس:7-10)
ولا ندعي أن هؤلاء قد أيدوا نظرية داروين تأييداً مطلقاً وأخضعوا لها القرآن الكريم، حسب ما ظن وصرح به الشيخ شلتوت، ولكنهم أفسحوا في آفاق المعاني القرآنية وراء ما جاءت به التفاسير المأثورة. وقد يُقبل من كلامهم أقوال وتُرد أقوال، لأن العبرة ليست بقبول أو رفض جملة مزاعم النظرية، ولا جملة أطروحات هؤلاء المفكرين، بل إن المسائل التي تناولوها عديدة، ومنها ما لا حرج فيه، ومنها ما فيه كل الحرج. وهذا التحليل لا ينطبق فقط على نظرية دارون، بل على كل نظرية علمية واجه بينها وبين القرآن أقوامٌ مؤمنون بالحق أو ما عقلوه منه، ويسعون لرسم صورة مؤتلفة له.
لذلك كان رفض مواجهة القرآن مع أي نظرية علمية يستحدثها الناس فيه مؤاخذة كبيرة. إذ أن الله تعالى قال في محكم آياته "مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"(الأحزاب:4)، والمفكرون المحدثون يدرسون هذه النظريات ويتشربون معانيها وأدلتها، ويقبلون ويرفضون منها بحسب قوة الأدلة أو ضعفها أو تخاذلها. وهم أيضاً يقرؤون القرآن ويتمثلون معانيه ومشهور تفاسيره، فتختلج معانيه بقلوبهم وأفهامهم. ولا يستطيع المرء منهم، كما تقول الآية، أن يجمع بين معنيين؛ من القرآن، ومن النظرية العلمية في مسألة بعينها، وقد تضادا وتنافرا، وإلا كان ذو قلبين، وهو الأمر الذي تنفيه الآية، ... فتكون النتيجة أن تدفعه الضرورة العقلية إلى حل الإشكال بالتوفيق بين ما صدّقه العقل من كلا الطرفين. أما غير هؤلاء المفكرين، ممن لا يتشربون معاني هذه المسائل العلمية الجديدة، ولا يقفون على أدلتها، ومن كان التراث الإسلامي مصدر معارفهم الوحيد أو الرئيسي، فلا يعانون من هذا الحرج المفاهيمي، ولا تستنهضهم الحاجة لدرء تعارض حقيقي، أو وهمي بين تفسيرات وتأويلات قرآنية موروثة، وبين مزاعم النظريات المستحدثة.
كما وأن حجة الله تعالى بالغة، والقرآن هو حجة الله في أرضه إلى يوم الدين، ومن تحرَّج في مواجهته مع أي زعم من مزاعم النظريات العلمية المستحدثة فهو إما غير عالم بحجة الله تعالى على هذه النظرية أو مسائلها، ومن ثم يؤثر السلامة، ويتجنب الانكشاف، أو أنه ينفي عن القرآن حجته، فيبادر باستنكار المواجهة درءاً للأخطار، وهو بذلك ينكرها في وقت يدعي الإيمان بها ضمناً. فإن كان من النوع الأول؛ فأمره لا شك منكشف مع تتابع الأيام، لأن الحق لا محالة ظاهرٌ، وإن كان من النوع الثاني؛ فليراجع نفسه، وليحاسبها، فقد تكون على خطر عظيم. فإن قطع مع ذلك بأن القرآن لا علاقة له بما لم يحصِّل منه حظاً من العلم وافرا، فقد أنكر بما لم يحط به علما، وكفى به رأياً خاطئا.
وإذا افترضنا سوء نية وحجة هؤلاء الذين يواجهون بين القرآن ومقولات العلوم الحديثة كنظرية التطور، وتركنا جميعاً – تراثيين وحداثيين ممن يؤثرون السلامة- الرد على هؤلاء المرجفين في القرآن! فمن يدافع عن دين الله تعالى ويدرأ عنه افتراء المفترين، وزيغ الزائغين، وعبث العابثين، وجهل الجاهلين؟!
إن النكوص عن تبيين الحق، وتعرية الباطل في تأويل معاني كلام الله تعالى خذلان مبين، وفرار أثيم أمام الزحف الفكري المتبختر، الذي يدس السموم في أفهام الناس فيصدهم عن مراد كلام الله تعالى الحق المبين، فيفتتن بها ضعاف الإيمان، ويتحصن بها المنكرون له، ويفرح لها الذين أبغضهم الله. وفي هذا المعنى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"[10].
فإذا راجعنا كلام هؤلاء الذين أشرنا إليهم وكتبهم أعلى[11]، فنجد موجز القول في كتاب "أبي آدم"[12] – وكما جاء في تقرير مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المرفق بالكتاب – أن المؤلف قد انتهي في موضوع بحثه إلى:
1- أن الإنسان (في صورة آدم، قد جاء) امتداداً لمخلوق واحد هو البشر، ولكنه ليس كما تقول نظرية النشوء والارتقاء (لدارون) حلقة في سلسلة تطور كانت القردة فيها حلقة سابقة، ثم تطورت إلى الإنسان الذي نعرفه.
2- أن الله تعالى خلق البشر من طين، ولكن ليس في كتاب الله تعالى – كما يرى مؤلف الكتاب- ما يقطع بأن آدم عليه السلام قد خُلق مباشرة من ذلك الطين .. وأن الاستعمال القرآني لكلمة "بشر" يدل على كائن سابق - في الزمان وفي الكيف - على الإنسان.
3- أن الله تعالى قد تناول البشر المخلوق من طين فسواه وصوره، وأن هذه التسوية لا يلزم أن تكون قد تمَّت على الفور في أعقاب الخلق، بل إن الخلق والتصوير مرحلتان في عمر البشرية .. لعلهما استغرقتا بضعة ملايين من السنين.
ويوجز المؤلف رأيه في قصة الخلق كلها بقوله: أن الإنسان خرج من البشر، وأن هذا المخلوق البشري لم يكن – قبل التسوية –إنساناً، بل كان مشروعَ إنسان في حيز القوة قبل أن يكون إنساناً في حيز الفعل. .. ويجمع المؤلف رأيه كله بقوله: "فخلق الإنسان بدأ من طين، أي في شكل مشروع بشري، ثم استخرج الله منه نسلاً (من سلالة من ماء مهين)، ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان الإنسان هو الثمرة في نهاية المطاف ... عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة العتيقة" ..
وبناءاً عليه يجيء رأي اللجنة العلمية التابعة لمجمع البحوث على النحو التالي:
- لم يقع المؤلف في تجاوز الحد في تأويلات النصوص القرآنية تجاوزاً يخالف به ثوابت العقيدة، أو يتناقض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
- لا ترى اللجنة فيما كتبه المؤلف محاولة للتوفيق بين العلم والدين، بقدر ما ترى فيه اجتهاداً منه في فهم النص القرآني، وهو اجتهاد لا توافق اللجنة المؤلف على بعض أجزائه، حيث لا يكفي ما ساقه في هذا التدليل ليقرر التائج التي انتهى إليها.
- أهم ما لا تقره اللجنة من تأويلات المؤلف لبعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما أشار إليه من أن آدم عليه السلام – يمكن أن يكون قد خلق من أبوين، وما انتهى إليه في شأن العلاقة بين البشر والإنسان، كما أنها لا تقره على بعض التعبيرات التي استخدمها، والتي ترى اللجنة أنها غير لائقة في وصف المشيئة الإلهية في أمر الخلق.
- وفي هذا الشأن يوصي المجمع الباحثين بأن يتجنبوا - ما وسعهم - شغل عامة الناس بقضايا قد تكون لها - على أهميتها القليلة – آثارٌ جانبية غير نافعة تشغل الناس عما ينبغي أن يتوجهوا إليه، أو تُوقعهم في حيرة وسوء فهم وجدال طويل فيما لا ينفعهم.
أما عن الكتاب الثالث[13]، فنجد فيه أقوالاً شنعاء، وتأويلات حولاء:
فنجد أن مؤلفه يميز إسم (آدم) إلى آدم الإنسان، وأنه غير آدم النبي المصطفى، فعن المعنى الأول يقول[14]: "آدم هو إسم أو صفة لمجموعة من البشر، خلقها الله، ثم صورها، ثم قال للملائكة اسجدوا لهم، أي أن لفظ "آدم" هنا يقوم مقام جنس البشر، أو جنس الإنسان، وليس شخص نبي الله الأول آدم عليه السلام."
ويزعم المؤلف أن جنس آدم هذا قد أنشأه الله تعالى من ذرية قوم آخرين، وأن ذلك كما فهمه هو من القرآن، فيقول[15]: "القرآن وصف وجود الإنسان الجسدي من ذرية قوم آخرين، إذ أن الآية وصفت: "كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ"(الأنعام:133)، والإنشاء هنا يعني الاستقامة والاعتدال في المشي، بعد أن كان أسلاف البشر يمشون منحنيين على أربع كالقردة، لكن مفهوم الخلافة يرتبط بالعقل موطن التكليف، وهذا حدث فقط بعد أن نفخ الله في البشر، ونقلهم إلى إنسان عاقل. إذاً فالخلق قد تطور من ذرية قوم آخرين، لكن الخلافة لله ابتدأت بعد العقل، الذي أعطاه الله لجنس آدم، فقط بتدخل مباشر منه، وليس لكل البشر."
ويتكلم عن الملائكة التي أمرها الله تعالى بالسجود لآدم كلاماً عجيباً، يقول[16]: "كان الخالق قد خاطب كل الكون قبل أن يخضعه له (أي لآدم)، (وكان قد أشار قبلها إلى قول الله تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"(فصلت:11)، ويكمل فيقول:)، فإننا يمكن أن نقيس على ذلك أنه تعالى قد أمر جزءاً من قوانين الكون أن تخضع لخليفته، ومن هنا نفترض أن أمر الخضوع لآدم كان موجهاً للقوانين النوعية التي تحكم حركة الكون لتدخل في إطار معرفة الإنسان، وقدرته على دراستها وفهمها وتطويعها لمصلحته. هذه القوانين أشير إليها بلفظ ملائكة، لأنه في علم الله فإن كل الكون بجماداته وأحيائه تتحكم فيه "رسل كيميائية وفيزيائية" هي التي تحدد خواص وقدرات كل موجود وتتحكم فيه، وهذه هي التي أُمرت بالخضوع لآدم، وليس ملائكة السماء العالية! .... تلك القوانين التي تحكم حركة الوجود.. سماها "ملائكة" أو "رسلاً" بناءاً على واقعها ووظيفتها"، "فالسجود هنا ليس السجود المجسد وإنما الخضوع والتسخير لقدرات .. الإنسان"[17]. أي أن هذا المؤلف يميز بين ملائكة حقيقية (ملائكة الرحمن)، وهذه عالية في السماء، وهي التي اختصمت في شأن آدم، تأويلاً[18] لقول الله تعالى "مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ"(ص:69)، وملائكة مجازية، هي التي أمرت بالخضوع (السجود) لآدم، وهذه هي قوانين الكون أو بعضها!
ويقول في تفسير قول الله تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ"، يقول المؤلف[19]: "أي أن كل المخلوقات انصاعت لأمر ربها، وأخضعت قوانينها النوعية "ملائكتها" لتصرف الإنسان وقدرته على التحكم فيها، وهذا يشمل الدواب والنبات والطبيعة، وكل ما يمكن للإنسان أن يكتشفه ويتحكم فيه، إلا إبليس – كان من الجن ففسق عن أر ربه- أي رفض أن يكشف، وبالتالي يخضع قوانينه النوعية "ملائكته" لمعرفة وتحكم الإنسان .... لذلك ذكرنا الله ... أنه (أي إبليس) يرانا ولا نراه، ويمكنه أن يضلنا من غير أن نشعر".
فإذا ذهب – صاحب هذا الكتاب- يتكلم عن العلم الطبيعي، نجد منه العجائب، يتكلم في قول الله تعالى "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"(هود:7)، ويقول[20]: "بناءاً على فهمنا العلمي؛ (فـ) لأن الماء هو أصل الكون، فمعنى هذه الآية يكون حرفياً وليس مجازياً، أي أن الشمس والقمر، وما ينتج من نور الشمس، من نور النهار وظلام الليل، كلهم يسبحون في ماء الكون. نحن الآن نعلم أن الماء له ثلاثة أشكال فيزيائية هي السائل والغاز والثلج، ولكن لما كان عرشه على الماء تعني أن الماء له الحظ الأعلى من تداخل قدرات الله، فإن أشكال وجود الماء لهي أكبر من الغاز والثلج، إذ أن كل الطاقات الكهرومغناطيسية التي تتحكم في حركة الكون ليست إلا من نواتج الماء، وما يتحرك بها وبينها فهو بلا شك يسبح في ماء الكون بشكل أو بآخر، من أشكاله التي لا يعلمها إلا الذي كان عرشه عليه!".
وهذا الكلام عن الماء وعلاقته بالطاقات الكهرومغناطيسية و ... تبعث على الدهشة، والرثاء[21].
وعن قول الله تعالى "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ"(البقرة:255)، يقول[22]: "ولعل آية الكرسي تفسر بكل بساطة ظاهرة المد والجذر التي تتعرض لها المسطحات المائية، بل وحتى تركيز الماء في خلايا جسم الإنسان، بحركة القمر وبقية الكواكب في الفضاء." – والسبب أن يعود بكلمة الكرسي إلى (الكرس)، ويقول[23]: "أن كل الموجودات على الأرض موجودة في وسط مكرس، .. والكون مكرس ومتصل بعضه ببعض ومتصل ببعضه اتصالاً مباشراً من أدنى ذرة في أي مكان على الأرض إلى أعلى مكان في السموات العلا! (وعلى ذلك يكون) استعمال لفظ "الكرسي" - والذي يعني نظام التلبد والاتصال من غير فراغات – والذي صممه الله، توحي بأن الله خلق هذا الوجود متداخلاً ومتصلاً بعضه بعضا. وإن كنا لا نرى القوى الكهرومغناطيسية التي تحافظ على الكواكب والنجوم في مداراتها."
وهكذا نقرأ من المؤلف العجائب، ولو ذهبنا نستقصى عن هذه الشناعات في التفسير، الذي يتبرأ منه العلم الطبيعي ذاته، لاقتضى الأمر مئات الصفحات بقدر ما كتبها صاحبها، غير أن البعض يغني عن الكل.
وخلاصة أمر مسألة التطور الأحيائي، أن المواجهة بين النصوص القرآنية والنظريات العلمية تفرض نفسها على عقول الدارسين، سواء صمتوا أو نطقوا - كهؤلاء الذين قرأنا لهم أعلى، وسواء تجرءوا أو استحُوا، تقدموا أو تأخروا، عارضوا الإعجاز العلمي أو أيدوه! ... وإن لم تُحسم المسألة على نحو علمي إسلامي رصين، لخرج علينا من مثل ما اطلعنا ما يشرد هنا أو ينحرف هناك، أو ينزلق هنا وينجرف هناك. وحتى لو لم يجاهر أصحاب الفكر، فالمعاني لا بد وأن تتردد في نفوسهم، وليس ببعيد أن تُلبس عليهم دينهم، فينقلبوا ملحدين كالذين نراهم على صفحات المنتديات الآن، أو تشككهم في مصداقية العلوم وعدم فائدة الانخراط في تيارها المشكك في قدسية الموروث بجملته، كمثل الذين شككوا في علوم الفلك بإسم الدين، وتنتشر أقوالهم على الإنترنت، ويصدون الناس بغير علم، وكلا الأمرين كارثي وعاقبته وخيمة، فإما أن يؤدِّي إلى تكذيب الدين وتعطيله، أو مجافاة العلم الحديث وهجرانه، وقد أصبح قوام الحياة! وفي النهاية، فوضى ثقافية، لا هي دينية ولا هي علمية. مثلها مثل المرض العضال، يفتك بجسد صاحبه الغافل عنه، وهو له متجاهل منكر، لا يقبل فيه نصيحة، ولا يعترف به وجودا ، فضلاً عن أن يعالجه أو يتقيه.
ونعود إلى الشيخ شلتوت فنقرأ له يقول تحت عنوان "جوانب الخطأ في هذا الاتجاه"[24]: "هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون وأنواع المعارف. وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز ولا يسيغه الذوق السليم. وهي خاطئة، لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار الأخير. فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غداً من الخرافات. فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة لعرَّضناه للتقلب معها وتحمُّل تبعات الخطأ فيها، وأوقفنا القرآن وأنفسنا مواقف الحرج. فلندع للقرآن عظمته وجلاله، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر، ليزداد الناس إيماناً مع إيمانهم. وحسبنا أن القرآن لم يُصادم – ولن يُصادم – حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول."
نقول: إن نفي حديث القرآن عن موضوع ما، يستلزم من النافي إحاطة بما ثبت للقرآن من موضوعات، وأن ما سواها غير مشتمل فيها. وهذا لا يمكن التسليم به لأحد من العلماء، مهما بلغ الأوجُ في الإحاطة بموضوعات القرآن في زمن من الأزمان. وما من موضوع يطرأ على فكر إنساني، إلا ويمر عبر أطوار من التنظير المتصاعد، فإما إلى التباس أو إلى انكشاف. فإذا أضيف جديد من المعلومات أعيد في الموضوع النظر، فيقل الالتباس ويزداد الانكشاف، وهكذا في دورة متصاعدة من النظر وإعادة النظر، ومن تداخل الموضوعات وانبثاق أخرى جديدة. وهذه الدورة لا ترتبط بموضوع دون غيره، ولا فن أو حرفة أو صنعة دون سواها. وموضوعات الفكر لا تتعلق فقط بواجبات ومحظورات الإنسان المكلَّف، على ما سجله الفقهاء والأصوليون، بل يتعلق بكل ما يطرأ على مخيلة الإنسان من تصور للوجود، ورسالته المكلف بها في إطار متآلف مع سيرورة الوجود ذاته. بمعنى أن جل موضوعات القرآن – فيما وراء الطقوس التعبدية- بمنظورها الفكري هي موضوعات نظرية. ووسمها بالتنظير، يعني بوجوب الفكر والتدبر فيها، حيث وردت كلمة "يَتَفَكَّرُونَ"، وكلمة "يَتَدَبَّرُونَ" ومرادفاتهما ومشتقاتهما في كلام الله تعالى عشرات المرات. فإذا قيل أن القوالب التنظيرية في موضوعات القرآن المأثورة في التفاسير القديمة رتيبة ولا سبيل إلى تبدلها، قلنا إن هذا يجافي الحقيقة، ولا نقول أنها تتبدل بالزمن، ولكن نقول أنها يعاد صياغتها مع منظورات الموجودات المتجددة والمتدعمة بجديد المعلومات وانكشاف أسرار الخلق وحكمة الإبداع فيه. كما وأن الزعم بانغلاق المدونة الفكرية في القرآن على ما سطره الأولون في الإسلام اتهام سلبي من طالب علم أمام كتاب العلم الذي سيظل يتلقى المؤمن منه الفهم ما بقى حياً، فأي دافع يحمله على مثل هذا الزعم، وأي سكون يسقطه على العلم المنزل لنا من الله تعالى وما فيه من حياة متجددة، يميتها هو، ويحنطها ويطلب منا أن لا نتعبَّد إلا بهذا الأحنوط الذي تصوره الأولون دون ما يتجدد منه.
ورغم أننا نؤمن جميعاً بانغلاق المنظومة اللفظية والحرفية للعلم المنزل بوحي الله تعالى، ونعني به الآيات المتلوة في القرآن الكريم، إلا أنه لا ينبغي لغافل أن يتوهم بسببه أنه دليل على ثبات الفهم وجموده. ولو صح هذا الفهم لصح أن يستوي ثبات الفهم في الكون لثبات بنيته من أنواع الذرات والمجالات التي تنتظم فيها علاقاتها. ومثلما أن هذا الأخير لا ينحصر فهم الإنسان فيه بتجدد العصور، فكذلك القرآن، لا تنغلق معانيه، أللهم إلا على من حكم بذلك من عند نفسه! والقرآن من حكمه براء.
ثم يتمثل الشيخ شلتوت بشواهد يرى أنها تثبت صحة دعواه، فيقول: "قيل: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حالة واحدة؟ فنزل قوله تعالى: "يسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة: 189)
وإنك لتجد هذا في سؤالهم عن الروح حيث يقول الله عز وجل: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"(الإسراء:85) أليس في هذا دلال واضحة على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع؟"
وفي هذين المثالين اللذين يستشهد بهما الشيخ: عن الهلال والروح، يريد الشيخ أن يثبت أن السؤال عنهما كان في غير محله، وأن القرآن قد نزل يجيب صراحة عن مثل هذه الأسئلة بما يغلقها، بل وربما يفهم منه نهياً عن الوقوع في مثل ذلك لاحقاً.
فإذا دققنا النظر في مسألة الهلال، من سؤال السائلين، حول هيئة الهلال الدورية على مدار الشهر، لوجدنا أن الإجابة قد جاءت بالفائدة العملية للإنسان من هذه الظاهرة الكونية، وأنها مواقيت، وجاءت أيضاً الإجابة بوجوب ترتيب أولويات الأسئلة وما وراءها من فهم يبتغيه السائل، بتقديم الأنفع والأجدى. فكم من الباحثين الذين يسعون إلى إجابات عن أسئلة لا تنفع معرفتها مع العناء في سبيلها، ولا تضر مع الغفلة عنها. ولهذا وجب أن يتقدم عليها ما ينفع السائل والناس، مثلما أنه أجدى للعاقل أن يأتي البيوت من أبوابها لا من ظهورها. ولكن، قد تأتي المواقف التي تتطلب أن يأتي الإنسان البيت (دخولاً أو خروجاً) من ظهره وليس من بابه، وذلك مثلما حدث يوم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما انطلق عليه الصلاة والسلام وصاحبه من [خَوخةٌ لأبي بكر في ظهر بيته][25]. فكانت الحكمة في هذا الموقف أن هذا الفعل هو الأنفع، فوجب تقديمه.
ثم أن الأنفع للإمام الخطيب في وعظه للناس من آيات القرآن، غير الأنفع للمفتي في آيات المواريث، والزكاة من حساب ونصاب وأيضاً من آيات القرآن، غير الأنفع لمؤقتي الصلوات ومستطلعي الأهلة من علم بالسماء وأجرامها والهلال وأحواله، والفلك وأغواره. وما ينفع هؤلاء جميعاً غير الأنفع فيما يستجد للناس من أحوال، لله تعالى فيها هدى في كتابه إلى يوم الدين. فكيف يغلق أي من الناس فائدة كتاب الله على ما يلزمه هو خصيصاً، دون غيره من الناس وما يعرض لهم من أحوال؟!
وهب أن إجابة سؤال الهلال قد جاءت بما نعلمه اليوم من دوران القمر حول الأرض، وعلاقة القمر في كل ليلة بوضع الشمس بالنسبة للأرض، أكانت هذه الإجابة ذات فائدة للسائلين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم؟! ربما أن بعض السائلين لو كانوا سمعوها لكانوا قد التبست عليهم الأمور، أو كانت فتنة لهم تسؤهم! ومثال ذلك ما قاله الله تعالى لهم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ "(المائدة:101). وإذا سأل اليوم سائل عن الهلال، لوجب إجابته بما نعلمه اليوم، ولا نكتفي بالقول أن الأهلة مواقيت، ولا يمكن إصدار التقاويم وتنظيم الأحداث المستقبلة من تنظيم مدني وملاحي ومناخي إلا بالعلم بأوضاع الأهلة والشمس على نحو تفصيلي. بمعنى أن إجابة الأمس كانت للأمس، ولم تعد تكفي لليوم. فإن قيل إن هذا الأمر بجملته ليس من الدين! وإنه من العلم (الحديث) وأنه كان فقط من الدين في إطار ما جاء في النص القرآني، قلنا: حسبنا الله ونعم الوكيل وسامح الله من فرق بين الدين والعلم، والذي لا نخاله إلا كمن فرق بين الروح والجسد.
فإذا انتقلنا إلى السؤال عن الروح، فنجد صراحة أن الله سبحانه لم يُقدِّر للإنسان أن يعلم شيئاً عن الروح أكثر مما جاءت به نصوص الوحي- سواء كان المعنى المقصود منه روح الإنسان، أو جبريل عليه السلام. وهذا السؤال خاص بالروح، ولا ينبغي أن يُتَّخذ قاعدة للحكم بالنهي عن طلب علم حقائق الكون، كما قال الشيخ: "أليس في هذا دلال واضحة على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع؟" ونتساءل: هل الهداية لا تعم طلاب العلم في طلبهم لهذه الحقائق، وضبطهم إياها؟! وهل العلم لا إصلاح فيه؟! وهل السنن الكونية شيء غير شرع شرعه الله تعالى عليها، وسخَّرها بها، فوجب علينا معرفة ما ينفعنا منها، ومعرفة ما يتفق وكلام الله تعالى عنها، وما خبأته الآيات لنا في فهمها بتدبرها، وفهم الآيات بمعرفتها؟! – ولا نقول أن هذا يتم بمعزل عن اختبار السنن ذاتها، والوقوف على الظواهر عينها، بل نقول أن الاستعانة بما قاله الله تعالى عنها، مع معاينتها، أقدر على فهم أسرارها، وأطوع لله تعالى بالنظر في آياته وتدبُّر كلماته.
المؤلف
[1] الشيخ محمود شلتوت (1893-1963)، حصل على شهادة الأزهر العالمية سنة 1918. عمل مدرساً بالأزهر، ثم وكيلاً لكلية الشريعة، ثم عضواً في هيئة كبار العلماء، ثم شيخاً للأزهر سنة 1958، وكان أول من حمل في ذلك لقب الإمام الأكبر.
[2] تفسير القرآن الكريم، الأجزاء العشرة الأولى، الشيخ محمد شلتوت، الطبعة الثانية عشرة، 2004، دار الشروق ، ص 11-13.
[3] الرواية في صحيح مسلم، وله رواية مجردة لقول عبدالله (ابن مسعود) فقط في البخاري.
[4] " مشكل الآثار للطحاوي "، نسخة إلكترونية، (2/451)
[5] مجموع الفتاوى، 9/141 .
[6] دار البعث للطباعة و النشر ـ قسنطينة ـ الجزائر 1985، لم يقع الكتاب تحت أيدينا.
[7] دار أخبار اليوم، قطاع الثقافة، القاهرة، 1999.
[8] لصاحبها: عماد محمد با بكر حسن، دار عزة، الخرطوم، 2007 ،نسخة إلكترونية
http://www.attaweel.com/vb/index.php
[9] محمد إقبال، تجديد الفكر الديني في الإسلام، ص 141.
M. Iqbal, The Reconstruction of Religious thought in Islam, Oxford U. Press, 1934, p.112.
[10] رواه البيهقي، (صحيح)، كما جاء في "مشكاة المصابيح" لـ " محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي "، تحقيق الألباني، طبعة ثالثة، 1405، 1/53.
[11] لم نقرأ لكتاب بشير التركي إلا مراجعات آخرين عليه، لذلك لم نرى مصداقية للتعليق على مراجعات دون الوقوف على نصوص الكتاب الأصلي.
[12] لعبدالصبور شاهين، سابق، ص 198-202 بتصرف.
[13] "آذان الأنعام"، عدنان حسن.
[14] السابق، ص 75، ومثلها ص 78.
[15] السابق، ص86.
[16] السابق، ص81. وأيضاً ص284.
[17] السابق، ص82.
[18] السابق، ص83.
[19] السابق، ص83.
[20] السابق، ص281.
[21] وضعت تفسيراً مقترحا في مقالة صغيرة بعنون "حول معنى"الماء" في قوله تعالى "وكان عرشه على الماء"، لا يخدش المعنى اللغوي، ولا السياق القرآني ، ولا المعلومات الطبيعية الراجحة، يجده القارئ هنا:
[22] السابق، ص 284.
[23] السابق: 282-283.
[24] تفسير القرآن الكريم، الشيخ شلتوت، ص 13-14.
[25] تهذيب سيرة ابن هشام، حديث الهجرة إلى المدينة، 1/144، برنامج الشاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق